ملاحقة ترامب للطلاب المؤيدين لغزة.. هل تنجح في إسكات الحراك الجامعي؟

إسماعيل يوسف | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

في تصعيد جديد ضد الحراك الطلابي المناصر لغزة، بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ تهديداته ضد الطلاب المحتجين على الإبادة الإسرائيلية، مستخدما أوامر تنفيذية وقرارات قمعية تهدف إلى إسكات الأصوات الداعمة لفلسطين. 

فبعد توقيعه، في 29 يناير/كانون الثاني 2025، أمرا تنفيذيا يتيح ترحيل الطلاب الداعمين لفلسطين، بزعم "مكافحة معاداة السامية"، شرعت الأجهزة الأمنية في اعتقال بعضهم، مع تهديدات بترحيلهم، فيما تعرّضت جامعات مثل كولومبيا لعقوبات مالية قاسية بسبب "تساهلها" مع الاحتجاجات.

 هذه الإجراءات أثارت موجة انتقادات داخل الولايات المتحدة؛ حيث عدها ناشطون تناقضا مع ما تسمى “القيم الأميركية بشأن حرية التعبير”، فيما أبدى آخرون تفاؤلهم بقدرة المؤسسات القضائية على كبح جماح ترامب، بعد أن أوقف القاضي جيسي فورمان قرار ترحيل خليل مؤقتا.

رئيس يحارب طالبا

وطالب ترامب سلطات الهجرة بالهجوم على منزل طالب الدراسات العليا في جامعة كولومبيا، الفلسطيني محمود خليل، واعتقاله من داخل سكنه الجامعي، ووضعه في السجن في 8 مارس/آذار 2025.

ثم غرّد فخورا بمحاربة واعتقال الطالب، واصفا إياه بأنه "أجنبي متطرف مؤيد لـ(حركة المقاومة الإسلامية) حماس"، وهو الأول من بين اعتقالات عديدة قادمة يعتزم تنفيذها، مهددا باعتقال كل أجنبي شارك في مظاهرات الجامعات المناصرة لغزة، وطرده من أميركا.

وكان لخليل دور بارز في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين والمناهضة للاحتلال، التي نُظمت داخل جامعة كولومبيا في نيويورك، بعد 7 أكتوبر 2023، ضمن احتجاجات واسعة شهدتها الجامعات.

بل وزعم، عبر منصته "تروث سوشيال"، أن الطلاب الذين شاركوا في "أنشطة إرهابية ومعادية للسامية ولأميركا"، في إشارة للتظاهر ضد إسرائيل، "محرضون مدفوعو الأجر، نعتقلهم ونرحلهم!".

وكان تصرف "البيت الأبيض" أكثر غرابة؛ حيث نشر حسابه على "إكس" شامتا في اعتقاله يقول: "شالوم محمود"، باللغة العبرية، كأن البيان صادر من حكومة إسرائيل أو الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) لا أميركا.

وقال البيت الأبيض: "لقد اعتقلت دائرة الهجرة والجمارك بكل فخر محمود خليل، وهو طالب أجنبي متطرف مؤيد لحماس، في حرم جامعة كولومبيا، وستليه اعتقالات أخرى".

وهو ما دفع المدعية العامة لنيويورك للقول: "يساورني قلق بالغ إزاء اعتقال واحتجاز محمود خليل، وهو محام ومقيم قانوني دائم من أصل فلسطيني، ويراقب مكتبي الوضع، ونحن على اتصال بمحاميه".

وقد استند هذا الاعتقال على "ورقة حقائق" نُشرت مع الأمر التنفيذي لترامب في 30 يناير 2025، على إلغاء تأشيرات وترحيل طلاب دوليين يرتكبون أعمالا معادية للسامية، وفق تصنيفهم.

وجاء فيها تهديد يقول: "إلى جميع الأجانب المقيمين الذين انضموا إلى الاحتجاجات المؤيدة للجهاديين، نُنذركم: بحلول عام 2025، سنعثر عليكم وسنُرحلكم".

كما قال ترامب: "سأُلغي بسرعة تأشيرات الطلاب لجميع المتعاطفين مع حماس في الجامعات، التي اجتاحها التطرف بشكل غير مسبوق". ويطالب الأمر الرئاسي بـ"إزالة الأجانب المقيمين الذين ينتهكون قوانيننا".

أيضا قال وزير خارجيته، ماركو روبيو، الذي ظهر واضعا صليبا على جبهته وهو يهدد حماس: "سنلغي التأشيرات والبطاقات الخضراء لأنصار حماس في أميركا حتى يمكن ترحيلهم".

وحين اقتحم عملاء من إدارة الهجرة والجمارك، سكن جامعة كولومبيا، وألقوا القبض على خليل واقتادوه إلى السجن، قال لهم: إن معه "غرين كارد" (بطاقة الإقامة الأميركية الدائمة) لكنهم ردوا بأنه جرى إلغاؤها، حسبما ذكرت محاميته إيمي غرير، لوكالة "أسوشيتد برس".

وقبل ساعات من اعتقاله، عبر خليل في تصريحات لوكالة "رويترز" البريطانية 9 مارس، عن قلقه من استهدافه من قبل الحكومة بسبب تصريحاته لوسائل الإعلام.

وزعمت وزارة الأمن الداخلي أنها اعتقلت خليل؛ لأنه "قاد أنشطة مرتبطة بحماس"، حسبما ذكرت وكالة "رويترز 9 مارس 2025.

مخالفة للقانون

ويقول محللون أميركيون: إن قرار اعتقال "خليل" يستند إلى مادة بالقانون الأميركي، تحظر تقديم "الدعم المادي أو الموارد" إلى المجموعات المصنفة داخل الولايات المتحدة على أنها منظمات "إرهابية"، بما في ذلك حركة حماس.

ولكن القانون لم يحدّد أو يحظر "الأنشطة المرتبط" بهذه المجموعات، والتي اعتقل خليل على إثرها وفق وزارة الأمن الداخلي.

كما أن الطالب لم يدعم حماس ولم يقدم "دعما ماليا أو موارد"، وإنما ساند قضية حريات عامة وندّد بإبادة أكدت وقوعها محكمة العدل الدولية نفسها.

ويمنح قانون الهجرة والجنسية لعام 1952 وزير الخارجية سلطة إلغاء التأشيرات من الأجانب الذين يعدون تهديدا، وهي النقطة التي أثارها روبيو بصفته عضوا في مجلس الشيوخ بعد ثمانية أيام من طوفان الأقصى، وفق موقع "أكسيوس".

وقد حذرت مجلة "إنترسبت"، 10 مارس، من أنه "إذا استطاع ترامب ترحيل الطالب محمود خليل فإن حرية التعبير ستكون قد ماتت"، مؤكدة أنه “من غير القانوني ترحيل الأشخاص بسبب التعبير السياسي”.

وأوضحت أن التركيز على ترحيل خليل يرجع إلى أنه كان مشاركا نشطا في حركة سياسية في جامعة كولومبيا.

 ولم توجه إلى خليل تهمة بارتكاب جريمة، أو تتم إدانته، وكان دوره في الحركة هو المفاوض والوسيط مع إدارة الجامعة، أي المشاركة في الخطابة، وفق "إنترسبت".

"ومع هذا قال مسؤول في البيت الأبيض: إن الأساس الذي جرى استهداف خليل بناء عليه سيُستخدم كنموذج للتحقيقات مع طلاب آخرين.

وزعم أن خليل يُعدّ "تهديدًا للسياسة الخارجية والمصالح الأمنية الوطنية للولايات المتحدة"، و"أن هذا التقييم كان القوة الدافعة وراء اعتقاله"، كاشفا أن "الاتهام هنا ليس أنه كان ينتهك القانون"، ما يعني اعترافا بتلفيق التهم له.

وعقب احتجاجات طلابية، أصدر قاضٍ بمحكمة جنوب نيويورك، مساء 10 مارس أمرا بوقف إجراءات ترحيل الطالب خليل، لحين عقد جلسة استماع، لنظر التماس عدم الترحيل، وإصدار قرار نهائي بقبول أو رفض قرار ترامب.

وقد وصل الأمر إلى مراقبة الحكومة الأميركية الطلاب والوافدين وأي مهاجرين عبر حساباتهم على مواقع التواصل ورصد دعمهم لفلسطين أو غزة لعقابهم وطردهم.

وكشف موقع "أكسيوس" الأميركي في 6 مارس، نقلا عن مسؤولين بالخارجية أن الوزير "روبيو" بصدد إطلاق حملة تستخدم الذكاء الاصطناعي لإلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب الذين يبدو أنهم "مؤيدون لحماس".

وحسب أكسيوس، تتضمن هذه الحملة مراجعات بمساعدة الذكاء الاصطناعي لعشرات الآلاف من حسابات السوشيال ميديا لحاملي تأشيرات الطلاب، ما يعني تصعيدا كبيرا في مراقبة الحكومة لسلوك وخطاب الطلاب المواطنين الأجانب.

وجرى إطلاق برنامج "Catch and Revoke"، أي "القبض وإلغاء الإقامة"، وفحص المسؤولون الفيدراليون 100 ألف شخص في نظام زوار التبادل الطلابي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويحمل ما يقرب من 13 مليون شخص في الولايات المتحدة بطاقات الإقامة والهجرة الخضراء (غرين كارد)، بخلاف عشرات الآلاف كطلاب وأساتذة أجانب.

والجميع الآن معرضون لخطر الاعتقال من قبل حكومة ترامب إذا مارسوا حقوقهم في التعديل الأول للدستور الأميركي وهو حق التظاهر والعبادة وإبداء الرأي، وفق حقوقيين أميركيين.

وكشف مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية، 11 مارس 2025، عن ارتفاع بنسبة 7.4 بالمئة، في التمييز والهجمات ضد المسلمين والعرب الأميركيين خلال عام 2024، وتصاعد "الإسلاموفوبيا" نتيجة للحرب الإسرائيلية في غزة.

وبحسب التقرير، سجل المجلس 8658 شكوى تتعلق بالتمييز ضد المسلمين والعرب، وهو أعلى عدد منذ بدء نشر البيانات في عام 1996.

وتركزت معظم الشكاوى في قضايا التوظيف (15.4 بالمئة)، والهجرة (14.8 بالمئة)، والتعليم (9.8 بالمئة)، وجرائم الكراهية (7.5 بالمئة).

قمع الجامعات

ولم يقتصر اعتداء ترامب على الطلاب، واعتقالهم والتهديد بترحيلهم، ولكنه انتقل لعقاب الجامعات الأميركية.

فقد أعلنت وزارات العدل والصحة والتعليم وإدارة الخدمات العامة، في 7 مارس، إلغاء نحو 400 مليون دولار من المنح والعقود الفيدرالية لجامعة كولومبيا.

وحسب بيان وزارة التعليم الأميركية، جاء القرار "بسبب استمرار تقاعس الجامعة عن مواجهة المضايقات المستمرة للطلاب اليهود".

وأوضح البيان أن جامعة كولومبيا تحتفظ حاليا بأكثر من 5 مليارات دولار من التزامات المنح الفيدرالية.

وقال موقع "أكسيوس" الأميركي: إن عمليات الإلغاء هذه تمثّل الجولة الأولى من إجراءات بحق جامعات أخرى كي تقمع أي مظاهرات ضد إسرائيل وتفصل الطلاب.

وبررت وزيرة التعليم ليندا ماكماهون، منع المساعدات عن الجامعات بادعاءات أن “الطلاب اليهود واجهوا عنفا لا هوادة فيه، وترهيبا، ومضايقات معادية للسامية في حرم جامعاتهم، ويتم تجاهلهم من إدارة الجامعة التي يفترض أن تحميهم”، وفق زعمها.

وأضافت "يجب على الجامعات الامتثال لجميع قوانين مكافحة التمييز الفيدرالية إذا كانت ستحصل على تمويل فيدرالي".

وتعرّضت جامعة كولومبيا لانتقادات لاذعة من الجمهوريين في الكونغرس، وبعض الديمقراطيين الذين قالوا إنها فشلت في حماية الطلاب اليهود من معاداة السامية.

واتهموا صحيفة "كولومبيا سبكتاتور" التابعة للجامعة بنشر آراء معادية للسامية، وفق موقع الإذاعة الأميركية (NPR) 7 مارس 2025.

وخشية تعرضها لنفس العقوبة، قررت جامعة ميشيغن الأميركية في 31 يناير 2025 التضييق على أي أنشطة تعارض إسرائيل وعلقت عمل مجموعة "طلاب متحدون من أجل الحرية والمساواة"، المتضامنة مع فلسطين في الجامعة لمدة عامين.

وشهد العام الدراسي 2023-2024 اضطرابات واسعة النطاق في الحرم الجامعي، بما في ذلك الاحتجاجات والمخيمات المؤيدة للفلسطينيين، والمظاهرات المضادة، والاستيلاء على المباني، والاعتقالات، وتقليص احتفالات التخرج في جامعات مثل كولومبيا وجنوب كاليفورنيا.

وفي 18 أبريل/نيسان 2024، طلبت رئيسة جامعة كولومبيا السابقة مينوش نعمت شفيق من الشرطة فض اعتصام الطلاب المحتجين داخل حرم الجامعة وتعهّدت أمام الكونغرس بعقاب المتظاهرين دون تصريح.

وقالت شفيق، وهي من أصل مصري، عبر إيميل للجامعة آنذاك، إنها اتخذت "تلك الخطوة غير الاعتيادية لأن هذه الظروف غير اعتيادية".

وأدى قرار شفيق إلى اتساع رقعة الاحتجاجات داخل الجامعات الأميركية، ولعبت "مجلة جامعة كولومبيا" دورا في الحشد، وانتقلت شرارة الاحتجاجات إلى جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتعاملت معها إدارات الجامعات بأساليب مختلفة؛ إذ استدعى بعضها قوات الأمن إلى الحرم الجامعي، بينما سمح البعض الآخر بتنظيم المظاهرات دون تدخل شرطي.

ومنتصف أغسطس/آب 2024، أعلنت مينوش شفيق استقالتها، بعد أن صوت أعضاء هيئة التدريس بكلية الآداب والعلوم في جامعة كولومبيا، منتصف مايو/أيار 2024، لصالح سحب الثقة منها.

الجامعات تتصدى 

برغم أن الجامعات الأميركية لم تتوقف عن التظاهر نصرة لغزة ضد الإبادة الجماعية الصهيونية في غزة، متحدية ترامب، فقد أشعل قراره باعتقال طالب وترحيله وتهديده الجامعة بحجب التمويل عنها، الجامعات ودفعها للتظاهر ضده.

وانطلقت احتجاجات في جامعة كولومبيا، التي حجب عنها ترامب 400 مليون دولار، أدانت عزمه ترحيل الشاب خليل".

وشارك فيها أستاذة وناشطون يهود، مؤكدين أن الشاب الفلسطيني مقيم بشكل قانوني في الولايات المتحدة وزوجته حامل في شهرها الثامن.

وأدانت بعض جماعات الحقوق المدنية داخل أميركا عملية الاعتقال وعدتها اعتداء على حرية التعبير السياسية.

وما إن جرى اعتقال الطالب، حتى اشتعلت المظاهرات، ورفض رفاقه تركه وحيدا رغم كل التهديدات والمخاطر.

وندد متظاهرون في شوارع نيويورك باعتقال الطالب ووصفوه بأنه "هجوم على حرية التعبير"، واندلعت اشتباكات بينهم وبين الشرطة، بعدما هاجمتهم الأخيرة.

وأثار اعتقال خليل انتقادات وقلقا من خبراء حقوق الإنسان، وبعض المشرعين الديمقراطيين، وحصدت عريضة تطالب بالإفراج عنه أكثر من مليون ونصف المليون توقيع، بحسب تقرير لموقع "إنترسبت" 10 مارس.

وقال ناشطون: إن اختفاء طالب لم تُوجه إليه أي تهمة (أمن ترامب نقله لولاية أخرى لعرقلة الإفراج عنه)، واحتمال ترحيله، يُعد انتهاكا للتعديل الأول للدستور الأميركي، وتصعيدا جديدا في حملة الرئيس القمعية على الخطاب الناقد لإسرائيل وجرائمها ضد الفلسطينيين.

أكدوا في العريضة أن "هذا يشكل سابقة خطيرة حقا تتمثل في قدرة هذه الإدارة على معاقبة معارضيها السياسيين".

وقالت راميا كريشنان، المحامية البارزة في "معهد نايت للتعديل الأول" بجامعة كولومبيا: "إن استهداف إدارة ترامب للطلاب وأعضاء هيئة التدريس رغم أن خطابهم محمي بموجب التعديل الأول أمر مقلق للغاية، ويرسي سابقة خطيرة للغاية".

ولفتت إلى أن هذه الإدارة قد تُعاقب خصومها السياسيين بهذه الطريقة، و"هذا يعني أن لا أحد منا آمن حقا".

وقال "ميشيل جولدبرغ" في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" 10 مارس: إن "هذا أعظم تهديد لحرية الرأي"، وهو يعقب على ما يحدث مع الطالب الفلسطيني محمود خليل.

وقالت الإعلامية العربية المقيمة في أميركا “سمر الجراح”: إن "ما يحدث مع محمود خليل سيصبح قضية قانونية لها تبعات كبيرة جدا، فيما يخص الدستور الأميركي وحرية الرأي والتظاهر التي يكفلها القانون حتى لصاحب الإقامة سواء المؤقتة أو الدائمة".