خنق أصوات الرافضين.. ذرائع ساقتها ألمانيا لمنع الأجانب من التعاطف مع فلسطين

"سيكون من صلاحية السلطات سحب الإقامة من أي نشاط داعم لفلسطين"
في وقت يتزايد فيه التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني جراء الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، تستعد ألمانيا لخنق "حرية التعبير" لأصوات الرافضين لهذه الإبادة.
ففي خطوة من شأنها تشديد القواعد الخاصة بترحيل الأجانب، تبنت الحكومة الألمانية، في 26 يونيو 2024 مشروع قانون يسهل طرد الأجانب "ممن يمجدون الإرهاب"، بما يشمل شبكات التواصل الاجتماعي.
طرد الداعمين
ويستهدف المشروع المنتقدين لإسرائيل والممارسين لحرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي من الأجانب الرافضين لإبادة أهالي غزة.
واستشهد أكثر من 37 ألف فلسطيني في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وشرد الجيش الإسرائيلي نحو مليون ونصف المليون من سكان القطاع، كما دمرت آلته العسكرية أكثر من 61 بالمئة من منازل هناك.
وينص المشروع الألماني الذي يشكل تعديلا لقانون الحق في الإقامة، على أن الموافقة على فعل إرهابي واحد أو الترويج له، سيكون كافيا لتنطبق شروط الطرد على هذه الحالة، في حين أن القانون الحالي يشير إلى الإدلاء بتصريحات داعمة تتناول وقائع عدة.
وقالت وزارة الداخلية إن "تعليقا واحدا يمجد جريمة إرهابية أو يؤيدها عبر الشبكات الاجتماعية، يمكن أن يشكل دافعا خطيرا لتنفيذ عملية الطرد".
بدورها، قالت وزيرة الداخلية نانسي فيزر خلال مؤتمر صحافي، "لا نتحدث هنا عن نقرة صغيرة أو ضغط زر إعجاب بسيط، بل عن تمجيد ونشر محتوى إرهابي بغيض".
وأضافت فيرز عبر صحف مجموعة "فونكي" الإعلامية بأن "المحرضين الإسلاميين الذين لا يزالون يعيشون ذهنيا في العصر الحجري لا مكان لهم في بلادنا".
وراحت تقول: "يجب طرد وترحيل أي شخص لا يحمل جواز سفر ألمانيا ويمجد الأعمال الإرهابية هنا، حيثما أمكن ذلك".

وعلق نائب المستشار روبرت هابيك في بيان بقوله إن هذا القانون يشكل "مكسبا كبيرا وقوة لبلادنا ليتمكن الأفراد المضطهدون من إيجاد حماية في ألمانيا. لكن من ينتهكون النظام الليبرالي الأساسي عبر الاشادة بالإرهاب والاحتفال بالجرائم الفظيعة يخسرون حقهم في البقاء".
ورأت الحكومة في مشروعها الذي لا يزال يتطلب موافقة النواب أن هذا "التمجيد عبر الإنترنت يغذي مناخا من العنف من شأنه تحريض المتطرفين أو أشخاص يمكن أن يتصفوا بالخطر على ارتكاب أفعال إرهابية".
وبحسب وزارة الداخلية فإن قانون الإقامة سيتغير بحيث يصبح الموافقة على "جريمة إرهابية واحدة" أو الترويج لها سببا "لمصلحة خطيرة بشكل خاص في الطرد"، وهذا يعني أنه في المستقبل قد يشكل تعليقٌ واحدٌ "يمجد ويؤيد جريمة إرهابية على وسائل التواصل الاجتماعي" سببا للطرد.
كما يمكن طرد أي شخص يوافق علنا على ارتكاب جريمة "بطريقة مناسبة للتسبب في اضطراب السلم العام"، ولن تكون هناك حاجة للإدانة.
بينما قالت وزيرة الداخلية نانسي فايزر إن الإعجاب بمنشور على وسائل التواصل الاجتماعي لن يكون سببا كافيا للترحيل.
وبموجب التشريع المقترح، فإن الموافقة على عمل إرهابي واحد أو تمجيده على وسائل التواصل الاجتماعي سيكون أساسا كافيا لإلغاء تصريح إقامة الشخص وترحيله.
وسبق أن أصدر القضاء الألماني أحكاما عدة، أبرزها غرامة بحق إمام مسجد في ميونيخ بلغت 4500 يورو بعدما كتب يوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023: "لكل شخص أسلوبه في الاحتفاء بشهر أكتوبر".
اللافت أن إطلاق الحكومة الألمانية تشريعا جديدا لتسهيل ترحيل الأجانب الذين يدعمون فلسطين، يتزامن مع ارتفاع موجة الألمان الرافضون لحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهالي غزة.
ضرب التحشيد
ففي منتصف يونيو 2024 طالب نحو 2600 أكاديمي في ألمانيا باستقالة وزيرة التعليم والبحث العلمي بيتينا شتارك فاتسينغر؛ بسبب محاولتها غير القانونية معاقبة الأساتذة، الذين يعلنون تضامنهم مع أهالي قطاع غزة.
ووقع هؤلاء عريضة تطالب باستقالة وزيرة التعليم، بسبب معاقبة من دعموا حق الطلاب المناصرين لفلسطين بالتظاهر.
ومنذ عام 2019 صدر قرار بعد موافقة البرلمان الألماني يجرم مقاطعة إسرائيل بصفتها "معادية للسامية"، كما تحظر السلطات الألمانية "الفعاليات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي.
إلا أنه بات من الواضح أن "حرية التعبير" في ألمانيا سيجمد العمل بها بمجرد نقد جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين.
ولا تزال ألمانيا، التي تمثل أكبر اقتصاد في أوروبا، الوجهة الأولى للمهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء الذين يصلون إلى دول الاتحاد الأوروبي.
فقد أعلن المكتب الاتحادي للإحصاء في مدينة فيسبادن في مايو 2024 أنه جرى تسجيل 17 ,3 ملايين شخص في سجل الأجانب المركزي كأشخاص يبحثون عن الحماية حتى نهاية عام 2023.
ووفق السلطات، يقيم حاليا ما يقدر بنحو 280 ألف مواطن أجنبي في ألمانيا دون تصريح إقامة ساري المفعول، وسُمح لنحو 80 بالمئة منهم بالبقاء حتى الآن لأن السلطات لم تتمكن من ترحيلهم لأسباب قانونية أو متعلقة بوضعهم.
وعقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، شهدت المدن الألمانية والعاصمة برلين مظاهرات مؤيدة لفلسطين.

ولهذا فإن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في عمليات التحشيد التضامنية بين المقيمين في ألمانيا لدعم أهالي غزة ومواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
ولهذا فقد ذكرت وسائل إعلام ألمانية أنه سيكون من صلاحية السلطات سحب الإقامة من أي نشاط داعم لفلسطين.
ولم يكن هذا القرار الجديد مفاجئا، لا سيما أنه قبيل الإعلان عنه بأيام فقد أعلنت وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية عن تصنيفها حركة المقاطعة "بي دي أس" على أنها "حالة متطرفة مشتبه بها".
وبررت وزيرة الداخلية القرار بأن الحركة تنتهك فكرة التفاهم الدولي من خلال تقويض "حق إسرائيل في الوجود" والتشكيك فيه.
و"بي دي أس" حركة عالمية تسعى إلى كشف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وفضح عنصريته، وإلى وقف أشكال التطبيع كافة معه، وتدعو إلى مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل، معتمدة على ثلاث ركائز أساسية، هي المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات.
وتأسست الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل -التي تعرف اختصارا بـ "بي دي أس"- سنة 2005، على يد قوى مدنية فلسطينية، وهي تنسق أعمالها مع اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة وفضح ومعاقبة إسرائيل.
وكان أثار مقتل ضابط شرطة ألماني طعنا في مايو 2024 على يد طالب لجوء أفغاني في مانهايم، تأجيج النقاش حول ترحيل اللاجئين.
مشروع قانون
وأكد فراس عبيد، وهو لاجئ مقيم في ألمانيا، أن "وسائل التواصل الاجتماعي لعبت الدور الأكبر في عملية التحشيد لدعم القضية الفلسطينية في ألمانيا من خلال نشر البيانات والتفاعل مع أحداث الإبادة الجارية بعزة".
ولفت عبيد إلى أن "كثيرا من الشخصيات الأجنبية المقيمة في ألمانيا والتي تدعم فلسطين استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لإبداء الدعم لأهالي غزة عبر نشر بيانات لهم على حساباتهم الخاصة".
واستدرك قائلا: "حتى إنه في بعض الأحيان كانت تمنع الشرطة بعض الشخصيات من إلقاء كلمات لها في المظاهرات مما يضطرها لمشاركة خطابها المحظور الداعم لفلسطين على حساباتهم الشخصية".
ورأى عبيد، أن "تبني الحكومة الألمانية مشروع قانون يطرد بموجبه لاجئون لمجرد تعليقهم على منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد إسرائيل سيحد من عملية التفاعل مع ما يجرى في غزة إلكترونيا أو حتى عبر دعم الحملات التي تطلق على إنستغرام وإكس وغيرها".
ولفت عبيد إلى أن "حالة الاحتجاج على ما يجرى في غزة تتنامى في ألمانيا، حيث يستهدف النشطاء المؤتمرات الدولية التي تقام هناك، لا سيما أن وسائل التواصل تلعب دورا في تذكير تلك الندوات بما يجرى في غزة".
وراهنا تعمل بعض وسائل الإعلام والصحف في ألمانيا على انتقاد الداعمين لفلسطين.
فقد هاجمت صحيفة بيلد الألمانية الشهيرة في مايو 2024 أكاديميين أظهروا دعمهم لاحتجاجات الطلاب في جامعات برلين رفضا للحرب الإسرائيلية على غزة.
وزعمت الصحيفة الألمانية في خبرها الذي حمل اسم "الجناة الجامعيين" أن هناك كراهية تجاه إسرائيل في جامعات برلين.
وعقب السابع من أكتوبر 2023 حظرت شرطة العاصمة الألمانية برلين، خروج مظاهرات داعمة لفلسطين.
وقد أكدت حينها "مبادرة فلسطين" أنه "تم حظر المسيرات لأسباب عنصرية، إلا أننا لن نسكت.. سنعلن عن الخطوات القادمة لإيصال القضية الفلسطينية إلى شوارع برلين".

ويأتي سعي برلين للتضييق الإلكتروني على الداعمين لفلسطين، في وقت تواجه الحكومة ضغوطا مستمرة لتقليص عدد المهاجرين القادمين إلى ألمانيا والمقيمين فيها.
وفي وقت سابق من عام 2024، وافق المشرعون على تشريع يهدف إلى تسهيل ترحيل طالبي اللجوء غير الناجحين.
وفي الوقت نفسه، تعمل إدارة المستشار الألماني الليبرالية أولاف شولتس، على تخفيف القواعد المتعلقة بالحصول على الجنسية وإنهاء القيود المفروضة على حيازة الجنسية المزدوجة.
إلا أن ألمانيا أجرت في 28 يونيو 2024 تعديلا جديدا على قانون منح الجنسية، تلزم فيه المتقدمين بطلب الحصول عليها "تأكيد حق إسرائيل في الوجود".
ورحبت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، بالتغييرات الجديدة، ووصفتها بأنها "التزام لألمانيا الحديثة".
وأضافت قائلة: "أي شخص لا يشاركنا قيمنا، لن يتمكن من الحصول على جواز سفر ألماني. لقد رسمنا هنا خطا أحمر واضحا وضوح الشمس وجعلنا القانون أقوى بكثير من ذي قبل. معاداة السامية والعنصرية وغيرها من أشكال ازدراء الإنسانية تمنع التجنيس. لا يوجد تسامح مع ذلك".
وقد علقت صحيفة CNN الأميركية، بقولها إن التشريع الذي دخل حيز التنفيذ، يعد جزءا من "جهد تبذله برلين لمكافحة معاداة السامية المتزايدة وزيادة شعبية اليمين المتطرف والنقاش المستمر حول موقف البلاد من حرب إسرائيل في غزة".
المصادر
- قانون ألماني يسهل طرد الأجانب بسبب تمجيد "الإرهاب"
- https://www.aljazeera.net/news/2024/6/26/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%8A%D8%B3%D9%87%D9%84-%D8%B7%D8%B1%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A7%D9%86%D8%A8
- كولن الألمانية.. مظاهرات داعمة لفلسطين وأخرى لإسرائيل
- ألمانيا.. مظاهرة داعمة لفلسطين في دوسلدورف
- Germany moves to ease the deportation of foreigners who glorify terrorist acts