بعد سقوط الأسد.. ما إمكانية تفعيل مشروع خط الغاز بين قطر وتركيا؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

عاد مشروع "خط أنابيب الغاز الطبيعي بين قطر وتركيا" إلى الواجهة بعد إسقاط نظام البعث الذي حكم سوريا لمدة 61 عاما.

وجرى تجميد هذا المشروع عام 2009، ليطرح نفسه مجددا كخيار إستراتيجي في مجال الطاقة بالمنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد. 

وسلط مركز سيتا التركي للأبحاث والدراسات الضوء على المشروع وتكاليف إنشائه وضمانات الطلب المستدام والتحديات التي تتعلق به.

احتمالات التفعيل 

وقالت الكاتبة التركية "بشرى زينب أوزديمير" إن المشروع يعد واحدا من المبادرات المهمة التي تسعى إلى تعزيز التعاون الإقليمي، وضمان وصول الغاز الطبيعي القطري إلى الأسواق الأوروبية عبر تركيا.

ولفتت إلى أهمية العوامل التي قد تؤثر على نجاح المشروع؛ مثل أمن المنطقة وبيئة الاستثمار والاستقرار السياسي. 

بالإضافة إلى ضرورة النظر في التغيرات الجارية في ديناميكيات الطاقة العالمية وتأثيرها على هذا النوع من المشاريع الحيوية.

وكما هو معروف تعد قطر من أهم المُصَدِّرين في سوق الغاز الطبيعي، حيث تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث الاحتياطيات المثبتة بعد كل من روسيا وإيران.

 ويصل الاحتياطي فيها إلى ما يقارب 25 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي على الرغم من صغر مساحتها الجغرافية. 

وأضافت الكاتبة أن قطر تأتي في المرتبة الثانية بعد روسيا كأكبر مصدّر لهذه المادة في العالم، ويعتمد معظم تصديرها على الغاز الطبيعي المسال. 

وبيّنت أن خط أنابيب "دولفين غاز"، (يربط قطر وعُمان والإمارات) الذي بدأ تشغيله عام 2004، هو خط التصدير الوحيد للدوحة حاليا ويبلغ طوله 370 كيلومترا.

لكن على الرغم من قدرة قطر الكبيرة على تصدير الغاز، فإن المنطقة التي توجد فيها تُعد هشة من الناحية الجيوسياسية. 

وأوضحت أن مشروع خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا كان يهدف في عام 2009 إلى المرور عبر السعودية والأردن وسوريا، إلا أن معارضة نظام الأسد آنذاك أدت إلى إيقافه. 

ومع اندلاع الحرب السورية التي استمرت أكثر من 13 سنة، أصبح تنفيذ المشروع بالمخطط الأصلي شبه مستحيل.

لكن في ظل الظروف الحالية ومع تغير النظام السياسي في سوريا فإن هناك احتمالا لتفعيل المشروع من دون مواجهة عقبات سياسية كبيرة. 

غير أنه من الضروري أخذ حجم المشروع وتعقيداته في الحسبان، إذ يتطلب استثمارات ضخمة واستقرارا طويل الأمد في المنطقة.

الطلب على الغاز

وأردفت أنه مع تزايد التوجه العالمي نحو التحول إلى مصادر طاقة أنظف أصبح التخلي عن استخدام الفحم في دول الاتحاد الأوروبي أمرا حتميا، مما يجعل الطلب على الغاز الطبيعي محوريا في المرحلة المقبلة.

في هذا السياق، من الضروري أن تأخذ الدول في حسبانها التحديات الاقتصادية المرتبطة بتنفيذ مشاريع كبرى، مثل مشروع خط أنابيب الغاز بين قطر وتركيا، خاصة في ظل التكلفة العالية لبنائه. 

ولهذا يجب أن تكون الأسعار عند مستويات تجعل تنفيذ مثل هذا المشروع ذي التكلفة المرتفعة ممكنا، وإلا فلن يكون توفير التمويل أمرا متاحا. 

بالإضافة إلى أن تنفيذ المشروع يتطلب ضمانات شراء طويلة الأمد، وهو ما يمثل تحدياً، وفق الكاتبة.

واستدركت: تعد تركيا واحدة من أكبر أسواق الغاز الطبيعي في المنطقة، فهي ثاني أكبر مستورد له بعد ألمانيا. 

ومع ذلك فإن تركيا لديها عقود طويلة الأمد مع كل من روسيا وإيران وأذربيجان. 

ومن المتوقع أن ينقل خط بهذا الطول كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، لكن في ظل الظروف الحالية قد لا تستطيع تركيا خلق طلب كافٍ لجعل المشروع مجديا اقتصاديا.

وأردفت الكاتبة التركية: الاتحاد الأوروبي يتعامل بحذر مع العقود طويلة الأمد نتيجة التوترات السياسية مع روسيا، وأهدافه لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

وتركز السياسات الحالية للاتحاد الأوروبي على دعم محطات الطاقة التي تعمل بالغاز كبديل لمحطات الفحم، ما يزيد من أهمية تقدير حجم الطلب المستقبلي على هذه المادة.

وأوضحت الكاتبة أن التحدي يكمن في أن البنية التحتية للاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة عضو غير متكاملة وليست متصلة ببعضها البعض بالكامل. 

فعلى سبيل المثال لا يمكن نقل الغاز الذي يصل إلى إسبانيا بسهولة إلى ألمانيا عبر خطوط الأنابيب. 

ومع ذلك، إذا اعتمد الاتحاد الأوروبي على سيناريو يجرى فيه استبدال محطات الفحم بالغاز الطبيعي وزيادة استهلاك الأخير في المنازل والصناعات، فإن فرص تسويق الغاز القطري في أوروبا ستكون مرتفعة.

تحديات المشروع

واستدركت الكاتبة: تواجه فكرة إنشاء خط أنابيب الغاز الطبيعي من قطر إلى تركيا تحديات عديدة، أبرزها طول مسار الخط والتعقيدات الجيوسياسية التي تحيط بتنفيذه. 

فبحسب خبراء مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، فإن هذا المشروع يتطلب التزامات طويلة الأجل من المشترين لضمان جدواه الاقتصادية. 

بالإضافة إلى أن استكمال المشروع قد يستغرق حتى عام 2030، وهو ما يتعارض مع الهدف الأوروبي لتحقيق حياد الكربون بحلول عام 2050. 

فلتحقيق حياد الكربون تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى تقليل استخدام الغاز الطبيعي وغيره من مصادر الوقود الأحفوري تدريجيا، واستبدال مصادر طاقة متجددة بها كالطاقة الشمسية والرياح. 

هذا يعني أن الاعتماد على مشاريع طويلة الأجل للبنية التحتية للغاز الطبيعي مثل خط الأنابيب يتناقض مع هذه الخطط المستقبلية.

وإذا بدأ المشروع في عام 2030، فهذا يعني أن خط الأنابيب سيظل قيد التشغيل لعقود لاحقة ليكون مجديا اقتصاديا. 

ولكن مع اقتراب عام 2050 ستكون هناك ضغوط متزايدة لتقليل الانبعاثات الكربونية، مما قد يحد من استخدام الغاز الطبيعي ويجعل المشروع غير مستدام على المدى الطويل.

ورغم ذلك فإن العديد من الدول ستظل تعتمد على الغاز الطبيعي حتى ذلك الوقت خصوصا أن خطوط الأنابيب تُعد التزاما طويل الأمد.

وأشارت الكاتبة التركية إلى أن الوضع في سوريا يمثل تحديا رئيسا، حيث لا تزال البلاد بعيدة عن تحقيق الاستقرار، مما يجعل أي مشروع يمر عبر أراضيها محفوفا بالمخاطر. 

وأوضحت أن هناك تنافسا كبيرا من قبل مصدري الغاز الطبيعي المسال الأميركيين الذين يسعون لتزويد السوق الأوروبية، مما يضيف مزيدا من التعقيد إلى المشهد.

وأضافت: موافقة السعودية على مرور خط الأنابيب عبر أراضيها مسألة غير مضمونة، لكن إذا أبدت تركيا رغبتها في توقيع هذه الاتفاقيات فقد يتغير الوضع. 

فتركيا تُبدي مرونة في تنويع مصادرها ولا تواجه تحديات كبيرة بشأن الطلب على الغاز، ما قد يدعم فرص تنفيذ المشروع مستقبلا.