اتفاقيتان عسكريتان للتدريب والتسليح في شهرين... ماذا تفعل تركيا بالسنغال؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بعد طردها للوجود العسكري الفرنسي في البلاد، تعمل السنغال على تنويع شركائها في القطاع العسكري، وفي هذا الصدد تَفرض تركيا نفسها كفاعل قوي في مجال التسليح والتدريب.

حيث وقعت تركيا والسنغال في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2025 اتفاقية للتعاون العسكري، وهي الاتفاقية الثانية بعد اتفاقية عسكرية أولى وقِعت يوم 6 أغسطس/أب 2025.

ووفق وكالة "الأناضول" الرسمية، فإن الاتفاقية الأخيرة هي عبارة عن "مذكرة تفاهم لتوفير التدريب والدعم في مجال البحث والإنقاذ والمراقبة البحرية للقوات المسلحة السنغالية".

وذكرت أن التوقيع جاء خلال لقاء جمع وزير الدفاع التركي يشار غولر ووزير القوات المسلحة السنغالي بيرام ديوب في أنقرة.

وأشارت إلى أن غولر وديوب ترأسا اجتماع وفدي البلدين عقب لقائهما الثنائي. مشيرة إلى أن الوزيرين وقعا على مذكرة التفاهم.

thumbs_b_c_6803dc30c0508cb6fc5c26905c333c0a.jpg

اتفاقية سابقة

كما بحث يشار غولر وزير الدفاع التركي، في اتصال هاتفي مع قائد القوات المسلحة السنغالي بيرامي ديوب، تعزيز سبل التعاون بين البلدين، في 30 يونيو/حزيران 2025.

وأفاد بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية وقتئذ بأن غولر وديوب تبادلا وجهات النظر حول قضايا دفاعية وأمنية ثنائية والتعاون في مجال الصناعات الدفاعية.

في السياق ذاته، نقلت "TRT عربي" أن تركيا والسنغال أبرمتا 4 اتفاقيات في مجالات مختلفة، بتاريخ 7 أغسطس 2025، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو، في مراسم رسمية أُقيمت بالعاصمة أنقرة.

ووقَّع البلدان على الاتفاقيات في مراسم أُقيمت عقب محادثات ثنائية بين أردوغان وسونكو، واجتماع على مستوى وفدي البلدين، في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة.

ومن بين الاتفاقيات المبرمة "اتفاقية التعاون المالي العسكري بين حكومتي تركيا والسنغال"، و"بروتوكول التعديل رقم 1 على بروتوكول تنفيذ المساعدة النقدية بين حكومتي تركيا والسنغال، المؤرّخة في 28 يناير/كانون الثاني 2020".

كما أبرم البلدان "اتفاقية التعاون والإنتاج المشترك للأفلام والوسائط السمعية والبصرية والوسائط المتعددة (ملتيميديا) بين حكومتي تركيا والسنغال".

ووقَّعت تركيا والسنغال أيضا "بروتوكولا تنفيذيا لمذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال التعليم العالي بين مجلس التعليم العالي في جمهورية تركيا ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في جمهورية السنغال للأعوام من 2025 إلى 2028".

وفي مؤتمر صحفي بالمناسبة قال الرئيس أردوغان: "علاقاتنا مع السنغال، الدولة الصديقة والشقيقة ذات الدور المحوري في القارة الإفريقية، تتعزز باستمرار، وخلال مناقشات اليوم، بحثنا فرص التعاون، لا سيما في مجالات الاستثمار والتجارة، وكذلك في مجالات الأمن، والصناعات الدفاعية، ومكافحة الإرهاب، والطاقة، والتعدين، والنقل، والزراعة، ومصايد الأسماك".

وأكد الرئيس التركي أن مناقشاته مع سونكو أسهمت في "تعزيز الأساس القانوني والتعاقدي للتعاون" بين البلدين بفضل الوثائق الموقعة.

وفي معرض إشارته إلى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا والسنغال، أكد استعداد الجانب التركي لمشاركة خبرات شركاته في إطار برنامج تنمية السنغال 2050.

Capture d’écran 2025-10-07 152022.png

تعويض فرنسا

يأتي هذا التوقيع عقب انسحاب فرنسا الرسمي من منشآتها العسكرية الكبرى في السنغال (16 يوليو/تموز 2025)، منهية بذلك وجودا استمر لعقود، ومطلقة لحقبة جديدة من التعاون الثنائي بعيدا عن الوجود العسكري الدائم.

وقد شهدت مراسم التسليم التي جرت بمعسكر "جيل" جنوب داكار مشاركة كبار المسؤولين من الجانبين، على رأسهم الجنرال باسكال إياني قائد القوات الفرنسية في إفريقيا، والجنرال مباي سيسيه رئيس أركان الجيش السنغالي.

ويأتي هذا الانسحاب استكمالا لتنفيذ الاتفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه في نهاية عام 2024، والذي قضى بإنهاء الوجود العسكري الفرنسي داخل ثلاثة مواقع رئيسة في داكار بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول 2025.

ونص الاتفاق على أن تسلم فرنسا منشآتها الأخرى تباعا بنقل المعدات الثقيلة وإقامة مراكز تخزين مؤقتة تديرها القوات السنغالية بإشراف مشترك، بينما جرى في منتصف فبراير/شباط 2025 نقل مقر الاستخبارات من معسكر "سانت لويس" إلى مقر مشترك في العاصمة تمهيدا لتسليمه بالكامل للسلطات السنغالية.

تهديدات أمنية

أكد باحثون أن هذه المساعي السنغالية لإبرام اتفاقيات عسكرية تأتي بعد الانسحاب الفرنسي وأيضا لتلافي أي فراغ قد تستغله الجماعات المسلحة المتواجدة بالمنطقة.

وفي هذا الصدد أكد أستاذ العلوم السياسية المساعد بكلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة، أحمد أمل، أنه من المتوقع أن تسعى الجماعات المسلحة، وعلى رأسها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (ISGS) إلى استغلال هذا الفراغ الأمني لمد نطاق عملياتها بما قد يشمل السنغال للمرة الأولى.

وذكر أمل في ورقة بحثية نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بتاريخ 30 يوليو 2025، أن الأمر لا يقتصر على التنظيمات المسلحة ذات الصلة بالإرهاب الدولي، ولكن يمكن أن يخلق الفراغ الأمني الناشئ فرصة لاتساع نشاط تنظيمات الجريمة المنظمة العابرة للحدود المرتبطة بكارتلات إنتاج وتجارة المخدرات بين أميركا اللاتينية وأوروبا.

واسترسل، كذلك يمكن أن يشكل هذا الفراغ الناشئ فرصة للتنظيمات المسلحة ذات المطالب الانفصالية والسياسية خاصة في إقليم كازامانس جنوب السنغال.

ورغم ذلك، يتوقع الأستاذ الجامعي أن يواجه الرئيس باسيرو ديوماي فاي ضغوطا متزايدة من التيارات الوطنية للمضي قدما نحو إلغاء المزيد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدفاعية مع الشركاء الغربيين، ما قد يفضي إلى إعادة هيكلة شاملة للبنية العسكرية والأمنية في البلاد.

وأضاف، رغم أن هذا التحول يمنح السنغال فرصة لإعادة تأكيد سيادتها الوطنية وفرض استقلالية أكبر في قراراتها الدفاعية، إلا أنه ينطوي على مخاطر إستراتيجية، في حال لم يتم توفير بدائل فعالة وسريعة تحلّ محل الشراكات الأمنية السابقة.

في السياق، يعتقد الباحث في الشؤون الدولية إيغوسا أوساغاي، أن السنغال وعموم الدول الإفريقية التي تواجه تحديات أمنية بوجود مجموعات مسلحة قادرة على التسبب في الفوضى والدمار،  مما يجعلها تبحث عن بدائل.

وأكّد أوساغاي لـ "الاستقلال" أن تركيا تمثل أحد هذه الخيارات، وهو الخيار الذي لقي استحسانا في إفريقيا.

ويرى المتحدث ذاته أن قدرة تركيا على ملء الفراغ الذي خلفته فرنسا في إفريقيا بعد ابتعاد العديد من مستعمراتها السابقة عنها "تعتمد إلى حد كبير على مدى جاذبية العروض التركية للدول الإفريقية".

وفي هذا الإطار، يقول أوساغاي “إذا كان من الممكن لتركيا أن تقدم مساعدة لهذه المناطق، فلم لا؟”

ويضيف "الأمر الجيد أن العديد من الدول الإفريقية لديها تعاون عسكري مع تركيا. ويمكن لذلك أن يكون حجر الأساس للنفوذ التركي".

واسترسل، وقد وقّعت تركيا بالفعل اتفاقات دفاعية مع عدد من الدول في مختلف أنحاء القارة، بما في ذلك الصومال وليبيا وكينيا ورواندا وإثيوبيا ونيجيريا وغانا.

وشدد أن هذه الاتفاقات فتحت المجال أمام عقود لصناعة الدفاع التركية، خصوصا الطائرات دون طيار التي تشتهر بفعاليتها وبانخفاض تكلفتها.

قوة إقليمية

وصف تقرير تحليلي تركيا بأنها القوة الإقليمية الجديدة البارزة في إفريقيا، متجاوزة العديد من القوى الأوروبية السابقة من حيث النفوذ العسكري والاقتصادي.

جاء ذلك في تقرير لموقع "مفاتيح الشرق الأوسط" الفرنسي، نُشر بتاريخ 08 نوفمبر/تشرين ثاني 2024، والذي ذكر أن الوجود العسكري التركي في القارة بات أكبر من نظيره الأوروبي. مستشهدا بعدة أمثلة على التعاون العسكري بين أنقرة والدول الإفريقية؛ حيث تبيع تركيا المعدات العسكرية لتلك الدول دون شروط مسبقة، خلافا لما تفرضه الولايات المتحدة وأوروبا.

وأشار التقرير إلى أن ليبيا من بين أكبر المشترين للأسلحة التركية، بما في ذلك طائرات بيرقدار المسيرة، والمركبات المدرعة كاتميرسيلر، وطائرات التدريب والقتال "هيركوس – سي"، القادرة على الإقلاع من مدارج مرتجلة وتنفيذ عمليات مكافحة التمرد.

وكشف التقرير أن صادرات الأسلحة التركية إلى إفريقيا ارتفعت من 83 مليون دولار في 2020 إلى 460 مليون دولار في 2021، مما يعكس زيادة الطلب على المعدات العسكرية التركية التي أثبتت فعاليتها في صراعات عدة.

واختتم التقرير بالإشارة إلى أن تركيا عززت نفوذها في إفريقيا من خلال سياسات دفاعية وتجارية مرنة، مما جعلها لاعبا رئيسا في القارة، خصوصا في ظل تراجع النفوذ الأوروبي التقليدي.

صفقات تسليح

نقل موقع "matinlibre" بتاريخ 28 مارس/آذار 2025 أن السنغال، وتحت إشراف صندوق النقد الدولي، وقّعت عقد أسلحة بقيمة 317 مليون يورو مع شركة ICC Yapi Yatirim التركية.

وأوضح الموقع أن هذا الاتفاق يهدف إلى تجهيز الجيش السنغالي على مدى ثلاث سنوات، ويشمل العقد معدات للقوات الجوية والبحرية ومديرية معدات القوات المسلحة، بموافقة رئيس الأركان العامة الفريق مباي سيسي.

وأشار إلى أن هذا الاختيار يُمثل قطيعة مع اتفاقيات السنوات الثلاث السابقة التي أبرمتها السنغال في عهد ماكي سال مع شركة AD Trade Belgium، وهي شركة إسرائيلية متخصصة في وساطة الأسلحة.

من بين المعدات المخطط لها، ستستلم القوات الجوية طائرتين من طراز Casa C295 للنقل والدوريات البحرية، بالإضافة إلى طائرتي هليكوبتر من طراز Leonardo AW139.

كما تشمل خدمات الصيانة لطائرات Baykar TB2 التركية المُسيّرة، المُستخدمة حاليا في السنغال. وستستلم البحرية سفينة دعم لوجستي وزورق إنزال للمشاة.

وأشار المصدر ذاته إلى أن الجيش سيستلم حوالي ثلاثين ناقلة جند مدرعة من طراز كوبرا 2، ومركبات قتالية ثمانية الدفع مزودة بمدافع عيار 105 ملم، بالإضافة إلى 10 آلاف بندقية كاربين من طراز M4 ومدافع رشاشة من عيارات مختلفة.

ونبه الموقع إلى أن هذه الشراكة مع تركيا تُعدّ استمرارا للعلاقات التي أُسست في عهد ماكي سال، وعززها باسيرو ديوماي فاي؛ حيث يلعب السفير التركي في داكار، نور ساغمان، دورا محوريا في التعاون الأمني ​​بين البلدين.