"فرقة الإمام الحسين".. وحدة عسكرية إيرانية تثير الجدل وتخترق هيكل قوات الأسد

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد غموض وشح معلومات لسنوات، كشفت مجلة "نيوزويك" الأميركية في تقرير حديث نشرته في 21 يوليو/ تموز 2023، أن إيران جمعت وحدة مدججة بالسلاح تضم آلاف المقاتلين من جميع أنحاء المنطقة حملت اسم  فرقة "الإمام الحسين".

ووفقا لوثيقة تمت مشاركتها مع "نيوزويك" من قبل عضو في وكالة استخبارات لدولة متحالفة مع الولايات المتحدة، فإن الفرقة قادرة على شن هجمات على القوات الأميركية في سوريا وكذلك ضد إسرائيل التي تحتل الجولان السوري منذ عام 1967.

وقال مسؤول المخابرات، الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة للمعلومات، للمجلة، إن المسؤولين الأميركيين قد جرى اطلاعهم على محتويات الوثيقة، التي تغطي وجود "فرقة الإمام الحسين" والمرتبطة بفيلق القدس الاستكشافي التابع للحرس الثوري الإيراني.

وجاء في الوثيقة أن "الفرقة هي القوة القتالية الأكثر نخبة في فيلق القدس في سوريا، وتتمتع بقدرات قوية كبيرة".

فرقة "الإمام الحسين"

حسب المتابعين، بقي وجود مليشيا فرقة "الإمام الحسين" غامضا في سوريا لكون إيران اعتمدت على زج عشرات آلاف المليشيا الأجنبية في الصفوف الأولى في المعارك التي تشكل هدفا إستراتيجيا مكملا للتغلغل الإيراني طويل الأمد في هذا البلد.

وشكل اصطفاف إيران إلى جانب رأس النظام السوري بشار الأسد، لقمع الثورة عام 2011، الباب الواسع لبدء طهران تنفيذ مشروعها وحلمها في الوصول إلى مياه البحر المتوسط وربط إيران وسوريا ولبنان بريا عبر المليشيات.

ففي عام 2014، أعدت جامعة "الإمام الحسين" الحكومية التي تتبع للحرس الثوري مقاتلين من النخبة لزجهم في المعارك بسوريا.

وآنذاك أطلق الحرس الثوري على هؤلاء المقاتلين اسم فرقة "الإمام الحسين" وكأنما أريد من تشكيلها أن تكون أقوى وحدة قتالية تتبع إيران في الخارج.

ويتأتى ذلك من ناحية التأهيل العسكري واللوجستي ونوع الأسلحة وطبيعة المهام الموكلة لها من قبل قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، الذي قتل بضربة أميركية في العراق عام 2020.

المؤكد أن عناصر هذه الفرقة حينما زجت بمعارك إلى جانب عناصر الأسد ضد فصائل المعارضة خسرت عددا من مقاتليها عام 2015.

وشكلت هذه الضربة الموجعة أول هزة لهذا الكيان العسكري الخاص الذي أشرف سليماني شخصيا على تشكليه.

في تلك الفترة كانت إيران قد جمعت المئات من المليشيات من جنسيات عراقية ولبنانية وسورية وأفغانية وباكستانية وزجت بهم في جبهات المعارك بسوريا.

وكل ذلك يأتي لتحقيق حلم إيران بترسيخ وجودها العسكري على الأراضي السورية، لا سيما أنها تمتلك نحو 100 ألف عنصر مقاتل في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا عام 2012 لوأد الثورة الشعبية التي تفجرت في مارس/آذار 2011.

وتحت شعار "لن تسبى زينب مرتين"، حفزت طهران عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من لبنان والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية" مقام "السيدة زينب".

وتشير الوثيقة التي نقلتها مجلة "نيوزويك" إلى أن فرقة "الإمام الحسين" تأسست عام 2016 تحت قيادة قائد فيلق القدس، سليماني.

 ووصفت الفرقة السرية بأنها لعبت دورا رئيسا في دعم نظام الأسد في المعارك التي خاضها ضد فصائل المعارضة و"تنظيم الدولة"، لكن رغم ذلك لا يعرف عددها الحقيقي.

وجاء في الوثيقة أن "الفرقة تمثل قوة قتالية متعددة الجنسيات تتكون من آلاف المقاتلين من جميع أنحاء الشرق الأوسط".

صاحبة الترسانة

واليوم يحتفظ هيكل الفرقة بآلاف المقاتلين في الساحة السورية، ومعظم أفرادها سوريون، رغم أن بعضهم من لبنان وأفغانستان وباكستان واليمن والسودان ودول أخرى.

وهؤلاء العناصر وصلوا إلى سوريا في إطار "الحرب المقدسة" المزعومة التي تذرعت بها طهران للتدخل، وبقوا في المنطقة تحت سيطرة فيلق القدس بعد انتهاء القتال العنيف في المنطقة.

كما ورد في الوثيقة فإن الفرقة تتكون من عدة مكونات، بما في ذلك "المقاتلون العاديون والقوات الخاصة المجهزة بأسلحة متطورة والقيادة والأقسام اللوجستية".

وترسانتها المتطورة زودتها بها إيران مباشرة عبر طائرات الشحن التي تهبط في المطارات السورية، وسفن الشحن التي تصل إلى ميناء اللاذقية على الساحل الغربي وشاحنات الحاويات المتجهة إلى سوريا عبر العراق.

وتؤكد "نيوزويك" أن فرقة "الإمام الحسين" مسلحة بذخائر دقيقة التوجيه وطائرات بدون طيار هجومية وجاسوسية، إلى جانب مجموعة واسعة من الأسلحة الخفيفة.

وبينت المجلة أن الفرقة نفذت وابلا مكثفا من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي أصابت الحامية العسكرية الأميركية في جنوب شرق التنف في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وفقا لمسؤول المخابرات.

وقاعدة التنف العسكرية تتمركز فيها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تأسست عام 2016، وتوصف بأنها "حصن حاسم ضد إيران" بسبب موقعها الإستراتيجي بالجنوب السوري وتحديدا قرب المثلث الحدودي مع العراق والأردن.

وبينما تواصل إسرائيل قصف مواقع المليشيات الإيرانية في سوريا، فإن مصالح واشنطن في ذلك البلد محل تهديد من قبل مليشات إيران التي تشن حرب مسيرات ضد مصالح الولايات المتحدة.

ووقع أحدث هجوم بمسيرة "إيرانية" في 23 مارس/آذار 2023 ضد "منشأة صيانة في قاعدة لقوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن قرب الحسكة شمال شرق سوريا، ما أدى إلى مقتل متعاقد أميركي، وإصابة خمسة عسكريين أميركيين ومقاول أميركي آخر".

وفي اليوم التالي، تعرضت مواقع "الحرس الثوري الإيراني" شرقي دير الزور لقصف جوي أميركي، ما أدى إلى مقتل 19 من المليشيات الإيرانية.

وأمام ذلك، فقد استعرضت المجلة طبيعة هجمات الفرقة، فبحسب مسؤول المخابرات الذي تحدث للمجلة فإن عمليات مليشيا "فرقة الإمام الحسين"، ضد إسرائيل، بما في ذلك هجوم صاروخي أرض-أرض في يناير 2019، وهجوم صاروخي في يونيو/حزيران 2019 ومحاولة هجوم بطائرة بدون طيار في أغسطس/ آب 2019 قيل إن الجيش الإسرائيلي اعترضها.

وتدل هذه الهجمات المنظمة على التنسيق العالي للحرس الثوري في توجيه ضربات مركزية على إسرائيل والولايات المتحدة انطلاقا من سوريا.

مظلة تنسيق

ويمكن الإشارة هنا إلى أنه في منتصف مايو/أيار 2016، قال اللواء مرتضى سفاري قائد جامعة "الإمام الحسين" العسكرية لوكالة "تسنيم" للأنباء إن الحرس الثوري الإيراني، أرسل 100 مدرب وقائد من الجامعة التابعة له إلى سوريا والعراق خلال عام 2014 للقيام بمهام استشارية، حسب زعمه.

وبين سفاري وقتها أن عددا آخر من القوات المئة بقي في هذين البلدين، عند الضرورة.

وجامعة الإمام الحسين هي جامعة حكومية في طهران، يديرها الحرس الثوري، لتدريب الطلاب العسكريين.

إضافة إلى ذلك، تحدث القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، في 13 يوليو 2023 لوكالة مهر للأنباء، عن الجامعة بقوله "جامعة الحسين تقوم بدور مهم في تشكيل العناصر القادرة في الحرس الثوري على تدريب القادة والمديرين والمفكرين والمتخصصين في مختلف مجالات العلوم الإنسانية".

وأشار مسؤول المخابرات الذي تحدثت معه مجلة "نيوزويك" إلى أن فرقة "الإمام الحسين" تعد "المظلة" التي يتم من خلالها تنسيق جميع الأنشطة المتعلقة بإيران في سوريا.

وأكد أن "كل ما يحدث في سوريا هو حاليا من اختصاص الإيرانيين وهذا التقسيم لفيلق القدس".

وقد قيل إن حزب الله، على وجه الخصوص، لعب دورا حاسما في تشكيل فرقة الإمام الحسين.

وتدخل "حزب الله" بقوة إلى جانب قوات الأسد في سوريا بأمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي منذ عام 2012، مرسلا عناصره لمنع سقوط الأسد ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه.

وتشير التقديرات إلى أن الحزب خسر ألفين من مقاتليه وأصيب الآلاف منهم مع تعرض بعضهم لإعاقات جسدية دائمة.

لكن منذ انتهاء العمليات العسكرية في غالبية الأراضي السورية وبرود الجبهات خاصة بعد معارك ريفي حلب وإدلب مطلع 2020 التي شاركت فيها مليشيات إيرانية، ركز "حزب الله" على تثبيت حضوره بشكل يخدم المصالح الإيرانية.

اختراق الهيكل

وزعمت طهران أن وجودها في سوريا يقتصر على "مستشارين عسكريين" فقط، إلا أنها لعبت دورا عقب عام 2011 في إعادة بناء قوات نظام الأسد عبر مده بالأسلحة والتجهيزات والمعدات واللوجستيات المتطورة لقمع السوريين وتثبيت وجودها طويل الأمد.

وخلق هذا التغلغل انقساما مباشرا بين فرق النظام وأجهزة مخابراته في الولاء لإيران وروسيا التي تدخلت عسكريا عام 2015 لمنع سقوط الأسد.

وكانت أقرب الفرق العسكرية لإيران في الولاء هي مليشيا "الفرقة الرابعة" السورية، التي يقودها شقيق بشار، ماهر الأسد، رجل إيران الأول وحليفها الإستراتيجي في سوريا.

ومنذ عام 2011 أخذت مليشيا "الفرقة الرابعة – مدرعات" إحدى مكونات جيش النظام السوري، خطا مغايرا عن قوات النظام، بحيث أصبحت مرتهنة لإيران وتسير معها في المعارك.

وعقب التدخل الروسي لم تبد "الفرقة الرابعة" أي ميل إلى الجانب الروسي، ولم تسر تبعا لتوجيهات قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية مركز تحكم الوجود الروسي بسوريا.

وركزت "الفرقة الرابعة"، التي ينحدر غالبية عناصرها من الطائفة العلوية والموالين لماهر شخصيا، دورها في حماية عائلة الأسد والسيطرة على التجارة الداخلية بين المحافظات السورية، فضلا عن التعامل الوثيق مع حزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية.

ومليشيا "الفرقة الرابعة" متورطة في عمليات قتل المتظاهرين وتنفيذ مجازر بشعة خلال اقتحام المدن السورية لوأد الثورة.

وفي السياق، وصف الباحث الإيراني المتخصص في صراعات الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الإيرانية، مصطفى النجفي، فرقة الإمام الحسين بأنها "من أهم الكيانات المرتبطة بإيران ومحور المقاومة في سوريا".

وأشار النجفي في حديث لمجلة "نيوزويك" إلى "أن فرقة الإمام الحسين لها صلة عسكرية وعمليات واستخباراتية بين فيلق القدس وفرقة الجيش السوري الأكثر نفوذا والتي أطلق عليها اسم الفرقة الرابعة المدرعة التي يقودها ماهر الأسد".

ومضى يقول: "قرب فرقة الإمام الحسين من الفرقة الرابعة مدرع حسّن بشكل كبير وزاد من مكانة ماهر الأسد في جيش (النظام) السوري، خاصة ضد التبعية لروسيا".

ولفت النجفي إلى أن "فرقة الإمام الحسين تدرب من قبل فيلق القدس وقوات النخبة في حزب الله اللبناني".

 وذكر أن "التمويل واللوجستيات لهذه الفرقة يتم توفيرها مباشرة من الفرقة الرابعة، والنقطة المهمة الأخرى هي أن منطقة عمليات هذه الفرقة كانت قرب دمشق وجنوب وجنوب غرب سوريا، وكذلك حدود سوريا مع إسرائيل".

وأشار إلى أن "شيعة سوريا وخاصة من طائفة العلويين (ينحدر منها الأسد) يشكلون قيادات وأغلبية القوات في هذه الفرقة".

واستدرك النجفي قائلا: "هذا التقسيم له دور حيوي في دفع التنسيق العملياتي والميداني لإيران مع قوات الأسد، لا سيما في مكافحة الإرهاب، فضلا عن تثبيت مواقع محور المقاومة على الحدود الغربية والجنوبية لسوريا" حيث إسرائيل والأردن.

كما أرجع النجفي هدف "تشكيل قاسم سليماني لفرقة الإمام الحسين، هو ترسيخ نفوذ فيلق القدس في هيكل الجيش السوري مع تعزيزه ضد الجماعات الإرهابية".

واعتبر أن المليشيات التي أنشأتها إيران بسوريا هي "في إطار إستراتيجية أمنية وتشبيك القوات غير الحكومية، ولذا فإن فرقة الإمام الحسين هي أهم طبقة عسكرية وعملياتية لإيران لاختراق هيكل جيش النظام".

وختم النجفي بالقول: "الانتشار الجغرافي لهذه الشبكات محدد على نطاق واسع في جميع أنحاء سوريا، وبناء على ذلك، يمكن القول إنه مقارنة بإيران، لا يوجد لاعبون آخرون، بما في ذلك روسيا، لديهم نفس القوة والإرادة لتعبئة القوات في سوريا".