"مجلة جامعة كولومبيا".. كيف أسهمت في نسف رواية إسرائيل لدى طلاب أميركا؟

12

طباعة

مشاركة

خروج طلاب الجامعات الأميركية، الذي بدأه طلاب جامعة كولومبيا الحكومية، للتضامن مع غزة والتظاهر ضد الاحتلال والمطالبة بوقف استثمار أموالها في مشاريع إسرائيلية، يرجع إلى نتاج عملية تثقيف ملهمة بالقضية الفلسطينية وتفاصيلها.

مجلات ومواقع إلكترونية عديدة دشنها طلاب الجامعات وخاصة ذوي الأصل الفلسطيني أو العربي للتعريف بالقضية الفلسطينية، لعبت أدوارا مهمة في نشر الوعي بين الطلاب.

كما أسهمت في إنهاء عمليات غسيل الدماغ من الروايات اليهودية التي كانت منتشرة بفعل السردية الصهيونية التقليدية حول المظلومية والعداء للسامية وغيرها.

طلاب ومواطنون أميركيون وأوروبيون أخذوا على عاتقهم، عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، مسؤولية شرح تاريخ فلسطين، وتفكيك الرواية الصهيونية الكاذبة، وبيان أن "النكبة" هي بداية المشكلة وتهجير وقتل أهل فلسطين ونهب أرضهم هو السبب.

عملية تثقيف الطلاب انتقلت منهم لاحقا إلى الشعب الأميركي والأوروبي، وظهرت مشاهد لطلبة يقفون وسط الجمهور في وسائل المواصلات أو الشوارع أو المحال التجارية لشرح قضية فلسطين ونسف السردية الإسرائيلية التقليدية، و"كانت مبهرة".

تثقيف غير تقليدي

كانت مفارقة أغاظت اللوبي الصهيوني ورؤساء الجامعات الأميركية أن يروا طلاب جامعاتهم يقرأون كتبا مختلفة عما كان يُدرس لهم ويتضمن عملية “غسيل مخهم” لصالح “الروايات والسرديات اليهودية الصهيونية”.

طلاب بدأوا ينشرون في مجلات جامعاتهم تقارير ودراسات ومراجع عديدة مختلفة تماما عن القضية الفلسطينية ومعاناة النكبة.

وأصبح طلاب أميركا يقرأون كتابات غسان كنفاني، الروائي والمناضل الفلسطيني، وباسل الأعرج، وهو مثقف مقاوم وناشط فلسطيني من الضفة الغربية، وليلى خالد السياسية الفلسطينية في المقاومة الشعبية.

وأصبحت تجتذبهم أيضا كتابات "مالكوم إكس" و"أساتا شاكور"، وينشرون مقتطفات وملخصات لها في مجلاتهم. 

و"مالكوم إكس" داعية  ومدافع عن حقوق الإنسان أميركي من أصل إفريقي، دعا لمقاومة الظلم والاحتلال، وصحَح مسيرة الحركة الإسلامية في أميركا بعد أن انحرفت عن العقيدة الإسلامية، ودعا للعقيدة الصحيحة، واغتيل بسبب ذلك.

أما أساتا شاكور، فاسمها الحقيقي "جوان تشيسيمارد"، وهي إحدى رموز نضال الأميركيين السود، وعضو في حزب الفهود السود، واتهمت بارتكاب عدة جرائم بين 1971 و1973 ووضعت على قوائم "الإرهابيين" لانتصارها لحقوق الشعوب.

وشارك في عمليات تثقيف الطلاب بحقائق قضية فلسطين، أساتذة بعضهم ضحى بوظيفته ووقف أمام الطلاب يشرح لهم حقيقة النكبة والظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، وحقائق التاريخ التي حاول اليهود طمسها في جامعات الغرب.

وأصبحت مفارقة أن تحرر فلسطين العالم، بعدما تأخر العالم في تحرير فلسطين، وتكنس كل الروايات الصهيونية الزائفة التي ظلت تتردد عقود طويلة ويجري حشو عقول الطلاب والأميركيين بها.

إنهاء غسيل المخ

لم يكتف الطلاب بإنهاء غسيل مخهم بأنفسهم، عبر أكبر عملية تثقيف بقراءة كتب وأبحاث عن قضية فلسطين ونشرها في مواقع الجامعات أو حساباتهم الشخصية، ولكنه انتقلوا لتثقيف الشعب الأميركي. 

مجموعات كبيرة من الطلاب، أصرت على حمل الرسالة وتثقيف شعوب أوروبا أيضا بما يجري في فلسطين، وشرح تفاصيل القضية والحقائق المتعلقة بها، في القطارات ومترو الأنفاق وقاعات الطلاب والتجمعات العامة، في إصرار عجيب.

بعضهم لم يكتف بالشرح ولكن وزعوا نشرات توضيحية لقضية فلسطين والنكبة، بعضها تم نسخه مما نشر في مجلة كولومبيا للقانون وغيرها من مواقع الطلاب.

وأسفرت هذه الحملة التثقيفية بصورة مباشر وغير مباشرة في تنمية الوعي لدى الشعوب الأميركية والأوروبية بحقائق القضية الفلسطينية، وظهر بعضهم وهو يدعم المظاهرات ضد الإبادة في غزة.

ويقولون: "لم نكن نعرف شيئاً عن النكبة والقمع الصهيوني للفلسطينيين".

نهاية القمع الجامعي

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 حاول الفلسطيني ربيع إغبارية، وهو محامٍ أكمل دراسة الدكتوراه في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، نشر مقالا في "مجلة هارفارد لو ريفيو" حول قضية نكبة الشعب الفلسطيني من الناحية القانونية، فرُفض المقال.

الرفض جاء بعدما سلم المقال وتم مراجعته وتحريره بالكامل والتحقق من صحته.

وفي مايو/أيار 2024، عاود "إغبارية" محاولة نشر نفس النسخة من المقال عن النكبة الفلسطينية في المجلة القانونية لجامعة كولومبيا، مدفوعا بالتغيير الذي شهدته الجامعات الأميركية التي انتفضت ضد العدوان على غزة، وتم نشر المقال هذه المرة.

نُشر المقال في 3 يونيو 2024، لكن لم تمر ساعات حتى طلبت إدارة جامعة كولومبيا من مجلس إدارة الموقع الإلكتروني لمجلة "كولومبيا لو ريفيو" حذف المقال.

رفض المحررون الطلاب طلب مجلس الإدارة بوقف نشر مقال "إغبارية" الأكاديمي الذي كان بعنوان ""نحو النكبة كمفهوم قانوني"، فردت إدارة الجامعة بتعطيل الموقع الإلكتروني منذ 3 يونيو.

طلاب يحررون المجلة قالوا لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 5 يونيو، إنهم تعرضوا لضغوط من مجلس إدارة المجلة لوقف نشر المقال الذي يبدو أنه يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة ودعم نظام الفصل العنصري.

وعندما رفض المحررون الإذعان للضغوط، ونشروا المقال قام مجلس الإدارة المكون من أعضاء هيئة التدريس والخريجين من كلية الحقوق في جامعة كولومبيا بإغلاق الموقع الإلكتروني كليا.

وصف العديد من المحررين في مجلة كولومبيا لو ريفيو تدخل مجلس الإدارة بأنه انتهاك غير مسبوق لاستقلالية التحرير في الدورية، التي يديرها طلاب في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، وبعد جدل أذعنت إدارة الجامعة وسمحت بالنشر.

كانت هذه الواقعة محل صراع كبير بين الطلاب وإدارة الجامعة، أظهرت حجم التغيير وقوة الطلاب في إجبار الجامعة على نشر المقال أو التوقف عن العمل في الموقع وغلقه بالكامل.

كما أظهرت كيف نجحت قضية غزة وفلسطين في تحرير العالم من قمع السردية الصهيونية التي ظلت تهيمن على الجامعات ولا تسمح بنشر روايات مختلفة عن الأكاذيب الإسرائيلية، وإنهاء التمييز الثقافي والمهني الذي ظل يحاصر طلاب أميركا.

كانت هذه المقالة هي المرة الأولى التي تنشر فيها مجلة "كولومبيا لو ريفيو"، وأيضا "مجلة هارفارد لو ريفيو" مقالا لباحث قانوني فلسطيني حول قضية فلسطين والنكبة بصورة صحيحة بخلاف التدليس الصهيوني.

المقالة التي نشرتها "مجلة كولومبيا للقانون" لعبت دورا كبيرا في معركة التثقيف وإنهاء غسيل مخ طلاب أميركا، حول قضية النكبة، وبيان أن جرائم الاحتلال والإبادة ليست جديدة وظهرت في غزة فقط بل تعود إلى عام النكبة 1948، ومستمرة منذ ذلك الحين.

صحف العالم بدأت تتساءل عن أسباب خشية جامعات النخبة الأميركية من مقال هذا الباحث الفلسطيني.

صحيفة "الغارديان" البريطانية رصدت في 9 يونيو 2024 جانبا من معركة التثقيف هذه ومحاولات اللوبي الصهيوني وقيادات الجامعة وقف نشر مقال "إغبارية" لأنه تناول الوضع القانوني لما يعرف تاريخيا بـ"النكبة" الفلسطينية.

ما أغضب الموالين للاحتلال الإسرائيلي في جامعة كولومبيا الأميركية العريقة، أن "إغبارية"، شرح في مقاله قصة "النكبة" للطلاب عبر مجلة الجامعة ليبين لهم كيف جرت عملية التهجير من فلسطين عام 1948 من منظور قانوني يدين الاحتلال.

وقال في مقاله إن "القانون لا يملك اللغة التي نحن في أمس الحاجة إليها للتعبير بدقة عن مجمل الوضع الفلسطيني".

بيئة معادية

بعدما انتصرت إرادة الطلاب مجددا ورضخت إدارة الجامعة بنشر المقال وألغت تعطيل الموقع الإلكتروني لمجلة "كولومبيا ريفيو"، تصدرت قصة إغبارية عناوين الأخبار في الصحف الكبرى، وأدت الأزمة لمزيد من تعريف الأميركيين بالنكبة.

تم نشر نسخة (PDF) للمقالة على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وحصل على قراء أكثر بكثير مما هو معتاد في الدراسات القانونية، ليزداد تثقيف الأميركيين بالجوانب القانونية للنكبة التي تدين إسرائيل.

"إغبارية" وصف لموقع "إنترسيبت" الأميركي في 6 يونيو، أزمة نشر المقال ورضوخ مجلس إدارة جامعة كولومبيا وقبوله النشر في نهاية المطاف بأنه مثال على أن "فلسطين مُستثناه حيث يأتي الحديث عن حرية التعبير والحرية الأكاديمية".

ووصف الجدل الذي أثاره مجلس إدارة الجامعة حول المقال بأنه "ليس جدالا أكاديميا ولكن سياسي يستهدف قضية فلسطين، ومحاولة مخادعة لصناعة جدل هدفه تقويض وصرف الأنظار بعيدا عن محتوى المقال وفضحه جريمة النكبة".

إغبارية قال أيضا لموقع شبكة "سي إن إن" الأميركية في 5 يونيو: إن "محاولة إدارة الجامعة وأد بحثي القانوني حول النكبة من خلال إغلاق موقع كولومبيا لو ريفيو بأكمله مؤشر واضح على التمييز ضد القضية الفلسطينية".

وأوضح أن ما جرى لا يعكس فقط انتشار استثناء كل ما يخص فلسطين مما يسمى الحرية الأكاديمية، بل هو أيضا شهادة على "ثقافة إنكار النكبة".

وشدد على أن واقعة تدخل مجلس إدارة مجلة كولومبيا ريفيو لحذف مقاله، "يكشف أن المؤسسات الأكاديمية الأميركية هي في الواقع بيئة معادية للغاية للأصوات والفكر الفلسطيني".

ووصف موقع "فلسطين كرونيكل" في 4 يونيو، هذا القمع من قبل مجلس إدارة مجلة كولومبيا للقانون بأنه "محاولة مخزية لإسكات الدراسات القانونية الرائدة التي تسلط الضوء على الكارثة (النكبة) التي تسببت فيها الصهيونية".

وقالت الأستاذة بجامعة كولومبيا، كاثرين فرانك، لموقع "إنترسيبت"، حول منع الإدارة مقال إغبارية: “لا أظن أنهم كانوا سيفعلون ذلك لو كان هذا المقال يتعلق بالتبت أو كشمير أو بورتوريكو أو غيرها من القضايا السياسية محل النزاعات”.

وفر ما يقرب من 700 ألف فلسطيني وطردوا من منازلهم على يد الجماعات اليهودية المسلحة التي سعت إلى إقامة دولة إسرائيل خلال النكبة. 

كما قُتل أكثر من 15 ألف فلسطيني خلال احتلال الصهاينة لفلسطين، ودُمرت 531 بلدة وقرية خلال النكبة، وفقا لمكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني.