“على إسرائيل أن تقلق من تطبيع العلاقات مع كازاخستان”.. صحيفة عبرية تكشف السر

منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، أن كازاخستان وافقت رسميا على الانضمام إلى اتفاقات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، المعروفة باسم اتفاقات أبراهام.

وجاء الإعلان عقب اتصال هاتفي جمع ترامب برئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف.

وكتب ترامب على حسابه في منصة "تروث سوشيال": "كازاخستان أول دولة في ولايتي الرئاسية الثانية تنضم إلى اتفاقيات أبراهام، والأولى من بين العديد من الدول القادمة.. المزيد من الدول تتجه نحو تبني السلام والازدهار من خلال اتفاقات أبراهام".

من جانبها، شككت صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية في جدوى انضمام أستانا إلى اتفاقيات التطبيع وقالت: "عندما أعلن ترامب انضمام كازاخستان إلى اتفاقيات أبراهام، بدا الأمر وكأنه إنجاز دبلوماسي، لكنه في الواقع كان مجرد استعراض".

حملة علاقات عامة 

ولفتت الصحيفة إلى وجود "حملة علاقات عامة منسقة بعناية رافقت الإعلان؛ حيث سارع البعض إلى الترحيب بهذه الخطوة مشيرين إلى الفوائد العديدة المترتبة على إقامة علاقات بين إسرائيل وكازاخستان، مع التركيز على دلالات تقارب دولة مسلمة كبيرة من إسرائيل".

غير أنها أشارت إلى "مشكلة صغيرة واحدة فقط، فإسرائيل وكازاخستان تقيمان علاقات دبلوماسية كاملة بالفعل منذ عام 1992".

علاوة على ذلك، فإن "العلاقات بين إسرائيل وكازاخستان دافئة ومتنوعة، رغم أنها لا تزال بعيدة عن استغلال كامل الإمكانات الهائلة بين البلدين". وفق قولها.

فكازاخستان تُعد الشريك الأبرز لإسرائيل في منطقة آسيا الوسطى، وتجمعهما روابط في مجالات الطاقة، والأمن، والاقتصاد، والصحة، والزراعة، والتكنولوجيا وغيرها.

بالإضافة إلى ذلك، يُعفى السياح الإسرائيليون من تأشيرة الدخول، في وقت يشهد فيه البلدان تبادلا منتظما للزيارات بين كبار المسؤولين، إلى جانب مشاركة واسعة من الحاخامات في مؤتمرات تُعقد في كازاخستان.

وقد زار نتنياهو كازاخستان في ديسمبر/ كانون الأول 2016 ، مما أعطى دفعة جديدة للعلاقات الثنائية، وأسهم لاحقا في مشاركة إسرائيل في معرض "إكسبو" الذي أقيم في أستانا عام 2017. 

ومع ذلك، ينوه التقرير إلى أن "هذا الزخم لم يُترجم إلى نشاط تجاري واسع؛ إذ ظل حجم التبادل التجاري بين البلدين منخفضا، في حدود 200 مليون دولار تقريبا".

في الوقت ذاته، تعد كازاخستان موردا رئيسا للنفط والقمح إلى إسرائيل، وقد اشترت على مدار السنوات تقنيات أمنية متنوعة من تل أبيب.

وفي سياق الأحداث الأخيرة، ذكرت الصحيفة أن أستانا كانت الدولة الوحيدة في آسيا الوسطى التي أدانت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ودعت إلى إطلاق سراح جميع الأسرى.

"وفي الوقت نفسه، قدمت كازاخستان مساعدات مالية للفلسطينيين بقيمة مليون دولار، وشهدت مدنها عددا محدودا من التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين". وفق التقرير.

وأشادت الصحيفة بنظام الحكم في أستانا: "رغم هذه التناقضات، فإن الطابع العلماني لكازاخستان -وهو إرث من الحقبة السوفيتية- ينجح في كبح صعود التيارات الإسلامية داخل البلاد، مما يحافظ على نموذج الإسلام المعتدل فيها".

فرصة إستراتيجية

استنادا إلى كل تلك المعطيات، تساءلت الصحيفة عن دلالة الخطوة الأميركية، مشيرة إلى أن إدراج كازاخستان ضمن الاتفاقيات يعد "أمرا مثيرا للاستغراب، على أقل تقدير".

في هذا الصدد، ترى "إسرائيل هيوم" أن "هناك تفسيرا بسيطا ذا بعد جيو سياسي لا يتعلق بإسرائيل على الإطلاق".

وتابعت موضحة: "فالرئيس ترامب يستغل إطارا قائما من أجل توسيع نفوذ الولايات المتحدة في دول الجنوب العالمي، مع التركيز على الدول التي تخضع تقليديا لتأثير كبير من روسيا والصين".

وتعتقد أنه "في هذا السياق، قامت الولايات المتحدة بالتوسط بين أذربيجان وأرمينيا لتوقيع اتفاق يخدم الشركات الأميركية ويحد من نفوذ روسيا وإيران في منطقة القوقاز".

كما تمت الإشارة إلى أذربيجان، الصديقة المقربة من إسرائيل، في سياق الحديث عن قوات حفظ السلام في غزة.

وبنفس المنطق، "رأت الولايات المتحدة فرصة إستراتيجية في كازاخستان التي تخضع منذ سنوات طويلة لتأثير روسي وصيني قوي، لكنها تسعى مؤخرا إلى موازنة هذا النفوذ عبر التقارب مع الغرب"، وفق تقدير الصحيفة.

ولفتت إلى أن "الإعلان جاء خلال قمة قادة آسيا الوسطى التي عُقدت في البيت الأبيض بحضور ترامب، وهدفت إلى تعزيز العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، لا سيما كازاخستان، مع التركيز على المعادن الحيوية التي تدخل في صناعات محورية مثل الإلكترونيات، السيارات، الطيران، البطاريات وغيرها".

في هذا الإطار، تنوه الصحيفة إلى أن الاقتصاد الكازاخي لا يزال يعتمد بشكل كبير على تصدير المواد الخام مثل النفط والمعادن.

ووفقا لبيانات عام 2023، صدرت كازاخستان معادن حيوية بقيمة 3 مليارات دولار إلى الصين، ونحو ملياري دولار إلى روسيا، بينما لم يتجاوز حجم صادراتها من المعادن إلى الولايات المتحدة 500 مليون دولار فقط.

وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب "يسعى إلى تغيير هذه المعادلة، والضغط من أجل تعديل تشريعات قديمة سائدة في دول آسيا الوسطى بهدف تسهيل الاستثمارات المتبادلة والأعمال التجارية الأميركية في المنطقة".

وأفادت بأنه "خلال القمة، جرى توقيع مجموعة من الصفقات الكبرى تجاوزت قيمتها مليارات الدولارات، شملت قطاعات التعدين والطيران -عبر اتفاق مع شركة بوينغ- إلى جانب الزراعة  والتمويل، كما أبرمت شركة (ستارلينك) التابعة لإيلون ماسك صفقة ضخمة مع كازاخستان.

نموذجان مختلفان

من جانب آخر، ترى الصحيفة الإسرائيلية أن هذا النهج الأميركي "كشف عن مشكلة أوسع بكثير؛ إذ تروج واشنطن اليوم لرؤيتين متوازيتين، ونموذجين مختلفين للنظام العالمي".

وفسرت ذلك بالقول: "من جهة، هناك (الممر الأوسط) بقيادة تركيا، الذي يربط الصين بأوروبا عبر كازاخستان وبحر قزوين ومنطقة القوقاز، وممر زنغزور الذي فُتح عقب اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا".

وذكرت أنه "يُروج لهذا الممر كبديل للخط العابر لسيبيريا الذي تعطل بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، لكنه في الواقع أداة بيد أنقرة لتوسيع نفوذها الإقليمي".

وتابعت: "ومن جهة أخرى، هناك مشروع IMEC -الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا- وهو مبادرة متعددة الأبعاد تربط الهند والإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل وقبرص واليونان بأوروبا، عبر شبكة من الموانئ والسكك الحديدية والطاقة والبيانات".

وتنوه إلى أن "الفرق بين المشروعين ليس جغرافيا فحسب، بل جوهريا، فالممر الأوسط يعني استبدال التبعية لموسكو بتبعية لأنقرة".

وأردفت: "أما IMEC، فهو تنويع حقيقي؛ جسر هندي عربي متوسطي يمتد من مومباي شرقا إلى ميناء بيرايوس غربا، مرورا بالأردن وإسرائيل وصولا إلى البحر المتوسط، ويمنح العالم عمودا فقريا للاستقرار في مواجهة روسيا والصين وتركيا".

وتقدر أنه "عندما أدرج ترامب كازاخستان -وهي دولة ترتبط بموسكو من خلال عضويتها في الاتحاد الأوراسي- تحت مظلة (اتفاقيات أبراهام)، فإنه بذلك خلط بين الرموز والواقع، وطمس الفارق بين الممرات، مما أضعف الرسالة الإستراتيجية الأميركية".

وأشارت إلى أن "إحدى نتائج السابع من أكتوبر/ تشرين الأول وقف مشروع الممر الذي كان قد تم الإعلان عنه قبل شهر واحد (سبتمبر/ أيلول 2023) فقط في نيودلهي".

وأبرزت الصحيفة ما عدته محاولات إيرانية تركية لإجهاض هذا الممر، وقالت: "أدرك الإيرانيون أن مشروع IMEC هو سبيل للاستقرار والتطبيع والشراكة الإسرائيلية السعودية، ما يعني تهديدا مباشرا لمحورهم".

وأضافت: "ومن ثم هاجم الحوثيون في اليمن ممرات الشحن في البحر الأحمر، مما أدى إلى تباطؤ كبير في حركة الملاحة في قناة السويس".

واستطردت: "التفت مئات السفن حول إفريقيا، وارتفعت تكاليف التأمين التجاري بشكل كبير، واكتشف العالم مجددا ثمن الاعتماد على مسار واحد".

"هنا انتهزت تركيا الفرصة، فبينما أدان الرئيس التركي أردوغان الضربات الأميركية والبريطانية ضد الحوثيين، قدم ممره كبديل (آمن)، مستفيدا من حالة الفوضى". تقول الصحيفة.

وتكمل: "لم يكن ذلك صدفة، بل سياسة مدروسة من جانب أنقرة".

في الوقت ذاته، يرى التقرير أن الهند عبر عمليتها العسكرية ضد باكستان في مايو/ أيار 2025 قدمت "نموذجا معاكسا تماما".

وقال: "فعملية (سندور) التي قادتها أثبتت أن الردع في القرن الحادي والعشرين لا يعتمد فقط على الصواريخ، بل على تكامل المعلومات الاستخباراتية والاتصالات والأقمار الصناعية وسلاسل الإمداد والتنسيق بين القارات".

وأردف: "وهذا هو جوهر مشروع IMEC: القوة تُبنى على الترابط، لا على التبعية".

واستطرد: "ما توقف بسبب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ليس رفاهية، بل ضرورة أمنية واقتصادية".

"بعبارة أخرى، فإن خط IMEC شريان حياة ونظام دفاع للحرية والأمن والبنى التحتية لكل شركائه، وللعالم الحر كله". وفق وصف الصحيفة.

في هذا السياق، زعمت الصحيفة أنه "بدأ بالفعل الانتقال من مرحلة التصور إلى مرحلة التنفيذ"؛ حيث ربطت العديد من التطورات الإنشائية في البني التحتية للعديد من الدول بمشروع IMEC.

وقالت: "تبني السعودية والهند خطوط سكك حديد داخلية جديدة، ويتم توسعة موانئ جدة وحيفا، كما يتم العمل على مشروع لربط شبكات الكهرباء الأوروبية بشبكة قبرص فيما يعرف باسم (الربط البحري العظيم)".

وأضافت أنه "أخيرا، وخلال قمة الطاقة في أثينا، جددت إسرائيل واليونان وقبرص والولايات المتحدة آلية "3+1"، واضعة بذلك الأساس للمرحلة التالية".

وعقبت على هذا النهج الأميركي قائلة: "العالم يتأرجح بين الاستعراض والواقع، وهنا تحديدا تُختبر السياسة الخارجية الأميركية: بين إدارة الأوهام وقيادة نظام مستقر، لا يمكن الجمع بين الاثنين".

المستفيد الأكبر

في المحصلة، ترى الصحيفة الإسرائيلية أن واشنطن هي المستفيد الأكبر من انضمام كازاخستان إلى اتفاقيات أبراهام.

وقالت: "بما أن ترامب هو صاحب هذه الاتفاقيات، وبما أنه لا أحد يستطيع أن يملي عليه ما يقول، فمن حقه أن يصرح بما يشاء، بل ومن حقه أيضا أن يضخ في مصطلح (اتفاقيات أبراهام) مضامين جديدة كليا، مثل توسيع النفوذ الأميركي في آسيا، أو البحث عن مصادر جديدة للمعادن الأساسية اللازمة لصناعات التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي".

واستدركت: "لكن، وهنا يكمن التحفظ الأساسي، فإن الجوهر الحقيقي والأكثر أهمية لاتفاقيات أبراهام -أي التطبيع بين إسرائيل والدول العربية- لا يمت بصلة لما حدث".

وتابعت: "بل على العكس، فإن كازاخستان كانت جزءا من هذا الجوهر، أي السلام بين اليهودية والإسلام، منذ سنوات طويلة، ولا يمكن (ضم) شخص أو منظمة أو دولة إلى شيء هم جزء منه بالفعل منذ زمن".

وشددت على أن “القول: إن كازاخستان (انضمت إلى اتفاقيات أبراهام) يشبه تماما الادعاء بأن رجلا متزوجا قد تزوج مجددا من زوجته الحالية، فلماذا إذن يروج ترامب لهذه الوهم؟”

في هذا السياق، تحذر الصحيفة من أن "تعزيز مكانة الولايات المتحدة وإسرائيل في آسيا تحت مظلة (اتفاقيات أبراهام) لا يخدم هذه الاتفاقيات، بل يُضعف من قيمتها ومعناها الأصلي".

واستطردت: "إن الاستخدام البراغماتي -وربما المتعمد- لإطار (اتفاقيات أبراهام) كوسيلة لترويج نشاطات تجارية وعلاقات عامة مع دول تربطها علاقات قائمة بالفعل مع إسرائيل، يُعد مساسا بفرادة هذه الاتفاقيات وقيمتها الرمزية".

في نهاية المطاف، تؤكد "إسرائيل هيوم" على أن "هذا التحرك يعد خطوة إيجابية للغاية بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة في سياق التنافس الجيوسياسي مع الصين وروسيا، لكنه لا يحمل تأثيرا جوهريا أو مباشرا على إسرائيل".