لماذا يعد كمين "خان يونس" دليلا على تعافي حماس وفشلا لاستخبارات إسرائيل؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

وصفت صحيفة "معاريف" العبرية الكمين الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية حماس في خان يونس جنوب قطاع غزة أخيرا بأنه نسخة مصغرة للفشل الذي سبق عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وانتقد المراسل العسكري للصحيفة آفي أشكنازي بشدة جهاز الأمن العام (الشاباك) وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، محملا إياهما مسؤولية الفشل في منع هجوم حماس الأخير، ومؤكدا أن الحركة لا تزال تمتلك بنية تحتية عالية الكفاءة تشكل تحديا للجيش الإسرائيلي.

وفي 20 أغسطس/آب، خرج ما بين 15 و20 مقاتلا من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس من نفق سبق أن أعلن جيش الاحتلال تدميره، واقتحموا موقعا إسرائيليا مستحدثا جنوب شرق خان يونس.

وأعلنت "كتائب القسام" أن مقاتليها استهدفوا دبابات من طراز "ميركافا 4" باستخدام عبوات "شواظ" و"عبوات العمل الفدائي" وقذائف "الياسين 105"، كما اقتحمت منزلا كان يتحصن فيه جنود إسرائيليون واشتبكت معهم من مسافة صفر، وقتل وجرح من فيه.

وأوضحت أنه فور وصول قوة الإنقاذ الإسرائيلية، فجر أحد "الاستشهاديين" نفسه في الجنود وأوقعهم بين قتيل وجريح، مشيرة إلى أن الهجوم استمر لعدة ساعات، وأن "المجاهدين" رصدوا هبوط الطيران المروحي للإخلاء.

وقالت وسائل إعلام عبرية: إن المسلحين انقسموا إلى ثلاث خلايا وأطلقوا النار على كاميرا المراقبة وأصابوها، مما جعلها أقل فعالية. كما تحدثت القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي عن  محاولة أسر جنود في جنوب قطاع غزة خلال العملية.

بنية نوعية

وكشفت مصادر عسكرية لصحيفة معاريف أنه "من المتوقع أن تجرى تحقيقات داخل الجيش الإسرائيلي ومنظومة الأمن لفهم أسباب هذا الإخفاق المتكرر".

وأفادت بأنه "وفقا للتقديرات، نفذ 16 مسلحا من حركة حماس هجوما في وضح النهار على موقع عسكري تابع لكتيبة (نحشون) التابعة للواء (كفير) في خان يونس".

وأظهرت المعطيات الميدانية أن عناصر حماس المتبقين من كتائب خان يونس يتبعون أسلوب حرب العصابات، ويرصدون تحركات الجيش الإسرائيلي، ويتعلمون منها، ثم يخططون وينفذون.

ولفتت إلى أن "الهجوم الأخير ليس الأول من نوعه، فقد سبقه هجوم على مركبة بوما التابعة لكتيبة الهندسة القتالية 605، حيث اقترب أحد المسلحين من الآلية وألقى عبوة ناسفة، ما أدى إلى مقتل ضابط وستة جنود".

وأضافت: "كما وقع هجوم مماثل على مركبة النمر التابعة لوحدة الاستطلاع في لواء غولاني، وأسفر عن مقتل ضابط وجندي".

وأردفت: "تتكرر هذه الهجمات بشكل شبه يومي؛ حيث ينصب المسلحون الكمائن باستخدام عبوات ناسفة، بعضها يزرع على ارتفاعات عالية لاستهداف القادة الذين يكونون مكشوفين في أبراج المركبات المدرعة والدبابات".

وهو ما يشير، وفق تقييم الصحيفة، إلى أنه "رغم العمليات العسكرية المكثفة، لا تزال في خان يونس بنية تحتية قتالية نوعية تابعة لحماس تشكل تحديا كبيرا للجيش الإسرائيلي".

واستطردت: "تعد عملية مطاردة المسلحين معقدة وصعبة، إلا أن الهجوم الأخير يكشف عن خلل خطير في أداء الشاباك وشعبة الاستخبارات في المنطقة".

إخفاق خطير 

وأردفت: "مجموعة كبيرة من المسلحين تمكنت من تنفيذ عملية اقتحام على موقع عسكري، وهو ما يثير مخاوف بالغة لدى القيادة العسكرية، خصوصا في ظل الاستعدادات الجارية لإطلاق عملية سيطرة الاحتلال مدينة غزة".

وتابعت: "المقلق بشكل أكبر أن المسلحين استغلوا شبكة أنفاق لم تكشف بعد من قبل فرقة 36، وهو ما يعد إشكالية بحد ذاتها؛ إذ كان من المفترض أن تكون المنطقة قد خضعت للتطهير والرصد الكامل، لكن يبدو أن الأنفاق لم تدمر بالكامل".

وفي هذا السياق، صرح ضابط رفيع المستوى: "لقد تضررت شبكة الأنفاق، ولكنها لم تدمر، مما مكّن الإرهابيين من استخدامها". وفق تعبيره.

ووفقا للمراسل العسكري، يرى الجيش أن هذا القصور يمثل إخفاقا خطيرا للفرقة 36 حيث وجدت هذه القوات في الموقع العسكري المستهدف لعدة أسابيع، مشيرا إلى أن "هذا الموقع يعد إستراتيجيا؛ لأنه يحمي منشآت حيوية في القطاع".

وقال آفي أشكنازي: "يؤكّد جيش الدفاع أن الفوهة القريبة التي خرج منها المسلحون كانت قد أغلقت، لكن يبدو أنهم لجأوا إلى الالتفاف حولها وحفروا فتحة جديدة على امتداد المسار نفسه".

وأضاف: يعترف الجيش أنه قبل أيام قليلة من الهجوم، رُصدت حركة مشبوهة، ونصبت قوات لواء كفير كمينا، لكنّه لم ينجح في التصدّي لمسار اختراق المقاتلين، الأمر الذي عكس فشلا في قراءة الواقع الميداني بشكل صحيح.

ويعتقد المراسل العسكري للصحيفة أن "تفاصيل الهجوم الأخير في خان يونس تكشف عن مستوى عالٍ من التخطيط والتنفيذ من قبل عناصر حماس".

وتشير المعلومات إلى أن "المسلحين جمعوا معلومات استخباراتية مسبقة، ووصلوا إلى الموقع الدفاعي للجيش الإسرائيلي من عدة اتجاهات في وقت واحد، ضمن عملية منسقة خضعت لقيادة وتحكم ميداني". وفق قوله.

وعقب أشكنازي على هذا الفشل الاستخباراتي قائلا: "هذا النوع من التحضير كان من المفترض أن يُرصد استخباراتيا من قبل الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية، تماما كما كان ينبغي أن تُرصد نوايا وخطط حماس في ليلة السادس إلى السابع من أكتوبر".

وأردف: "لكن، كما حدث حينها، فشلت الأجهزة الاستخباراتية مجددا في تقديم الإنذار المبكر".

وزعم  أشكنازي أن "مقاتلي لواء كفير أظهروا، لحسن الحظ، يقظة وتصميما وشجاعة استثنائية، فقد خاضوا مواجهات مباشرة مع المسلحين، وتمكنوا من القضاء على عشرة منهم على الأقل، وربما إصابة آخرين".

اختبار واقعي

وأفاد بأن الجيش "يواجه صعوبة في تفسير كيفية إخفاق المنظومة الدفاعية المحيطة بالموقع في رصد تحركات المسلحين، من خلال المراقبة المباشرة أو بواسطة الطائرات المسيرة، وسواء في المدى القريب أو على صعيد التحركات الأوسع للمجموعة المهاجمة".

والأخطر من ذلك أن "الجيش يعجز عن تفسير الإخفاق الاستخباراتي لجهازي الشاباك والاستخبارات العسكرية في كشف مثل هذا التخطيط والتنظيم الكبير لحماس قبل تنفيذها الهجوم".

وترى الصحيفة أن "رئيس الأركان، الفريق إيال زامير، والقائم بأعمال رئيس الشاباك، مطالبان بتقدير حادثة خان يونس بمثابة حالة اختبار حقيقي وإعادة هيكلة المنظومة الاستخباراتية".

وتابعت: "فالجيش الإسرائيلي يستعد حاليا لدخول مدينة غزة، وهي منطقة أكثر تعقيدا بكثير من خان يونس؛ حيث يواجه هناك كتيبتين مسلحتين تضمان مئات المقاتلين، بعضهم مدرّب ومجهّز بالكامل".

وبالتالي، تتوقع أن "تحاول حماس إنهاك القوات، وتنفيذ عمليات خطف، وإحراج الجيش الإسرائيلي عبر هجمات مشابهة لما حدث في خان يونس".

وأكّدت أنه "لا يمكن قبول واقع تجتمع فيه عناصر حماس دون أن يكون لدى الشاباك أو وحدة 8200 (الاستخباراتية) أي علم بذلك، خاصة عندما يتعلق الأمر بعشرات العناصر".

وأضافت: "هذا يُعد فشلا استخباراتيا فادحا، لا ينبغي أن يتكرر بعد أحداث السابع من أكتوبر".

في هذا السياق، ذكرت الصحيفة أن ضابطا كبيرا أكّد أن "قيادة الجيش ستضطر إلى إعادة النظر في إستراتيجية الدفاع الخاصة به، واستخلاص الدروس من الهجوم الذي وقع".

حماس جديدة 

من جانبه، علق الرئيس السابق لقسم العمليات بالجيش، اللواء احتياط إسرائيل زيف، على الحادث، محذرا من "تغيير ملحوظ في أنماط عمل حركة حماس".

وقال: "هذا هو بالضبط ما أسميه لبننة الوضع في غزة، أي تحولها إلى ساحة شبيهة بلبنان". 

وتابع: "هناك حالة ضبابية بشأن هدفنا في غزة، ولذلك تبقى القوات في وضع مؤقت دائم بلا منظومة دفاع منظمة، ولا زخم هجومي متواصل".

وبرر إخفاق الجيش بزعمه أن "انشغال القوات بتوزيع المساعدات الغذائية على سكان غزة يؤثر سلبا على أدائها العسكري".

وأردف: "كل هذا التعقيد المرتبط بتوزيع الغذاء يستهلك الموارد ويوجهها بعيدا عن المهام القتالية".

واستطرد: “استغل المسلحون هذا الأمر، وراقبوا الجيش لفترة طويلة ودرسوا روتينه اليومي، ثم نفذوا الهجوم. ولحسن الحظ، تصرّف الجنود بسرعة وتمكنوا من استعادة السيطرة”. وفق قوله.

ويعتقد زيف أن "العملية الأخيرة في خان يونس تثبت أن حماس تعيد بناء نفسها"، وقال: "ما نراه اليوم هو حركة جديدة".

وأضاف: "حماس تتعافى من الضربة التي تلقتها من الجيش الإسرائيلي، وتعيد تنظيم نفسها كحركة تمرد أو أخرى تتبع أسلوب حرب العصابات".

وعزا ذلك التغير إلى الجيش الإسرائيلي قائلا: "هذا التحول نتيجة مباشرة لعملياتنا، نحن نواجه الآن كيانا صنعناه بأنفسنا".

وفسّر حديثه قائلا: "حين لا تؤدي العمليات العسكرية إلى فرض سيطرة حقيقية، فإن الفوضى تخلق واقعا جديدا".

وحذّر من أن هذا الأمر "لا ينطبق على حماس وحدها، بل هناك مجموعات مسلحة أخرى، في غزة لكنها لا تشارك حاليا في القتال ضد إسرائيل".

وفيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي الرسمي الذي يشترط نزع السلاح الكامل من قطاع غزة كشرط لإنهاء الحرب، رفض زيف هذا الطرح.

 وقال: "معظم أسلحة حماس دمرت، هل لديهم أسلحة فردية؟ من يهتمّ؟ لن يتمكنوا من تكرار ما حدث في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023"، وفق تقديره.

وتساءل: "هل هذا يشكل تهديدا حقيقيا لأمن إسرائيل؟ الجواب لا. الأكثر أهمية هو أن تكون هناك سلطة حاكمة واضحة في غزة".