في أسابيع معدودة.. ما علاقة سوريا باغتيال 80 بالمئة من قيادات "حزب الله"؟

"تدخل حزب الله في سوريا كشف الكثير من أوراقه وسمح لإسرائيل بتشكيل صورة استخباراتية متكاملة عنه"
يشير اغتيال إسرائيل كبار قادة “حزب الله” اللبناني وفي مقدمتهم زعيمه حسن نصرالله إلى حجم الاختراق الكبير بالبنية الأمنية للحزب الذي كان يُعتقد أنه راكم من القوة ما سيؤهله للوقف أمام الكيان استخباراتيا وميدانيا.
وقبل تدخل حزب الله في سوريا عام 2012 كان الحزب الذي تأسس على يد الحرس الثوري الإيراني عام 1982 يشير باستمرار إلى قوة احتياطاته الأمنية ومتانتها أمام الاختراق الإسرائيلي.
"تخفٍّ ثم انكشاف"
لكن تهاوي 80 بالمئة من قيادات حزب الله بعدة أسابيع، عبر عمليات اغتيال مباشرة من قبل إسرائيل في أماكن وجودهم في لبنان، كشف خروج الحزب من حالة "التخفي إلى الانكشاف" أمام تل أبيب.
ونسب خبراء عسكريون الثغرات الأمنية التي أدت إلى اغتيال القادة الكبار في الحزب، لتدخله عسكريا بسوريا كخيار وصفه آنذاك الحزب بـ"العمق الإستراتيجي" لتحالفه مع الأسد الأب والابن وإيران.
لا سيما أنه قتل إلى جانب نصرالله في اجتماع بالمقر المركزي للحزب في ضاحية بيروت في 27 سبتمبر/ أيلول 2024، نائب شؤون العمليات في الحرس الثوري الإيراني العميد عباس نيلفروشان والذي عمل كمستشار عسكري في سوريا.
وكذلك القيادي الثالث في حزب الله علي كركي الذي أكد الحزب في بيان نعيه أنه ممن أداروا العمليات العسكرية في سوريا.
وبأمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي منذ عام 2012، تدخل “حزب الله” بقوة إلى سوريا، مرسلا آلاف العناصر لمنع سقوط نظام بشار الأسد ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه.

ويقول مراقبون إن “حزب الله” على مدار عقد من الزمن كان أمام حالة انكشاف كاملة استخباراتيا من قبل إسرائيل.
إذ لطالما عرف حزب الله باتباعه إجراءت أمنية معقدة وحذرة جدا لزعيمه وللقادة في لبنان.
فخلال مقابلة لنصرالله بثتها قناة الجزيرة القطرية على الهواء مباشرة في 12 يناير 2000، قال "بسبب الإجراءات المعقدة التي نتخذها، أنا أشك بقدرة الإسرائيليين أن يعرفوا أين أنا ولو كان لدينا هذا الاحتمال لما سمحنا لك (يقصد المذيع) بإجراء المقابلة التلفزيونية".
وكان كلام نصرالله ردا على المذيع الذي وجه له سؤالا في بداية المقابلة التي جرت في مكان سري لا يعلمه حتى فريق القناة: "ألا تعتقد أن إسرائيل قادرة على رصد عبر الإشارات الحديثة موقعنا بدقة ونحن على الهواء وأنها لو تريد استهدافك لفعلت ذلك".
وبنظرة دقيقة على حال حزب الله منذ تدخله في سوريا فقد بقي نصرالله، هو الوحيد عقب 2012 يلقي بخطاباته التلفزيونية ويجري لقاءات مع مسؤولين إيرانيين ومن "محور المقاومة" من أمكان سرية وغير معلومة في لبنان.
بينما كان قادة حزب الله وعلى رأسهم الـ25 اسما بالصف الأول التي اغتالتها إسرائيل منذ الثامن من أكتوبر يتنقلون إلى سوريا منذ عام 2012 ويظهرون في مواقع سورية إلى جانب قوات الأسد والمليشيات الأجنبية التي جلبتها إيران لمنع سقوط الأسد.
فعلى سبيل المثال كان إبراهيم عقيل عضو مجلس الجهاد في حزب الله، الذي هو أعلى هيئة عسكرية في حزب الله، يظهر على جبهات متعددة بسوريا، قبل أن تسفر غارة إسرائيلية على أحد مباني الضاحية الجنوبية لبيروت في 20 سبتمبر، عن مقتله إلى جانب 15 من قادة الحزب بينهم أحمد وهبي.
ووهبي هو القيادي الثاني في وحدة "الرضوان" (قوات النخبة) التابعة لحزب الله والتي قادت عمليات الأخير في سوريا، حيث كان يظهر داخل غرفة عمليات عسكرية لحزب الله إلى جانب قوات الأسد وأمامهم خرائط عسكرية لجبهات المعارك مع المعارضة السورية.
اللافت أنه رغم ظهور صور قيادات حزب الله في سوريا من خلال تسجيلات مصورة لسير العمليات العسكرية التي ينشرها الإعلام الحربي التابع لحزب الله.
إلا أن أسماء هؤلاء كانت مجهولة ولم يعرفوا إلا بعد اغتيالهم من قبل إسرائيل حينما قرر حزب الله الاشتباك مع إسرائيل "إسنادا لغزة".
إذ يعمد حزب الله إلى نشر صورهم ويشير إلى قيامهم بأدوار قيادية في سوريا، فضلا عن ذكر الأسماء التي ينعتون بها عوضا عن أسمائهم الحقيقية.
ولا سيما أنه معروف لدى حزب الله أنه يمنح قادته وحتى عناصره أسماء بديلة يسبقها للقادة كلمة "الحاج" مثل إبراهيم عقيل يعرف بـ “الحاج عبدالقادر”.
"ثغرة سوريا"
كما أن بعض قادة حزب الله ممن اغتالتهم إسرائيل عقب الثامن من أكتوبر ظهر بتسجيلات مصورة من معارك القتال في سوريا.
مثل القائد في قوة "الرضوان" العاملة جنوب لبنان، وسام الطويل (الحاج جواد) الذي اغتالته إسرائيل في 8 يناير/ كانون الثاني 2024.
حيث انتشر له تسجيل مصور يعتقد أنه تاريخه يعود لأعوام 2013 - 2015 من داخل طائرة مروحية تتبع لقوات الأسد وهي ترمي البراميل المتفجرة على إحدى المدن السورية.
وحين انتشار التسجيل قبل سنوات وتداولته مواقع التواصل الاجتماعي كدليل على الجرائم بحق السوريين، ظهر الطويل بشكل واضح ولم يشر إليه حينها بأنه قيادي كبير من حزب الله كون المقطع مسربا من ضباط الأسد الذين كانوا معه داخل المروحية.
وأمام ذلك، يشير خبراء عسكريون إلى أن تدخل حزب الله بسوريا كان بمثابة الثغرة التي سمحت لإسرائيل بتحقيق طفرة في اختراق الحزب واصطياد قادته.
فيقول رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد، إن "تدخل حزب الله بسوريا أدى لانكشاف كل قواته وتحركاته ومعرفة مخازن أسلحته وتنقلات قادته من لبنان إلى سوريا على مدار سنوات عبر المناطق الحدودية التي يخرجون ويدخلون منها".
وأضاف الأسعد لـ"الاستقلال" أن "ذلك سمح برصد مقرات القيادة والسيطرة التابعة لحزب الله".
ولفت إلى أن "بعض عناصر حزب الله كانت غايتهم من الدخول لسوريا هي جمع الأموال مما فتح الباب لكثرة العملاء داخل الحزب وهذا ما يفسر مقتل القادة بالضربات الإسرائيلية في مكان وجودهم في لبنان بأماكن سرية".
الخبير العسكري، أوضح أن "اختلاط قادة حزب الله المشرفين على القتال بسوريا مع مخابرات الأسد والإيرانيين وحتى الروس فتح ثغرة في تعقبهم ومعرفة وسائل الاتصال التي يستخدمونها وطرق التنقل والتخاطب فيما بينهم".
وأردف: "فضلا عن تأثير نفوذ قادة حزب الله على مؤسسات النظام السوري، ما تسبب بانكشاف أمني لتحركاتهم بعدما كانوا في لبنان غير ظاهرين لكن تدخلهم في سوريا واحتكاكهم مع مليشيات أجنبية جلبتها إيران ربما يكون بعضها مخترقا من قِبل إسرائيل تسبب في ذلك".
وشدد الأسعد على أن "احتكاك قادة حزب الله مع ضباط الأسد كشف الغطاء عن سريتهم، خاصة أن معظم أجهزة مخابرات الأسد باتوا مرتبطين مع دول خارجية".

وحدة لتحليل البيانات
وقاد عملية تعقب قادة حزب الله على مدى عقدين، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز" ، وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200، وجهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”.
ونقلت الصحيفة البريطانية في تقرير لها نشر في 29 سبتمبر 2024 عن ضابطة الاستخبارات السابقة ميري إيسين قولها إن ذلك تطلب تحولا جذريا في كيفية نظر إسرائيل إلى حزب الله، الذي استنزف إرادتها وقدرتها على التحمل واضطرها عام 2000 إلى انسحاب، مصحوب بخسارة كبيرة في جمع المعلومات الاستخبارية.
ولذلك، تقول الصحيفة: وسّعت الاستخبارات الإسرائيلية نطاقها لرؤية حزب الله بأكمله، ففتشت فيما هو أبعد من جناحه العسكري، في طموحاته السياسية وارتباطاته المتزايدة بالحرس الثوري الإيراني وعلاقة نصرالله برئيس النظام السوري بشار الأسد.
وأشارت الصحيفة، إلى أن تدخل حزب الله في سوريا كشف الكثير من أوراقه وكونت إسرائيل "صورة استخباراتية" متكاملة عمن كان مسؤولا عن عمليات حزب الله، ومن كان يحصل على ترقيات، ومن عاد للتو من رحلة غير مفسرة.

ووفقا للصحيفة، فإن تدخل حزب الله في سوريا وفر لجواسيس إسرائيل "نافورة من البيانات"، معظمها متاح للناس، مثل "ملصقات الشهداء" التي استخدمها حزب الله بانتظام لنعي قتلاه في سوريا، التي كانت مليئة بمعلومات صغيرة، بما في ذلك البلدة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين نشروا الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولفت التقرير إلى أن جنازات قتلى حزب الله، كشفت أيضا الكثير من المعلومات، إذ أخرجت في بعض الأحيان كبار القادة من الظل، ولو لفترة وجيزة.
ونقلت الصحيفة عن سياسي لبناني سابق رفيع المستوى، لم تسمه قوله إن "قادة حزب الله كان عليهم الكشف عن أنفسهم في سوريا، حيث اضطرت العناصر السرية منهم فجأة إلى البقاء على اتصال وتبادل المعلومات مع جهاز المخابرات السوري الفاسد أو مع أجهزة المخابرات الروسية، التي كانت تخضع لمراقبة منتظمة من قبل الأميركيين".