إيران تضغط على سالم العيساوي للانسحاب من سباق رئاسة برلمان العراق.. لماذا؟

يوسف العلي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

منذ إقالة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، من منصبه قبل نحو 10 أشهر، تفشل القوى السياسية في المجيء بشخصية ترأس السلطة التشريعية، المخصصة رئاستها إلى المكون السني، طبقا للعرف السياسي السائد في البلد بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. 

وفي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أعلنت المحكمة الاتحادية العليا في العراق (أعلى سلطة قضائية) إنهاء عضوية الحلبوسي في البرلمان، بسبب قيامه بتزوير طلب استقالة أحد أعضاء السلطة التشريعية، والاعتماد عليها في وقت لاحق وإقالته من منصبه.

والجديد في المشهد، أن تسريبات باتت تتردد نهاية أغسطس/ آب 2024، عن ضغوط إيرانية على المكون السني، لتمهيد الطريق لاختيار "محمود المشهداني" رئيسا للبرلمان.

تسلسل الأزمة

وتعود الخلافات على منصب رئيس البرلمان إلى رفض الحلبوسي، مجيء شخصية مكانه من غير كتلته البرلمانية (تقدم)، بينما ترى أطراف سنية أخرى أن المنصب هو استحقاق للمكون، وبالتالي من حقهم الدفع بمرشحيهم وترك الحرية للنواب لاختيار رئيسهم.

وفي مايو/ أيار 2024، فشلت القوى السياسية في حسم انتخاب رئيس جديد للبرلمان، بعد جلسة ماراثونية شهدت ثلاث جولات تصويت لأربعة مرشحين، انحسر التنافس في الجولتين الأخيرتين بين محمود المشهداني مرشح الحلبوسي، وسالم العيساوي مرشح كتلتي "السيادة" و"العزم".

وتقدم العيساوي على المشهداني، مرشح تحالف "تقدم"، في الجولة الثانية لانتخاب رئيس للبرلمان، بـ158 صوتا، مقابل 137 لمنافسه.

وشهدت الجلسة عراكا بالأيدي، وأصيب أحد النواب بجرح في رأسه جراء مشاجرة بين نائبين ينتمي كل واحد منهما إلى حزبٍ يُنافس الآخر للظفر بالمنصب، فضلا عن شتائم وسِباب بين نواب ورئيس البرلمان بالإنابة محسن المندلاوي، ما أدى إلى رفع الجلسة حتى إشعار آخر.

وفشل البرلمان في الجولة الأولى التي عقدت في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2023 في انتخاب رئيس له، بعدما انحصرت المنافسة بين العيساوي، وشعلان الكريم عن حزب "تقدم" برئاسة الحلبوسي، ولم يحصل الاثنان على أغلبية أصوات أعضاء البرلمان.

وانتهى تصويت الجولة الأولى في حينها، بحصول مرشح حزب "تقدم" شعلان الكريم على 152 صوتا من أصل 314 صوتا، والذي انسحب لاحقا من السباق واستقال من حزب الحلبوسي.

وجاء بعد الكريم، العيساوي بـ97 صوتا، والمشهداني بـ48 صوتا، إلا أن مشادات كلامية حصلت داخل قاعة البرلمان، ما اضطر رئاسة المجلس إلى رفع الجلسة وعدم انعقاد جولة ثانية، على اعتقاد أن المرشحين لم يحصلوا على الأغلبية المطلقة للفوز من الجولة الأولى.

بعد ذلك تراجع حزب "تقدم" عن دعم المشهداني، والدفع بالنائب زياد الجنابي لتولي المنصب، الذي انشق عن الحلبوسي، وشكّل كتلة "المبادرة"، وذلك بعد تعديل القانون الداخلي للبرلمان، وفتح باب الترشح للمنصب مرة ثانية، وهذا ما تعارضه المحكمة الاتحادية.

وقال النائب عن "تقدم" يحيى العيثاوي، خلال مقابلة تلفزيونية في 18 أغسطس، إن "القوى السنية الأكثر عددا وقعوا، وبحضور أكثر من 50 نائبا، على تبني ترشيح زعيم كتلة (المبادرة) النائب زياد الجنابي، لمنصب رئيس البرلمان".

وأشار إلى أن "هناك بيانا صدر من قوى العزم والسيادة، أعقب اجتماعنا، ذكروا فيه أنهم يدعمون ترشيح محمود المشهداني لذات المنصب. نحن لا نقف بالضد من ذلك ونحترم جميع المرشحين، ولكن نرغب بالتوافق على مرشح يصل إلى عدد يؤهله لأن يكون رئيسا للبرلمان".

تدخل إيران

لكن تسلسل أزمة رئاسة البرلمان لم تكن إيران بعيدة عنها، والتي تعد أبرز لاعب سياسي بالعراق في مرحلة ما بعد عام 2003، حتى وصل بهم الحال يفاخرون في قدرتهم على اختيار الشخصيات التي تتولى الرئاسات الثلاثة فيه (الحكومة، البرلمان، الجمهورية).

وكشف السياسي العراقي، النائب السابق، مشعان الجبوري، خلال مقابلة تلفزيونية في 30 أغسطس 2024، أن "العامل الإيراني مستنفر لإقناع سالم العيساوي بالانسحاب من سباق التنافس على رئاسة البرلمان، كونهم يخافون فوزه بتنافسه مع محمود المشهداني".

وأشار إلى أنه "إذا ذهب النواب إلى خيار التصويت على المرشحين، فإن سالم العيساوي، سيفوز برئاسة البرلمان مئة بالمئة. وأن المشهداني يعرف نفسه أنه لن يمر ويصبح هو الرئيس، لذلك وقّع طلبا للقوى السياسية الشيعية بفتح باب إضافة مرشح جديد، وحصرا يكون زياد الجنابي".

وبحسب الجبوري، فإن "خميس الخنجر زعيم حزب السيادة، ومثنى السامرائي رئيس تحالف العزم، تلقوا توجيها من رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، بالتخلي عن سالم العيساوي وإعلان دعمهم لترشيح محمود المشهداني، ولذلك أعلنوا تأييدهم للأخير في بيان مشترك صدر عنهما".

وأكدت مصادر سياسية عراقية خاصة لـ"الاستقلال"، طالبة عدم الكشف عن هويتها أن "السفارة الإيرانية طلبت من سالم العيساوي الانسحاب من التنافس على رئاسة البرلمان، وفسح المجال أمام المشهداني للفوز بالمنصب، والذي يدعمه زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي".

ولفتت إلى أن "السفارة الإيرانية لم تترك مجالا أمام العيساوي للفوز بالمنصب، وأبلغته أنه لن تُعقد جلسة لاختار رئيس البرلمان ما لم يعلن انسحابه، وبالتالي لن يكون أمامه أي فرصه لخوض جولة تصويت ثالثة".

وأشارت المصادر إلى أن "العيساوي يريد كسب مزيد من الوقت، رغم حديث العديد من الأطراف السنية أنه أعلن انسحابه من التنافس، لكن هذا لم يحصل بعد، وإنما بدأ يتمرد على من دعمه من السنة في السابق، لا سيما حزب السيادة الذي ينتمي إليه، وتحالف العزم".  

وأكدت أن "قوى الإطار التنسيقي الشيعي ومعها إيران اتفقت على تقديم محمود المشهداني، وإذا لم ينسحب سالم العيساوي، فإن البديل يكون إما عدم انعقاد الجلسة وبقاء النائب الأول محسن المندلاوي رئسا للبرلمان بالوكالة حتى نهاية الدورة الحالية في 2025، أو لجوء الاطار مضطرين وحفاظا على وحدته لفتح ترشيح جديد وتقديم زياد الجنابي".

وفي 27 أغسطس، أصدر محمود المشهداني بيانا، أكد فيه تمسكه بالترشح لرئاسة البرلمان، وإن كل ما يشاع حول إنسحابي مجرد دعايات لا أصل لها، نافيا في الوقت ذاته ما يشاع عن تبعيته لأية كتلة سياسية.

وأضاف المشهداني: “أعلن أنني مرشح الفضاء الوطني، وأدعو الكتل السياسية الى عقد جلسة البرلمان بأسرع وقت لإنجاز هذا الاستحقاق الوطني وفقا للدستور والقانون”.

"ثلاثة- صفر"

وفي يناير 2024، كشفت مصادر سياسية خلال تقرير سابق لـ"الاستقلال"، أن رجل الدين والإعلامي الإيراني، علي كريميان، رئيس "اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية"، يقود مساعي لاختيار بديل عن الحلبوسي لشغل أعلى منصب مخصص للسنة في العراق.

وأوضحت المصادر حينها أن "كريميان يتواصل في جولات مكوكية مع قادة الإطار التنسيقي الشيعي، للتباحث في أي المرشحين الاثنين يتولى رئاسة البرلمان، سالم العيساوي، ومحمود المشهداني".

وأكدت المصادر حينها أن "اجتماعا عقد بين كريميان وأحد المرشحين الاثنين (لم يذكر اسمه)، في 27 نوفمبر 2023، وجرى الاتفاق على دعمه لتولي رئاسة البرلمان، وذلك بترشيحه من أكبر عدد من النواب السنة، حتى يضمن تصويت الإطار له".

كريميان تبنى مع بعض قادة الإطار التنسيقي عام 2022، ترشيح الرئيس العراقي السابق، برهم صالح لولاية ثانية، مقابل الرئيس الحالي عبد اللطيف رشيد، لكن ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، صوت للأخير الذي فاز بأغلبية 166 صوتا مقابل 99 معظمهم من نواب الإطار.

ولم يسبق أن كان كريميان لاعبا أساسيا في الملف العراقي، خصوصا قبل مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، بطائرة أميركية في 3 يناير 2020، قرب مطار بغداد الدولي، والذي عرف عنه بإحكام سيطرته على قرارات الأحزاب والمليشيات الشيعية في العراق.

وفي في أغسطس/آب 2021، لخص قائد الحرس الثوري الإيراني آنذاك اللواء محمد علي جعفري، إلى أي مدى وصل تدخل بلاده في تشكيل ليس الحكومة العراقية فقط، وإنما اختيار الرئاسات الثلاث في البلد (الجمهورية، البرلمان، الحكومة).

وقال جعفري خلال تصريحات صحفية تناقلتها وسائل إعلام إيرانية إن "إيران غلبت الولايات المتحدة في العراق 3 صفر"، أي أنها تمكنت من تعيين الرئاسات الثلاثة وفق رؤيتها وليس عبر هوى أميركا وحلفائها.