واشنطن طلبت من موسكو تقليص علاقاتها مع طهران أو قطعها بالكامل.. مقابل ماذا؟

لافروف تحدث مع الجانب الإيراني عن رغبة روسيا في التهدئة في سوريا
أثارت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى إيران أخيرا، العديد من التساؤلات كونها جاءت بعد زيارته إلى العاصمة التركية أنقرة ولقائه كبار المسؤولين، إضافة إلى أنه سبقتها محادثات أميركية روسية استضافتها العاصمة السعودية الرياض.
آخر زيارة أجراها لافروف إلى إيران كانت في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وذلك من أجل حضور اجتماع يهدف إلى إيجاد حل للتوترات بين أذربيجان وأرمينيا، إثر اشتباكات عسكرية بينهما، دعمت فيها طهران وموسكو الأخيرة، بينما وقفت تركيا إلى جانب أذربيجان.

"النووي" وسوريا
خلال المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الروسي بالعاصمة طهران في 25 فبراير/ شباط 2025، برز بقوة ملفا النووي الإيراني، وتطورات سوريا؛ إذ تطرق الجانبان إلى هذين الملفين خلال التصريحات المشتركة للوزيرين عراقجي ولافروف.
وذكر بيان الخارجية الروسية أن لافروف ناقش قضايا عديدة مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي، وأنه "توافقت الآراء بشأن الوضع حول خطة العمل الشاملة المشتركة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني".
روسيا هي أحد الموقعين على الاتفاق النووي لعام 2015 إلى جانب الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. وبموجبه رفعت عقوبات مفروضة على إيران مقابل كبح أنشطتها النووية.
وقالت وزارة الخارجية الروسية: إن لافروف ناقش خلال زيارته مجموعة واسعة من القضايا الثنائية والإقليمية، بما في ذلك سوريا ولبنان وأفغانستان والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ثم غادر الوزير طهران متوجها إلى قطر.
وصرَّح لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني في طهران بأن موسكو على يقين بأن التدابير الدبلوماسية لا تزال مطروحة على الطاولة فيما يتعلق بحل قضايا البرنامج النووي الإيراني.
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن المباحثات كانت مفصلة ومثمرة، مشيرا إلى أن الرئيسين الروسي والإيراني عقدا لقاءين العام الماضي؛ حيث وقّعا معاهدة تاريخية لتعزيز التعاون في جميع المجالات.
وعن الاتفاق النووي الإيراني، قال لافروف: "نعتقد أن الفرصة الدبلوماسية لا تزال قائمة ويجب استغلالها، نحن نأمل في إيجاد حل، فهذه الأزمة لم تتسبب بها إيران".
كما أشار إلى مناقشة الأوضاع السورية، وأن روسيا وإيران متفقتان على ضرورة استقرار البلاد، وأن شمولية العملية السياسية أمر مهم، ويجب انتظار نتائج مجلس الشعب (البرلمان) السوري لتحديد أهداف الحكومة الجديدة، لكن موسكو تدعم استقرار سوريا ووحدة أراضيها.
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إنه "أجرى محادثات جيدة وبناءة مع لافروف"، مبينا أن "التنسيق بين إيران وروسيا مستمر في مختلف المجالات، وأجرينا اليوم محادثات مطوّلة ومثمرة واستعرضنا عدة قضايا مهمة".
وأشار عراقجي إلى أنه "من المقرر عقد اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين في أبريل 2025"، مبينا: "هناك مشاورات وثيقة بين إيران وروسيا بشأن البرنامج النووي الإيراني، إذ تبقى فرقنا على اتصال مستمر، وسنواصل هذه المشاورات".
وتابع: "أطلعنا لافروف على تفاصيل المحادثات التي أجريناها مع الدول الأوروبية الثلاث، ونؤكد أن إيران تنسق مع روسيا والصين في هذا الملف".
وبشأن المفاوضات النووية مع واشنطن، قال عراقجي: "موقفنا واضح بشأن المفاوضات النووية: لن نتفاوض تحت الضغط أو التهديد أو العقوبات، لذا لا إمكانية لإجراء مفاوضات مباشرة بيننا وبين الولايات المتحدة طالما استمرت سياسة الضغوط القصوى".
وعن العلاقات مع دمشق، قال وزير الخارجية الإيراني: "سندعم السلام والاستقرار في سوريا وسنستمر في دعم محور المقاومة بالمنطقة".

تهدئة محتملة
وبخصوص نتائج الملفات التي بحثها لافروف في طهران، قال الخبير في الشأن الإيراني، مصطف النعيمي: إن "مسار التهدئة في المحادثات النووية سواء على مستوى الولايات المتحدة أو بريطانيا أو دول الاتحاد الأوروبي مع إيران، وصلت إلى طريق مسدود".
وتوقع النعيمي في حديث مع "الاستقلال" أن "فتح المزيد من جبهات المواجهة مع إيران أصبح ضرورة مُلحّة في ظل وجود تهديدات ومخاطر امتلاك طهران للأسلحة النووية، كذلك عدم قبول الجانب الإيراني بتفتيش المفاعلات النووية وإطفاء أجهزه المراقبة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا يشكل استفزازا حقيقيا".
وأضاف أنّ "المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من التداولات بشأن الملف الإيراني النووي، ولكن بتحكم أميركي"، مستبعدا في الوقت ذاته "قدرة إيران على امتلاك قدرة تؤهّلها لإنتاج قنبلة نووية، فضلا عن وجود تهديدات إسرائيلية، والتي سبق لها أن ضربت برنامج الفرط صوتي للصواريخ التي استخدمت في استهداف إسرائيل".
ورأى الخبير في الشأن الإيراني أن "التهديدات الإيرانية النووية غير دقيقة، لكنها تمنح الولايات المتحدة قدرة على استخدام سياسة الضغط القصوى مرة أخرى، كما أنّ آلية سناب باك مازالت حاضرة حتى هذه اللحظة، وبالتالي من الممكن أن تفرض الولايات المتحدة مزيدا من العقوبات".
و"سناب باك" أو (كبح الزناد) هي آلية توصلت إليها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في حال أخلّت إيران بأي من التزاماتها تجاه تعهداتها للأطراف الموقعة على ما عرف لاحقًا بالاتفاق النووي ٥+١، الذي مثل قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٣١.
واستبعد النعيمي أن تكون زيارة لافروف إلى تركيا لها علاقة بملفات إيران، مؤكدا في الوقت ذاته أن التقارب الروسي الأميركي لن يكون له دور في أن يولّد ضغطا على إيران، لذلك فإن الولايات المتحدة ستعمل منفردة في حال وجود تهديدات ومخاطر ولديها الكثير من الأدوات.
ومن هذه الأدوات، يضيف النعيمي، هي "دعم سلاح الجو الإسرائيلي بقذائف صاروخية من طراز (جي بي يو) 43 والمخصصة لاستهداف التحصينات النووية، والتي أعتقد أن تل أبيب باتت تمتلك الكثير منها، وبناء عليه ربما قد تستخدم في حال أغلق باب التفاوض المباشر".
وتوصل الخبير إلى أن "زيارة لافروف إلى المنطقة العربية، وتركيا هو مسار تهدئة ومحاولة عودة روسيا إليها مجددا، فهي تريد إعادة تموضعها في المنطقة، لا سيما في كل من سوريا وليبيا".
وخلص النعيمي إلى أن "أي اتفاقات تجريها روسيا في منطقة الشرق الأوسط سواء مع أنقرة أو غيرها، فإنها لن تضر بمصالح الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، لا سيما أن الأخيرة، موجودة في الساحة السورية التي توجد فيها تركيا أيضا".

روسيا تتنحى
وعلى الصعيد ذاته، قال نوذر شفيعي، العضو السابق في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، إنه "لا يمكن لأي حوار أميركي روسي أن يتناول شتى الملفات سواء أوكرانيا أو العلاقة مع بكين (..) من دون أن يأخذ الملف الإيراني في الحسبان".
ونقلت وكالة أنباء "إيلنا" الناطقة بالفارسية، عن شفيعي في 25 فبراير، توقعه أن "يقدّم لافروف تقريرا عن محادثاته مع نظيره الأميركي للجانب الإيراني تشمل المطالب الأميركية من إيران، وكذلك توقعات واشنطن من موسكو بشأن علاقاتها مع طهران".
وعمّا إذا كان لافروف يحمل رسالة من القيادة السورية الجديدة إلى طهران عقب تفعيل القنوات الروسية مع دمشق إثر سقوط نظام بشار الأسد، قال النائب السابق: إن "الأكثر أهمية في زيارة الضيف الروسي هو الملفات بين طهران وموسكو وعلاقتها بالجانب الأميركي".
وتوقع شفيعي، وهو أستاذ حالي للعلاقات الدولية بجامعة طهران، أن تفضي زيارة لافروف إلى نتائج دقيقة جدا بما فيها تغيير أو تقويض العلاقات بين طهران وموسكو، أو تحديد مسافة موسكو من طهران في حال حدوث اصطدام بين طهران وواشنطن.
وأضاف السياسي الإيراني أن "إيران قد تقرر المضي قدما في سياساتها رغم التقرير الذي سمعته من لافروف، وبالتالي قد نشهد تحديات بين طهران من جهة وواشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، لكن من دون أي تدخل روسي".
وخلال المرحلة المقبلة، رأى الخبير الإيراني، أنه "في إطار العلاقات التي تسعى روسيا لإقامتها مع الولايات المتحدة أو تركيا وكذلك سوريا، فإن موسكو لن تتعاون بشكل جاد مع سياسات طهران الخارجية، وهذا ما قد يكون ناقشه لافروف مع المسؤولين الإيرانيين".
ولا يستبعد المتحدث نفسه أن تقبل الولايات المتحدة باستمرارية السلطة الروسية على أجزاء من جغرافيا أوكرانيا التي احتلتها خلال السنوات الأخيرة شريطة تقليص علاقاتها مع طهران أو قطعها بالكامل.
واستدرك شفيعي، قائلا: "مباحثات لافروف في طهران ربما لم تتطرق مباشرة إلى هذه الملفات، لكن لا يصعب استخلاص هذه النتائج من خلال الخطوط التي ستطرح بين الجانبين وعزم موسكو تنظيم علاقتها مع طهران بناء على مستوى علاقاتها المستقبلية مع واشنطن".
وقبل وصول وزير خارجية روسيا إلى إيران، ذكرت وكالة "تسنيم" الإيرانية أن الزيارة تأتي لمناقشة الملف السوري والتطورات الإقليمية بعد إسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024"، إذ كانت روسيا وإيران الحليفان الأقوى له.
وعلى الوتيرة ذاتها، قالت الخارجية الروسية، قبل الزيارة أيضا، إن لافروف وعراقجي سيبحثان ملفات إقليمية بما فيها سوريا واليمن والتسوية في المنطقة، فضلا عن تطورات الاتفاق النووي بشأن برنامج إيران النووي.
المصادر
- لافروف: توافق بين روسيا وإيران بشأن البرنامج النووي
- لافروف من طهران: لا تزال هناك فرصة للدبلوماسية بشأن البرنامج النووي الإيراني
- ماذا تحمل زيارة لافروف إلى طهران؟
- آلية سناب باك
- لافروف: روسيا وإيران عازمتان على تعزيز الاستقرار والهدوء في سوريا
- عراقجي عقب لقائه لافروف: لن نتفاوض مباشرة مع أميركا تحت التهديد