غاب وزير الخارجية وسفراؤه عن المشهد.. أين سلطة عباس من العدوان على غزة؟

خالد كريزم | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

أكثر من عام كامل مر على حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وسط غياب شبه كامل للدبلوماسية الفلسطينية، مما يثير التساؤلات عن دورها وأسباب ضعفها دوليا.

ويكاد الجمهور العربي لا يعرف اسم وزير الخارجية الفلسطيني، لندرة ظهوره على وسائل الإعلام منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

غياب لافت

وبحسب رصد "الاستقلال"، خرج وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي منذ بداية طوفان الأقصى، بتصريحات تكاد تعد على أصابع اليد متوعدا فيها بعزل إسرائيل، دون نتائج فعلية.

كما غابت السفارات والقنصليات والممثليات الفلسطينية في الخارج عن تنظيم حراكات قوية لفضح جرائم الاحتلال بغزة.

فلم يتصدر سفراء السلطة الفلسطينية بالخارج لقيادة مظاهرات في الدول الأوروبية، كما غابوا عن مقابلات وسائل الإعلام الغربية التي عمدت منذ بداية الإبادة لشيطنة الفلسطينيين ومقاومتهم.

وكان الاستثناء الوحيد تمثل في السفير الفلسطيني في بريطانيا حسام زملط، الذي نشط منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" بقيادة مظاهرات والظهور على وسائل الإعلام.

وعلى غير المتوقع وفي موقف يخالف توجهات السلطة الفلسطينية التي تستنكر العمليات العسكرية، تجنب زملط إدانة حركة المقاومة الإسلامية حماس.

وركز عدد من القنوات التي استضافت زملط على محاولة دفعه لإدانة حركة حماس التي أطلقت العملية، لكنه كان أذكى من مستضيفيه في كل مرة، ما أثار إعجابا واسعا به على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعدا زملط، لم يظهر أي سفير فلسطيني آخر على وسائل الإعلام الغربية لدحض المزاعم الإسرائيلية بشأن حرب الرواية التي ترافقت مع الإبادة في غزة.

ويقول الكاتب الفلسطيني حسن العاصي إن “الأحداث المتوالية تثير الكثير من الجدل حول ملف الدبلوماسية الفلسطينية، وتدعو إلى التوقف والتساؤل عن الدور الدبلوماسي الذي تقوم به وزارة الخارجية”.

وأوضح خلال مقال نشره في فبراير/شباط 2024، أن وزارة الخارجية تتعرض لانتقادات لاذعة بسبب غياب أدوارها، واصفا رياض المالكي بـ"الحاضر الغائب".

وتساءل العاصي كذلك عن دور وفاعلية وأهمية السفارات الفلسطينية المترامية في جميع دول العالم، وحضور ومسؤولية وأهلية السفراء الفلسطينيين فيها، في الوقت الذي تحتاج فيه فلسطين إلى دبلوماسية قوية قادرة على سرد الرواية الوطنية لكسب التعاطف والدعم الدوليين.

وتشترك عدة أسباب في هذا الغياب الرسمي، بعضها مرتبط بالفساد المتوغل في السلك الدبلوماسي الفلسطيني الذي يصل الأمر فيه إلى المحاباة بالتوظيف، نظرا لما يوفره العمل في السفارات والقنصليات من امتيازات.

وإلى جانب الفساد، يرى آخرون أن السلطة الفلسطينية تتعرض لضغوطات أميركية وإسرائيلية شديدة تمنعها من أداء دورها في الداخل والخارج منذ ما قبل طوفان الأقصى، لكنها ازدادت بعدها.

انعكاس للفساد

ومنذ تقلده رئاسة السلطة عام 2005، يعمد محمود عباس لتعيين شخصيات مقربة منه سفراء في عدد من الدول حول العالم.

ويمكن هنا الاستشهاد بحادثة لجوء السفير الفلسطيني في إسبانيا كفاح عودة إلى أحد المترجمين في السفارة ليكمل مقابلة تلفزيونية عنه على الهواء مباشرة، وذلك جراء عدم إجادته للغة الإسبانية.

ففي أغسطس/آب 2023، أجرت فضائية إسبانية مقابلة مع عودة أرادت من خلالها التعرف على وجهة نظر الفلسطينيين فيما يتعرضون له من عدوان إسرائيلي مستمر، لكنها أفرغت من مضمونها وبدا السفير مرتبكا خلال المقابلة بسبب عدم معرفته للغة.

عودة والذي يشغل منصبه منذ عام 2006، عين سفيرا في العديد من دول العالم وفي مقدمتها البرازيل و نيكاراغوا والفلبين، كما انتخب عضوا في المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح عام 2016، والتي يرأسها محمود عباس أيضا.

وعلى سبيل المثال، أدى القيادي في حركة "فتح"، رويد أبو عمشة في 15 مارس/ آذار 2022، اليمين القانونية أمام عباس ليعين سفيرا لدى جيبوتي.

ومنتصف فبراير/ شباط 2022، أدى ليث عدنان عرفة، اليمين القانونية، أمام عباس سفيرا لدولة فلسطين لدى ألمانيا، وقالت مواقع محلية إن الأخير كان يعمل برتبة رائد في جهاز الأمن الوقائي بالضفة الغربية.

كما أدت رولا ابنة القيادي الراحل بحركة "فتح"، جمال محيسن، اليمين القانونية سفيرة لدى السويد في 15 مارس 2022 بعد وفاة والدها بشهر.

وفي يناير/كانون الثاني من نفس العام، أثار تعيين سلام الزواوي سفيرة لفلسطين لدى إيران خلفا لوالدها صلاح الزواوي، الذي تولى منصبه على مدار أربعة عقود (منذ عام 1981 وحتى 2022) كثيرا من الجدل.

وفوجئ الشارع الفلسطيني بوجود سفير في إيران طوال أربعة عقود، لا يظهر له أي نشاط دبلوماسي أو تصريح صحفي، وكانت المفاجأة مضاعفة بسهولة تولي ابنته منصبه.

وبحسب تقارير محلية، فإن الزواوي صديق شخصي للرئيس محمود عباس، حيث تشاركا مقاعد الدراسة في قرية صفد قبل النكبة الفلسطينية عام 1948، وبقيت علاقتهما قوية حتى اليوم.

وعن هذا الأمر، قال أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم إن السفارات فاسدة في عمومها وتدار بطريقة "فهلوية" معتمدة على الوساطات والمحسوبيات والتمييز بين الفلسطينيين.

وفي مقال نشره قاسم عام 2016 بموقع الجزيرة نت، قال قاسم إنه استند إلى شهادات عديدة من أشخاص عاشوا في الخارج، تؤكد أن السفارات الفلسطينية "أوكار للفاسدين والفاشلين والمتعصبين لتنظيم معين، وهم يستعملونها لتحقيق مآرب شخصية هي في الغالب شهوانية".

وأردف: "موظفو السفارة يعملون في الغالب بالتجارة، ويستغلون مناصبهم وتمثيلهم لتمرير مصالحهم التجارية التي تتعمق مع الزمن مع تجار محليين"، مبينا أن السفير مشغول غالبا باللهو والمتع، وقلما تشغل باله القضية الفلسطينية.

ضغط دولي

أما الناشط السياسي في الضفة الغربية، عامر حمدان فيرى سببا آخر لضعف الممثليات الفلسطينية بالخارج، متوقعا وجود قيود أميركية إسرائيلية على وزارة الخارجية بعد طوفان الأقصى.

وقال حمدان لـ"الاستقلال": “السلطة الفلسطينية تعمل تحت التهديد والضغط الدولي ولذلك، موقفها محايد إلى الآن ولم تصعد المواجهة مع الاحتلال”.

واستشهد على ذلك بتصريح محمود عباس المبكر بأن “عملية السابع من أكتوبر لا تمثل الكل الفلسطيني”، وذلك لتخفيف الضغط الدولي على السلطة.

ورجح أن السلطة لا تريد أن تصعد المواجهة الدبلوماسية الخارجية مع الاحتلال وفق ترتيبات غير مفهومة، “وبالتالي العمل خجول ومتوارٍ وغير ملموس وضعيف جدا".

وتحدث عن وجود ضغط على السلطة وتهديدات من إسرائيل وأميركا والداعمين لموازنتها، دفعها لعدم تصعيد مواقفها.

 فخلال العدوان على غزة، حجبت إسرائيل ملايين الدولارات من أموال المقاصة (الضرائب المخصصة للفلسطينيين) لكنها أفرجت عن بعضها لاحقا.

كما ربط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السلطة الفلسطينية بحركة حماس وجدد مرارا رفضه أن يكون لها أي دور في مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، وهو ما يمكن أن يشير إلى حجم الضغوط الإسرائيلية على حكام رام الله الذين تنالهم تهم “الإرهاب”.

وفي خضم العدوان، منعت أميركا وزير الخارجية الفلسطيني من الكلام خلال مؤتمر صحفي أقيم في فندق "فور سيزن" بواشنطن بحضور عدد من نظرائه العرب.

فخلال المؤتمر الذي عقد في ديسمبر/كانون الأول 2023، وجه أحد الصحفيين سؤالا للوزير رياض المالكي، لكنه ظلّ صامتا ولم يجب عن الأسئلة.

ورد بدلا عنه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الذي قال: "إن المالكي لا يستطيع الإجابة بسبب فرض الحكومة الأميركية قيودا على تأشيرته تمنعه من الحديث إلى الإعلام". 

وبغض النظر عن تلك الضغوط، يقول حمدان إن “على وزارة الخارجية تسليط الضوء على قضية الإبادة في غزة ونشر الجرائم الإسرائيلية وتوثيقها وتقديمها للعالم، وأن يكون التصعيد عالي الوتيرة مع الاستفادة من انتشار الجالية الفلسطينية بالخارج”.

وأردف: “يفترض أن يكون هناك عمل دائم ومستمر بالتعاون مع الجاليات الفلسطينية في كل أنحاء العالم من خلال دعوة إلى المظاهرات والوقفات وعقد المؤتمرات، وتدعيم الموقف الفلسطيني والضغط على المجتمع الدولي لوقف الإبادة”.