إمام كاشاني.. خطيب جمعة طهران يرحل بعد عمر مديد من الفساد ودعم الاستبداد

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

"فاسد، متشدد، خطيب، سياسي"، كل هذه الصفات تطلق على القيادي البارز في النظام الإيراني، محمد إمامي كاشاني، الذي توفي عن عمر ناهز 92 عاما، بعدما تنقل بين العديد من المناصب، وأثار الجدل كثيرا في تصريحاته التي كان يطلقها من على منبر الجمعة في طهران.

وفي 4 مارس/ آذار 2024، أفادت وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء، بأن "المرشد الإيراني للبلاد علي الخامنئي، صلى على جثمان العالم الجليل آية الله إمامي كاشاني، الذي توفي في منزله قبل يومين إثر إصابته بسكتة قلبية عن 92 عاما"، ثم جرى تشييعه إلى قبره.

متعدد المناصب

قبل وفاته بأسبوعين، أعلن إمامي كاشاني الانسحاب من خوض انتخابات مجلس خبراء القيادة في إيران (الهيئة الأساسية في النظام الإيراني الذي عهد إليه الدستور مهمة تعيين وعزل المرشد في البلاد) رغم تأكيد مجلس صيانة الدستور (المعني بالمرشحين) أهليته للترشح.

وتقلد العديد من المسؤوليات خلال فترة حياته، لا سيما عضو مجلس خبراء القيادة منذ تأسيسه حتى وفاته أي مدة 40 عاما، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام خلال المدة من 1996 إلى 2006، وعضو مجلس صيانة الدستور في البلاد لمدة 15 عاما امتدت من 1983 إلى 1999.

دخل إمامي كاشاني الدورة الأولى للبرلمان الإيراني ممثلا عن مدينة كاشان عام 1979، وبعدها بعام واحد أصبح الخطيب المؤقت لجمعة العاصمة طهران، وشغل هذا المنصب حتى نهاية حياته.

وفي 1982 تولى رئاسة المحكمة الإدارية، ثم عينه المرشد الأعلى السابق في إيران روح الله الخميني في العام نفسه، مسؤولا عن مدرسة ومسجد مطهري.

أصبحت هذه المدرسة "جامعة" في عام 2010 بموافقة المجلس الأعلى للثورة في إيران، وخلال العقود الماضية، دربت أشخاصا يثق بهم النظام، إذ حصل الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي على درجة الدكتوراه من هذه الجامعة التابعة للنظام.

وقبل وقت قصير من وفاة الخميني عام 1989، أصبح كاشاني، أحد أعضاء هيئة مراجعة الدستور بموجب مرسوم من الأخير نفسه.

وهذه الهيئة أقرت إصلاحات أدت إلى تعزيز دور المرشد في إدارة البلاد، وإلغاء شرط المرجعية الدينية لمن يتولى المنصب، ما أدى إلى تمهيد الطريق أمام علي خامنئي.

وكان قبل ذلك يشترط على من يتولى منصب المرشد في إيران، أن يكون مرجعا دينيا شيعيا، والذي وصل إلى مرتبة "آية الله"، كما حصل مع الخميني، لكن خامنئي خلف الأخير وكان بمرتبة "حجة الإسلام والمسلمين".

وفي عهد علي خامنئي، حصل إمامي كاشاني على المزيد من المناصب السياسية، حيث أصبح عضوا في مجلس تشخيص مصلحة النظام من 1996 إلى عام 2006.

شخصية فاسدة

ولد محمد آغا إمامي، المعروف بمحمد إمامي كاشاني، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 1931 بمدينة كاشان، التابعة لمحافظة أصفهان في إيران. والده "ميرزا أبو تراب إمام جمعة"، خطيب جمعة كاشان.

بدأ بتعليم الدروس الدينية في الحوزات العلمية في طهران عام 1961، بعد الدراسة في "قم" لفترة من الوقت، وتلقى دروساً تمهيدية ومتقدمة على يد العديد من المراجع الشيعة الإيرانيين والعرب.

ومن الشخصيات الدينية التي تتلمذ كاشاني على يدها: موسى الصدر ومهدي الحائري ومحمد الصدوقي وشهاب الدين مرعشي النجفي ومجاهدي التبريزي وعلي مشكيني، كما شارك في دروس مرتضى الحائري والميرزا ​​جواد التبريزي.

في سن الثالثة والعشرين، شارك في دورات الفقه الإسلامي ومبادئ الخميني، ودرس أيضا الفلسفة والتصوف على المرجع محمد حسين الطباطبائي وأبو الحسن الرافعي.

وبعدها بمدة ليست طويلة، بدأ كاشاني تدريس الدورات المتقدمة في حوزة طهران، ثم أجرى في ستينيات القرن العشرين، رحلة قصيرة إلى مدينة النجف العراقية، وشارك في دورات المرجعين آنذاك محسن الحكيم وأبو القاسم الخوئي.

انخرط إمامي كاشاني بعد ذلك في أنشطة سياسية ضد نظام الشاه (الملكي)، إذ جرى القبض عليه مرات عدة في عهد الشاه، ونُفيَّ إلى مدينة كنبد كاووس بشمال إيران عام 1976.

وانضم إلى النواة المركزية لـ"جمعية رجال الدين المناضلين في طهران"، عام 1977، وعمل إلى جنب الرئيس الإيراني الأسبق، أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان أحد أقاربه ومقربيه.

كذلك عمل إمامي كاشاني، مع رئيس مجلس خبراء القيادة الأسبق محمد رضا مهدوي كني، وهو كان سببا في توليه العديد من المناصب بعد الإطاحة بنظام الشاه، ووصول الخميني إلى سدة الحكم بعد ثورة عام 1979.

وفي عام 2008، وجه المحقق القضائي، عباس باليزدار خلال خطابات عدة ألقاها في جامعة بو علي في همدان، وفي كلية الحقوق بجامعة شيراز، اتهامات بالفساد الاقتصادي إلى كاشاني وما لا يقل عن 50 من كبار المسؤولين ورجال الدين المؤثرين في إيران. واتهمه بـ "البحث عن الريع"، وفي بعض الحالات "الفساد الأخلاقي".

وبحسب تقرير لموقع "إيران إنتر ناشيونال" نشره في 3 مارس 2024، فإن كاشاني توفي من دون أي محاسبة في القضايا المثارة ضده، وهو ما يعد مثالًا على إفلات رجال الدين والشخصيات المتهمة بالفساد من العقاب في النظام الإيراني.

وعلى الرغم من التقارير العديدة عن الفساد المالي لإمامي كاشاني، لم يكتفِ النظام الإيراني بعدم التعامل مع هذه الاتهامات، بل حاول إسكات الأصوات التي طالبت بمحاسبته وعقابه، وفقا للموقع.

ولفت إلى أن "إمامي كاشاني أبقى قضايا فساده سرا، لكنه لم يستطع إخفاء رغبته القوية في السلطة، وكان يحاول الحفاظ على مناصبه، حتى آخر يوم في حياته".

عدو الثورات

كاشاني عرف بمواقفه الصارخة في السياسة الداخلية والخارجية للنظام الإيراني، خلال السنوات التي تولى فيها مناصب ومنابر مختلفة، خاصة منبر صلاة الجمعة في طهران.

وفي عام 2015، اتهم كاشاني، خلال خطبته في جمعة طهران، السعودية بأنها "دولة تدار من قبل الكيان الصهيوني، وتدعم تنظيم الدولة من أجل بث الفتنة في المنطقة"، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.

وكان كاشاني من أشد المدافعين عن خامنئي، إذ هاجم منتقديه، عام 2016، قائلا: "مرشد الجمهورية هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يوضح بشكل صحيح ما هي الثورة الإسلامية، وما هي عظمتها، وكيف ينبغي الحفاظ عليها والتعامل مع العالم، وما هي خدعة الأعداء".

وأكد خطيب جمعة طهران في وقتها أن "رأي أي شخص آخر غير خامنئي في قضايا البلاد، خاطئ".

وفي العام نفسه، وصف إمامي كاشاني الطائفة البهائية في إيران بأنها "قذرة وملوثة وربيبة الاستعمار".

كان يدافع كاشاني عن النظام السوري ويدعم مساندة الإيرانيين له، إذ قال عام 2016، إن مدينة حلب "تحررت وانتصر فيها المسلمون على الكفّار"، مقدما تهنئته بسقوط المدينة بيد نظام الأسد والمليشيات الطائفية والحرس الثوري الإيراني.

وعام 2019، هاجم كاشاني الاحتجاجات الشعبية العراقية المطالبة بمحاكمة الفاسدين، واتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراءها؛ لعرقلة إحياء مراسم أربعينية الحسين (مناسبة شيعية تقام في كربلاء) في أكتوبر من العام نفسه.

وتتهم إيران، وتحديدا قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، بالوقوف وراء دعم المليشيات العراقية الموالية لها في قتل نحو 800 متظاهر عراقي وإصابة 30 ألفا آخرين.

وفي عام 2020، قال إمامي كاشاني خلال خطبة جمعة: "لولا انتصار الثورة الإسلامية في إيران لسيطرت أميركا والكيان الصهيوني على العالم الإسلامي، وكانت بلادنا في قبضة الأميركيين والصهاينة من النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية".

وفي عام 2013، قال كاشاني في خطبة أخرى إن “السلفيين التكفيريين ليسوا شيعة ولا سُنة ولا مسلمين، وإنما صهاينة بكل ما للكلمة من معنى”.

وأضاف أن “الأعداء قد أحاطوا اليوم بالعالم الإسلامي، وهم بصدد إثارة الصراعات والاشتباكات بين المسلمين باسم الإسلام، وهذا أمر مؤسف، إلا أن الأكثر أسفا هو الذين يعدون أنفسهم في مقام المفتي ويطلقون الفتاوى بهذا الشأن”.