اتفاق رباعي.. كيف أجهض “طريق التنمية” حلم الكويت بميناء "مبارك الكبير"؟

يوسف العلي | منذ ١٥ يومًا

12

طباعة

مشاركة

على ضوء الاتفاق الرباعي بين العراق وتركيا وقطر والإمارات، الذي وقّع في بغداد، لإنشاء "طريق التنمية" التجاري، برزت ردود فعل غاضبة من الجانب الكويتي، كون المشروع ينعكس سلبا على ميناء "مبارك الكبير" الذي يعد حلما كويتيا طالما أعلنت أنها تعمل على إنشائه.

ووقعت الأطراف الأربعة مذكرة تفاهم، برعاية كل من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أثناء زيارته إلى بغداد في 22 أبريل/ نيسان 2024، ورئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، الذي قال عن المشروع إنه "سينقل المنطقة اقتصاديا".

المشروع هو طريق بري وسكة حديدية تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، ويبلغ طوله وسكة الحديد 1,200 كيلومتر داخل الأراضي العراقية، ويهدف بالدرجة الأولى إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.

وتبلغ ميزانيته، نحو 17 مليار دولار، وسيوفر مليون فرصة عمل بعد إنجازه بالكامل، إذ من المقرر أن يُنجز المشروع على 3 مراحل، أولها تنتهي عام 2028 والثانية في 2033 والثالثة في 2050.

استياء كويتي

وفي تعبير عن الغضب الكبير من الاتفاق الرباعي، وجّه نواب في مجلس الأمة (البرلمان) وسياسيون كويتيون انتقادات لحكومات بلادهم المتعاقبة بسبب تأخرها في إنجاز ميناء "مبارك" الكويتي الذي كان يستهدف دعم البلاد لوجستيا، خصوصا أنه ينافس ميناء "الفاو" العراقي.

وقال النائب سعود العصفور خلال تصريحات نقلتها صحيفة "الجريدة" الكويتية في 24 أبريل، إن "ميناء مبارك وغيره من مشاريع المنطقة الاقتصادية الشمالية كانت ضمن الخارطة التشريعية (للبرلمان)، وكانت لها أولوية".

وأوضح العصفور أن "حل المجلس (الأمة) وتعطل عمل الحكومة حالا دون استكمال هذه الأولوية التي ناقشتها لجان المجلس، وعملت من أجل إقرارها، وهذا يؤكد ما ذكرناه مرارا وتكرارا بأن عدم الاستقرار هو العدو الأول لأي تنمية وتطوير في هذا البلد".

من جهته، قال النائب محمد الرقيب، إن "فشل مشروع ميناء مبارك دليل على عدم قدرة الحكومة على إدارة المشاريع المستقبلية.. كيف تستطيع ذلك وقد مرّ أربعة رؤساء وزراء متعاقبين على المشروع بتشكيلات سمتها الأولى المحاصصة والترضيات".

وشدد النائب عبر تدوينة نشرها على حسابه بمنصة "إكس" في 23 أبريل، على ضرورة "تشكيل لجنة تحقيق بما تم في هذا المشروع (ميناء مبارك الكبير) وأسباب توقفه لمحاسبة كل من تسبب في ضياع أموال الدولة".

وفي السياق ذاته، عدّ النائب بدر نشمي العنزي أنه "فيما تنشغل الحكومة الكويتية في خلق حال من عدم الاستقرار السياسي في البلاد وغياب الرؤية، تنشغل دول المنطقة بتوقيع اتفاقيات اقتصادية ستنعكس عليها وعلى شعوبها وأمنها".

وتساءل العنزي في منشور على منصة “إكس” عن "إجراءات الحكومة تجاه اتفاقية طريق التنمية التي تم توقيعها أخيرا بين دول في الإقليم المحيط لنا، وما هو موقف الكويت من هذه الاتفاقية، وماهي المصالح المحققة منها أو الفرص الفائتة علينا اقتصاديا وأمنيا ومدى تأثيرها على ميناء مبارك".

وأضاف النائب الكويتي: "الإجابة على هذه التساؤلات يوضح لنا مدى التزام الحكومة في المادة 123 من الدستور"، مطالبا الحكومة الجديدة بتوضيح كل ذلك، ومتوعدا بمتابعة هذا الملف في مجلس الأمة.

من جهتها، أصدرت الحركة الدستورية الإسلامية "حدس" بيانا في 25 أبريل، علّقت فيه على موضوع مشروع التنمية، بالقول: "نتألم كما يتألم الجميع على غياب دولة الكويت عن مثل هذه المشروعات الإستراتيجية والتنموية والاقتصادية".

وأكدت "حدس" أن "الجميع في بلادنا يتحمل المسؤولية في تأخر مشروعات التنمية المحلية والمشاركة في المشروعات الإقليمية، وإن كانت المسؤولية تقع بدرجة أكبر على السلطة التنفيذية لأنها تسيطر على السياسة العامة للبلاد، وهي تمتلك كل أدوات التخطيط والتنفيذ والتنسيق والتواصل مع دول الإقليم والمنظمات الدولية".

"ضربة كبيرة"

على صعيد التداعيات الاقتصادية التي يسببها مشروع التنمية للكويت، قال المحلل الاقتصادي الكويتي نايف العنزي، إن "ميناء مبارك تعرَّض لضربة كبيرة قد تُفقده أهميته، بعد توقيع اتفاق طريق التنمية بين العراق وتركيا والإمارات وقطر". 

وأوضح العنزي خلال مقابلة تلفزيونية في 26 أبريل، أنه "إذا جرى إنجاز مشروع ميناء مبارك سيكون مشلولا أو بطاقة تشغيلية أقل من المتوقع، لذلك على الكويت أن تحاول من خلال القنوات الدبلوماسية إيجاد مكانة لها في مشروع طريق التنمية".

من جهته، قال السياسي والنائب الكويتي السابق مسلم البراك، إن "ممرات الكويت المائية أصبحت محطة خسارة لا تنفع الرايح ولا الجاي بعد توقيع اتفاق طريق التنمية العراقي-التركي".

وأوضح البراك في حديث لعدد من الصحفيين في 27 أبريل، أن "توقيع الاتفاقية الاقتصادية (العراق، تركيا، قطر، الإمارات) يوم حزين بالنسبة للكويت، فهل يعقل أن المرحلة الأولى لبناء ميناء مبارك التي من المقرر أن تنجز خلال 4 سنوات بقيت 20 عاما".

وعلى الصعيد ذاته، قالت وكالة "حبزبوز" العراقية في 26 أبريل، إن "عامر عبد الجبار البرلماني العراقي الحالي ووزير النقل السابق (2008 - 2010) سبق أن أبلغ الجانب الكويتي أن ميناء المبارك الكبير لا يعمل دون موافقة الربط السككي عبر العراق". 

وأوضحت أن "قرار السوداني بتشكيل حلف رباعي اقتصادي لطريق التنمية (عراقي تركي قطري إماراتي) دون الكويت يعد توجيه إطلاقة الرحمة لميناء مبارك الكويتي".

ودعت الوكالة السوداني إلى "عدم منح ربط سككي للكويت أو لإيران أو أي دولة تقع على الخليج العربي لنقل البضائع، لأن ذلك يفقد ميناء الفاو الأهمية الإستراتيجية التي يتمتع بها الأخير في الحق الحصري لربط الخليج العربي مع أوروبا بأقصر وأسرع وأرخص طريق".

ويرى مراقبون عراقيون أن ميناء مبارك الكويتي، قد يتوقف عن العمل في حال بدأ العمل الفعلي بإنشاء طريق التنمية، كونه يعد أضخم خط تجاري في المنطقة، إضافة إلى أن دولا خليجية وتركيا شريكة في المشروع، وبالتالي الجدية في إنجازه لا تقتصر على العراق فقط.

"مشروع قديم"

إجهاض مشروع ميناء مبارك الكبير، بدأ فعليا في 4 سبتمبر/ أيلول 2023، حين أصدرت المحكمة الاتحادية في العراق (أعلى سلطة قضائية) قرارا يقضي بعدم دستورية قانون تصديق اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، التي جرى المصادقة عليها من البرلمان العراقي بالقانون رقم 42 لعام 2013.

وعزت المحكمة قرارها إلى مخالفة البرلمان العراقي في حينها أحكام الدستور الذي ينص على تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.

وقرار المحكمة العراقية جاء بناء على شكوى أقامها عدد من نواب البرلمان على اتفاقية خور عبدالله عام 2023، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.

وظهر سعود الساعدي النائب في البرلمان العراقي، عن كتلة "حقوق" التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" في العراق، في مقطع فيديو نشره على حسابه بمنصة “إكس” في 4 سبتمبر 2023، يقول فيه إنه كسب دعوى قضائية رفعها لإبطال اتفاقية خور عبدالله مع الكويت.

من جهته، عد البرلماني العراقي عارف الحمامي، قرار المحكمة الاتحادية المتعلق باتفاقية الملاحة البحرية في خور عبدالله، رفعا للحجة القانونية عن الحكومة والقائمين عليها.

وأفاد الحمامي في تصريح نقلته وكالة "تقدم" العراقية في 5 سبتمبر، بأن "قرار المحكمة الاتحادية، ملزم للطرفين العراق والكويت، فهي رفعت الغطاء القانوني والشرعي عن الاتفاقية ورفعت الحجة القانونية للحكومة والقائمين عليها".

وباشرت الكويت في إنشاء ميناء مبارك الكبير في سبتمبر/ أيلول 2007، مستفيدة من موافقة العراق على توقيع اتفاقية خور عبد الله، المعنية بترسيم الحدود البحرية المشتركة بناء على قرار دولي ينص على تقسيم مياه الخور بالمناصفة بين البلدين، والتي أقرت من البرلمان العراقي عام 2013.

وفي عام 1993 صدر قرار رقم 833 من مجلس الأمن بتثبيت الحدود الدولية بين العراق والكويت، التي رسمتها لجنة من الأمم المتحدة جرى تشكيلها في 1991، وأعلنت بغداد حينها امتثالها لهذا القرار الأممي.

ونقلت صحيفة "الرأي" الكويتية عن مصادر مطلعة في وزارة الأشغال العامة، أن "نسبة إنجاز مشروع ميناء مبارك وصلت إلى 52 بالمئة، بجانب تنفيذ جميع الأعمال الخاصة بالطريق الرابط بين الكويت والميناء".

ولخّصت الموقف التنفيذي للمشروع، بـ"تنفيذ الطريق الواصل من منطقة الصبية إلى شرق جزيرة بوبيان. إنجاز رصيف الميناء واستصلاح الأرض المقام عليها بنسبة إنجاز أعمال التنفيذ 100 بالمئة".

وكذلك، يجري العمل في تنفيذ طريق الربط بطول 7 كيلومترات في جزيرة بوبيان يصل إلى منطقة الميناء بنسبة إنجاز تفوق 90 بالمئة، وقرب إنجاز عمليات التصميم لمشروع إنشاء وإنجاز وصيانة البنية التحتية ومنطقة ساحة الحاويات والمباني الرئيسة والمرافق.

ولفتت الصحيفة إلى "إنجاز تصاميم معدات المناولة بشكل كامل، وتعميق رصيف الميناء، فضلا عن إتمام تصميم تطوير الممر المائي المشترك مع العراق بنسبة 100 بالمئة".