النمسا تروج مزاعم استتباب الأمن بدمشق ومحيطها.. هل ترحل السوريين قريبا؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

يخشى كثير من اللاجئين السوريين في النمسا من إقدامها على تطبيق سياسات قاسية لإعادتهم إلى بلدهم الأم قسرا.

وتعد النمسا الدولة المنضوية في الاتحاد الأوروبي إحدى بوابات الدخول إلى التكتل، ويبلغ عدد اللاجئين السوريين فيها حوالي 58 ألفا.

ويشكل هؤلاء السوريون الفارون من بطش نظام بشار الأسد، العدد الأكبر من اللاجئين في النمسا والذين يصل عددهم إلى 146 ألفا، وفق إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

عمليات ترحيل

وفي خطوة مستهجنة، قال وزير الداخلية النمساوي جيرهارد كارنر في مقابلة مع قناة "oe24.TV" إنه يعمل على ضمان إمكان تنفيذ عمليات الترحيل إلى سوريا قريبا.

وأضاف كارنر في المقابلة التي نشرت في 27 مارس/ آذار 2024، إن بلاده تمارس ضغوطا بالتعاون مع الدنمارك لتفعيل عمليات الترحيل إلى سوريا مرة أخرى، لأن “دمشق والمناطق المحيطة بها تبدو آمنة”، على حد زعمه.

ومحافظة ريف دمشق، تخضع بشكل كامل لسيطرة النظام السوري، وقد عززت الأجهزة الأمنية قبضتها في بلداتها منذ تهجير المعارضة السورية عام 2018 نحو الشمال السوري عند الحدود التركية بعد عملية عسكرية شرسة استخدم فيها النظام السلاح الكيماوي؛ الذي أجبر المعارضة على قبول الخروج منها.

وأشار إلى عدم وجود عمليات ترحيل قسري إلى سوريا وأفغانستان في الوقت الحالي، لافتا إلى أن العودة “طوعية فقط”، أو عبر ترحيل الأشخاص من هذين البلدين إلى دولة ثالثة.

وأضاف كارنر: “إذا كانت هناك نقاط ربط للاجئين في دول أخرى، على سبيل المثال إذا كانوا قد ذهبوا بالفعل إلى بلغاريا، فيمكن ترحيلهم إلى هناك”.
إلا أن وزير الداخلية النمساوي دعا إلى أن يكون الهدف هو التمكن من ترحيل الأشخاص إلى سوريا وأفغانستان مرة أخرى.

وقبل ذلك، دعا كارنر، الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في مسألة إعادة المهاجرين إلى سوريا وأفغانستان. 

وفي حضور وفد من وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في بروكسل في 4 مارس، صرح أنه من "الضروري والعاجل" بدء محادثات حول موضوع إعادة النظر في الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على عمليات إعادة اللاجئين إلى سوريا وأفغانستان.

وقال كارنر: "في الوقت الحالي، لا يمكننا إعادة أي شخص إلى الدولتين، لأن ذلك سيكون مخالفا لقانون الاتحاد الأوروبي"، موضحا أنه يجب إعادة النظر في هذا الأمر، على المدى المتوسط".

وأضاف المتحدث "في النمسا، يمثل القادمون من هذين البلدين حوالي ثلاثة أرباع مجموع طلبات اللجوء"، موضحا أن الأمر نفسه ينطبق على معظم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

كارنر، عضو الحزب الديمقراطي المسيحي الليبرالي المحافظ، قال إنه يتعين على الدول الأعضاء ضمن الاتحاد مناقشة المناطق التي يمكن عدّها آمنة في أفغانستان وسوريا حيث يمكن إعادة المواطنين الذين تلقوا رفضا لطلبات لجوئهم إلى أوطانهم.

وخلال يونيو/حزيران 2023، أكد مفوض الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن "شروط إعادة اللاجئين السوريين، كما حددتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، غير مستوفاة حاليا".

وأضاف أن الاتحاد الأوروبي لن يدعم إعادة اللاجئين ما لم تكن هناك ضمانات موثوقة بأنها عودة طوعية ويراقبها المجتمع الدولي".

جهود أوروبية

ويبدو واضحا، أن النمسا البالغ عدد سكانها أكثر من 9 ملايين شخص، تريد السير على خطا قبرص الرومية العضو في الاتحاد الأوروبي، التي قال وزير داخليتها كونستانتينوس يوانو في 15 سبتمبر/أيلول 2023، إنه "سيحاول إقناع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بإنهاء وضع سوريا كدولة غير آمنة لا يمكن إعادة اللاجئين إليها".

كما قادت الدنمارك الطريق في عام 2019 من خلال تصنيف دمشق والمناطق المحيطة بها على أنها "مناطق آمنة" ومن ثم إلغاء الحماية المؤقتة للاجئين السوريين من هذه المناطق. 

وفي مارس 2023، وسعت الدنمارك القائمة لتشمل محافظتي طرطوس واللاذقية، مشيرة إلى تحسن الظروف الأمنية هناك. 

وعلى الرغم من تصنيف الأمم المتحدة لمعظم المناطق السورية على أنها "غير آمنة"، فإن الدنمارك تعد أول دولة في الاتحاد الأوروبي ترفض منح اللاجئين السوريين حق اللجوء. 

ويتوازى ذلك، مع بروز حالة ضغط منذ فترة لعدد من الدول الأوروبية؛ لدفع التكتل الأوروبي تبنى خطة لإعلان أجزاء من سوريا آمنة لإعادة المهاجرين.

وتحاول النمسا القفز على حقيقة الوضع الأمني المتأزم في سوريا، وغياب الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والممهد لانتقال سياسي للسلطة.

والنمسا ضمن ثماني دول في الاتحاد الأوروبي هي (الدنمارك وإستونيا واليونان ولاتفيا وليتوانيا ومالطا وسلوفاكيا) تدعو إلى إصلاح "مبتكر" لسياسة اللجوء وتعزيز حماية الحدود.

حيث رأت هذه الدول في بيان مشترك لها في فبراير 2023 أن "نظام اللجوء الحالي فاشل وحان الوقت لإرساء استجابة مبتكرة".

ومنذ عام 2023 تريد تلك الدول الموقعة على الرسالة المشتركة "زيادة عدد العائدين بسرعة" و"تطوير شراكات جديدة" مع بلادهم و"تعزيز التواصل" لثني الراغبين بالسفر نحو أوروبا وتلك البلدان بالتحديد.

وتخشى النمسا التي تواجه زيادة كبيرة في طلبات اللجوء من أن تؤدي إزالة الضوابط الحدودية وانضمام دول مثل رومانيا وبلغاريا لمنطقة شنغن لحرية التنقل، إلى وصول أعداد أكبر من المهاجرين. 

 ففي عام 2022 سجلت النمسا أكثر من 100 ألف عملية عبور غير قانونية لحدودها.

"غير آمنة"

فيما تحذر تقارير حقوقية من ترحيل السوريين إلى وطنهم، مستشهدة بحالات موثقة لعائدين يواجهون انتهاكات، بما في ذلك الاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب.

إذ أكد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في تقرير له صدر في 13 فبراير 2024 أن اللاجئين السوريين الذين فروا من بلدهم يتعرضون لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كالتعذيب والخطف عند عودتهم لديارهم، بينما تتعرض النساء للتحرش الجنسي وأعمال عنف.

ويقول التقرير، إن الصعوبات الاقتصادية وسوء المعاملة والخطاب العدائي المتزايد والخطاب ضد اللاجئين والمداهمات والاعتقالات الجماعية في بعض البلدان المضيفة، أجبرت الكثيرين على العودة إلى سوريا. 

وقالت إليزابيث ثروسل، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في مؤتمر صحفي بجنيف، إن التقرير الأممي الحديث "يرسم صورة مثيرة للقلق لمعاناة العائدين لا سيما النساء، وسط تزايد عدد عمليات ترحيل السوريين من دول أخرى".

وأضافت ثروسل: "هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن الظروف العامة في سوريا لا تسمح بعودة آمنة وكريمة ومستدامة للاجئين السوريين إلى وطنهم".

وعن وضع المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق، يؤكد الناشط محمد الدوماني، أنها "غير آمنة حيث ما تزال دوريات تابعة لفرع المخابرات الجوية والشرطة العسكرية تعتقل عشرات الشبان من المطلوبين والمتخلفين عن تأدية الخدمة العسكرية في عدة مدن وبلدات بريف دمشق".

وأضاف الدوماني، لـ “الاستقلال”: أن غياب الخدمات وعجز النظام السوري عن تأهيل البنية التحتية بفعل الدمار الهائل الذي أحدثته طائراته الحربية يشكل العائق الأكبر أمام الأهالي.

ومضى يقول إن انهيار الليرة السورية وكثرة البطالة وعجز العوائل عن تأمين قوتهم اليومي ما يزال أساسا دافعا لمن بقي من أهالي مدن وبلدات ريف دمشق للبحث عن وجهة أخرى.

ولفت الدوماني إلى أن "النظام الصحي في مناطق ريف دمشق في أسوأ حالاته، وسط غياب شبه تام للكهرباء، فضلا عن ارتفاع أسعار المواصلات العامة للتنقل بين البلدات".  

وأشار إلى أن "ريف دمشق الآن معرض لأن يكون مسرحا لأعمال قصف غير مسبوقة من قبل إسرائيل وخاصة في ظل توسيع إيران مواقع تدريب مليشياتها في عدد من المواقع بريف دمشق".

ويطلب العديد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها النمسا، من الاتحاد الأوروبي تمويل إقامة سياج عند حدوده الخارجية لمكافحة الهجرة بطريقة غير قانونية، لا سيما على الحدود البلغارية التركية.

 لكن قادة الاتحاد الأوروبي اتخذوا خلال اجتماع في فبراير 2023، موقفا مبهما بهذا الصدد.

وترفض المفوضية الأمر وترى أن "بناء الجدران والأسلاك الشائكة" ليس بالحل السليم. لكن المفوضية سمحت بتمويل وسائل المراقبة مثل الكاميرات وأجهزة كشف الحركة.

وخصص الاتحاد الأوروبي ستة مليارات يورو من ميزانيته لحماية حدوده الخارجية بين الفترة من 2021 إلى 2027. وهو المبلغ الذي وافقت عليه الدول الأعضاء، في حين طلبت المفوضية 11,4 مليار يورو.

جدل سياسي

وفي الوقت الراهن يوجد صراع سياسي داخل الأحزاب في النمسا حول اللاجئين، خاصة أن بعضها يتهم آلاف اللاجئين السوريين بإحضار عائلاتهم إلى العاصمة فيينا، ما يؤدي إلى نقص في مجالات مثل العمل ومساحة المعيشة وأماكن الدراسة.

وهذه التطورات تسببت في غضب حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف، إذ قال هانز أميسباور، المتحدث باسم الأمن في الحزب في تصريحات صحفية: "حدودنا - خلافا لجميع تأكيدات وزير الداخلية كارنر مفتوحة مثل أبواب الحظيرة، والآن يأتي المزيد من الوافدين الجدد ليصبح النمساويون غرباء في بلدهم".

ويقول موقع "kleinezeitung" النمساوي المحلي، "تنتقل نسبة كبيرة من اللاجئين إلى العاصمة، ولهذا السبب لا يؤثر لم شمل الأسرة إلا على فيينا فقط، والتي تعاني بالفعل بشكل غير متناسب من النازحين الأوكرانيين والهجرة من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى".

ويضيف: "بشكل عام، هناك 65 ألف طفل في سن الدراسة يعيشون في النمسا اليوم مقارنة بما كان عليه قبل عشر سنوات، منهم 29 ألفا يعيشون في فيينا. تم إنشاء 1200 فصل في التعليم الإلزامي".

وكشف الاستطلاع الذي أجراه معهد يونيك للأبحاث نيابة عن صحيفة هيوت اليومية النمساوية، أنه يريد حوالي 56 بالمئة من النمساويين خفض تدفق اللاجئين إلى الصفر.

وبين المسح الذي نشر في 5 مارس 2024 أن 36 بالمئة من المشاركين قالوا إنهم يؤيدون "تماما" عدم قبول النمسا أي المزيد من اللاجئين على الإطلاق، بينما ذكر 20 بالمئة من المشاركين أنهم يؤيدون "إلى حد ما" لصالح التخفيض إلى الصفر، بينما عارض 37 بالمئة فقط التخفيض إلى الصفر في الاستطلاع.

ومن المقرر انتخاب برلمان جديد في النمسا خريف 2024، ووفقا لآخر استطلاعات الرأي التي أجرتها معاهد المسح المختلفة، من الواضح أن حزب الحرية النمساوي المناهض للهجرة يتقدم.

ويهيمن موضوع الهجرة على النقاش في وسائل الإعلام قبل الانتخابات، على الرغم من انخفاض عدد طلبات اللجوء في النمسا.

وفقا لمنصة الإحصائيات Statista، تم تقديم حوالي 2290 طلب لجوء في النمسا بحلول نهاية يناير 2024. ومن المتوقع استقراء للعام بأكمله، حوالي 27400 طلب.

وهذا يعني أن عدد طلبات اللجوء سينخفض ​​للعام الثاني على التوالي، وينخفض ​​إلى أدنى مستوى له منذ عام 2020.