ترتيب البيت.. هل تراهن طهران على الإصلاح الداخلي لتجاوز ضغوط واشنطن؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

خلال العام الماضي، واجهت إيران سلسلة من النكسات المتتالية، فقد أُضعفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و"حزب الله"، وفي تطور مفاجئ وصادم، انهار نظام بشار الأسد في سوريا.

أما عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فتنذر بإحياء سياسة "الضغط الأقصى" التي أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل منذ عام 2018.

هذه التحديات المتصاعدة دفعت العديد من المسؤولين والمحللين الأميركيين إلى اعتبار أن إيران تواجه هزيمة إستراتيجية.

انتكاسات مؤقتة

وكتب ريتشارد هاس، في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية في يناير/كانون الثاني 2025، أن "إيران اليوم أضعف وأكثر عرضة للخطر مما كانت عليه منذ عقود، ربما منذ حربها الطويلة مع العراق، أو حتى منذ الثورة عام 1979".

وفقا لهذا الطرح، فإن إيران قدّمت لخصومها فرصة سانحة لاستهداف منشآتها النووية أو انتزاع تنازلات كبرى في أي اتفاق نووي جديد.

وفي مقال بالمجلة ذاتها، أكد الزميل في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، محمد آية الله طبار، أن إيران تسعى لإصلاحات داخلية تعزز صمودها أمام الضغوط الأميركية.

وأوضح أن "على عكس الاعتقاد السائد بأن إيران باتت أكثر عرضة للضغوط الأميركية أو الهجمات الإسرائيلية، ترى طهران أن هذه التحديات مجرد انتكاسات مؤقتة وليست مؤشرا على الهزيمة".

"فمن المنظور الإيراني، ورغم الضربات القاسية، خرجت حماس وحزب الله منتصرين في صراعهما غير المتكافئ مع إسرائيل، بعدما صمدا كتنظيمين مسلحين أمام جيش تقليدي مدعوم أميركيا".

والأكثر أهمية من ذلك، أن حماس احتفظت بشعبية بين الفلسطينيين، ولا يزال حزب الله يتمتع بدعم الشيعة في لبنان، أما الحوثيون في اليمن، فقد عززوا موقعهم كطرف رئيس فيما يُعرف بـ"محور المقاومة"، عبر مهاجمة إسرائيل وتعطيل الملاحة في البحر الأحمر.

ومع ذلك، تدرك إيران أن شبكة حلفائها لم تعد بالقوة نفسها التي كانت عليها قبل عملية السابع من أكتوبر، كما أقلقها السقوط المفاجئ للأسد، وفق المقال.

"لذا، اتخذت خطوات لتعزيز دعمها الداخلي، مقدمة تنازلات محدودة لشعب ضاق ذرعا بالحكم الثيوقراطي السلطوي"، بحسب وصفه.

حيث خففت السلطات تطبيق قوانين اللباس الإلزامي للنساء، وقلّصت القيود على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أتاح نقاشات أكثر انتقادا للسياسات الحكومية، على أمل تقليل مخاطر الاضطرابات الداخلية وتعزيز الثقة العامة.

لكن هذه التغييرات -وفق آية الله طبار- لا تعني انفتاحا واسعا على الغرب، بل تهدف إلى تحصين الجبهة الداخلية في مواجهة الضغوط الخارجية.

وبينما يلمّح ترامب إلى استعداده للتفاوض مع طهران، لم يستبعد أيضا خيار استهدافها عسكريا. وفي ظل تأمين دعم داخلي أو على الأقل تقليل المعارضة، تأمل الحكومة الإيرانية في الصمود أمام أي تحركات أميركية مقبلة.

وقال: إن "الانهيار المفاجئ في سوريا أثار قلقا عاما داخل إيران؛ حيث أدى القمع المستمر والفساد، إلى جانب تزايد النزعة العلمانية، إلى تعميق الفجوة بين الحكومة والشعب".

تراجع ثقة الشعب

وفي يناير/كانون الثاني 2025، أقرّ وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، عباس صالحي، علنا بأن طهران تعاني من أزمة حادة في "رأس المال الاجتماعي"، مع تراجع ثقة الشعب بالحكومة.

كما حذر الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، من أن تجاهل السخط الشعبي قد يؤدي إلى "تقويض ذاتي" للنظام.

وعلى امتداد الطيف السياسي، يزداد إجماع النخب الإيرانية على ضرورة تعزيز الاستقرار الداخلي.

استجابة لذلك، خففت الحكومة بعض قيودها، وأبرزها تعليق المجلس الأعلى للأمن القومي، في ديسمبر/كانون الأول 2024، تنفيذ قانون الحجاب الجديد المثير للجدل، الذي كان سيفرض عقوبات مالية وسجنا وحظر سفر على النساء المخالفات.

وأضاف: "على الرغم من دعوات بعض المحافظين المتشددين لتطبيق صارم لقواعد اللباس في البلاد -وحملات القمع الحكومية الموجهة أحيانا لتهدئة قاعدتها الدينية- أصبح بإمكان النساء الآن الظهور سافرات في الأماكن العامة مع تراجع خوفهن من العقاب القاسي".

وأردف أنه حتى بين ما وصفهم بـ "المتشددين"، لا يوجد توافق تام؛ إذ أقرّ النائب المحافظ محمود نبويان، في 15 مارس/آذار، بأن الخوف من "تحول إيران إلى سوريا أخرى" كان دافعا لتعليق القانون، معتبرا أنه يجب "التخلي عنه إذا كان يقوض النظام".

ويرى الباحث أن "هذا التطور يعكس اعترافا ضمنيا من الدولة بعدم شعبية فرض الحجاب، بل وافتقاره للجدوى العملية في الوقت الراهن".

"كما يأتي بعد ثلاث سنوات من وفاة مهسا أميني، الشابة البالغة من العمر 22 عاما، أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بسبب عدم ارتدائها الحجاب "بشكل صحيح".

وقد أثارت وفاتها احتجاجات شعبية واسعة في عام 2022، قمعتها السلطات بعنف شديد، ما دفعها لاحقا إلى سحب شرطة الأخلاق من الشوارع مؤقتا لتخفيف التوترات.

واليوم، تبدو طهران أكثر استعدادا لغض الطرف عن تراجع تطبيق قوانين الحجاب، طالما أن ذلك لا يتحول إلى حركة سياسية أوسع تهدد النظام نفسه، وفق المقال.

إلى جانب هذا التراجع، تسعى إيران إلى كسب تأييد شعبي بالسماح بنقاشات أكثر انفتاحا في وسائل الإعلام المحلية.

وتستضيف منصات التواصل الاجتماعي في إيران طيفا متنوعا من المعلقين، بما في ذلك أصوات مستقلة ومعارضة من داخل البلاد وخارجها.

ورغم استمرار الحكومة في دعم المنصات الموالية لها وتوافر المدافعين عن النظام، فإن النقاشات حول قانون الحجاب، وسقوط الأسد، والقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأوسع تبدو مفاجئة في صراحتها وعمقها، حتى إن بعض المعلقين يصفون قيادة إيران دون مواربة بأنها "كارثة على البلاد".

ويؤكد "آية الله طبار" أنه "قد يبدو من الغريب أن تسمح إيران بانتشار تعليقات مناهضة للنظام بدعوى تعزيز الاستقرار".

لكنه أوضح أن "طهران تأمل أن يوفر هذا الانفتاح الداخلي متنفسا للغضب الشعبي، مما يقلل من تأثير وسائل الإعلام الدولية مثل "بي بي سي" البريطانية، التي تعد أكثر انتقادا للنظام من الأصوات المحلية".

وأفاد المقال بأن النظام قد لجأ إلى هذه الإستراتيجية في لحظات حرجة من قبل؛ ففي ذروة احتجاجات 2022، سمح بظهور شخصيات كانت محظورة سابقا على شاشات التلفزيون، على أمل أن تسهم انتقاداتهم في احتواء الغضب الشعبي بعيدا عن الشارع.

"أما اليوم، فتراهن طهران على أن تدفق المعلومات بحرية نسبية، إذا ضُبط بعناية، يمكن أن يعزز سرديتها الخاصة بشأن الأمن القومي على المدى الطويل"، بحسب المقال.

ترتيب البيت الداخلي

وقال: "يأمل قادة إيران أن تسهم الإصلاحات الجزئية في تحقيق استقرار داخلي يسمح بتهيئة الأجواء لنقاش وطني حول قضايا كبرى، مثل المواجهة النووية، على أمل أن يعزز ذلك الوحدة الوطنية".

وتُجمع النخبة على أن مثل هذا النقاش سيقوي موقف الحكومة التفاوضي في سعيها إلى اتفاق مع واشنطن يعالج مخاوفها بشأن تسليح البرنامج النووي الإيراني، دون التخلي عن تخصيب اليورانيوم أو تقييد الأسلحة التقليدية أو إضعاف محور المقاومة.

فبالنسبة لطهران، لا تؤدي الاحتجاجات الداخلية إلا إلى فتح المجال أمام خصومها، مثل الولايات المتحدة، لاعتبار التصدعات الداخلية مؤشرا على ضعف النظام.

وفي مواجهة التهديدات، تسعى إيران إلى تعزيز تماسكها الداخلي، مدركة أن مصير الأسد يشكل درسا لا يمكن تجاهله.

فقد كتب مستشار لرئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، على منصة "إكس"، قائلا: "يوم المواجهة، ما مدى وحدة المجتمع الإيراني؟ ومن يتحمل مسؤولية الأزمات في نظر الشعب؟ إجابات هذه الأسئلة تحدد الفرق بين الخدمة والخيانة".

ويقول "آية الله طبار": "إذا كان الماضي مؤشرا على المستقبل، فقد يتيح نهج الجمهورية الإسلامية تصوير أي صراع مع واشنطن على أنه مقاومة لهيمنة خارجية، وليس معركة من أجل بقاء النظام".

لكنه شدد على أن ذلك "لا يعني تحولا جوهريا في إستراتيجيتها، فطهران لن تتخلى عن عقود من التحدي والمواجهة". 


المصادر