العراق وتركيا وإيران.. ماذا وراء الجدل الدائر بشأن مشروع "طريق التنمية"؟

محمود مصلحان | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تُتخذ خطوات ملموسة في مشروع "طريق التنمية" الذي وضعت أساساته عام 2005، بدءا من الخليج العربي، مرورا بمدن العراق الحيوية، مثل الديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل، وصولا إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا.

وكشفت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تركيا في الربع الأول من عام 2023، عن وجود توافق بين البلدين حول مشروع طريق التنمية. 

وأواخر مايو/ أيار 2023، أعلن السوداني عن مشروع "طريق التنمية" الذي سيربط آسيا بأوروبا.

ويبدأ الطريق من ميناء الفاو في خليج البصرة، ومن المخطط أن يتكون من طريق بري وسكك حديدية بطول 1200 كيلومتر داخل الأراضي العراقية، وربطه بشبكة السكك الحديدية التركية.

وتبلغ الميزانية الاستثمارية للمشروع حوالي 17 مليار دولار، على أن يتم إنجازه على ثلاث مراحل، تنتهي الأولى عام 2028 والثانية 2033 والثالثة 2050.

طريق حرير جديد

وقد أوضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المشروع بمثابة "طريق حرير جديد" للمنطقة. 

وأضاف: "أكدنا عزمنا على العمل معا لإنجاز مشروع طريق التنمية، الرامي لبناء ممر نقل بري وسكة حديد يمتد من البصرة إلى الحدود التركية"، لافتا إلى تكليفه الوزراء المعنيين بإنجاز هذا العمل.

وأكد أن "طريق التنمية مشروع كبير ذو أهمية إستراتيجية، ليس فقط لتركيا والعراق، بل للمنطقة بأسرها".

وأوضح أن ملايين الأشخاص في منطقة جغرافية شاسعة تمتد إلى الخليج سيستفيدون من المشروع.

وأردف: "إن هذا المشروع سيعزز التعاون الإقليمي ويطور تجارتنا ويقوي علاقاتنا الإنسانية، ونحن ندرك أن الدول الشقيقة الأخرى أيضا تهتم به. أنا على ثقة أننا مع مشاركتهم، سنتمكن من تحويل مشروع طريق التنمية إلى طريق الحرير الجديد لمنطقتنا".

وهذا المشروع، الذي يقع في نقطة إستراتيجية لتنشيط طريق الحرير، يزيد من أهمية الممر الأوسط، حيث يبدأ الممر من تركيا، ويصل إلى القوقاز، ومن هناك يعبر بحر قزوين، ويشمل تركمانستان وكازاخستان، ويصل إلى آسيا الوسطى والصين.

ويحتل الممر الأوسط -الذي يعد بديلا عن كل من "الممر الشمالي" الذي يضم روسيا، و"الممر الجنوبي" الذي يضم إيران- مكانة مهمة لتحقيق التكامل بين الصين وأوروبا. ويقع هذا الخط الممتد من بكين إلى لندن في قلب حركة تجارية تبلغ قيمتها أكثر من 600 مليار دولار سنويا. 

وبسبب الجغرافيا التي توجد فيها الممرات الشمالية والجنوبية التي تربط الصين ودول المنطقة بالشرق الأوسط وأوروبا، تنضوي هذه المناطق على ظروف وتحديات قد تشكل تهديدا على تلك الممرات.

وقد أدى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، بما في ذلك الأوضاع في سوريا والعراق، إلى زيادة المخاطر في الممر الجنوبي، بينما تأثر الممر الشمالي سلبا بالحرب الروسية الأوكرانية. وهو ما عزز من أهمية "الممر الأوسط".

ويتحكم موقع تركيا الإستراتيجي في "الممر الأوسط"، وهو ما يجعلها دولة رئيسة في هذا الإطار.

وجدير بالذكر أن مشروع "طريق التنمية" سيسهم كذلك في زيادة مكانة وأهمية "الممر الأوسط".

موقف العراق

وأعلنت وزارة النقل العراقية، في أبريل/نيسان 2010، قبولها مقترحات استثمارية لبناء خط سكة حديد من الفاو إلى سوريا وتركيا، للاستفادة من ميناء الفاو الكبير.

بالإضافة إلى ذلك، وقع العراق، في مارس/آذار 2014، اتفاقية مع البنك الدولي لهذا الغرض. ومن بين المراحل الأخرى للمشروع استئجار الصين ميناء جوادار الباكستاني عام 2015.

وهكذا برز العراق كدولة أكثر رمزية. وفي حين أن البضائع الصينية التي تصل إلى باكستان تستخدم قناة السويس للوصول إلى أوروبا بتكاليف مرتفعة، فقد خلق هذا المشروع أيضا نقطة تسهم في خفض التكاليف.

يجتمع ميناءا جوادر والفاو معا في نقطة واحدة، وسيكون هناك توفير في الوقت والتكلفة.

وبعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، في فبراير/شباط 2022، والمشاكل التي ظهرت في علاقات أوروبا مع روسيا، برز إلى الواجهة مسار نقل الغاز القطري واستخراج وتصدير الغاز العراقي إلى أوروبا، مما زاد من أهمية مشروع "طريق التنمية".

وإلى جانب الخط القطار السريع، يشمل مشروع طريق التنمية مشاريع اقتصادية وخدمات مثل الطرق السريعة وخطوط نقل النفط والغاز للعراق ودول الخليج.

ووصف وزير النقل التركي السابق عادل قرة إسماعيل أوغلو المشروع بأنه "طريق الحرير الجديد"، لافتا إلى أن تطورات مهمة ستحدث مع دول الخليج.

وأضاف: "لقد أجرينا في السابق محادثات معهم حول الممر اللوجستي الذي من شأنه أن يغير التوازنات في العالم". وأردف: "على مستوى الحكومة، بقيادة رئيسنا، توضع أسس طريق الحرير الجديد"

وبين أن المشروع "يشمل خط سكة حديد وطريقا سريعا بطول 1200 كيلو متر يمتد من الخليج العربي وبغداد إلى حدود بلادنا، كما أنه يربط بين ميناء الفاو والطريق السريع، وبالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك تطورات مهمة للغاية في الأيام المقبلة" بهذا الصدد.

تعمل تركيا على تحسين علاقاتها بسرعة مع كل من العراق ودول الخليج، ومن شأن هذا التعافي في العلاقات أن يجلب العديد من الفرص الجديدة والكبيرة والجذابة للغاية.

كما يعطي مشروع طريق التنمية إشارات مهمة تحفز دول المنطقة لتشكيل اتحاد اقتصادي، وحماية مصالح بعضها بعضا، إضافة إلى تجنب الأنشطة العدائية. 

ويعد الاستقرار في العراق، وهو أحد أهم شركاء التصدير لتركيا، سيصب بشكل كبير في مصلحة الأخيرة، سواء في العلاقات الثنائية أم في الأعمال التي ستُنفذ بالشراكة مع دول ثالثة.

وإضافة إلى فوائده الاقتصادية، يفتح مشروع طريق التنمية صفحة جديدة في العلاقات التركية العراقية، وكذلك في العلاقات التركية الخليجية. 

ومن المقرر الانتهاء من ميناء الفاو الكبير (طاقته الاستيعابية 90 رصيفا) عام 2025، والذي يُتوقع أن يتفوق على ميناء جبل علي في دبي، المكون من 67 رصيفا، والمعروف بأكبر ميناء للحاويات في الشرق الأوسط. 

المنظور التركي

قال وزير الخارجية هاكان فيدان، في بيان: "نأمل أن ننتقل إلى مرحلة تنفيذ مشروع طريق التنمية في غضون أشهر قليلة"، مشيرا إلى أن المشروع ذو أهمية كبيرة للازدهار والاستقرار في الشرق الأوسط.

وأتبع: "تركيا دولة تقع في قلب الخطط الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية وتسهم في الاستقرار والازدهار والأمن".

وأردف: "نحن دولة تلعب دورا رائدا في المشاريع المتعددة الأطراف، وتنتهج سياسات عادلة تصب في مصلحة الناس في مواجهة الاضطرابات والاهتزازات التي يشهدها النظام الاقتصادي الدولي". 

وأضاف: "في منطقتنا، من غير الممكن أن تكون ممرات الطاقة والنقل التي لا تشارك فيها تركيا فعالة ومستدامة".

و"يبرز هذا دائما بالحسابات العقلانية، إذ يكشف كل من ممر بحر قزوين الأوسط الذي يربط العالم التركي بأوروبا، وطريق التنمية الذي يمر عبر العراق، عن الدور المركزي الذي تلعبه تركيا من حيث الاتصال"، وفق فيدان.

وتابع: "أثبتت التطورات، التي أثرت بشكل عميق على البيئة العالمية والجيوسياسية، مثل الحرب الأوكرانية وجائحة كوفيد-19، أن الممر الأوسط هو طريق بديل موثوق يمكن الاعتماد عليه".

وأفاد وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، بأن التوقيعات الأولى على المشروع قد تجرى في أكتوبر/ تشرين الأول 2023. 

وأوضح أورال أوغلو أن تركيا تعمل في هذا الصدد مع العراق والإمارات منذ أشهر، حيث قال: "يمكننا القول إن المشروع جاهز بشكل عام. وبينما نقوم بذلك، أود أن أشدد على أننا بدأنا عملية لا تُهمش أو تستبعد فيها أيٌّ من دول المنطقة".

وفي هذا الصدد، أكد مستشار شياع السوداني لشؤون النقل ناصر الأسدي، في تصريح لصحيفة "الصباح" المملوكة للدولة في العراق، أن الاتفاقيات المتعلقة بمشروع طريق التنمية بين تركيا والعراق ستُوقع قريبا.

آراء الخبراء

وفي حديث له مع "الاستقلال"، قيم الأكاديمي ونائب حزب السعادة في هاتاي، نجم الدين تشاليشكان،  تأثير المشروع على المنطقة.

وقال تشاليشكان: "بادئ ذي بدء، علينا أن ندرك أن مثل هذه المشاريع ليست مجرد مبادرة منا أو من الدول الإسلامية في المنطقة، بل من الواضح أنها تنافس العمالقة".

وأضاف: "اليوم، يشهد العالم تنافسا محموما بين الصين والهند وروسيا وأميركا، وهذا المشروع في الأساس جزء من هذا المشهد".

وتابع تشاليشكان على النحو التالي: "كما رأينا في قمة مجموعة العشرين (سبتمبر/أيلول 2023)، في حين تقترب الصين وروسيا من بعضهما بعضا، فضلت الهند المشاركة في الكتلة الغربية".

وهذه محاولة لتخريب خط إيران وأفغانستان والهند، من خلال باكستان الواقعة تحت سيطرة الصين على هذا الطريق، وفق تقديره.

وأكد أنه "لا بد من قراءة التطورات في العالم والمنطقة في إطار المنظومة الدولية".

وأردف: "اليوم، ومع تزايد التركيز على السيارات الكهربائية، تضعف قوة دول الشرق الأوسط بسبب انخفاض قيمة النفط وبروز مصادر الطاقة الأخرى إلى الواجهة. وحين يكونون على علم بهذا الوضع، سيتوجب عليهم إيجاد حلول بديلة لهذه المشاكل".

وقال تشاليشكان في حديثه لـ"الاستقلال": "ونتيجة البحث عن بديل، وبتخطيط في المملكة العربية السعودية، برز المشروع الجديد".

وتابع: "الأمر نفسه ينطبق على دولة الإمارات"، مضيفا أنها تحاول فتح خط عبر السعودية وقطر.

ولذلك تسعى القوى العالمية إلى تنفيذ خطط جديدة، كما أن بعض الجهات الفاعلة في المنطقة على علم بهذه الألعاب وتبحث عن بدائل.

ويوضح أن مشروع "طريق التنمية" هو لعبة شطرنج بالنسبة للعمالقة، حيث يتدافعون لتجاوز إيران، وينبغي في الواقع اعتبار التوجيهات التي بدأت بحوافز استهلاك الكهرباء جزءا من هذه اللعبة.