3 خيارات أمام بوتين .. لماذا تأخر رد روسيا على هجوم حصان طروادة الأوكراني؟

تمحورت التكهنات بشأن الرد الروسي على الهجوم الأوكراني حول ثلاثة خيارات
دارات التكهنات بشأن الرد الروسي على عملية "سبايدر ويب" التي نفذتها أوكرانيا على القواعد الجوية الروسية قبل أيام، واستهدف 34% من أسطول موسكو من القاذفات النووية المتمركزة في مطارات بعيدة مثل سيبيريا.
كما شنّت أوكرانيا هجوما على جسر كيرتش، نقطة الاتصال المباشرة الوحيدة بين روسيا وشبه جزيرة القرم التي ضمتها، باستخدام 1100 كيلوغرام من المتفجرات التي زُرعت تحت الماء.
وتمحورت التكهنات بشأن الرد الروسي على الهجوم الأوكراني حول ثلاثة خيارات وفق معاهد الأبحاث والصحف الأجنبية:
أولها قرارات مهمة - لا تزال منتظرة - للقيصر بوتين ربما تشمل توجيه ضربة نووية محدودة في عمق كييف أو إحدى المدن الصغيرة، على غرار هيروشيما وناجازاكي، بل والتلويح بتوجيه ضربة لأوروبا في حالة دخول الناتو الحرب ضد روسيا.
وقد أكد مسؤولون أميركيون لوكالة "رويترز" في 8 يونيو/حزيران 2025 أن "الولايات المتحدة تعتقد أن تهديد بوتين بالرد على أوكرانيا لم يحدث بعد بشكل جدي، ومن المرجح أن تكون هناك ضربة كبيرة ومتعددة الأطراف".
وكان الخيار الثاني المحتمل هو الترتيب لقيام بوتين باغتيال الرئيس الأوكراني زيلينسكي أو شن أعنف هجوم بأسلحة أقوى وتدمير كييف العاصمة.
أما الخيار الثالث، والذي يبدو أن بوتين يسير عليه حتى الآن، فهو استمرار الضربات التقليدية لكن بقوة وكثافة ودمار أكثر، كما فعل في هجوم يوم 5 يونيو بقرابة 5 آلاف صاروخ ومسيرة، لكن مع الاحتفاظ لنفسه بحق "الضربة الرئيسة الكبرى" ردا على عملية شبكة العنكبوت.
وتقول كاترينا ستيبانينكو، المحللة الروسية في معهد دراسات الحرب، وهو مركز أبحاث في واشنطن لشبكة CNN يوم 9 يونيو/حزيران: إن بوتين يواجه عدة قيود في تحديد رد روسيا.
القيد الأول وفق ستيبانينكو يتمثل في أن شن رد واسع النطاق ومبتكر ونوعي على عملية "الشبكة العنكبوتية" أشبه بالاعتراف بأن أوكرانيا وجهت ضربة موجعة لروسيا، وهو انطباع حرص الكرملين على تجنبه.
فلم يُصدر المسؤولون الروس اعترافاتٍ علنية تُذكر بالهجوم، واكتفى المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف بالقول، في 5 يونيو/حزيران، إن "موسكو سترد متى وكيفما يراه الجيش ضروريًا"، وفق صحيفة "كييف إندبندانت".
أما القيد الثاني حسب ستيبانينكو، فيتعلق بحجم الخسائر المادية الروسية بسبب التصنيع الحربي المُكلف وطول الحرب والأثمان الباهظة لصواريخ موسكو ودباباتها وطائراتها.
وقالت المحللة الروسية: إن هذا جزء من إستراتيجية مدروسة حيث "يحاول بوتين إخفاء هذا الفشل وتجنب رد فعل نوعي قوي لأن هذا "يتناقض مع الهدف الإستراتيجي للكرملين المتمثل في إخفاء كل شيء" أي إظهار عدم أهمية الضربة الأوكرانية!
وترجح تقديرات غربية وروسية أن بوتين ربما لا يزال يفكر في الرد المناسب وأنه قد يتخلى عن فكرة الضربة النووية لعدة أسباب، منها تلافي استنفار أميركا وأوروبا والعالم ضد أي ضربة نووية يقوم بها وتجنب إشعال حرب عالمية، وفي الوقت ذاته استمراره في امتلاك أوراق ضغط وزمام المبادرة في التصعيد ضد أوكرانيا والغرب.
ولكن هذه التقديرات الغربية تؤكد أنه بجانب تكثيف بوتين الهجمات والتقدم باحتلال مزيد من المدن الأوكرانية، فهو يجهز لضربة أو عملية عسكرية استخبارية "نوعية" تعيد ماء وجه روسيا والتوازن الذي فقدته بعد عملية شبكة العنكبوت الأوكرانية.

انقلاب ميزان القوى
ظلت روسيا تسعى لفرض هيبتها وسياساتها وتستعرض قوتها على دول حلف الناتو، لكنها لم تستطع أن تسيطر على أوكرانيا التي هي خارج حلف الناتو وتعاني من الاحتلال الروسي.
وجاءت عملية شبكة العنكبوت لتظهر هشاشة شبكة الدفاع الروسية وسهولة اختراقها وتشكل تحولا خطيرا في ميزان القوى بين موسكو وكييف.
واستطاع الأوكرانيين أن يُدخلوا العديد من الشاحنات والحاويات التي خُبئ بداخلها 147 مُسيرة من طائرات الدرون التي كانت مُجهزة بالقاذفات المتفجرة، ما يشكل خرقا أمنيا غير عادي لدولة عظمى.
وحينما جاءت ساعة الصفر لتنفيذ العملية الاستخباراتية انطلقت تلك الطائرات المسيرة التي تم التحكم فيها من مسافة 4700 كيلو متر فقط نحو 4 قواعد جوية روسية هي: بيلایا، ودياغيليفو، وإيفانوفو، وأولينيا.
خلال العملية دمرت كييف أكثر من 40 طائرة عسكرية روسية، منها قاذفات إستراتيجية من طراز Tu-95 وTu-22M، وطائرة الإنذار المبكر A-50 وهي من الركائز الأساسية في الهجمات الصاروخية الروسية على المدن الأوكرانية، وفقًا لبيان جهاز الأمن الأوكراني (SBU).
هجوم الطائرات بدون طيار في أوكرانيا كان بمثابة "حصان طروادة" وفق شبكة CNN يوم 9 يونيو/ حزيران 2025، فلأكثر من ثلاث سنوات، استخدمت روسيا أسطولها من القاذفات لإمطار أوكرانيا بنيران جهنم لكن مطلع يونيو/حزيران 2025، ردت كييف باستهداف تلك القاذفات.
وتشير هذه التطورات إلى تحول كبير في ميزان القوى بين روسيا وأوكرانيا، حيث تعتمد الأولى على تفوقها في الأسلحة التقليدية والطائرات المأهولة.
لكن أوكرانيا أظهرت قدرة متزايدة على تنفيذ عمليات دقيقة وعميقة داخل الأراضي الروسية باستخدام تقنيات حديثة وطائرات مسيّرة رخيصة.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" 3 يونيو/حزيران إنه "خلال محاولتها لتغيير حسابات بوتين، كشفت أوكرانيا عن نقاط ضعف روسيا"، وهو ما سيفيد الغرب مستقبلا.
وقالت: إن هجوم كييف على أسطول القاذفات الروسية كان يهدف إلى إظهار وتحذير بوتين من أن استمرار الحرب ينطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة لموسكو.

لماذا تأخر الرد الروسي؟
أثار رد روسيا حتى الآن على العملية الأوكرانية الاستثنائية تساؤلات حول قدرة بوتين على تصعيد الحرب والانتقام الذي طالب به العديد من مؤيديه. وترك ذلك الأوكرانيين يتساءلون عما إذا كانوا قد شعروا بالفعل بتداعيات رد روسيا، أم أن الأسوأ لم يأتِ بعد.
وتدور التوقعات حول أن هجمات أوكرانيا ستُجبر روسيا على إعادة تقييم إستراتيجيتها الدفاعية، خاصة في ظل تعرض قواعدها العسكرية العميقة لهجمات ناجحة وكشفها أمام أميركا والغرب.
وقد يدفع الهجوم الأوكراني النوعي الدب الروسي إلى رأب هذا الصدع الخطير في ميزان القوى مستقبلا، لكن هذا سيتطلب خطوات روسية أكثر عدوانية عسكريا وربما استخدام أسلحة غير تقليدية.
وهو ما تتوقع دوائر من حلف شمال الأطلنطي (الناتو) أن يترتب عليه تدخل روسي ضد دول في الحلف، لذا قال أمين عام حلف الناتو مارك روته 9 يونيو/حزيران 2025 "حان الوقت للاستعداد للحرب".
وأضاف أن "عالم ما بعد الاتحاد السوفيتي انتهى، وبوتين توسعي، وبعد انتهائه من أوكرانيا سيأتي إلى الجبهة الشرقية لأوروبا، واقتصاده اقتصاد حرب".
وأوضح أن "روسيا تنتج من الأسلحة خلال ثلاثة أشهر ما تنتجه كل دول الناتو خلال عام".
ويشير تقدير لموقع "أوراسيان تايمز" 6 يونيو/ حزيران 2025 إلى أن هذا التحفظ والتأخر الروسي في الرد بقوة، وقصر الأمر على هجمات تقليدية حتى الآن، له عدة تفسيرات، منها أن هجوم أوكرانيا كانت خسائره محدودة، وقد لا يبرر الضرر المحدود الذي لحق بالأصول الإستراتيجية الروسية ردًا تصعيديًا.
ومن ثم رغبة الكرملين في استغلال هجوم وتجاوزات أوكرانيا كورقة ضغط على الولايات المتحدة لكبح جماح كييف، وبما يخدم ضبط النفس الروسي مصالح موسكو أكثر من الغضب.
ويرى الموقع أن هناك أيضا ربما "دبلوماسية خفية"، وأثرت المكالمة الهاتفية بين الرئيسين ترامب وبوتين في الحد من رد الفعل الروسي القوي.
ومن المحتمل أن يكون بوتين قد تلقى ضمانات أميركية بأن أوكرانيا لن تستهدف أصولًا وقواعد عسكرية روسية حيوية مجددا.
وهناك احتمال آخر أن تكون ضربة روسيا في 6 يونيو/حزيران مجرد خدعة (ماسكيروفكا)، وأنها كانت هجمات على السكك الحديدية أكثر منها على القواعد الجوية، لكن تم تضخيمها من آلة الدعاية الأوكرانية والغربية.
وفي هذا الصدد، كشف موقع " أوراسيان تايمز" 6 يونيو/ حزيران 2025، إنه رغم نطاق عملية أوكرانيا الطموح، فهي "لم تحقق سوى نجاح محدود"، وفق تقدير الخبراء.
أكد أنه من بين الطائرات الروسية الإستراتيجية الأربعين المستهدفة تقريبًا، لم تتدمر سوى ثماني طائرات فقط، وتبين أن معظم الطائرات الروسية في المطارات كانت وهمية وهياكل، وفق تأكيد الخبراء للموقع!.

هل النووي وارد؟
تنص العقيدة النووية الروسية الحالية على أن موسكو قد تستخدم الأسلحة النووية ردا على هجوم نووي، أو في حالة التعرض لهجوم تقليدي من دولة غير نووية يشكل تهديدا وجوديا للدولة، وهو ما يجرى الآن سواء باحتلال كورسك أو ضرب العمق الروسي.
لكن العقيدة النووية الروسية المنصوص عليها في المرسوم الرئاسي رقم 355 الصادر في 2 يونيو/حزيران 2020، والمُحدَّث في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، غامضة حيث تنص على قائمة واسعة للغاية من مبررات استخدام الأسلحة النووية.
وهذا الغموض في الصياغة يُوحي بأن روسيا تحتفظ بحق التصعيد النووي في أي ظرف حرج تقريبًا في ساحة المعركة، وفق الخبراء.
عقب ضربة "سبايدر ويب"، الأوكرانية، رجحت غالبية التقديرات الغربية أن الوقت قد حان لحسم روسيا الحرب بقنبلة نووية ضد أوكرانيا، وطرح بقوة سؤال: هل سترد روسيا بضربة نووية؟.
أوليكسي إيزهاك، الخبير في المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية، أوضح لموقع "غلوبل اسبريسو"، يونيو/حزيران 2025 أن روسيا تستخدم أسلوب "الابتزاز النووي كحماية أو حصانة من العقاب على العدوان".
وقال: إن موسكو تُشرك بالفعل وبشكل منهجي عناصر من قواتها النووية في الحرب ضد أوكرانيا، حيث تُستخدم منظومات روسيا ذات الاستخدام المزدوج - إسكندر-إم، إسكندر-ك، كينزال، سو-24إم، سو-34، تو-22إم3 - بانتظام من قِبل روسيا في الحرب التقليدية لضرب أوكرانيا.
وفي مثل هذه الحالات، لا ينبغي لروسيا أن تتوقع أن يمنحها وضعها النووي المحتمل أي حصانة وهذا يعني أن روسيا استخدمت نظاما مزدوج الاستخدام في حرب تقليدية، ولن تفيد الرؤوس النووية، وفق قوله
وسبق أن هدد الرئيس الروسي، 19 نوفمبر 2024 بـ "توسيع نطاق القوة النووية لتشمل دولا لا تمتلك قدرات نووية"، فيما يعد تغييرا على عقيدة موسكو النووية، قصد به بوضوح ضرب أوكرانيا بالنووي.
وجاء التهديد الروسي عقب قرار الرئيس الأميركي جو بايدن 18 نوفمبر 2024 السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ أميركية متطورة مداها 300 كيلومتر، لاستهداف مواقع داخل روسيا، وإطلاق أوكرانيا بالفعل ثلاثة صواريخ منها على روسيا.
وقبل "تفعيل" روسيا العقيدة النووية الجديدة وإضافة دول غير نووية لضربها بالنووي، أعلنت الرئاسة الروسية (الكرملين) يوم 3 سبتمبر/أيلول 2024، أن روسيا تقوم بتعديل عقيدتها النووية.
وبررت هذا بأن "الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يهددون روسيا بتصعيد الحرب في أوكرانيا وانتهاك المصالح الأمنية المشروعة لموسكو"، بحسب وكالة "رويترز" 4 سبتمبر 2024.
وسبق أن حذر نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف أن "استخدام أسلحة الناتو بعيدة المدى من قبل كييف، سيولد الحق لروسيا في مهاجمة أوكرانيا والناتو، وهذا سيؤدي لـ"حرب عالمية ثالثة"، بحسب "وكالة الأناضول" 19 نوفمبر 2024.
المصادر
- Aiming to Change Putin’s Calculus, Ukraine Exposes Russia’s Vulnerability
- US believes Russia response to Ukraine drone attack not over yet, expects multi-pronged strike
- Nuclear Attack On Ukraine: Putin’s Muffled, Non-Nuke Response To Kyiv’s Cunning Strikes Disappoints Russians
- Putin promised to make Ukraine pay for its airbase attacks. What does he have left?
- Will Russia respond to Ukraine’s Operation Spider’s Web with nuclear strike?