صحيفة إيطالية: الهجري يرفض عودة الحكومة السورية لإبقاء سيطرته على طرق التهريب

"يأمل الهجري أن يتحول من زعيم ثانوي إلى الزعيم الأبرز"
برز اسم حكمت الهجري في السويداء خلال الأشهر الأخيرة، بعد سقوط الأسد أواخر عام 2024، وقاد تيارا مناهضا للإدارة السورية الجديدة يتمثل في المجلس العسكري لمحافظة السويداء ويطالب عبره بالإدارة الذاتية والحماية الدولية من قبل الكيان الإسرائيلي.
وفي تقرير نشره موقع "إيل بوست" الإيطالي، تم تسليط الضوء على التصعيد الدموي الأخير في السويداء؛ حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين مقاتلي الهجري والعشائر البدوية، وسط انهيار متكرر لاتفاقات وقف إطلاق النار.
وذكر التقرير أن هذه الاشتباكات، التي تعد الأعنف منذ سقوط نظام بشار الأسد على يد المليشيات الإسلامية في ديسمبر/ كانون الأول 2024، تعكس تعقيد المشهد السوري ما بعد الأسد، وتداخل البعد الطائفي في المصالح السياسية والاقتصادية المحلية والإقليمية.
وأشار إلى أن فصيلا درزيا بقيادة المدعو حكمت الهجري رفض الالتزام بالهدنة، ما أدى إلى تجدد القتال وسقوط مئات القتلى، واتهامات متبادلة بجرائم حرب وانتهاكات مروعة.
كما أوضح أن هذا الموقف الصدامي للهجري يعكس صراعا داخليا بين الزعامات الدينية الدرزية، وسعيا لإعادة ترتيب موازين القوى داخل الطائفة، إلى جانب اتهامات متكررة بالسعي للهيمنة على طرق التهريب عبر الحدود.
ولفت التقرير إلى الدور المتنامي لإسرائيل، التي دخلت على خط الأزمة بدعم عسكري مباشر عبر غارات جوية، ضمن محاولتها إنشاء منطقة نفوذ إمبريالية جنوبي سوريا.

نزاع دامٍ
استعرض التقرير في البداية النزاع الدامي الذي حدث بين العشائر البدوية والدروز في منطقة السويداء جنوب سوريا، مشيرا إلى أن اتفاقات ثلاثة لوقف إطلاق النار تُوصل إليها، وقُبلت من الطرفين، لكنها لم تدم طويلا.
ولفت إلى أن "من كسر اتفاقات التهدئة هو فصيل درزي تابع للزعيم الروحي حكمت الهجري، حيث أدى قراره إلى استمرار القتال".
وأشار إلى أن "مصادر محلية تحدثت عن سقوط نحو 600 قتيل، توزعوا بين العشائر البدوية والمليشيات الدرزية وقوات الأمن التابعة لحكومة دمشق، التي تدخلت لمحاولة إيقاف الاشتباكات، وقد قوبل تدخلها في البداية برسالة شكر رسمية من الدروز".
واستدرك: "غير أن هؤلاء باتوا اليوم يعدون تلك المليشيات -والتي تضم أيضا مقاتلين من أتباع الديانة الإسلامية ممن يحملون أفكارا متطرفة- حلفاء للبدو".
وأضاف أن "هذه المليشيات تتهم بدورها الدروز بأنهم من (الفلول) -أي من بقايا نظام بشار الأسد الديكتاتوري- الذين لم يتقبلوا الهزيمة التي لحقت بهم في ديسمبر/ كانون الأول 2024، حين أطاح تنظيم هيئة تحرير الشام بالنظام وأصبح هو من يحكم حاليا".
وبين التقرير أن "هناك قتلى بين المدنيين، فضلا عن تبادل للاتهامات بشأن تنفيذ عمليات إعدام ميدانية وتعذيب".
كما ادعى أن "وزارة الإعلام السورية منعت دخول الصحفيين الأجانب إلى منطقة السويداء، مبررة ذلك بأنه (من أجل سلامتكم)".
وأوضح أن "ما جرى هو اشتباكات محلية بين ميليشيات لا يتعدى عدد أفرادها بضعة آلاف، وقد بدأت لأسباب تافهة".
ولفت إلى أن "العداء بين الدروز والبدو يعود لعقود، واتخذ على مر الزمن شكلا أقرب إلى (الثأر)، حيث يقوم البدو أحيانا بالخطف أو السرقة أو القتل، فيرد الدروز بالمثل، وتستمر الدائرة".
وأردف أن "الحكومة السورية، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، أرسلت مليشياتها إلى منطقة السويداء، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى تنفيذ سلسلة من الغارات الجوية دعما للدروز هناك، بل وشملت الضربات العاصمة دمشق أيضا".
وأشار التقرير إلى أن "الجيش الإسرائيلي يحتل شريطا من الأرض في جنوب سوريا".
ورأى أن هذه الاشتباكات هي "الأعنف منذ أن أطاحت المليشيات الإسلامية بالأسد، لكنها ليست الأكثر دموية حتى الآن".
وتابع: "ففي مارس/ آذار 2025، قتلت قوات الحكومة نحو 1500 شخص من الأقلية العلوية خلال 4 أيام، بعد محاولة تمرد مسلح نفذها بعض الجنود السابقين الموالين للأسد في منطقة اللاذقية الساحلية".
وأضاف: "كما شهد شهر مايو/ أيار 2025، هجمات من المليشيات الإسلامية على الأحياء الدرزية في دمشق، أسفرت عن مقتل أربعين شخصا".

الطائفة الدرزية
كما أشار التقرير إلى أن "الطائفة الدرزية موزعة على ثلاث مناطق جغرافية، يقود كل واحدة منها زعيم روحي". وأفاد بأن "القرارات الكبرى تتطلب إجماع هؤلاء الثلاثة".
وذكر أن حكمت الهجري هو أحد هؤلاء القادة الثلاثة، إلى جانب يوسف جربوع وحمود الحناوي.
وأوضح أن "الأخيرين يتبنيان مواقف أكثر تصالحية، وقد قبلا بوقف إطلاق النار، فيما يرفض الهجري أي هدنة مع البدو والحكومة، ويعد المعركة حربا صغيرة يجب مواصلتها".
ولفت التقرير إلى أن "الهجري توجه بنداء إلى حكومات دولية، من بينها إسرائيل والسعودية"، طالبا منها "التدخل لحماية الدروز من انتقام المليشيات البدوية والحكومية".
ونقل عن محمد جربوع، ابن شقيق الزعيم الدرزي يوسف جربوع، قوله: إن "الهجري يتخذ هذا الموقف المتشدد لأنه يسعى إلى قلب موازين القوى داخل الطائفة الدرزية".
وأضاف أن "الهجري لا يسيطر حاليا على المساحة الأكبر من الأراضي، ويرغب في بسط نفوذه على مدينة السويداء، عاصمة المنطقة، والتي تقع ضمن نطاق سلطة جربوع".
ويأمل، بحسب المصدر نفسه، أن "يتحول من زعيم ثانوي إلى الزعيم الأبرز".
وبالتالي، فإن الحرب، كما جاء في التقرير، تمثل بالنسبة له "فرصة لتفكيك النظام القائم وتصفية حسابات داخلية بين الدروز".
واتهم محمد جربوع، بحسب ما أورده التقرير، حكمت الهجري بـ "السعي للسيطرة على حركة التهريب المربحة عبر حدود المنطقة الدرزية".
وأضاف: "ورغم أن هذه الاتهامات لا يمكن التحقق منها، إلا أنها تعكس طبيعة التوتر القائم داخل المجتمع الدرزي المحاصر، وتفسر ربما سبب فشل اتفاقات وقف إطلاق النار المتكررة".
وأكد التقرير، في ختامه، أن "اختزال ما يجري حاليا بوصفه شأنا درزيا فقط سيكون خطأ تحليليا فادحا". وفسر ذلك بأن "كل الأطراف لها مصالح في هذا النزاع".
واختتم موضحا: "فالمليشيات الحكومية تسعى للسيطرة على المنطقة، والبدو يريدون الانتقام بعنف من الدروز، بينما تسعى إسرائيل، من خلال غاراتها الجوية، إلى إنشاء منطقة عازلة على حدودها مع سوريا، بحيث يسمح فقط للمليشيات الصديقة -كفصيل الهجري- بحمل السلاح، وليس لأولئك المدعومين من الحكومة".