"حرب المسيرات".. هل تعاني القواعد الأميركية بسوريا من الحماية الجوية؟

لندن - الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

عادت الساحة السورية لتشهد موجة مناوشات جديدة بين المليشيات الإيرانية والقوات الأميركية المتمركزة في شمال شرقي البلاد.

وضمن سياق "حرب مفتوحة" عنوانها الطائرات المسيرة، استهدف الحرس الثوري الإيراني مجددا قواعد التحالف الدولي بقيادة واشنطن هناك.

مناوشات جديدة

إذ طال هجوم بمسيرة "إيرانية" في 23 مارس/آذار 2023 "منشأة صيانة في قاعدة لقوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن قرب الحسكة في شمال شرق سوريا، ما أدى إلى مقتل متعاقد أميركي، وإصابة خمسة عسكريين أميركيين ومقاول أميركي آخر.

وفي اليوم التالي، تعرضت مواقع "الحرس الثوري الإيراني" شرقي دير الزور لقصف جوي أميركي، ما أدى إلى مقتل 19 من المليشيات الإيرانية.

وتوزع هؤلاء إلى 11 عنصرا من الجنسية السورية، و3 من قوات النظام السوري، و5 من المليشيات الإيرانية من جنسيات غير سورية، إضافة إلى عدد كبير من الجرحى بعضهم في حالات خطرة.

وفي مؤتمر صحفي كشف بات رايدر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، عن تنفيذ القوات الأميركية ضربتين باستخدام مقاتلة من طراز "إف-15 إي" استهدفت منشأتين تابعتين "للحرس الثوري الإيراني" بالقرب من دير الزور في شرق سوريا.

ولفت رايدر، إلى أن هذه الضربات كانت تهدف إلى إرسال "رسالة واضحة للغاية" مفادها "أننا سنأخذ حماية أفرادنا على محمل الجد وسنرد بسرعة وبشكل حاسم إذا كانوا مهددين".

وغداة تنفيذ الجيش الأميركي ضربات جوية في سوريا، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، في 24 مارس، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في أوتاوا، أن "الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران، لكنها مستعدة للعمل بقوة لحماية شعبها".

وأعلن فصيل ما يسمى "لواء الغالبون" التابع للحرس الثوري الإيراني مسؤوليته عن الهجوم على القاعدة الأميركية في بيان نشره على حسابه الرسمي في منصة "تلغرام" بتاريخ 26 مارس.

وتوعد المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كيوان خسروي، بـ "رد حاسم" على ما سماه "أي مسوغ لاستهداف القواعد التي جرى إنشاؤها بناء على طلب الحكومة السورية"، حسبما نقلت وكالة "نور نيوز" الإيرانية.

كما نقلت وكالة "نورنيوز" بيانا عن المركز الاستشاري الإيراني في سوريا، جاء فيه أن طهران لها "اليد الطولى ولديها القدرة على الرد في حال جرى استهداف مراكزنا وقواتنا".

وزعم البيان أن الأهداف التي هاجمها الجيش الأميركي "نقاط مدنية في دير الزور وهي عبارة عن مخازن تغذية ومراكز خدمات".

وتعد تصريحات خسروي الأولى من نوعها التي يشار فيها إلى وجود قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، بعد أن كانت تصريحات المسؤولين الإيرانيين تؤكد على أن الوجود الإيراني في سوريا يقتصر على "مستشارين عسكريين" فقط.

بدوره وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الضربة الأميركية بأنها "هجوم عدواني وإرهابي".

ومضى يقول في بيان نشر بتاريخ 26 مارس: "إن ادعاء أميركا بالوجود في سوريا لمحاربة تنظيم الدولة هو مجرد ذريعة لاستمرار الاحتلال ونهب الثروات الوطنية للبلاد من بينها مصادر الطاقة والحبوب".

ساحة ساخنة

اللافت أن المليشيات الأميركية شنت هجوما على قواعد أميركية شمال شرقي سوريا عقب الضربة الأميركية، وتركزت على قاعدة حقل العمر النفطي شرقي دير الزور، وهي أكبر قاعدة للقوات الأميركية شرقي سوريا، وكذلك على حقل كونكو للغاز الذي تعرض لقصف بـ 15 صاروخا.

وتتمركز القوات الأميركية في نحو 26 قاعدة ونقطة عسكرية شمالي شرقي سوريا، ويقع عدد من تلك القواعد في حقول "العمر" و"رميلان" و"كونكو" النفطية.

وتزامن القصف الإيراني، مع قصف طائرات مسيرة مجهولة الهوية، في 22 مارس 2023، ثلاث شاحنات قادمة من العراق تابعة للمليشيات الإيرانية فور دخولها مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي.

وبحسب ما ذكرت وكالة الأناضول التركية، فإن "المسيرات قصفت الشاحنات بعد وصولها إلى قاعدة (الإمام علي) جنوبي البوكمال التابعة لمليشيا إيرانية".

وتتكرر الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة على حقل العمر النفطي الواقع شرقي محافظة دير الزور، وعلى قواعد للقوات الأميركية بريف الحسكة.

وتتهم واشنطن المليشيات الإيرانية بالوقوف وراء تلك الهجمات، ولا سيما أنها توجد على مسافة بضعة كيلو مترات من حقل العمر على امتداد بلدات ضفة نهر الفرات المقابلة التي استعاد النظام السوري السيطرة عليها نهاية عام 2017 بعد معارك مع تنظيم الدولة.

وتشكل مناطق شرق سوريا القريبة من الحدود العراقية "باحة خلفية رسمية" للحرس الثوري الإيراني، وتنتشر المليشيات الإيرانية على طول الضفة اليمنى من نهر الفرات لمحافظة دير الزور والتي تسمى محليا "الشامية".

وتمتد الضفة المذكورة من مدينة دير الزور مركز المحافظة حتى مدينة البوكمال الحدودية مع العراق.

والبوكمال التي يقابلها معبر "القائم" البري مع العراق، تعد أكبر معقل يوجد فيه خليط متعدد من المليشيات الأجنبية جلبتها طهران للقتال إلى جانب النظام السوري منذ عام 2012؛ لوأد الثورة الشعبية ضد رئيس النظام بشار الأسد التي اندلعت في مارس/آذار 2011.

وعلى طول المدن والقرى في الضفة اليمنى من نهر الفرات، تمكن الحرس الثوري الإيراني من تجنيد مليشيات محلية لصالحه، وتقسيمها ضمن قطاعات عسكرية توجد فيها كتائب صغيرة يشرف على كل قطاع ضابط واحد من الحرس الثوري.

وتقدر مصادر محلية، أعداد المليشيات الإيرانية الأجنبية من عراقيين وباكستانيين وأفغان وإيرانيين ولبنانيين، في محافظة دير الزور وحدها، بنحو 6 آلاف عنصر، فيما يبلغ تعداد العناصر المحلية من الجنسية السورية، قرابة 15 ألفا.

وهؤلاء من ضمن مئة ألف عنصر مقاتل تمتلكهم إيران في كامل الأراضي السورية، وجرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا عام 2012.

خلل فني

بينما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة، على قرى وبلدات الضفة اليسرى من نهر الفرات الغنية بالنفط، الممتدة من منطقة الباغوز بدير الزور، على الحدود العراقية، وصولا إلى محافظة الحسكة على الحدود العراقية - التركية شمال سوريا.

إذ تسيطر "قسد" على 90 بالمئة من حقول النفط، و45 بالمئة من إنتاج الغاز بسوريا، وجميع هذه الحقول المذكورة توجد فيها قوات أميركية خاصة لحمايتها ضمن إستراتيجية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حول طبيعة وجود قوات بلاده في سوريا.

وأمام الاستهداف المتبادل بين القوى الأميركية والإيرانية المتكرر بين الفينة والأخرى يبرز السؤال العسكري الأكبر هنا: هل تعاني القواعد الأميركية في سوريا من ضعف في الدفاعات الجوية لصد مثل هذه الهجمات المسيرة؟

عقب الهجوم الإيراني الجديد، كشف مسؤولون أميركيون عن ثغرات في منظومة الدفاع الجوي لقاعدة التحالف الدولي بقيادة واشنطن في سوريا التي تعرضت لهجوم بالطائرات المسيرة.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين، لم تذكر أسماءهم، أن منظومة الدفاع الجوي "لم تكن عاملة إلى درجة كاملة".

وأشار المسؤولون إلى أنه لم يكن من الواضح ما إذا كشف المهاجمون عن الثغرات مسبقا واستغلوها عمدا، أم تزامن الهجوم مع وجود مشاكل في منظومة الدفاعات صدفة.

وحسب قول المسؤولين، فإن القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا كانت بحالة تأهب عالية، نظرا لشن الجماعات الموالية لإيران 78 هجوما على المواقع الأميركية منذ يناير/كانون الثاني 2021.

لكن منظومة Avenger الصاروخية للدفاع الجوي في قاعدة RLZ بريف الحسكة قد تكون تعرضت للمشاكل الخاصة بالصيانة في الفترة التي وقع فيها الهجوم، حسب قول أحد المسؤولين.

وأشار المسؤولون إلى أن القاعدة تمتلك أنظمة دفاع أخرى، لكنها لا تؤمنها بالكامل. وتعلل الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا بمحاربة تنظيم الدولة.

وسبق أن نفى الكولونيل مايلز بي كاغينز، المتحدث باسم التحالف ضد تنظيم الدولة عام 2020، بأن يكون لدى واشنطن أنظمة دفاع جوي هناك من نوع "صواريخ باتريوت".

لكن القوات الأميركية نشرت نظاما صاروخيا للدفاع الجوي على ارتفاع منخفض بالقرب من حقول النفط والغاز الطبيعي في شرق سوريا، حسبما ذكر تقرير لوكالة الأناضول في 27 مايو/أيار 2020.

لعبة متبادلة

وبنت إيران طائرات بدون طيار متطورة في السنوات الأخيرة قادرة على حمل متفجرات بكميات متفاوتة، ونقلت كثيرا منها إلى سوريا ودربت فنين من مليشياتها المحلية على استخدامها.

حتى أن طهران أنشأت فصيلا عسكريا جديدا تحت اسم "سرايا الخراساني"، خلال عام 2022، مكون بشكل أساسي من عناصر عراقية وسورية، ودربتهم في قاعدة كرمانشاه الإيرانية على بعد 80 كيلومترا من الحدود العراقية.

وسبق أن أكد مصدر محلي سوري لـ "الاستقلال"، أن "هؤلاء سيخضعون للتعرف على أنظمة التحكم والقدرات القتالية الخاصة بالطائرات المسيرة الإيرانية، وتدريب المجندين على اختبارات ومناورات لتصل إلى مرحلة تخريج هؤلاء ويصبحون قادرين على إدارة قواعد المسيرات بسوريا".

وفي ظل حرب المسيرات شمال شرقي سوريا، رأى المختص في الحرب الكيميائية السورية الرائد طارق حاج بكري، "أن القواعد الأميركية بسوريا لا تتمثل مشكلتها بالحماية من الهجمات الإيرانية".

وأردف لـ "الاستقلال"، أن "هناك أمرا راسخا لدى الولايات المتحدة بأنه لا أحد يستطيع الهجوم على قواعدها وأنها بهيبتها التي تفرضها على دول المنطقة تعتقد بأنه لا يمكن لأحد استهدافها".

وأضاف حاج بكري أن "الغزل الأميركي المستمر مع إيران منذ فترة طويلة، ما بين تهديد ووعيد وثم سحب الاستخدام العسكري ضدها واللجوء إلى الحلول السلمية عبر إحياء الاتفاق النووي، يعطي نوعا من الثقة لطهران بأن واشنطن لن تستخدم ضدها القوة العسكرية بشكل كامل".

ومضى يقول: "إن إيران تحاول فرض القوة والاستعراض بأنها قادرة على التصدي للقوات الأميركية الموجودة في المنطقة، وهذا ما يدفع طهران لمنع واشنطن من الشعور بالاطمئنان ولذلك تقصف كل فترة مواقع أميركية في سوريا والعراق".

ولفت حاج بكري، إلى أن "الطائرات المسيرة الإيرانية تخرج من الأراضي السورية التي تهيمن عليها في دير الزور أو بادية الرقة، خاصة أن طهران تنتجها بكثافة".

واستدرك قائلا: "هذا القصف هو نوع من التهديد الإيراني للولايات المتحدة خاصة بعد الضربات التي تلقتها إيران سواء من القوات الأميركية أم من إسرائيل".

وذهب حاج بكري للقول: "إن المنطقة يراد لها أن تبقى في حالة توتر وحالة اللاحرب واللاسلم التي تناسب القوات الأميركية لضرب القوات الإيرانية".

وفي المقابل، تحاول إيران الإيهام بأنها رائدة المقاومة مما يمنحها تصعيدا لتجييش مواطنها وقواتها ومليشياتها بهدف التغطية على جرائمها داخل إيران والانهيار الاقتصادي الحاصل، بحسب تقديره.