لتقسيم سوريا سياسيا.. هل تنجح محاولات قسد باستقطاب العشائر؟

مصعب المجبل | منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ظل مماطلتها في عملية الاندماج بالدولة الجديدة؛ تسعى قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى خلط الأوراق من جديد عبر محاولة تعويم مطالب المكونات الاجتماعية في مناطق سيطرتها لإعادة صياغة العلاقة مع دمشق.

ويبدو أن قوات قسد التي تتمركز في شمال شرق سوريا، تريد التمترس خلف هذه المكونات الاجتماعية والإثنية لتحسين شروط انضمامها إلى الحكومة السورية الجديدة.

مؤتمرات قسد

وقد أطلقت قوات قسد في 8 أغسطس/آب 2025 في المركز الثقافي بمدينة الحسكة فعاليات مؤتمر ما سمته "وحدة الموقف لمكونات شمال شرقي سوريا".

شارك في المؤتمر أكثر من 400 شخصية سياسية ودينية ووجهاء عشائر من مختلف المناطق السورية، إلى جانب ممثلين عن "الإدارة الذاتية" المظلة السياسية لقسد.

وكان من بين الحضور عبر الفيديو رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء، الشيخ حكمت الهجري، والذي أعلن بشكل صريح عن نواياه الانفصالية في 16 يوليو/تموز 2025 واستنجد بإسرائيل لمنع دخول مؤسسات الدولة إلى المحافظة المذكورة.

وكذلك حضر المؤتمر عبر الفيديو رئيس المجلس الإسلامي “العلوي” الأعلى في سوريا والمهجر الشيخ غزال غزال (مقيم في الخارج) والذي يقول: إن دمشق الآن "تحكمها منظومة إرهابية كاملة".

وقد كان لافتا غياب معظم القيادات العشائرية وأحزاب المجلس الوطني الكردي، وحضور أشخاص مرتبطين بإيران وبنظام المخلوع بشار الأسد.

كما لم يحضر المؤتمر المذكور شيوخ قبائل عربية من المحافظة يحضون بإجماع أفراد القبيلة على مشيختهم العشائرية.

وقد خرج مؤتمر الحسكة بإصدار بيان ختامي، عبّر فيه المشاركون عن توافق على جملة مبادئ ومطالب سياسية واجتماعية، ركّزت "على أهمية التعددية، وترسيخ اللامركزية، ورفض الإقصاء والتهميش".

ودعا البيان الذي نشرته وكالة “هاوار”، المقربة من "قسد"، إلى صياغة "دستور ديمقراطي جديد لسوريا، يُكرّس اللامركزية ويضمن المشاركة السياسية الفعلية لجميع المكونات، ويراعي الخصوصيات الثقافية والدينية، ويعزز قيم العدالة الاجتماعية وحرية المعتقد". 

كما أكد ضرورة "مراجعة الإعلان الدستوري الراهن، الذي وصفه المشاركون بأنه لا يلبّي تطلعات السوريين في الكرامة والحرية".

وكان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، وقع في 13 مارس/آذار 2025 إعلانا دستوريا يحدد المرحلة الانتقالية في البلاد بمدة خمس سنوات.

وسبق ذلك بيومين، توقيع الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي، اتفاقا يقضي "بدمج" المؤسسات المدنية والعسكرية كافة التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية "بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".

والاتفاق المذكور مؤلف من ثمانية بنود ويُفترض أن تعمل لجان مشتركة على إتمام تطبيقه قبل نهاية عام 2025.

وعقب ذلك، عقدت جولات من التفاوض بين دمشق وقسد في مناطق الطرفين لإتمام الاتفاق المذكور.

إلا أن مسؤولين بارزين في قسد كثفوا التصريحات الإعلامية المؤكدة على أنه "لا يمكن التنازل" عن مطلب التعددية اللامركزية في إدارة النظام السياسي في سوريا.

"خلط الأوراق"

وإلى الآن ما تزال قوات قسد تعمل ضمن سياسة تجييشية واضحة ضد حكومة دمشق، على دفع العشائر والمكونات الإثنية في مناطقها لتبني مشاريع وأجندات تتبع لها، ولا تنسجم مع طموح وموقف العشائر العربية في شمال شرقي البلاد.

​​ومن ذلك، دعوة قسد في 18 أغسطس 2025 لعقد مؤتمر تشاوري في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا، بمشاركة مكونات اجتماعية وسياسية.

وتشمل التحضيرات مشاورات مع أطراف اجتماعية وتيارات سياسية لا تقتصر على شمال شرقي سوريا فقط، بل تمتد إلى مختلف المناطق.

ويهدف المؤتمر إلى الاتفاق على مجموعة من المبادئ الدستورية غير الواردة في الإعلان الدستوري المؤقت، على أن يتم تقديمها لاحقا إلى الحكومة السورية الجديدة للتفاوض بشأنها، وفق تقارير صحفية.

وضمن هذا السياق، قال رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية مضر حماد الأسعد لـ “الاستقلال”: إن “هدف مليشيا قسد من هذه المؤتمرات هو المماطلة في تنفيذ اتفاق الاندماج بالدولة السورية الجديدة”.

ورأى أنها تعمل على ترغيب الأطراف بالمشاركة في الفعاليات الاجتماعية والعشائرية في منطقة الجزيرة والفرات وشراء الولاءات منهم كمقدمة للطلب من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة دعمها في فرض شروطها للانخراط بالدولة السورية.

وأضاف الأسعد قائلا: “هناك فعاليات عشائرية ومجتمعية التقت مع التحالف الدولي في الرقة طالبت بتنفيذ الاتفاق بين قسد والحكومة السورية”.

لكن قسد تعمل في المقابل على خلط الأوراق عبر استمالة بعض الشخصيات في منطقة الجزيرة والفرات على الرغم من عدم تمثيلهم للمكونات في المنطقة، وفق تقديره.

واستدرك أن "قسد تحاول التأثير على الحاضنة الشعبية في منطقة الجزيرة والفرات التي يشكل المكون العربي 90 بالمئة من سكانها عبر تغييب الخدمات وسرقة موارد المنطقة وفرض التجنيد الإجباري على الشباب والقاصرين".

ولفت الأسعد إلى “عدم وجود خلافات بين المكونات الإثنية والثقافية والعشائرية في مناطق نفوذ قوات قسد، ولهذا تعمل الأخيرة على إحداث شرخ مجتمعي ومنع الإسراع في تحقيق وحدة سوريا بما يعزز الاستقرار وإنعاش اقتصاد البلاد”.

وتتركز 90 بالمئة من ثروات النفط والغاز في مناطق قسد وتحديدا في محافظتي الحسكة ودير الزور والتي يمكن أن تسهم في عودة اللاجئين والنازحين البالغ عددهم نحو مليون شخص.

ويرفض هؤلاء العودة إلى تلك المناطق في ظل وجود قسد وممارستها الإرهاب الأمني بحق أبناء الجزيرة والفرات.

وأكد الأسعد أن “محاولات إنشاء دويلة على مقاس حزب العمال الكردستاني في سوريا أمر مرفوض من الشعب السوري”.

كما أن "اللامركزية السياسية أو الفيدرالية أمر مرفوض بينما المقبول هو اللامركزية الإدارية التي تحفظ لأبناء المناطق حق إدارة شؤونهم وتحقيق التنمية المستدامة".

وجاءت التحركات الجديدة لقوات قسد، بعد تجاوز واشنطن فكرة الدعم العسكري الممتد منذ عام 2015 لهذه المليشيا، إذ حذرت الولايات المتحدة من أي أفكار تحمل مشاريع خارج وحدة الأراضي السورية.

فقد قال المبعوث الأميركي لسوريا، توم باراك في 9 يوليو 2025: إن هناك طريقا واحدا أمام قسد وهو التوجه إلى دمشق، موضحا أن "الفيدرالية لا تعمل في هذا البلد".

وأضاف لوكالة رووداو الكردية، أن الحكومة السورية أبدت حماسا بشكل لا يُصدق لضم قسد إلى مؤسساتها ضمن مبدأ دولة وأمة وحكومة وجيش واحد.

كما لفت براك إلى أن قسد بطيئة في الاستجابة والتفاوض والمضي قدما في هذا المسار.

ورغم محاولات المليشيا إظهار "شرعية" توجهاتها الجديدة على طريق التفاوض مع دمشق، فقد أعلنت غالبية العشائر السورية في 15 أغسطس 2025، رفضها مؤتمر الحسكة وما صدر عنه.

ورأى بيان صادر عن “عشائر الجزيرة والفرات” أن المشاركين في مؤتمر الحسكة "ارتضوا أن يكونوا أداة لمشروع انفصالي لا يمثل إلا أصحابه".

وأكدت العشائر أن من تحدث باسمها "لا يمثلون إلا أنفسهم"، مشددة على أن القبائل العربية "قدمت دماء أبنائها دفاعا عن وحدة الأرض السورية ولن تقبل المساس بها".

واتهم البيان "قسد" بالمسؤولية عن تهجير العرب وتجنيد القاصرين وارتكاب انتهاكات واسعة نالت الحريات والثروات واعتقال الناشطين.

وأكد أن العشائر تقف خلف الدولة السورية "على أسس الكرامة والمساواة والمواطنة الكاملة التي يضمنها الإعلان الدستوري".

كما دعا بيان "عشائر الجزيرة والفرات" المشاركين في المؤتمر إلى التراجع الفوري عن "هذه الفعلة المشينة".

من جهته، رأى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن "مؤتمر الحسكة" يمثّل خرقا للاتفاق بين دمشق وقسد في 10 مارس 2025.

وقال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي هاكان فيدان بأنقرة في 13 أغسطس 2025: إن المؤتمر "لا يعكس إرادة الشعب السوري ولا الغالبية العظمى من النخب العشائرية والدينية وحتى الكردية".

"مراكمة الضغط"

ويعتقد كثير من المراقبين بوجود قناعة لدى أنقرة ودمشق بأن قسد لن تنخرط في الدولة، لا سيما أن قواتها ما تزال تنفذ خروقات عند نقاط التماس مع الجيش السوري في ريف حلب.

ففي 12 أغسطس 2025 تسللت دوريات عسكرية لقسد نحو نقاط انتشار الجيش السوري في منطقة تل ماعز شرق حلب، واندلعت على إثرها اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل أحد جنود الجيش السوري.

وعقب ذلك، أعلن مسؤول الشؤون الأميركية في وزارة الخارجية السورية قتيبة إدلبي، في 18 أغسطس 2025 إلغاء اجتماعات باريس التي كان من المقرر أن تجمع وفدي الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية".

لكن إدلبي، أكد أن المفاوضات بين الطرفين ما تزال قائمة، مبينا في مقابلة مع قناة "رووداو" أن دمشق ترفض تكرار نموذج "الدولة داخل الدولة" الذي شهدته دول أخرى مثل لبنان.

ولفت خلال حديثه إلى أن الاستقرار في سوريا لن يتحقق إلا بوجود حكومة موحدة وجيش وطني واحد يشارك فيه الجميع ضمن إطار الدولة.

وعن سبب رفض الحكومة المشاركة في اجتماعات باريس بعد مؤتمر الحسكة، قال إدلبي: إن المؤتمر عُقد بصيغة خاطئة منحت منصة لشخصيات مرتبطة بنظام الأسد، وقدمته في إطار طائفي أو ديني أو عرقي، وهو ما عدته دمشق خطأ في التدبير.

وهنا يرى الباحث السوري عمار جلو أن "قسد تسعى عبر المؤتمرات الأخيرة إلى مراكمة أوراق الضغط والنفوذ على حكومة دمشق في هذا التوقيت، من خلال الترويج أنها ليست الوحيدة المطالبة باللامركزية في سوريا وأن هناك مكونات أخرى تطالب بذلك منها المكونين الدرزي والعلوي".

وأضاف جلو لـ "الاستقلال" قائلا: إن "قسد تريد الترويج إلى أنها قادرة على لملمة كل التيارات والمكونات الاجتماعية الناقمة على حكومة دمشق وتوحيد مطالبها ووضعها ضمن مظلتها". 

وتحدث عن وجود “عامل خفي” في تحركات قسد متعلق بالتناغم مع إسرائيل في هذا الأمر بعد أن حاولت تل أبيب فرض نفسها بملف حماية الأقليات لا سيما في السويداء، وبهذا لعل المليشيا “تريد الوصول إلى تحالف أوثق" مع الاحتلال.

ولفت إلى أن قسد تزيد من تصلبها في المفاوضات مع دمشق وتحاول تحسين شروطها وربما تسعى لتقديم مشروع عام لسوريا لكي تعطي شرعية لمبدأ اللامركزية.