مصير غامض.. لهذا تتخوف روسيا من خسارة نفوذها البحري على الساحل السوري

مصعب المجبل | منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

يواجه الوجود الروسي على ساحل مدينة طرطوس السورية مصيرا غامضا، في ظل بحث الإدارة الجديدة في دمشق طبيعة العلاقة مع موسكو عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد.

وفي عهد بشار الأسد، نجحت روسيا في تأمين تجديد عقد إيجارها القديم لميناء طرطوس، موطن القاعدة البحرية الروسية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط، لمدة 49 عاما.

لكن بعد فرار الأسد إلى روسيا في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، أصبح اتفاق الميناء الطويل الأجل “موضع شك”.

تضييق ملحوظ

ومنعت الإدارة السورية الجديدة، السفن الروسية من الرسو في الميناء، وأجبرت بعضها على الانتظار مدة طويلة قبل السماح لها بالعودة إلى ساحل طرطوس.

وسمحت دمشق في 22 يناير/ كانون الثاني 2025 لسفينة روسية بالرسو في القسم العسكري من ميناء طرطوس، بعد انتظار لأكثر من 14 يوما، جراء القيود التي فرضتها الإدارة السورية الجديدة على السفن والعمليات الروسية في سوريا.

ووفق ما ذكرت وكالة الأنباء البولندية، فإن السفينة الروسية "سبارتا 2"، التي غادرت ميناء بالتييسك في منطقة كالينينغراد في 11 يناير 2025، دخلت البحر المتوسط بداية العام المذكور، ووصلت إلى الساحل السوري في 8 من الشهر ذاته، وحصلت على إذن بالرسو في ميناء طرطوس بعد 14 يوما.

وأضافت الوكالة أنه من المرجح أن تكون السفينة "سبارتا 2"، وهي سفينة متعددة الوظائف ومصممة لنقل المعدات والحاويات والبضائع العامة، محملة بمعدات عسكرية، حيث تستخدم وزارة الدفاع الروسية هذه السفينة بشكل متكرر لنقل المعدات العسكرية.

وخلال فترة انتظارها إلى جانب وحدات بحرية روسية أخرى، اضطرت السفن الروسية إلى الابتعاد 18 ميلا عن الشواطئ السورية، بسبب الدوريات التي تقوم بها القوات السورية في المياه الإقليمية، ما جعل الطريق الوحيد لإجلاء الأفراد الروس من سوريا هو قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية.

وقد رست السفينة بجوار مخزون المعدات العسكرية والمركبات المعدة للشحن والتي يتوقع أن تبحر سواء إلى روسيا أو إلى جزء آخر من البحر الأبيض المتوسط.

يبلغ طول سفينة الشحن الجاف "سبارتا" 126.84 مترا، ويمكنها الوصول إلى سرعة 15.9 عقدة بحرية، ويمكنها حمل ما يصل إلى 641 حاوية بطول عشرين قدما أو 316 حاوية بطول أربعين قدما، ويمكن أن يستوعب سطح السفينة ما يصل إلى 35 حاملة سيارات.

ونهاية سبتمبر/ أيلول 2015، تدخلت روسيا في سوريا  لدعم الأسد في قمع الثورة التي اندلعت عام 2011 وانتصرت عام 2024.

وكان الهدف الأساسي لموسكو من تدخلها في سوريا، هو نجاحها في توقيع عقد استئجار طويل الأجل عام 2017 لقاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية لمدة 49 عاما قابلة للتمديد لمدة 25 سنة أخرى.

وذلك إلى جانب القاعدة البحرية الروسية على ساحل طرطوس التي جرى استئجارها أيضا لـ49 عاما وشكلت نقطة دعم لوجستي لقاعدة حميميم التي تبعد نحو 50 كيلومترا عنها.

تخفيض الرسوم

وفي مؤشر قد يؤدي إلى إنهاء الوجود البحري الروسي على الساحل السوري، أعلنت الإدارة السورية الجديدة إنهاء العقد الموقع مع شركة روسية لاستثمار ميناء طرطوس، وطالبت الشركة بمغادرة البلاد.

وقال مدير جمارك طرطوس، رياض جودي في 20 يناير 2025: إن "العمل بالاتفاقية الموقع مع الشركة الروسية لاستثمار مرفأ طرطوس ألغي، وأصبحت إيرادات المرفأ بالكامل لصالح الدولة السورية".

وفي تصريحات نقلتها صحيفة "الوطن" المحلية، أوضح جودي أن الحكومة الانتقالية “تعمل على إعادة هيكلة المرفأ، وتحاول إعادة تشغيله بشكل كامل”، 

وأشار إلى أن “الحكومة تعمل على تخفيض الرسوم الجمركية على بعض البضائع بنسبة 60 بالمئة؛ لتعزيز تنافسية المرفأ مع مرافئ الدول المجاورة، مع فرض رسوم مرتفعة فقط لحماية المنتجات المحلية”.

والشركة المشار إليها هي شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية الخاصة، التي وقعت مع نظام الأسد البائد عام 2019، عقدا لإدارة الميناء والاستثمار فهي بنحو 500 مليون دولار في تحديثه على مدى أربع سنوات.

ونص العقد حينها على أن مدة الاستثمار البالغة 49 عاما، وكذلك تقاسم الأرباح بحصة للشركة الروسية بنسبة 65 بالمئة من إجمالي الأرباح، في حين تحصل حكومة نظام الأسد على 35  بالمئة، ويتضمن المشروع كذلك توسيع الجزء الشمالي من المرفأ الذي بنته شركة دنماركية عام 1960.

وكان من المخطط أن تعمل الشركة الروسية على تأمين أرصفة في ميناء طرطوس بأعماق كبيرة تستوعب حمولات سفن تصل إلى 100 ألف طن، حيث كانت تتراوح أعماق أرصفة المرفأ بين 4 و13 مترا، ما يجعلها غير قادرة على استيعاب أكثر من 30 إلى 35 ألف طن كوزن سفينة واحدة.

وتعد الشركة الروسية المذكورة واحدة من أكبر شركات المقاولات في روسيا ويملكها جينادي تيمشينكو وهو رجل أعمال مقرب من الرئيس فلاديمير بوتين. وسبق أن فازت الشركة في عام 2018 بعقد لاستثمار واستخراج الفوسفات من مناجم منطقة تدمر لمدة 50 عاما كذلك.

قلق روسي

وميناء طرطوس، الذي يضم القاعدة البحرية الروسية الوحيدة خارج حدودها، يشكل محورا رئيسا في إستراتيجية موسكو الإقليمية. 

وبحسب وزير الدفاع في الحكومة السورية الانتقالية مرهف أبو قصر، فإن المفاوضات تجرى حاليا بشأن مستقبل القواعد العسكرية الروسية على الأراضي السورية، دون التوصل إلى حل نهائي لهذه القضية حتى الآن. 

وضمن هذا السياق، رأى الخبير العسكري فاسيلي دانديكين أن "إنهاء اتفاقية إيجار ميناء طرطوس هو قرار غير سار ومثير للقلق بالنسبة لنا".

وقال دانديكين لصحيفة "إزفستيا" الروسية في 22 يناير 2025 إن : "هذه الاتفاقية تتعلق بالاستخدام التجاري للميناء وتطويره، ولكن ليس مركزنا اللوجستي"، في إشارة إلى عقد الاستئجار لميناء طرطوس من قبل روسيا الذي أبرم عام 2017 وما يزال ساري المفعول.

ورأى دانديكين أن "روسيا لا يزال لديها مصالح في منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​​​والشرق الأوسط".

وأردف: "روسيا ليس لديها في طرطوس قاعدة بحرية كاملة، بل نقطة انطلاق، ومع ذلك، هناك أرصفة حيث كانت السفن والغواصات العاملة في البحر الأبيض المتوسط ترسو هناك".

ولفت دانديكين، إلى أن "روسيا منذ عام 2017 أجرت بعض الإصلاحات في الميناء وكانت السفن الروسية تتزود بالمياه العذبة والوقود ومواد التشحيم من طرطوس بدلا من الذهاب إلى الجزائر على سبيل المثال، لكن هذه الخطوة تستغرق وقتا".

بدوره، رأى الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين، أن "روسيا إذا خسرت القاعدة البحرية في طرطوس، فلن يكون لدى سفن البحرية الروسية مكان للاختباء والإصلاح في البحر الأبيض المتوسط".

وقال ليتوفكين لصحيفة "إزفستيا" الروسية، إن "تركيا أغلقت الآن مضيقي البوسفور والدردنيل، وبالتالي لا تستطيع السفن الروسية العودة أو الدخول إلى البحر الأسود لإجراء نفس الإصلاحات".

وأشار إلى أن "لا أحد يحب حقيقة وجودنا في البحر الأبيض المتوسط، وفي المقام الأول الأميركيون والإسرائيليون".

البحث عن البديل

وذهب ليتوفكين للقول: "سوريا تحت الضغط حاليا؛ لذا هناك احتمال أن تخسر موسكو قاعدتها في طرطوس، لكن حتى اللحظة تم إنهاء الاتفاق بشأن الميناء فقط.. والميناء والقاعدة مفهومان مختلفان.. وقيادتنا، التي تعلم بهذا الاحتمال، أعتقد أنها تبحث عن بديل لهذه القواعد".

واستدرك: "لكن أين ستقع هذه القواعد؟ هو سؤال كبير.. لا يوجد ضمان ثابت بأننا سنتمكن من الاستقرار في ليبيا أو الجزائر أو مصر. على وجه الخصوص، اتفقنا ذات مرة على قاعدة في إريتريا، لكن في اللحظة الأخيرة جاءت الحكومة الجديدة ورفضتنا".

​​في 18 ديسمبر 2024، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية بأنه تمّ نقل رادارات وأنظمة دفاع جوي روسية من بينها "إس-300" و"إس-400" من سوريا إلى ليبيا، مستندة في ذلك إلى مسؤولين ليبيين وأميركيين.

وكانت الاستخبارات العسكرية البريطانية قالت عبر بيان صادر في 21 يناير 2025: "لا توجد قاعدة بديلة مماثلة للبحرية الروسية في المنطقة. ومن المؤكد أن قدرتها على تقديم الدعم اللوجستي لكل من جيشها ومقاوليها العسكريين الخاصين في إفريقيا، فضلا عن الحد من الضرر الذي لحق بسمعتها بسبب سقوط نظام الأسد، ستكون من أولويات الحكومة الروسية".

ويؤكد خبراء أن الإدارة السورية الجديدة تعمل على عدم ترك الساحة السورية عرضة للانقسامات الدولية وتفعيل عوامل الضغط التي وفرها النظام البائد لكل من روسيا وإيران تجاه المجتمع الدولي.

ويشير هؤلاء إلى أن دمشق لن تسمح بعودة الأنشطة الروسية السابقة المدرجة في قائمة العقوبات الغربية مثل نقل المعدات العسكرية من شبه جزيرة القرم إلى سوريا.

إذ إنه من غير الواضح مدى استمرار سوريا ما بعد الأسد في أن تقدم لموسكو مَرسى على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي "ناتو" ومنصة لاختبار قدراتها العسكرية البحرية.

ولا سيما أنه عقب اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 استخدمت موسكو مرارا قاعدة طرطوس في معادلة الضغط على حلفاء كييف، عبر استعراض قدراتها العسكرية في مواجهة حاملات الطائرات الأميركية.

وحضر وزير الدفاع الروسي السابق سيرغي شويغو في أكثر من مرة التدريبات الروسية على الساحل السوري، والذي تكدست عنده في إحدى التدريبات 15 سفينة، من أساطيل المحيط الهادئ والشمال والبحر الأسود التابعة لموسكو.

وركزت التدريبات وقتها عام 2022 على "رصد الغواصات المعادية، وفرض السيطرة على الملاحة في البحر، وتنظيم عبور الطائرات لأجواء المنطقة".

واليوم مع عودة الدبلوماسيين الأجانب والصحافيين الأجانب للتغطية في سوريا، بات الوجود الروسي “كصندوق مفتوح” ليس كما كان زمن الأسد، ولا سيما في رصد خرق العقوبات الدولية، أو التحركات المشبوهة.

فعقب غزو أوكرانيا رصدت كييف عمليات نهب روسيا للحبوب من الأراضي الأوكرانية حيث اتخذت موسكو من سوريا إحدى أبرز الوجهات لتخزين القمح المسروق، "لغايات إستراتيجية" مستقبلية.

وقيل وقتها: إنه لمواجهة الحاجة الملحة للحبوب، فإنه لن تتردد العديد من الدول الإفريقية في شراء الحبوب التي توفرها روسيا بغضّ النظر عن مصدرها، وفق ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في يوليو/تموز 2022 عن خبراء.