سوداء أم بيضاء.. ما دلالة لون العمامة في اختيار خليفة "نصر الله"؟

يوسف العلي | 8 days ago

12

طباعة

مشاركة

مع كثرة التكهنات بشأن  خليفة حسن نصر الله في زعامة حزب الله اللبناني، تدور تساؤلات عن دلالة لون العمامة التي يرتديها المعممون القياديون بالحزب، وإلى أي مدى تشكل أهمية في اختيار الأمين العام الجديد؟

وفي 30 سبتمبر/ أيلول 2024، نفى نعيم قاسم نائب الأمين العالم للحزب خلال خطاب تلفزيوني، اختيار بديل عن نصر الله حتى الآن، مؤكدا أنهم سيختارون أمينا عاما "في أقرب فرصة وفق الآلية المعتمدة، وأن الخيارات سهلة وواضحة، لأننا على قلب رجل واحد".

يأتي ذلك بعد ساعات من إصدار المكتب الإعلامي للحزب بيانا مقتضبا، بخصوص ما يطرح في الوقت الحالي من أسماء ومدى صحة توليها منصب الأمين العام، بالقول إن "الأنباء التي تم تداولها بهذا الشأن لا يبنى عليها ما لم يصدر بيان رسمي".

دلالات العمامة

في الأدبيات الشيعية، تشير العمامة السوداء إلى أن صاحبها يعود نسبه إلى بيت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ويطلق عليه لقب "سيد"، أما البيضاء فإنها تدل على أن من يرتديها لا ينتمي إلى سلالة الرسول، وبذلك يسمى "شيخ"، والاثنان هما من رجال الدين كونهما يرتديان العمامة.

ورغم أن العمامة السوداء أكثر قداسة من البيضاء- طباقا للموروث الشيعي- لكن ذلك غير مرتبط بالدرجة العلمية التي يكتسبها مرتدوها، فبإمكان الاثنين الوصول إلى مرتبة آية الله (أعلى درجة علمية شيعية)، ويصبحان مراجع دينية، لأن الأمر يتعلق بالعلوم الشرعية التي يكتسبها المعمم من الحوزات الشيعية.

وفي مرجعية النجف بالعراق، يوجد 6 مراجع دينية بمرتبة آية الله،  يرتدي منهم علي السيستاني فقط العمامة السوداء، بينما البقية يرتدون البيضاء، وهم: "بشير النجفي ومحمد إسحاق الفياض وقاسم الطائي وشمس الدين الواعظي ومحمد اليعقوبي".

أما في إيران، فإنه بالإضافة إلى علي خامنئي، المرشد الأعلى للبلاد، فإن من يرتدي العمامة السوداء في مرجعية قم، هم: صادق الشيرازي، وموسى زينجاني، وكاظم الحائري، أما بقية المراجع، فكلهم من أصحاب العمامة البيضاء.

ومن أبرزهم: "الوحيد الخراساني وكمال الحيدري وناصر مكارم الشيرازي وجعفر السبحاني وجواد الغروي وحسين الهمداني وعباس المحفوظي وقربان علي المحقق ومحمد إبراهيم جناتي وعبد الله الآملي ومحمد علي الكرامي وأسد الله بيات زنجاني وشمس الدين مجتهدي".

وفي لبنان، فإن الشيعة لديهم أيضا العديد من الشخصيات التي تصل إلى مرتبة "آية الله" الدينية، لكن على صعيد "حزب الله" اللبناني، فإنه لا يوجد في القيادة من وصل إلى هذه الدرجة، وأن حسن نصر الله الأمين العام السابق، كان بمرتبة "حجة الإسلام والمسلمين".

وبناء على ذلك، فإن المرجعيات الدينية الشيعية، لم يظهر فيها أي فرق بموضوع لون العمامة، وكذلك الحال بالنسبة للحركات والأحزاب السياسية والمليشيات المسلحة الشيعية، سوءا في البلدان المذكورة أعلاه أو غيرها، فإنها تشهد تنوعا في لون العمامة التي تتولى زعامتها.

قرار خامنئي

على الصعيد اللبناني، فإن الكاتب والمحلل السياسي من لبنان، طوني أبي نجم، أكد خلال مقابلة تلفزيونية في 29 سبتمبر، أن "من يعيّن زعيم حزب الله، هو المرشد الأعلى في إيران (علي خامنئي)، وذلك بعيدا عن المشاهد الفلكلورية (التراث الشعبي)".

وأوضح أبي نجم أن "بيان الحزب (عن مقتل زعيمه) قدّم التعازي إلى علي خامنئي شخصيا بوفاة نصر الله، بالتالي هو من يعّين أمين عام حزب الله، وأن من يُشرف على قيادة العمليات العسكرية في لبنان هم ضباط الحرس الثوري الإيراني".

واستدل الخبير اللبناني على حديثه بالقول: إنه "في الضربة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية (27 سبتمبر) سقط أكثر من ضابط في الحرس الثوري الإيراني، وفي عملية اغتيال فؤاد شكر (30 يوليو) القيادي في الحزب قتل معه ضابط إيراني أيضا".

من جانبه، قال الباحث العراقي علي المساري، لـ"الاستقلال": إن "حزب الله اللبناني حزب عقائدي، ويؤمن بنظام ولاية الفقيه، ويتخذ من المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، مرجعا دينيا، وقائدا أعلى يتدخل حتى في تنصيب أمين عام الحزب".

وأشار إلى أن "لون العمامة ليست شرطا فيمن سيتولى زعامة حزب الله اللبناني، مع أن اللون الأسود كون حاملها يكون شخصية مقدسة أكثر لمفاهيم عقائدية شيعية، وبالتالي تعطي للصف الداخلي والكوادر العاملة داخله جرعة دينية أكبر من كونها حزبية فقط".

وفي الحالة العراقية، يضيف المساري أن "أحزابا وحركات شيعية، بعضها تتزعمها شخصيات بعمامة سوداء مثل: (التيار الصدري) بزعامة مقتدى الصدر، وتيار (الحكمة) بقيادة عمار الحكيم، وهذان لا يؤمنان بولاية الفقيه، ولهما مراجع دينية، فالأول يتبع السيستاني، والثاني، الحائري".

وعلى الجانب الآخر، يضيف المساري، فإن "هناك مليشيات مسلحة ولديها أذرع سياسية، مثل عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي، وحركة النجباء، بقيادة أكرم الكعبي، وكلاهما ممن يرتدي العمامة البيضاء، ويؤمنان بولاية الفقيه ويتخذان من خامنئي مرجعا دينيا وقائدا أعلى لهما".

وخلص الباحث إلى أن "لون العمامة لا يشكل فارقا كبيرا في اختيار زعامة الأحزاب السياسية والحركات والمليشيات الشيعية، خصوصا أن التشيُع يتخذ مراجع دينية يقلدونها (يتبعونها) في الأمور الدينية، سواء كان يؤمن بنظام ولاية الفقيه أم لا".

بدلائل مطروحة

وبالعودة إلى الشخصيات المتداولة إعلاميا لخلافة، نصر الله، وما إذا كان للون العمامة علاقة في ذلك، فإن صبحي الطفيلي أول أمين عام للحزب عام 1989 كان بعمامة بيضاء، ثم جاء بعده عباس الموسوي وحسن نصر الله، بعمامة سوداء.

وطرحت وسائل إعلام عربية وأجنبية، العديد من الشخصيات المعممة القيادية في حزب الله، والتي قالت إنها الأقرب إلى تولي دفة القيادة خلفا لأمينه العام السابق، ومن أبرز ما يجرى تداول أسمائهم: نعيم قاسم وهاشم صفي الدين ومحمد يزبك.

في التسلسل الهرمي الحالي للقيادات داخل حزب الله، فإن نعيم قاسم يشغل منصب نائب الأمين العام، وهو معمم يرتدي العمامة البيضاء، ومن المرشحين المحتملين لخلافة نصر الله. 

ويُعد قاسم (69 عاما) شخصية مخضرمة في الجماعة ويشغل منصب نائب الأمين العام منذ عام 1991، وعُين بمنصبه هذا في عهد الأمين العام الأسبق للحزب عباس الموسوي، الذي قُتل في هجوم بطائرة هليكوبتر إسرائيلية عام 1992، وظل في المنصب عندما تولى نصر الله القيادة.

بدأ نشاطه السياسي في حركة "أمل" الشيعية اللبنانية، التي تأسست عام 1974، ثم غادرها عام 1979، في أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية، التي شكّلت الفكر السياسي للكثير من الناشطين الشيعة اللبنانيين الشباب آنذاك.

وشارك قاسم مع عباس الموسوي وصبحي الطفيلي ومحمد يزبك وآخرين في الاجتماعات التي أدت إلى تشكيل "حزب الله" اللبناني، الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني عام 1982.

أما هاشم صفي الدين، (60 عاما)، فيتولى رئاسة المجلس التنفيذي للحزب، ويرتدي العمامة السوداء منذ إكماله دراسته الدينية في مدينة قم الإيرانية خلال ثمانينيات القرن العشرين، ومتزوج من ابنة رجل الدين الشيعي محمد علي الأمين، عضو الهيئة الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في البلاد.

ومن حيث القرابة، فإن هاشم صفي الدين، هو ابن عمة والدة حسن نصر الله، وإلى جانب هذه العلاقة الوثيقة، فإنه كثير الشبه به أيضا، سواء في الشكل أو في طريقة الكلام، وحتى بلثغة الراء.

وتربط صفي الدين، علاقة خاصة مع إيران تمنحه نفوذا داخل الهرم القيادي في حزب الله، فإن شقيقه عبد الله ممثل الحزب في طهران، ونجله رضا هاشم زوج زينب ابنة قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.

ومن الشخصيات المرشحة أيضا لخلافة نصر الله في زعامة الحزب، هو رجل الدين محمد يزبك (74 عاما)، الذي يرتدي عمامة بيضاء، فهو أحد مؤسسي حزب الله، ورئيس الهيئة الشريعة أو المجلس الديني للمنظمة.

وقبل إعلان مقتل نصر الله بيومين، كشف الأمين العام لـ"المجلس الإسلامي العربي" في لبنان، محمد علي الحسيني، خلال مقابلة تلفزيونية في 27 سبتمبر، عن حصول انتفاضة داخل مجلس شورى "حزب الله" ضد نصر الله، ليجرى ترشيح محمد يزبك لخلافته.

لكن لم يعرف مدى دقة رواية الحسيني الذي أثار الجدل على قناة العربية السعودية قبل اغتيال نصر الله بيوم، حيث وجه رسالة إلى الأخير: "جهز وصيتك فمن اشتراك قد باعك.. ما حدث في 2006 كان متفقا عليه أما اليوم فلا سياسة وإسرائيل ستدمر كل شيء".

ينحدر يزبك من عائلة مقرها في بوداي وهي بلدة تقع بالقرب من قضاء بعلبك في شمال لبنان، وأكمل دراسته الدينية الشيعية في العراق خلال عقد السبعينيات، وعاد إلى لبنان عام 1980، وأسهم بإنشاء الحوزات والمؤسسات الدينية الشيعية في البلاد.

ومع أنه قيادي في "حزب الله"، لكنه يتولى منصب ممثل المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي في منطقة سهل البقاع؛ إذ يتولى مسؤولية توزيع المنح المالية التي خصصها الأخير للحزب اللبناني.