تحفيز للحوثيين.. ما دلالات تخفيف التحالف السعودي قيوده على أجواء اليمن؟

يوسف العلي | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في خطوة جديدة على الملف اليمني، أقدمت قوات التحالف السعودي الإماراتي، على إلغاء مزيد من القيود المفروضة على الطيران في سماء البلد الذي تدور فيه رحى الحرب منذ 9 سنوات، الأمر الذي أثار تساؤلات عن دلالات مثل هذا التطور في الوقت الحالي.

ومنذ عام 2014 انقلبت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران على السلطة في اليمن، ثم تصاعدت الحرب عام 2015، عندما بدأت السعودية وعدد من حلفائها ضمن ما أطلق عليه "التحالف العربي" شنَّ ضربات جوية لمنع المليشيا من السيطرة الكاملة على البلاد.

وانعكست الحرب بشكل سلبي على مطارات اليمن، كون الأجواء ممتلئة بالطائرات الحربية، إضافة إلى خروج العديد منها عن الخدمة بعد تعرضها للقصف وتدمير مدارجها.

وفي عام 2016، أغلق نحو 12 مطارا من أصل 14، وبقي مطاران يعملان، في عدن وسيئون التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية (معترف بها دوليا)، ثم سمح التحالف بإعادة فتح مطار صنعاء في أبريل/نيسان 2022، الذي تديره مليشيا الحوثي، لغرض الرحلات الإنسانية.

تخفيف القيود

وبخصوص التطورات التي طرأت على ملف المطارات، كشفت شركة الخطوط الجوية اليمنية عن منح التحالف العربي (السعودي الإماراتي) إذنا بتسيير رحلات عبر خطوط كانت حتى وقت قريب محظورة.

ونقل موقع "الخبر اليمني" القريب من الحوثيين عن مصادر بالشركة اليمنية في 7 سبتمبر/ أيلول 2023، أن "طائراتها عاودت اليوم السير فوق سماء محافظات الحديدة وتعز في رحلتها إلى السعودية".

وأشارت المصادر في الشركة اليمنية إلى أن الرحلة الجديدة التي انطلقت، كان يتوقع أن تبدأ قبل يومين من ذلك، أي في 5 سبتمبر 2023.

وبحسب الموقع اليمني، جاءت هذه الخطوة بالتزامن مع استئناف الرحلات بين مطاري صنعاء والأردن، مشيرا إلى أن مدير مطار صنعاء، خالد الشائف، توقع أن تعود الرحلات عبر المطار بمعدل ست رحلات أسبوعيا.

وبخلاف مثيلاته في المنطقة العربية والعالم، يتصف قطاع النقل الجوي في اليمن بصغر حجمه، سواء من حيث عدد المطارات أم البنية التحتية والتجهيزات أم خطوط الطيران العاملة منها وإليها.

حتى ما قبل العام 2015 كان يوجد في اليمن نحو 14 مطارا، منها 6 دولية والباقية محلية، وتعرضت جميعها للإغلاق في عام 2016، واقتصر العمل في حينها على مطاري عدن وسيئون.

وعلى ضوء ذلك، انخفضت القدرة التشغيلية للمطارات الدولية اليمنية بصورة كبيرة، حيث تراجعت الحركة من نحو 33812 رحلة عام 2014، إلى 9383 رحلة في 2022.

وأدى ذلك إلى تراجع عدد المسافرين من نحو 2.7 مليون مسافر عام 2014 إلى نحو 653 ألف مسافر فقط حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وتسببت الحرب في زيادة نسبة المخاطر وأقساط التأمين على الحركة الجوية بتوقف شركات الطيران العالمية والعربية عن العمل في السوق اليمنية، والتي كانت تقدر بنحو 16 شركة، وباتت حركة النقل الجوي تقتصر على الطيران اليمني الحكومي الذي يمتلك 5 طائرات فقط.

وتقدر الهيئة العامة للطيران المدني في صنعاء الخسائر والأضرار المباشرة وغير المباشرة التي تكبدها هذا القطاع في اليمن حتى شهر مارس/آذار 2022، بنحو 6.5 مليارات دولار، منها 2.6 مليار دولار خسائر مباشرة، حسب بيان لها في أبريل من العام نفسه.

وأكدت الهيئة أن الخسائر المباشرة تمثلت في البنى التحتية من منشآت ومبان ومعدات وتجهيزات ملاحية، في حين أدى إغلاق واستهداف المطارات اليمنية إلى انخفاض قدراتها وإيراداتها بأكثر من 60 بالمائة.

تحفيز للحوثيين

وعن دلالات تخفيف قيود حركة الطيران باليمن، رأى رئيس مركز "أبعاد" اليمني للدراسات والبحوث عبد السلام محمد، أنه "إذا كان هناك بالفعل اتفاق لفتح مجال جوي أوسع بالبلد، خاصة في مناطق سيطرة الحوثيين أو أخرى كانت محل خطر، فهذا يعني أن الأخيرة تقترب من توقيع اتفاق مع السعودية".

وأوضح محمد في حديث لـ"الاستقلال" أن "مثل هذه الخطوة لها مؤشرات كثيرة، أولها أن الوفد الحوثي يكون قد وصل الرياض لتوقيع هذا الاتفاق، في الوقت الذي تحصل فيه تحركات في داخل البلاد، قد تنذر بعودة الحرب إلى الأراضي اليمنية".

الأمر الآخر، أنه "ربما هناك ضغط من الرياض على الشرعية (الحكومة اليمنية) لتقديم بعض التنازلات من أجل تشجيع الحوثيين على السلام، وهذا الموضوع فيه تعقيدات كبيرة".

وأردف: "لو كان الحوثيون جادين في تحقيق السلام لكان وفدهم قد وصل إلى الرياض لاستكمال المباحثات التي عقدت في أبريل 2023، مع السفير السعودي (محمد بن سعيد آل جابر) في العاصمة صنعاء".

وفي أبريل 2023، رعى وفد عُماني محادثات في صنعاء، بين مليشيا الحوثي اليمنية ووفد سعودي رسمي برئاسة سفير المملكة لدى اليمن، محمد آل جابر، استمرت 6 أيام، بحثت الملف الإنساني وإيقاف إطلاق النار في اليمن، وبدء عملية سياسية شاملة.

وأشار محمد إلى أن "خط صنعاء- الأردن مفتوح، وجرى زيادة عدد الرحلات لأسباب إنسانية، وهي في النهاية تعني إعطاء الحوثيين مزيدا من الإنجازات لتشجيعهم على السلام، لكن هؤلاء لهم مطالب كبيرة جدا".

ولفت إلى أن "من مطالب الحوثيين، السيطرة على مناطق النفط، وأخرى تتعلق بتسليم رواتب الموظفين من أموال الدولة اليمنية، بعيدا عما  يجنونه من ميناء الحديدة والضرائب وغيرها".

ورأى أن "التقارب السعودي مع الحوثيين أخيرا، ربما يأتي بعد تقارب الرياض مع طهران، ويبدو أن الأخيرة تضغط على الحوثيين لخفض التصعيد في اليمن، الأمر الذي قد يدفعهم للتنفيذ، لكن هؤلاء يبحثون عن فرصة لتحقيق مطلبهم الأساسية للسيطرة على مناطق النفط في مأرب والشبوة".

في 10 مارس/آذار 2023، رعت الصين اتفاق السعودية وإيران لاستئناف العلاقات المشتركة، وذلك بعد قطيعة بينهما منذ عام 2016 جرّاء حرق سفارة الرياض في طهران بعد إعدام الأولى رجل الدين السعودي الشيعي نمر النمر بتهمة الإرهاب.

الحل السياسي

وبالتزامن مع تخفيف قيود الطيران، أعلن وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، أنه أجرى اتصالا مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العلمي، وأبلغه أن بلاده تدعم الحل السياسي الشامل للأزمة اليمنية.

وأكد خالد بن سلمان خلال تدوينة على منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 11 سبتمبر 2023 أن جرى خلال الاتصال "استعراض العلاقات الأخوية بين بلدينا وبحثنا مستجدات الأوضاع في اليمن".

وعن مدى إمكانية تطبيق الحل السياسي، قال رئيس مركز "أبعاد" عبد السلام محمد إن "الحلول السياسية في اليمن لا تزال بعيدة، لكن ربما هناك مساران يمضي العمل فيهما هو خفض التصعيد العسكري، وتمديد الهدنة بشكل غير معلن، والأمر الثاني، هو الوصول إلى حلول أولية  للملف الإنساني في قضية الرواتب والوقود والجانب الاقتصادي".

وكانت الأمم المتحدة قد رعت هدنة بين الجيش اليمني، ومليشيا الحوثي المدعومة من إيران لمدة ستة أشهر وانتهت في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ليدخل اليمن بعدها في وضع يشبه الهدنة من دون إعلان، لكن البلاد تشهد بين الحين والآخر مناوشات مسلحة.

وبحسب محمد، فإن "الحلول السياسية التي يطرح فيها تقاسم السلطة والانتخابات، بعيدة بالنسبة للوضع اليمني الحالي، ولا نستبعد خلال هذه المرحلة التي يجرى فيها الضغط من أجل تحقيق خفض التصعيد في البلاد، أن تندلع حرب جديدة في اليمن".

وشدد على أنه "لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيحصل في اليمن، لأن الوضع معقد كثيرا خاصة في مناطق الشمال التي يسيطر عليها الحوثي، فهناك سخط شعبي كبير بسبب انعدام الرواتب وتردي الاقتصاد".

أيضا في الجنوب، السلطات الشرعية عاجزة عن تقديم خدمات للمواطنين، وهذا كله ينذر بحدوث ثورة في البلاد تغيّر مجرى الأمور فيها بشكل كامل، وفق تقديره.

وفي 7 سبتمبر، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن اليمن يشهد حاليا خفضا للتصعيد، وتراجعا في حدة العمليات العسكرية في البلاد منذ أشهر عدة.

وأضاف أبو الغيط خلال أعمال الدورة الـ160 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، أن "الوقف الشامل لإطلاق النار والتسوية السياسية لا تزال أهدافا بعيدة المنال".

وأشار إلى أن الطرف الحوثي يضع العراقيل تلو الأخرى أمام مسار الحل، رغبة في استمرار الوضع الحالي، بما ينطوي عليه من انقسام للبلاد ومؤسساتها، وإضعاف شديد لاقتصاد اليمن وقدراته.

ولفت إلى أن المحافظة على يمن موحد ذي سيادة على كل ترابه الوطني، بعيدا عن التدخلات الخارجية هو الهدف المنشود من قِبل الجميع، مؤكدا إمكانية تحقيق ذلك حال إدراك الطرف الحوثي أن بإمكانه أن يكون جزءا من عملية سياسية شاملة وليس متحكما أوحد بقوة السلاح.

وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول، أعلن أمين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي أنه "يدعم جمع الجهود الموصلة إلى حل سياسي شامل في اليمن وفق المرجعيات الثلاث، وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216".

وينص قرار مجلس الأمن 2216 على فرض عقوبات تمثلت في تجميد أرصدة وحظر السفر للخارج، نالت عدة شخصيات، أبرزها زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، عقب اتهامهم بـ"تقويض السلام والأمن والاستقرار في اليمن".

وأشار البديوي خلال زيارة إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، استمرت لساعات، إلى أن "دول مجلس التعاون حريصة وتسعى دائما لاستقرار اليمن وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه".

وأعرب عن تمنياته أن "يتوصل اليمنيون إلى تجديد الهدنة الإنسانية، تمهيدا للعودة إلى طاولة المشاورات التي ترعاها الأمم المتحدة"، مشيدا بالجهود التي "تبذلها السعودية وسلطنة عمان والاتصالات مع جميع الأطراف اليمنية لإحياء العملية السياسية، للتوصل إلى الحل السياسي المنشود".

وأعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في 4 يونيو/حزيران 2023 عن "ترتيبات لثلاث مراحل ضمن مساعي التوصل إلى تسوية سياسية في البلاد"، مشيرا إلى وضع رؤى وتصورات للحلول على ضوء ما ستسفر عنه الجهود السعودية والعُمانية، بحسب قوله.