حقيقة "الساعة الإضافية" في المغرب.. توفير للطاقة أم مسايرة لفرنسا؟

"التوقيت اعتمد عام 2018 بناء على دراسة يجهل الجميع تفاصيلها ومضمونها"
عاد النقاش في المغرب حول "الساعة الإضافية" ليطغى على اهتمامات المواطنين وذلك بعد حذفها استعدادا لشهر رمضان المبارك، ورغم مرور 5 سنوات على تطبيقها، لا يزال مغاربة يرفضون "الساعة الصيفية" ويطالبون بالعودة للعمل بـ"الساعة القانونية".
بشكل مفاجئ
وأعلنت وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، في 7 مارس/ آذار 2024، أنه بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، سيتم الرجوع إلى الساعة القانونية للمملكة ((غرينتش، وذلك بتأخير الساعة 60 دقيقة.
وأوضحت الوزارة في بيان أن ذلك يأتي طبقا لمقتضيات المادة الثانية من المرسوم رقم 2.18.855 الصادر في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 المتعلق بالساعة القانونية.
وأضافت أنه سيتم بعد نهاية شهر رمضان، إضافة ستين (60) دقيقة إلى الساعة القانونية عند حلول الساعة الثانية عشرة صباحا من يوم 14 أبريل/ نيسان 2024.
ومع العودة للساعة القانونية (الطبيعية) بيوم واحد قبل رمضان، أكد مغاربة أنهم ارتاحوا بيولوجيا ونفسيا واستغربوا من فرض ساعة تلقى شبه إجماع على رفضها.
وفي السياق، قال الإعلامي عبد الله ترابي: "هذه تقريبا 20 سنة وأنا أتابع السياسة في المغرب، الكثير من الأشياء فهمتها ولو متأخرا، ولكن أكبر لغز لا جواب له، ويمكن أن نموت جميعا وليس له إجابة، هو هذه الساعة الإضافية، التي عذبت وتعذب الصغار والكبار، وتنغص عليهم نومهم واستيقاظهم…".
وتابع في تدوينة عبر فيسبوك في 11 مارس 2024، "لماذا؟ كيف؟ ما أسباب النزول؟ لا شيء، لا أحد استطاع أن يعطي إجابة بسيطة ومقنعة لهذا العجب!!".
بدوره، كتب حساب باسم "ديور المساكين" إنه "بكل صراحة وبدون أية مزايدات، أرجو من صناع القرار في هذا البلد إعادة النظر في الساعة التي يتم إضافتها بعد رمضان؛ لأنه منذ البارحة واليوم أحسسنا بالفرق الكبير".
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك: "لاشك أن الساعة الإضافية رغم مزاياها على الطاقة والاقتصاد، إلا أن ذلك يعود بكل ما هو سيئ على صحة المغاربة النفسية والبدنية وهو ما يعني أننا لا نستفيد شيئا..".
وتبرّر السلطات المغربية الأمر بأن قرار زيادة ساعة على التوقيت الاعتيادي جاء بناء على نتائج دراسة أُنجزت عام 2018، وتقييم حصيلة تجربة خمسة أعوام من تطبيق المرسوم رقم 2.12.126 الصادر في 18 أبريل/ نيسان 2012.
وبشكل مفاجئ، قررت الحكومة عقد مجلس حكومي استثنائي في 26 أكتوبر 2018، وأعلنت تغيير الساعة الإدارية قبل يومين من انتهاء العمل بالتوقيت الصيفي.
وقالت الحكومة في بيان إن هذا الإجراء التنظيمي سيمكّن من "تفادي تعدد التغييرات التي تجرى أكثر من مرة خلال السنة، وما ينجم عنها من انعكاسات سلبية".
وترى أن اعتماد هذا التوقيت يمكّن من اقتصاد ملموس في الطاقة التي تمثّل مسألة مهمة في ظل الظروف الدولية الحالية.
كذلك، فإن الأمر يمكّن من تخفيض انبعاث ثاني أكسيد الكربون، الأمر الذي من شأنه أن يقلّل الآثار السلبية المرتبطة بتلوّث البيئة على صحة المواطنين.
لكن مصادر حزبية أكدت لـ"الاستقلال" أن "المجلس الحكومي الاستثنائي (آنذاك) قرر في ليلة انعقاده وطُلب من الوزراء الالتحاق صباحا للمصادقة على قرار الساعة الإضافية، والكثير من الوزراء لا علم لهم بتفاصيل القرار ولا حيثياته ولا مضمون الدراسة قيد النقاش منذ ذلك اليوم وحتى الآن".
ساعة فرنسا
وبعد مرور سنة على القرار، قال الوزير المنتدب المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، محمد بنعبد القادر، إن "النتائج الأولية للدراسة العلمية الخاصة باعتماد التوقيت الصيفي طيلة السنة تظهر أن اعتماد هذا التوقيت ليس له آثار على الصحة".
وأفاد الوزير آنذاك، في معرض رده على سؤال شفوي حول “تقييم الساعة الإضافية للمملكة” بمجلس المستشارين في 11 يونيو/ حزيران 2019، بأن الدراسة التي اعتمدتها الوزارة "سيعلن عن نتائجها قريبا".
وظلت هذه "النتائج التي سيعلن عنها قريبا" محط انتظار واستغراب لدى المواطنين.
وتساءل عدد من المغاربة عن الخلفيات الحقيقية التي جعلت الحكومة تصدر قرارا يقضي باعتماد التوقيت الصيفي طول السنة، وسط تخمينات وتوقعات مختلفة.
لكن تدوينة ناشط اقتصادي يدعى “شيخي أديب” خلقت الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث كتب أن المدير العام لشركة “رونو” حينها، كارلوس غصن، هو الذي طالب المغرب بتطبيق الساعة الإضافية طيلة السنة، حسبما نقل موقع "العمق المغربي" في 28 أكتوبر 2018.
التدوينة التي انتشرت كالنار في الهشيم في أكتوبر 2018، جاء فيها، أن المدير العام لشركة “رونو” الفرنسية حل بالمغرب لمطالبة الحكومة بتطبيق الساعة الإضافية بشكل مستمر، لأن شركته فقدت الكثير من الأرباح بسبب الفرق في التوقيت بين أوروبا والمغرب.
وربط نشطاء، استقبال الملك محمد السادس لكارلوس غصن، في 25 أكتوبر 2018، بقصره في مراكش، بقرار الحكومة المفاجئ الإبقاء على الساعة الإضافية، حتى يسهل على المستثمرين الفرنسيين تتبع أنشطتهم بالمغرب.
وذهب آخرون، إلى أن الاتفاقية التي وقعت بين الرباط وشركة “رونو” لتوسيع مصانع هذه الأخيرة بالمغرب، كان من بين بنودها، الاستمرار في العمل بالتوقيت الصيفي طيلة السنة، لأن فرق ساعتين بين المغرب وفرنسا يخلق ارتباكا في أنشطة الشركة الفرنسية.
قصة الساعة
وكانت الفكرة الأصلية وراء تطبيق التوقيت الصيفي في أوروبا خلال الثورة الصناعية هي إبقاء المعامل مفتوحة لأطول فترة ممكنة في الصيف، حيث يستمر ضوء الشمس لفترة طويلة مقارنة مع فصل الشتاء، وذلك من أجل رفع الإنتاجية، إذ إن زيادة ساعة واحدة في التوقيت يعني استيقاظ العمال بوقت أبكر من المعتاد بساعة.
لكن فيما بعد أصبح التوقيت الصيفي نهجا للحفاظ على الطاقة، حيث يفترض أن إضافة ساعة واحدة إلى التوقيت يجعل الناس ينامون في وقت أبكر، ما داموا ملزمين بالاستيقاظ باكرًا للعمل أو المدرسة، مما يعني تقليل استهلاك المواطنين للإضاءة الكهربائية أثناء الليل.
الصحفي نور الدين مفتاح، وصف الساعة الإضافية بـ"اللا إنسانية"، قائلا في تدوينة عبر فيسبوك في 14 مارس 2024، إن "هذه الساعة الإضافية ما إن عادت إلى طبيعتها مؤقتا في رمضان حتى انفرجت أسارير الناس وأحسوا بنشوة زمنهم البيولوجي الطبيعي".
وتابع: "لقد أضفتم ساعة بناء على دراسة مغشوشة في حكومة كنتم مشاركين فيها، بدعوى اقتصاد الطاقة، فها هي كلفة الطاقة في عنان السماء يؤديها المواطن ويؤدي معها من راحته اليومية. إنها ساعة إضافية تعسفية تحكمية لا منطقية ولا إنسانية ولا بد من حملة شعبية لإسقاطها".
من جهته، قال الناشط، زكريا النويني إن "التوقيت اعتمد عام 2018 بناء على دراسة يجهل الجميع تفاصيلها ومضمونها وخطوطها العريضة".
وأضاف النويني لـ"الاستقلال" أن "المسؤولين في الحكومة يتحدثون عنها دون أن يطلع حتى البرلمانيون عن نتائجها بحسب تصريحاتهم، ولا الإعلام أيضا رغم الأسئلة المتكررة على المعنيين".
وأوضح أن "هذا التوقيت له تأثير سلبي على التعليم وله انعكاسات نفسية وخاصة لدى الأطفال".
ورأى أن "القرار الحكومي غاب عنه التفكير في التلاميذ الذين يسكنون بعيدا عن مدارسهم، وفي غياب للإضاءة في الشوارع وأمام انتشار للجريمة، وسط مخاوف أولياء الأمور على فلذات أكبادهم من التعرض للاغتصاب أو الاختطاف لا قدر الله".
وشدد النويني على أن "التفكير في جانب وتجاهل جانب مهم تفتقره البنية التحتية والأمنية للمغرب ينذر بعواقب وخيمة، وبعيدا عن أي مخططات مفترض أن نترك الكلمة للمواطن، خاصة أن أغلبهم بحسب جس نبضه وتعليقه اليومي وعلى منصات التواصل يؤكد أن هذه الساعة هي جحيم نفسي بالنسبة لهم".