إفريقيا تندفع بسرعة نحو مزارع البيتكوين.. أبرز الفرص والتحديات

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

أصبحت العملات الرقمية، وعلى رأسها البيتكوين، ظاهرة متنامية في إفريقيا، حيث توفر فرصا كبيرة للتغلب على التحديات الاقتصادية وتوسيع الشمول المالي في القارة. 

ورغم الطبيعة المتقلبة لهذه العملات، فإنها تكتسب شعبية واسعة بسبب اعتمادها على التكنولوجيا اللامركزية، التي تتيح للأفراد إجراء معاملات مالية دون الحاجة إلى مؤسسات مصرفية تقليدية، وفق ما تقول صحيفة "جون أفريك" الفرنسية.

ومن ناحية أخرى، تشير إلى أن العملات الرقمية تعد وسيلة فعالة لتحقيق الشمول المالي، خاصة في المناطق التي يعاني سكانها من ضعف الخدمات المصرفية التقليدية.

كذلك تُستخدم لتقليل تكاليف التحويلات الدولية التي تعد شريان حياة للعديد من الأسر الإفريقية، حيث يعمل الكثير من الأفارقة في الخارج ويرسلون أموالا إلى بلدانهم.

ولكن في مقابل ذلك، ترى الصحيفة أن العملات الرقمية في إفريقيا تواجه عقبات عدة، منها ضعف البنية التحتية التكنولوجية وغياب التنظيم القانوني في العديد من الدول. 

كما تثير هذه العملات مخاوف تتعلق بغسيل الأموال والاحتيال، مما يدفع بعض الحكومات إلى التردد في تبنيها. 

اهتمام متزايد

وسلطت الصحيفة الضوء على قيمة البيتكوين الواحد أمام الدولار في الماضي والحاضر. 

وقالت إن "البيتزا التي اشتراها (المبرمج الشهير في دوائر التشفير) لازلو هانييتش في عام 2010 مقابل 10 آلاف بيتكوين تساوي مليار دولار اليوم".

وكان سعر البيتكوين الواحد في ذلك الوقت 0.003 دولار، ولكن قيمتها شهدت ارتفاعا كبيرا منذ فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

ويرجع ذلك -وفق الصحيفة- جزئيا إلى المواقف المؤيدة للبيتكوين التي أظهرها الرئيس القادم للبيت الأبيض.

وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وصلت قيمة البيتكوين إلى أعلى مستوى تاريخي لها عند 103.853 دولارا، وذلك بعد تعيين ترامب لبول أتكينز، وهو منظم سابق مؤيد للعملات المشفرة، على رأس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. 

بالإضافة إلى تعيين الملياردير ديفيد ساكس، المعروف بـ "قيصر العملات المشفرة"، مسؤولا عنها في البيت الأبيض، وهو منصب أُنشأ خصيصا لهذه المناسبة.

وهنا، تتساءل الصحيفة: "هل ستتسبب الولاية الثانية لدونالد ترامب في تأثير مماثل على البيتكوين لما حدث مع منصة إكس بعد انتخابه في عام 2016؟". وهنا توضح الصحيفة الفرنسية أن العديد من المستثمرين مقتنعون بذلك. 

وتنوّه أن صدى هذا الاهتمام المتزايد يتردد بالبيتكوين بشكل خاص في إفريقيا، خاصة في نيجيريا، التي تُعد ثاني أكبر دولة من حيث استخدام العملات المشفرة.

وهذا بالإضافة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، التي أصبحت منذ عام 2022 واحدة من دولتين فقط، إلى جانب السلفادور، تعترفان بالبيتكوين كعملة قانونية. 

علاوة على ذلك، تبرز الصحيفة أن آثار هذا الاهتمام ظهرت كذلك في المغرب، حيث أعلن البنك المركزي، في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، عن التحضير لقانون يهدف إلى السماح باستخدام العملات الافتراضية، التي كانت محظورة في المملكة منذ عام 2017.

إفريقيا والبيتكوين

وفي تحليلها لما يحدث في إفريقيا، تقول الصحيفة الفرنسية إن "العملات المشفرة تُوصف أحيانا بأنها سحرية، وفي أحيان أخرى بأنها ثورية". 

وأكدت أنها تثير اهتماما كبيرا في القارة الإفريقية، على الرغم من طبيعتها شديدة التقلب والمضاربة. 

ومن وجهة نظر الصحيفة، فإن حقيقة أنها تعتمد على تقنية لا مركزية، وهي "البلوكشين"، دون الحاجة إلى وسيط، تجذب العديد من المستثمرين.

إضافة إلى ذلك،  تعد العملات المشفرة بالنسبة للكثيرين وسيلة دفع بديلة وأداة للتحرر المالي في منطقة لا يتعامل فيها أكثر من نصف السكان مع البنوك، وحيث يعاني النظام المالي التقليدي أحيانا لكسب ثقة الناس.

وفي هذا السياق، تظهر الصحيفة أنه بين يوليو/تموز 2023 ويونيو/حزيران 2024، تلقت إفريقيا جنوب الصحراء حوالي 125 مليار دولار عبر تقنية البلوكشين، وهو مبلغ يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي السنوي لكينيا.

وعلى الرغم من أن هذا الاهتمام حقيقي، فإن المبلغ لا يمثل سوى 2.7 بالمئة من حجم المعاملات على المستوى العالمي.

ولكن عند النظر إلى عدد المستخدمين، توضح الصحيفة أن إفريقيا تحتل المرتبة الثالثة بـ 44 مليون مستخدم، متقدمة على أوروبا وأميركا الجنوبية.

ونقلا عن مؤشر "تبني العملات المشفرة العالمي"، في عام 2024، كانت خمسة اقتصادات إفريقية (نيجيريا -الثانية عالميا- وإثيوبيا والمغرب وكينيا وجنوب إفريقيا) ضمن أفضل 30 دولة عالميا في اعتماد هذه العملات.

ومع انخراط نحو ثلث سكانها في معاملات العملات المشفرة، تحتل نيجيريا مكانة رائدة بلا منازع في القارة وعلى مستوى العالم. 

ولتوضيح السبب، تشير الصحيفة إلى أن "التقييمات المتكررة للنايرا -العملة النيجيرية- والقيود المصرفية الشديدة محليا تدفع النيجيريين إلى الاعتماد على العملات الافتراضية كبديل".

ووفقا لشركة "تشايناليزيس"، يستخدم الأفارقة العملات المشفرة لأغراض المدفوعات المهنية، وللحماية من التضخم، ولإجراء تحويلات أكثر تكرارا وبأحجام أصغر، مثل تلك التي تنفذها الجاليات الإفريقية في الخارج. 

وبحسب تقرير الشركة المتخصصة بتحليل بيانات العملات المشفرة، والتي تصدر هذا المؤشر سنويا، فإن البحث عن الربح ليس الدافع الأول للمستثمرين.

وعلى جانب آخر، تلفت الصحيفة الفرنسية النظر إلى أن إفريقيا جنوب الصحراء تتصدر التصنيف العالمي في تبني التمويل اللامركزي "DeFi".

وهو نظام خدمات مالية مبني على تقنية البلوكشين، وخصوصا شبكة "إيثيريوم"، بهدف إعادة إنشاء الخدمات المصرفية التقليدية مثل القروض والادخار والتداول وغيرها.

وكسبب آخر لانتشار العملات المشفرة، يتجه رواد الأعمال الشباب والشركات الصغيرة بشكل متزايد نحو الأصول الرقمية لتجاوز العقبات التقليدية للتجارة الدولية. 

إذ أصبحت المعاملات عبر الحدود، التي كانت غالبا مكلفة وبطيئة، سريعة واقتصادية بفضل منصات مثل "Binance" و"Paxful".

فوائد وأضرار

وفي المناطق التي تعاني من عدم استقرار العملات المحلية وصعوبة الوصول إلى الدولار، تزداد شعبية العملات المستقرة مثل "USD Coin" و"Tether"، وفق ما أشارت إليه الصحيفة.

وتقول إن "هذه الأصول الرقمية، المرتبطة بالدولار، تُعد وسيلة للحفاظ على القيمة وتبسيط المدفوعات الدولية ودعم التجارة عبر الحدود". 

جدير بالذكر أن العملات المستقرة تمثل حوالي 43 بالمئة من المعاملات في إفريقيا جنوب الصحراء.

وفي نيجيريا، تُستخدم العملات المستقرة كوسيلة لحماية الأصول من انخفاض قيمة النايرا، كما تعد بديلا فعالا للخدمات المصرفية الباهظة.

وعلى الرغم من الحماس الذي تثيره، كما تقول الصحيفة، لا تزال العملات المشفرة تكافح لتحقيق وعودها في القارة الإفريقية. 

وبالإشارة إلى العقبات العديدة التي تواجهها في القارة السوداء، توضح الصحيفة أن العملات المشفرة "بعيدة عن التبني الشامل، خصوصا بسبب قلة الوصول إلى الإنترنت، بالإضافة غياب إطار قانوني واضح في العديد من الدول". 

علاوة على ذلك، لا تزال بعض الدول تحظر استخدامها، مبررة ذلك بمخاوف تتعلق بغسل الأموال والاحتيال، وهي مخاطر حقيقية بالفعل، بحسب رأي الصحيفة الفرنسية.

وعلى جانب آخر، تسلط الضوء الى أن "هذه العملات تُعد أيضا شديدة الاستهلاك للطاقة". 

إذ تستهلك عملية تعدين العملات المشفرة، التي تُعد أساسية لتأكيد المعاملات، أكثر من 121 تيراواط/ساعة سنويا، وهو ما يتجاوز الاستهلاك الطاقي للأرجنتين. 

وهذا الواقع دفع الصين إلى حظر أنشطة التعدين على أراضيها عام 2021، مما تسبّب في انتقال واسع لهذه العمليات إلى دول مثل كازاخستان.

وفي هذا السياق، تبرز "جون أفريك" أن إثيوبيا، بفضل الكهرباء منخفضة التكلفة لديها، أصبحت وجهة جديدة لعمالقة تعدين العملات المشفرة. 

وبالفعل، على الرغم من أن نصف السكان لا يحصلون على الكهرباء، وأن العملات الافتراضية لا تزال محظورة، تستضيف أديس أبابا بالفعل حوالي عشرين مزرعة بيتكوين.