"قلق إيراني".. كيف عمّق مقتل نصر الله الخلافات داخل المليشيات العراقية؟

يوسف العلي | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

ألقى اغتيال إسرائيل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، بظلاله على وحدة ما يعرف بـ"المقاومة الإسلامية" الشيعية في العراق، التي تضم العديد من المليشيات الموالية لإيران.

وتعلن هذه المليشيات بين الحين والآخر تبنيها هجمات ضد إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأبرزها كتائب "حزب الله" بقيادة أبو حسين الحميداوي، وحركة "النجباء" بزعامة أكرم الكعبين.

وأيضا تضم "كتائب سيد الشهداء" بقيادة أبو آلاء الولائي، و"عصائب أهل الحق" برئاسة قيس الخزعلي، وكلها معاقبة أميركيا.

توترات متزايدة

وتفاقمت خلافات "المقاومة الإسلامية" في العراق بعد اغتيال أمين عام حزب الله في لبنان حسن نصر الله في 27 سبتمبر/ أيلول 2024، والذي كان يحظى بنفوذ داخل تلك الفصائل المتنافسة فيما بينها.

وأفادت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات أن قادة "المقاومة الإسلامية" بالعراق عقدوا اجتماعات متكررة في بغداد منذ بداية أكتوبر 2024، ولكنهم لم يتفقوا حتى الآن إلا على زيادة هجماتها على إسرائيل.

وأفادت المجلة خلال عددها الصادر في 25 أكتوبر، بأنه إلى جانب علاقتها بطهران، تناقش المليشيات العراقية عددا من القضايا الأخرى بما في ذلك الموقف تجاه الولايات المتحدة والحاجة المحتملة لإخلاء مقارها قبل الضربات الانتقامية المحتملة. 

وبحسب المجلة، فإن "المليشيات الشيعية تحمل اسم المقاومة الإسلامية في العراق، لتقديم نفسها ككيان موحد، يشن هجمات على إسرائيل ويلعب دورا متزايد الوضوح في الصراع الإقليمي، لكن التوترات داخل مكوناتها تقوض هذا العمل المنسق".

وفي 14 أكتوبر 2024، أصدرت "المقاومة الإسلامية في العراق" بيانا تبنت فيه شن هجوم بطائرات مسيرة على أهداف إسرائيلية، كجزء من "إسنادها عن بعد" لراعيها الإيراني.

وأشارت المجلة إلى أنه "وراء هذه البيانات شبه اليومية، المزينة بصور معدلة أو مقاطع فيديو عسكرية، فإن مجموعة من هذه الفصائل قد لا تكون دائما على اطلاع بشأن الإستراتيجية التي يجب تبنيها في مثل هذا السياق الإقليمي المتغير بسرعة".

وأضافت أنه في نهاية أكتوبر 2023، نُشرت البيانات الأولى تحت اسم "المقاومة الإسلامية في العراق" لتشكل "واجهة مفيدة" لتبني الهجمات ضد الولايات المتحدة- كما حدث في الأردن خلال يناير/كانون الثاني 2024- أو المصالح الإسرائيلية. 

وفي 28 يناير 2024، شنت مليشيات إيران في العراق هجوما ضد قاعدة عسكرية أميركية في الأردن يطلق عليها "برج 22"، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة 25 آخرين، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة للرد على ذلك بضربتين عنيفتين.

وقعت الضربة الأولى بمحافظة الأنبار غرب العراق في 3 فبراير/شباط 2024، أسفرت عن مقتل 16 عنصرا من المليشيات العراقية، بينما أودت الثانية- بعدها بأربعة أيام-، بحياة القائدين في "كتائب حزب الله"، أبو باقر الساعدي، وأركان العلياوي.

وتسمح مظلة "المقاومة الإسلامية في العراق" للمليشيات الموالية لإيران الأكثر عنفا مثل: "كتائب حزب الله، وحركة النجباء، وعصائب أهل الحق" بتنفيذ هجمات دون تحميلها المسؤولية الفردية.

تكمن وراء هذه الواجهة الموحدة صراعات داخلية على السلطة؛ إذ تسعى "عصائب أهل الحق" إلى تحقيق مكاسب سياسية في العراق وإيران، وفقا للمجلة الفرنسية.

وأكدت أن طهران وجهت دعوة إلى زعيم "العصائب" قيس الخزعلي لحضور صلاة الجمعة في 4 أكتوبر ليعطي مكانة شرفية بوقوفه خلف المرشد الأعلى علي خامنئي وبجانب شخصيات بارزة من النظام الإيراني مثل رئيس المكتب العسكري للأخير العميد محمد شيرازي.

وتسعى الحركة أيضا إلى الحصول على جوازات سفر دبلوماسية للتنقل عبر المطارات الغربية.

فقد تولى أحد أعضائها ويدعى أسعد تركي سواري منصبه كممثل دائم للعراق لدى اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) في باريس، بعد تعيينه من وزير التعليم العالي العراقي نعيم العبودي، رئيس المكتب السياسي لـ"العصائب".

يتلقى الخزعلي أوامره من طهران، لكن علاقاته توترت أخيرا مع زعماء المليشيات الأخرى بما في ذلك قادة "كتائب حزب الله" أبو حسين الحميداوي وأبو علي العسكري، اللذان يؤيدان تصعيد الهجمات ضد إسرائيل أو أي مصالح أميركية في المنطقة بشكل مستقل عن إيران.

تخوّف إيراني

وفي مطلع مارس/آذار 2024، كشفت قناة "وان نيوز" العراقية، أن "النجباء" تحاول وقف زحف "عصائب أهل الحق" نحو المزيد من السطوة على عمل الحكومة، بينما ترفض هي الهدنة مع الولايات المتحدة خشية من ترك الساحة للمنافسين، وتضطر إلى الاختفاء تماما من المشهد.

وأشارت إلى أن "هذا الخلاف أدى إلى حدوث مشادة كلامية بينهما خلال اجتماع عقد أخيرا في العاصمة الإيرانية طهران بسبب انقسامهما بشأن استهداف الأميركيين في العراق".

وبيّنت القناة أن “الاتفاق بين الإيرانيين والنجباء بترتيب مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، كان يتضمن استمرار الهجمات ضد الأميركيين بوتيرة منخفضة خارج العراق ومن دون تهويل إعلامي”.

لكن هذه المليشيا أحدثت ضجة من خلال رفضها للتوجهات الإيرانية الصادرة من قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، وفق ذات المصدر.

ولفتت القناة إلى أنه "أمام عدم انضباط الفصائل والقلق الإيراني المتصاعد من خروج زمام الأمور عن مسارها اقترحت أوساط داخل الحرس الثوري تشكيل جسم عسكري عراقي جديد من ضلع الحشد الشعبي يكون أكثر انضباطا واستجابة للتوجيهات الصادرة من طهران".

يأتي ذلك، بعد تقرير نشرته وكالة "رويترز" البريطانية في 18 فبراير، أكدت فيه أن قاآني، أجرى زيارة، إلى بغداد، قبلها بنحو أسبوعين، أدت إلى توقف الهجمات التي تشنها فصائل متحالفة مع إيران على القوات الأميركية، في خطوة تدل على رغبة طهران في الحيلولة دون نشوب صراع أوسع نطاقا.

ونقلت "رويترز" في حينها عن مصادر عراقية وإيرانية (لم تكشف هويتها)، أن "قاآني التقى بممثلي فصائل مسلحة عدة في مطار بغداد في 29 يناير، بعد أقل من 48 ساعة من اتهام واشنطن لهذه الفصائل بالوقوف وراء مقتل ثلاثة جنود أميركيين في موقع البرج 22 العسكري في الأردن".

وأكدت أن قاآني أبلغ الفصائل أن "سفك الدماء الأميركية يحمل خطرا برد أميركي عنيف. ويتعين عليها أن تبتعد عن المشهد لتجنب شن ضربات أميركية على كبار قادتها أو تدمير بنيتها التحتية الرئيسة أو حتى الانتقام المباشر من إيران".

ولم يوافق أحد الفصائل في البداية على طلب قاآني، لكن معظمها وافق، حسب "رويترز" التي أوضحت، أنه في اليوم التالي، أعلنت جماعة كتائب "حزب الله" العراقية أنها ستعلق هجماتها.

"اتهامات بالغدر"

وفي الوقت الذي لا يزال يدعو فيه الكعبي إلى الجهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي، والزحف إلى الأقصى الشريف، فإنه يشن بين الحين والآخر هجوما على جهات شيعية (لم يسمها) ويتهمها بالخيانة والطعن بالظهر.

وظهر الكعبي بمدينة النجف، في 21 أكتوبر 2024، خلال إقامته حفلا تأبينيا لزعيم حزب الله اللبناني السابق حسن نصر الله، دعا فيه العراقيين إلى "الجهاد وخوض الملحمة في الوقت الحالي ضد الاحتلال الإسرائيلي"، مطالبا "الجميع بشد الرحال إلى الأقصى الشريف".

وفي 25 فبراير، شن أكرم الكعبي، هجوما على جهات شيعية (لم يسمها) بشكل مبطّن، خلال تدوينة على منصة "إكس" واتهمها بالخيانة والاستمرار في توجيه طعنات له بالظهر، مؤكدا أن المعركة مفتوحة مع الولايات المتحدة، والثأر منها للدماء التي أراقتها في العراق.

وقال خلال تدوينته إن "صدورنا مثقلة بالألم والحسرة من بعض شركائنا في الدين والوطن، ففي الوقت الذي نواجه المحتل ونقدّم الدماء فإن الطعنات تتوالى في ظهورنا".

وتابع: "ولا نبتغي من مواقفنا وجهادنا إلا رضا الله سبحانه وتعالى وتأدية الواجب والتكليف الشرعي، وليس لدينا أي منصب في الحكومات المتعاقبة أو المشاركة بالعملية السياسية منذ عام 2003 وحتى اليوم".

وبخصوص الجهات التي اتهمها الكعبي، قال المحلل السياسي العراقي، المنتمي للإطار التنسيقي الشيعي، وائل الركابي إن "حديثه موجه للشيعية، وليس للسنة والأكراد أثر في الطعنات، فهو يعبر عن مكنوناته وموقفه الحقيقي حيال ما يراه ضد الأميركيين".

وأوضح الركابي خلال مقابلة تلفزيونية في 26 فبراير أن "هناك تأثيرا حقيقيا من الحكومة العراقية وأطراف من الإطار التنسيقي على فصائل المقاومة لمنحها (الجهات الرسمية) فرصة الحوار السياسي مع الأميركيين".

وتابع: "ما ذكره الكعبي عن الطعنات، لا يقصد به شخصية قيادية في الإطار التنسيقي، لكنه يعني أن الضغط الذي مارسه الفاعل السياسي المنتمي للإطار والداعم للحكومة في التفاوض، بمثابة الطعن في وقت يعتقد فيه أن المقاومة لا بدّ أن تستمر".

وأشار إلى أن "القرار الشيعي في الإطار التنسيقي الآن مجمع على أنه ليس لديه عداء لأميركا، إذا كانت تتعاطى مع العراق بمصالح مشتركة بعيدة عن وجود قواتها عسكرية داخل الأراضي العراقية تسبب أزمة مع الفصائل".

وفي 11 فبراير، كشف الإعلامي العراقي، أحمد ملا طلال، خلال برنامجه التلفزيوني على قناة "يو تي في" العراقية، أن "خلافات وتلاسنا حادا حصل بين فصائل عدة، وتحديدا بين عصائب أهل الحق والنجباء، وآخرين بخصوص استمرار الهجمات ضد القوات الأميركية".

وأوضح ملا طلال أن "زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، رفض استمرار الهجمات على القوات الأميركية ودعا إلى إيقافها، وأبلغهم بأننا نحن بناة دولة حاليا، وأن من يعارض ذلك هو النجباء وكتائب حزب الله".