"بي إيه سي كونسلتينج".. شركة وهمية في المجر وردت الأجهزة المتفجرة إلى حزب الله

إسماعيل يوسف | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بعد اتهام شركة "غولد أبولو" التايوانية بتوريد الأجهزة المفخخة في ‎لبنان، أعلنت الشركة أن الأجهزة التي انفجرت في لبنان، وقتلت 20 من عناصر "حزب الله" و12 مدنيا في 17 و18 سبتمبر/ أيلول 2024، وردتها شركة "بي إيه سي كونسلتينج" (BAC) في المجر ولا علاقة للشركة التايوانية بصنعها وتوزيعها.

سلسلة تحقيقات استقصائية قامت بها صحف أجنبية، بعد زيارات لمقر "بي إيه سي كونسلتينج" في المجر، توصلت إلى أن هذه الشركة التي وردت الأجهزة لحزب الله وهمية، وتأسست عام 2022، وبها موظف واحد.

ومقر الشركة المزعوم عليه لافتات للعديد من الشركات الأخرى، ورئيسة الشركة تسكن في الطابق الثامن بعمارة سكنية عادية، وموقع الشركة تم تعطيله بعد انكشاف دورها، ما يؤكد أنها وهمية ومشبوهة.

العملية أثبتت ما هو معلوم، من أن المجر وشرق أوروبا "حديقة خلفية" للاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، وتطرح احتمالات رشوة الموساد بعض عمال المصنع لزرع المتفجرات، أو زرعها في بودابست بعد تسلم الأجهزة من الشركة التايوانية، بصفتها فرعا لهم.

طرح هذا علامات الاستفهام حول سلامة القدرات الاستخباراتية لحزب الله وإيران، حيث اعترف أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، ضمنا، خلال خطابه في 19 سبتمبر 2024، بأن هذه القدرات متدهورة، حين وصف مجزرة "بايجر" و"اللاسلكي" بأنها كانت "ضربة كبيرة وقاسية وغير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان".

“حصان طروادة”

في خطاب تلفزيوني ألقاه في فبراير/شباط 2024، قال أمين عام حزب الله لأتباعه: "تسألونني أين العميل؟ وأقول لكم إن الهاتف الذي بين أيديكم، وفي أيدي زوجاتكم، وفي أيدي أبنائكم هو العميل".

ثم قال لهم ناصحا: "ادفنوها (أي الهواتف النقالة ووسائل الاتصالات)، وضعوها في صندوق حديدي وأغلقوها".

ومع هذا نصح “نصر الله” جنود وقادة الحزب باستعمال أجهزة النداء (بايجر)، لأنها، رغم قدراتها المحدودة، يمكنها تلقي البيانات دون الكشف عن موقع المستخدم أو أي معلومات أخرى خطيرة، وفقا لتقييمات الاستخبارات الأميركية، التي نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز" في 19 سبتمبر 2024.

تكالب حزب الله على أجهزة "بايجر" و"لاسلكي أيكوم" بدل الأجهزة التي تتصل بالإنترنت (الموبيلات وغيرها) وجده مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية فرصة، فوضعوا خطة لإنشاء شركة وهمية تعمل على تقديم نفسها كمنتج دولي لأجهزة النداء.

هذه الشركة هي “بي إيه سي كونسلتينج” التي وردت الأجهزة لحزب الله، وكانت "واجهة" وهمية أنشأها الموساد في المجر، وزرع من خلالها المتفجرات التي أحدثت مجزرة لبنان، حسبما كشفت عدة صحف أميركية وأوروبية.

هذه الشركة المجرية الوهمية تعاقدت مع شركة تايوانية هي "جولد أبولو" Gold Apollo وكانت "واجهة للموساد، حسبما أكد ثلاثة ضباط استخباراتيين لصحيفة "نيويورك تايمز".

ضباط الاستخبارات الإسرائيليون، قالوا إن هناك "شركتين وهميتين أخريين على الأقل تم إنشاؤهما أيضا لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين يصنعون أجهزة النداء بايجر"، وهي شركات لم يتم كشفها بعد.

وتم إنشاء شركتين إضافيتين على الأقل بهدف إخفاء الهوية الحقيقية لملاك الشركة الفعليين من ضباط الموساد، وورد اسم شركة بلغارية تُدعى "Norta Global" كمشاركة أيضا في عملية التمويه والتوريد.

وكل ذلك كان ضمن عملية إسرائيلية تهدف إلى اختراق سلسلة التوريد لأجهزة الاتصالات التابعة لحزب الله.

وأكد ضباط الاستخبارات الإسرائيليون أن الشركة المجرية التابعة للموساد كانت تتصرف بشكل عادي وتورد الأجهزة لعملاء عاديين، حتى جاءها الصيد الثمين والعميل الوحيد الذي كان مهما، وهو حزب الله، فأنتجوا ووردوا له هذه الأجهزة المفخخة.

ولأنها "شركة وهمية" تابعة للموساد، قامت بحيلة متقنة، وصنعت أجهزة مفخخة خصيصا لحزب الله، وهو ما يعني أنها أدخلت "حصان طروادة" إلى معاقل حزب الله، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" في 18 سبتمبر 2024.

وقالت الصحيفة إن إسرائيل نجحت في تحويل التكنولوجيا المتقدمة إلى "حصان طروادة" حديث تستعمله بدقة كبيرة في صراعها المستمر ضد حزب الله المدعوم من إيران.

وقامت هذه الشركة المجرية الوهمية بشكل منفصل، بإنتاج أجهزة خاصة لحزب الله، وضعت بها بطاريات مملوءة بمادة PETN المتفجرة، ووصل الآلاف منها إلى لبنان، وتم توزيعها بين ضباط حزب الله وحلفائه.

وهكذا أصبح تفجيرها سهلا بالضغط على زر من جانب ضباط الموساد، وفقا لمسؤولين استخباراتيين أميركيين.

ونقلت شبكة “إيه بي سي نيوز” عن مصدر استخباراتي أميركي في 19 سبتمبر 2024 أن "إسرائيل كانت لها يد في تصنيع أجهزة بايجر التي انفجرت في أعضاء من حزب الله، وأن مثل هذا الاختراق خُطِّط له منذ 15 عاما على الأقل".

واجهة مخابراتية

بحسب "القناة 13" العبرية في 19 سبتمبر 2024، يقف وراء الشركة المتهمة بأنها واجهة الموساد في المجر، وخدعت حزب الله، سيدة تحمل جنسية إيطالية مجرية، هي كريستينا بارسوني، التي ارتبط اسمها بـ"مذبحة بايجر" التي هزت لبنان.

"بارسوني" زعمت عبر حسابها على وسائل التواصل، (الذي قامت بحذفه عقب اكتشاف أمرها) أنها أكاديمية في فيزياء الجسيمات، وتتحدث 7 لغات.

وأنها حاصلة على شهادتي ماجستير من كلية لندن للاقتصاد وكلية لندن للدراسات الشرقية والإفريقية، وعملت في “اليونسكو” والمفوضية الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

عام 2021، تعاقدت بارسوني مع شركة "غولدن باور" التايوانية لتصميم وبيع أجهزة "بايجر" AR924، ووردتها للبنان، وحين انفجرت في مجزرة لبنان الأخيرة وتحقق الهدف منها، اختفت فجأة وأغلقت مكاتبها وحذفت حساباتها من الإنترنت.

صحف غربية أكدت أنها كانت تدير الشركة الوهمية للاستشارات والتوريدات، كفرع من الشركة التايوانية، من مقرها في بودابست، وأنها حققت إيرادات تبلغ 800 ألف دولار عام 2023 فقط.

موقع “إيستاتيكا” الدولي في 18 سبتمبر 2024 تساءل عما إذا كانت كريستيانا بارسوني المتهمة بتزويد أجهزة متفجرة لحزب الله، "قاتلة" قتلت وشوَّهت المئات، أم ضحية وقعت في فخ لعبة مميتة للموساد، الذي تسلل لمنتجات توسطت في بيعها لحزب الله وفخخها.

ونفت بارسوني بشدة أي علاقة لها بالاستخبارات الإسرائيلية، وقالت في بيان: ليس لديَّ أي علاقات بالموساد أو أي وكالة استخبارات، وهذه اتهامات لا أساس لها من الصحة تهدف إلى تشويه سمعتي وصرف الانتباه عن الحقيقة". 

إلا أنها لم تنجح في إقناع من اتهموها بالعمل مع الموساد لأن اختراق أجهزة بايجر التي صدرتها لا يمكن أن يتهم إلا من خلال عملية معقدة والتحايل لوضع متفجرات بها، وهذه لا يمكن أن تتم إلا من خلال شركة كواجهة، بحسب موقع "إيستاتيكا" في 18 سبتمبر 2024.

ورغم الحديث عند دورها المشبوه، ظلت كريستيانا تؤكد براءتها، وقالت في مقابلة شبكة "إن بي سي" الأميركية في 18 سبتمبر: "أنا لا أصنع أجهزة النداء، أنا مجرد وسيط". 

واستغرب موقع "إيستاتيكا" صعودها السريع كرئيسة تنفيذية لشركة BAC Consulting وعده أمرا مشبوها يطرح تساؤلات حول "كيف يمكن لشخص ما أن يتسلق عاليا بهذه السرعة"، بينما هي شخصية لم تحقق شيئا كبيرا في حياتها.

ورأى أن ظهور شركتها المفاجئ كلاعب رئيس في مناطق الصراع في الشرق الأوسط، يعني أنها إما متورطة في التجسس والتواطؤ العسكري والمخابرات الإسرائيلية، أو أنها مجرد دمية، تم التلاعب بها عن غير قصد من قبل الاحتلال.

وما زاد الغموض أن المكتب المسجل للشركة، من طابقين لم يكن يقوم بعمليات مرئية، وتورطت الشركة في صراعات جيوسياسية عالية المخاطر، وتم إغلاق موقع الشركة على الإنترنت ما أثار شكوكا حول كونها حقيقة أم مجرد واجهة لشيء أكثر شرا.

صورة مشبوهة

وكشف موقع "إذاعة أوروبا الحرة"، في تقرير استقصائي نشره في 18 سبتمبر 2024، أمرا غريبا عن مقر الشركة الوهمي في بودابست.

وأكَّد أن الشركة المتهمة بتصنيع أجهزة النداء (بايجر) المستخدمة في الهجوم المميت على حزب الله “لديها موظف واحد فقط يعمل في مكتب فارغ يقدم مجموعة من الخدمات وليس تصنيع أجهزة النداء”.

أي ليس لديها أي إمكانيات تصنيع، ومقابل استخدامها لوغو الشركة التايوانية كانت تقوم بالدفع لها عبر حوالات مالية من "الشرق الأوسط" (مصدرها الموساد)، وتتسلم هي الشحنات وتوزعها.

وقد تحقق الغرض منها حين وصلتها طلبية من جهة معادية للاحتلال (مثل حزب الله أو إيران أو اليمن أو غيرها) وزرعت مواد خاصة (أجهزة تنصت أو تفجير أو غيرها) في بودابست، بعيدا عن الشركة التايوانية الأم.

ولأنها تُعلن عن نفسها "شركة استشارات"، نقلت شبكة "إيه بي سي نيوز" في 19 سبتمبر 2024 عن المتحدث باسم الحكومة المجرية قوله إن أجهزة "بايجر" لم تًصنع أو تنقل إلى المجر مطلقا، وكانت الشركة مجرد وسيطة تجارية، وليس لها موقع تصنيع أو تشغيل في المجر.

لكن رئيس شركة غولد أبوللو ومؤسسها، شو تشينج كوانج، ومقرها تايوان، قال بدوره إن الشركة لم تصنع الأجهزة المستخدمة في الهجوم بل صنعتها شركة "بي إيه سي"، ومقرها بودابست، والتي لديها ترخيص لاستخدام علامتها التجارية.

وهو ما يطرح تساؤلات حول “هل تم التصنيع داخل إسرائيل ثم التوريد بصورة مشبوهة عبر الشركة الإسرائيلية الوهمية، الوكيلة عن الشركة التايلاندية، بطرق ملتوية حتى وصلت إلى حزب الله؟”

وقالت شركة “غولد أبولو” التايوانية في بيان "بخصوص التقارير الإعلامية الأخيرة بشأن جهاز الاتصال إيه.آر-924، نوضح أن هذا الطراز يتم إنتاجه وبيعه من قبل بي.إيه.سي كونسلتينج، ومقرها بودابست".

وأضافت أن هذه الشركة المجرية “لديها ترخيص لاستخدام علامة غولد أبولو التجارية، ونحن نقدم فقط ترخيص العلامة التجارية وليس لدينا أي تدخل في تصميم ولا تصنيع هذا المنتج"، حسب وكالتي “بلومبيرغ” و"رويتر" في 18 سبتمبر.

كما نفى راي نوفاك، مدير المبيعات في شركة "آيكوم" اليابانية، التي انفجرت أجهزة اللاسلكي التابع لها، في الموجة الثانية من تفجيرات لبنان، لوكالة "أسوشيتد برس" إن "أجهزة الاتصال اللاسلكية المستخدمة تبدو مزيفة"، ولم ينتجها المصنع منذ 10 سنوات.

وأوضح نوفاك أن طراز آيكوم V-82، الذي ظهر في لبنان، توقف إنتاجه منذ سنوات وكان مصمما في الأصل للاستخدام اللاسلكي للهواة في الاتصالات الاجتماعية والطوارئ، مثل تتبع الطقس، وأقول على مسؤوليتي أنها لم تكن منتجاتنا".

لا بديل

ويقول تيسير البلبيسي، وهو استشاري موارد بشرية، إن “ما جرى يعطي تصورا جيدا عن آلية عمل الموساد في قطاع التكنولوجيا وتوريد أجهزة الاتصالات، ويؤكد أن المقاطعة للأجهزة الغربية لم يعد خيارا”. 

وأوضح البلبيسي، في تغريدة عبر منصة “إكس” في 19 سبتمبر أن "الاستخبارات الإسرائيلية تؤسس شركات في أوروبا وأميركا وربما بعض الدول العربية، ثم يتصلون بالشركات المصنعة للتكنولوجيا ويعرضون عليها تسويق منتجاتها في أوروبا والشرق الأوسط كسوق كبير ومغري جدا".

ثم تعرض هذه الشركات، التابعة للموساد، على الشركات العالمية، التصنيع في الشرق الأوسط وغالبا يتم ذلك داخل إسرائيل، ويشترطون وضع العلامة التجارية للشركات الأصلية، مع إغرائها بتكلفة تصنيع ونقل أقل مما يزيد أرباح الشركة الأم.

ويوضح خبير الموارد البشرية أن شركة (الموساد) البديلة تصبح ممثلا للشركة الأم وتقوم بتسويق هذه المنتجات، باسم الشركة التايوانية أو الصينية أو غيرها على الدول والمؤسسات العربية وغيرها.

وعندما تصل طلبية من جهة ربما تكون معادية (مثل حزب الله أو إيران أو اليمن أو غيرها) يتم التصنيع وزرع أجهزة خاصة إما أجهزة تنصت او أجهزة تفجير أو غير ذلك.

وهو ما يعني أن هذه المعدات أو الأجهزة التي تشتريها جهات عربية، تصبح تحت سيطرة كاملة للموساد ويقرر متى ينفذ المهمة التي يكلفه بها المستوى السياسي من خلالها.

لذا يطالب البلبيسي الدول المختلفة التي اشترت أجهزة من شركات وهمية مماثلة، بفحص كل الأجهزة التي تم شراؤها بما في ذلك أجهزة الموبايل والحاسوب والسنترالات والميكروويف والألياف الضوئية، وحتى السيارات الحديثة، خصوصا التي تعمل بالكهرباء وفيها أنظمة إلكترونية يمكنها أن تتحول بسهولة إلى قنابل متفجرة.

ويؤكد أن “المقاطعة لم تعد خيارا، ولا بد من اختراع البدائل تحت إشراف علماء ذو ثقة وأمن حقيقي، وأنه لا بديل عن امتلاك التكنولوجيا محليا وإنتاجها من الألف إلى الياء، ومقاطعة كل ما هو مستورد من الغرب بعدما اشتريناها بأموالنا ثم تحوَّلت لسلاح في أيديهم”.