جوني مور .. قس أميركي متصهين في وجه المحاصرين بـ"غزة"

جوني مور يصف نفسه بالصديق الإنجيلي لإسرائيل
في تطور يثير الريبة، انتقلت ما تسمى مؤسسة “غزة الإنسانية” المدعومة ماليا ولوجستيا من واشنطن وتل أبيب إلى عهدة القس الأميركي جوني مور، الواعظ الإنجيلي المقرب من الرئيس دونالد ترامب.
ويعد المنصب الذي منح إلى مور في 4 يونيو/ حزيران 2025، أكبر من مجرد تغيير إداري روتيني؛ إذ يشير إلى انزلاق كارثي يجعل مصير سكان قطاع غزة تحت رحمة رجل اشتهر بتسويغ العدوان الإسرائيلي وتبني قراءة لاهوتية متطرفة تروج لتفوق إسرائيل.
ومنذ اليوم الأول لتعيينه، قدّم مور نفسه كـ"معيد تأهيل" للمشهد الإغاثي، متجاهلا تماما مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني التي تعرف جيدا طبيعة الاحتياجات الملحة في الميدان.
وبدلا من بناء قنوات ثقة مع منظمات الإغاثة الراسخة، استعان مور بالمرتزقة وشركات العلاقات العامة، وراح يصف مجزرة توزيع المساعدات التي قتل فيها أكثر من مئة فلسطيني على مقربة من مواقع الحراسة الإسرائيلية، بأنها مجرد بداية لمسار طويل من إعادة البناء.
وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت تل أبيب منذ 27 مايو/ أيار 2025، تنفيذ خطة توزيع مساعدات إنسانية عبر ما يُعرف بـ"مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية".
وهذه الجهة مدعومة إسرائيليا وأميركيا لإدارة عملية تجويع سكان قطاع غزة، لكنها مرفوضة من قبل الأمم المتحدة.
ولم تسمح إسرائيل، منذ 2 مارس/ آذار 2025، إلا بدخول أعداد محدودة من شاحنات المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، الخاضع لسيطرتها شرق مدينة رفح، في حين يحتاج الفلسطينيون في غزة إلى نحو 500 شاحنة يوميا كحد أدنى.
ومن هنا فإن مهام مور الحقيقية لا علاقة لها بتوفير الغذاء والمأوى، بل استغلال الكارثة لتسويق أجندة سياسية ودينية تفرغ الجهود الإنسانية من مضمونها، فمن هو هذا الشخص ولماذا اختير لقيادة المؤسسة؟

بداية مور
جوني مور من مواليد عام 1983، وهو قس إنجيلي أميركي، يعرف بقربه من التيارات اليمينية المتطرفة داخل الولايات المتحدة، وتحديدا تلك المرتبطة بإدارة ترامب.
بدأ دراسته في مراحل التعليم المختلفة حتى التحق بجامعة الحرية في ولاية فرجينيا، والتي يدرس طلبتها العلوم الدينية والاجتماعية من منظور مسيحي، وفيها حصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في الدراسات الدينية.
تأثر مور بقوة بأفكار وأطروحات "جيري لايمون فالويل الأب" (1933 - 2007) والذي كان قسا معمدانيا وواعظا تلفزيونيا مؤثرا، وأحد وجهاء الصهيونية المسيحية.
وقد عرف هذا الأخير بعدائه الشديد للإسلام والمسلمين والنبي محمد، وهو الذي أسس كنيسة توماس رود المعمدانية العملاقة في لينشبورغ، بولاية فرجينيا.
كما أسس أكاديمية لينشبورغ المسيحية، التي سميت لاحقا بأكاديمية ليبرتي المسيحية.
وفي أكاديمية ليبرتي تلقى مور كثيرا من تعاليمه وأفكاره، ومن خلالها كان يحرص على مرافقة الأب الروحي له "جيري فالويل" في رحلاته الدينية.

مسيرة مور
بدأ مور مسيرته المهنية مباشرة بعد تخرجه الجامعي في جامعة الحرية؛ حيث تولى منصب قس الحرم الجامعي في جامعته، قبل أن يرقى سريعا إلى منصب النائب الأول لرئيس الجامعة لشؤون الاتصالات.
وفي هذه المرحلة، ترأس هيئة موظفي الجامعة، كما شغل موقع المحاضر الإنجيلي الدائم فيها، ما جعله وجها مألوفا في الأوساط الإنجيلية التعليمية.
لاحقا، لعب دوره الأبرز عندما عينه أستاذه "جيري فالويل"، في منصب مساعده الخاص.
كان هذا التكليف بمثابة الانطلاقة الحقيقية لمور في عالم التأثير السياسي والديني، متجاوزا حدود التعليم إلى دهاليز صناعة القرار الأميركي من بوابة الإيمان المسيس.
وانتقل مور بعد ذلك إلى صناعة الإعلام الديني، ليشغل منصب نائب رئيس قسم المحتوى الديني في مجموعة "يونايتد آرتيستس ميديا" بهوليوود، والتي تعمل على تسويق الروايات الإنجيلية في قالب ترفيهي شعبي.
كما تولى رئاسة "مؤتمر القادة المسيحيين"، وهو تجمع إنجيلي صهيوني يروج لدعم إسرائيل كجزء من معتقد ديني حول نهاية الزمان.
ثم توسعت دائرة نفوذ مور بانضمامه إلى عضوية عدد من الهيئات الأميركية النافذة، من بينها جامعة كونكورديا في كاليفورنيا، حيث شغل منصب زميل أكاديمي.
وانضم أيضا إلى عضوية معهد آسبن المعروف بتأثيره على صناعة السياسات من خلال النخبة الثقافية والسياسية.
وفي عام 2017، برز اسمه على الساحة الإعلامية كممثل ومتحدث باسم متحف الكتاب المقدس في العاصمة واشنطن، وهو مشروع مثير للجدل نظرا لتركيزه على سرديات توراتية تدعم الخطاب الإنجيلي المحافظ.
محطات مور
ومن أبرز محطات مور، تعيينه في لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية (USCIRF)، خلال إدارة ترامب الأولى.
ثم تجديد تعيينه لاحقا في عهد الرئيس السابق جو بايدن، في مؤشر على استمرارية نفوذه داخل النخبة الحاكمة، رغم تغير الإدارات.
ويعد انضمامه إلى "الزمالة الدولية للمسيحيين واليهود" أحد أكثر أدواره أهمية.
إذ تنخرط هذه المؤسسة في جمع التبرعات لدعم هجرة اليهود إلى إسرائيل وبناء جسور تعاون ديني مشبعة بالأيديولوجيا الصهيونية، أكثر منها بالحوار الحقيقي.
كما شغل مور عضوية مبادرة "أصوات إيماني"، وهي شبكة دينية مسيحية تحمل طابعا محافظا.
وقد شارك في مشاريع تهدف لتعزيز السرديات المسيحية الصهيونية داخل الخطاب السياسي الأميركي والدولي.
وإلى جانب كونه رجل دين، يعمل مور في مجال الأعمال، إذ أسس شركة “كايروس” المتخصصة في العلاقات العامة وإدارة الحملات ذات الطابع السياسي والديني، ولها علاقات وثيقة بعدد من الحكومات والكيانات المؤيدة لإسرائيل.
كما يشغل مور منصب رئيس مؤتمر القادة المسيحيين، وهو تجمع إنجيلي ذو توجهات صهيونية واضحة، يعرف بتبنيه نظرية "نهاية الزمان" ومعركة “هرمجدون”.
وهي عقائد لاهوتية تعد تفوق إسرائيل على جيرانها مرحلة ضرورية قبل "عودة المسيح"، وفق القراءة الإنجيلية الأصولية.

الصين وإيران
وعن توجهات مور في السياسة الخارجية، فقد وضع بكين منذ عام 2017 في مرمى نيرانه.
إذ نشر مع الحاخام اليهودي أبراهام كوبر رسالة مفتوحة في مجلة نيوزويك الأميركية، تضمنت خطابا إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ، اتهماه فيه باضطهاد مسلمي الإيغور.
وخلال عضويته في لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية، أوصى مور بإبقاء الصين مصنفة كـ "دولة مثيرة للقلق بشكل خاص".
الرد الصيني جاء في مايو/أيار 2021 حين فرضت بكين عليه وعلى أسرته حظرا من دخول البر الرئيس وهونغ كونغ وماكاو، متهمة إياه بـ "الترويج للتفرقة الدينية".
حينها رأى مور أن الخطوة "وساما شرفيا" يؤكد التزامه بالدفاع عن الحريات، وفق تعبيره.
أيضا مع صعود "تنظيم الدولة" عام 2014، ظهر مور في مبنى الكابيتول محذرا مما وصفه بـ"تهديد وجودي" للمسيحيين في العراق وسوريا.
وفي العام نفسه جاب الشرق الأوسط لتوثيق شهادات الناجين، وجمع ما يزيد على 25 مليون دولار لإغاثتهم.
ونسق في 2015 عمليات إجلاء لعائلات مسيحية الى سلوفاكيا، مؤكدا أن هؤلاء يواجهون خطرا يحدث مرة كل ألف عام.
كما يضع مور طهران في خانة الخصوم العقائديين، وقد دعا مرارا الشعب الإيراني إلى الثورة على النظام.
وأيضا هاجم بشدة اتفاق 2015 النووي، معتبرا أنه يمنح النظام الإيراني شريان حياة، ويضاعف المخاطر على إسرائيل وحلفاء واشنطن في المنطقة.
علاقته بالشرق الأوسط
ولعب جوني مور دورا نشطا في الترويج لرواية "التسامح الديني" التي أصبحت شعارا سياسيا مفضلا للأنظمة السلطوية الباحثة عن شرعية دولية في الشرق الأوسط.
ولا سيما في سياق موجة التطبيع مع إسرائيل والتحالفات الجديدة ضد خصوم إقليميين مثل إيران.
ففي عام 2017، ظهر مور في مؤتمر صحفي نظمته مؤسسة "متحف التسامح" في لوس أنجلوس، رافعا شعار نبذ التعصب، في وقت كان يعمق فيه تحالفاته مع أنظمة إقليمية متهمة بانتهاكات ممنهجة ضد الأقليات والمعارضين.
وأسهم لاحقا في صياغة ما عرف بـ "إعلان البحرين"، وهو بيان علاقات عامة صدر باسم دعم الحريات الدينية، وأعقبه مباشرة زيارة لوفد بحريني متعدد الأديان قاده مور إلى القدس المحتلة بعد نقل السفارة الأميركية إليها، في خطوة مثلت خرقا تطبيعيا علنيا تحت غطاء ديني.
ثم بصفته أحد المستشارين الإنجيليين المقربين من ترامب، التقى مور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عام 2018، وناقش معه قضايا حقوق الإنسان ومقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وذلك دون أن يصدر عنه أي موقف جاد أو نقد واضح لسجل المملكة الحقوقي.
بل على العكس، أعرب مور لاحقا عن تأييده لما أسماه "أجندة الإصلاح" في السعودية، مشيدًا برؤية 2030، رغم ما تخللها من حملات قمعية واعتقالات بحق المعارضين.
وفي عام 2018 أيضا، زار مور الإمارات ضمن وفد إنجيلي بقيادة القس جويل سي روزنبرغ، حيث التقى كبار المسؤولين الحكوميين بدعوة رسمية.
وقد وصفت الزيارة حينها بأنها جزء من سياسة "التحالف بين الديانات الإبراهيمية" التي تروج لها أبوظبي كواجهة لتقارب سياسي وأمني مع إسرائيل.
كما شارك في حلقات نقاشية عن "التسامح" ضمن فعاليات برعاية إماراتية، بالتعاون مع رابطة مكافحة التشهير (ADL)، وهي مؤسسة أميركية موالية لإسرائيل تنشط في تجريم الأصوات المنتقدة لسياساتها.

الأردن ومصر
كذلك، امتد نشاط مور إلى الأردن، حيث أشاد بالملك عبد الله الثاني ودوره في "الحوار بين الأديان"، كما زار أذربيجان ووصف رئيسها إلهام علييف بأنه "نموذج للتعايش السلمي"، رغم الاتهامات الحقوقية الموجهة لحكومته بقمع الحريات.
وفي باكستان، حاول مور تقديم نفسه كمدافع عن الحريات الدينية، فدعا لإطلاق سراح سجين رأي مسلم يبلغ من العمر 82 عاما، وهنأ الحكومة على اعتقال شخصية مصنفة كإرهابية.
كما دافع عن حقوق الهندوس في الهند، رغم صمته عن اضطهاد المسلمين هناك تحت حكم رئيس الوزراء المتطرف ناريندرا مودي، الحليف الوثيق لتيارات اليمين الأميركي.
وفي مصر، شارك مور ضمن وفد إنجيلي التقى بمسؤولين حكوميين، خلال عام 2019، وكان ضيفا رسميا على رئيس النظام عبد الفتاح السيسي في افتتاح "أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط" بالعاصمة الإدارية الجديدة.
وهي المناسبة التي استخدمت لتجميل صورة النظام وسط انتقادات واسعة بشأن قمع الحريات الدينية والسياسية في البلاد.
وبهذا، تحولت جولات جوني مور في الشرق الأوسط إلى رحلات علاقات عامة مغلفة بمشاريع سياسية وتحالفات إستراتيجية بغطاء ديني وإنساني.
وذلك في وقت يتم فيه إسكات الأصوات الحقوقية وتوظيف شعارات التسامح لتسويق أنظمة متورطة في انتهاكات منهجية، وتهيئة الرأي العام العربي والإسلامي لتقبل التطبيع مع دولة الاحتلال.
ترامب ونتنياهو
ويظل جوني مور حليفا وثيقا لدونالد ترامب منذ انضمامه إلى "المجلس التنفيذي الإنجيلي" لحملته الانتخابية الأولى عام 2016.
وقتها برر دعمه بالقول إن "ترامب هو المرشح الوحيد الملتزم حقا بحرية المعتقدات".
وفي 2017 نشر صورة تجمعه بترامب ومستشارين روحيين أثناء الصلاة في المكتب البيضاوي، معلقا: "شرف لي أن أصلي في البيت الأبيض من أجل الرئيس".
هذا التقارب امتد إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث يصف مور نفسه بـ "الصديق الإنجيلي لإسرائيل".
ويرى أن "معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية"، مؤكدا أن تأييد الإنجيليين لإسرائيل "قائم على تقديرات جيوسياسية لا لاهوتية".
وكان مور، بحسب تصريحاته لوكالة رويترز البريطانية، عنصرا محوريا في دفع إدارة ترامب لنقل السفارة الأميركية إلى القدس وتوقيع "اتفاقيات أبراهام" عام 2017.
وأعلن أن تلك الخطوات ما كان لها أن تتم لولا الضغط الإنجيلي، وقد قاد مباشرة بعد نقل السفارة وفد سلام متعدد الأديان في “رحلة حج” إلى المدينة المحتلة.
أما موقفه من العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فقد جاء منسجما مع هذا الخطاب.
فبعد ثلاثة أشهر من بدء العدوان زار إسرائيل ودون على منصة إكس: “لم أر مثل هذا الرعب من قبل”، مكرسا السردية الإسرائيلية دون إدانة واضحة للجرائم المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين.
وفي 5 فبراير/ شباط 2025، تبنى مور اقتراح وضع غزة تحت إدارة أميركية مباشرة، وكتب: "الرئيس ترامب يعرف كيف يصنع السلام ويوقف الحروب.. وستتحمل الولايات المتحدة المسؤولية الكاملة عن مستقبل القطاع".
وفي 26 مايو 2025 انتقد الأمم المتحدة، مطالبا إياها "بالعمل مع أميركا بدل انتقاد إسرائيل"، ما يعكس تساوق خطاب القس الأميركي مع أجندة تل أبيب وواشنطن على حساب حقوق الفلسطينيين.
المصادر
- Israel-backed Gaza delivery group names US evangelical leader as chair
- Gaza Humanitarian Foundation taps US Evangelical leader Johnnie Moore as new chairman
- Who is Johnnie Moore, Gaza Humanitarian Foundation's new chief?
- He Attended Prayer Meetings in the White House. Now He’s Chairman of a Gaza Aid Group.
- Gaza Humanitarian Foundation appoints US evangelical leader who denied mass killings as chief
- جوني مور.. قس أميركي موال لإسرائيل يقود "مؤسسة غزة الإنسانية"