سرايا الخراساني.. مليشيا نسختها إيران من العراق لضرب مصالح أميركا بسوريا

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تواصل إيران تجنيد المزيد من المرتزقة والمليشيات الأجنبية والمحلية السورية، على الرغم من تجميد جبهات القتال عقب معارك ريفي حلب وإدلب مطلع عام 2020.

وفي تطور جديد، ذكر تقرير لمجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يعمل على تدريب فصيل عسكري جديد تحت اسم "سرايا الخراساني"، في قاعدة كرمانشاه الإيرانية على بعد 80 كيلو مترا من الحدود العراقية.

وأوضح تقرير المجلة المتخصصة في شؤون الاستخبارات، المنشور في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أن عناصر المليشيا الجديدة يتكونون بشكل أساسي من عراقيين وسوريين.

ضرب واشنطن

وبحسب "إنتيليجنس أونلاين"، فإن هدف إنشاء هذه المليشيا هو استهداف المصالح الأميركية في سوريا، وخاصة في الشمال الشرقي، وفي التنف حيث تقع قاعدة قيادة العمليات الخاصة الأميركية.

وتنتشر القوات الأميركية في 11 قاعدة ونقطة عسكرية في المناطق الخاضعة لسيطرة حليفتها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في المحافظات الثلاث (الحسكة– الرقة- ودير الزور) شمال شرقي البلاد.

أما قاعدة "التنف" العسكرية جنوبي سوريا، فتتمركز فيها قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وتخوض "حروبا خفية" يفرضها موقعها الإستراتيجي ضمن المثلث الحدودي السوري مع العراق والأردن.

ومن المقرر أن تتمركز "سرايا الخراساني" قرب مدينة الحسكة، مما يجعلها على مشارف قاعدة مكافحة الإرهاب المشتركة التي تستخدمها الولايات المتحدة وقوات "قسد" حليفة واشنطن، والتي استهدفتها غارة جوية تركية في 22 نوفمبر 2022.

وكرمانشاه محافظة إيرانية إستراتيجية تضم مواقع صاروخية وعسكرية للحرس الثوري تحت الأرض، إذ يوسع الأخير تشييد ما تعرف بـ "المدن الصاروخية" التابعة في ضواحيها.

وسبق أن أطلق الحرس الثوري صواريخ باليستية على الأراضي العراقية، والسورية من محافظة كرمانشاه بين عامي 2017 و2020.

وأعلنت القيادة المركزية للجيش الأميركي "سنتكوم"، في 17 نوفمبر 2022، استهداف صواريخ (مجهولة المصدر) قوات التحالف في قاعدة القرية الخضراء، داخل حقل العمر النفطي بمحافظة دير الزور شرقي سوريا، دون تسجيل خسائر بشرية ولا أضرار في القاعدة ومقتنيات التحالف.

وحينها قال المتحدث باسم القيادة الكولونيل جو بوكينو، إن "الهجمات من هذا النوع تعرض قوات التحالف والسكان المدنيين للخطر وتقوض استقرار سوريا والمنطقة وأمنهما".

ساحة صراع

وتتكرر الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة على حقل العمر النفطي الواقع شرقي محافظة دير الزور، وعلى قواعد للقوات الأميركية بريف الحسكة.

وتتهم واشنطن المليشيات الإيرانية بالوقوف وراء تلك الهجمات، ولا سيما أنها توجد على مسافة بضعة كيلو مترات من حقل العمر على امتداد بلدات ضفة نهر الفرات المقابلة التي استعاد النظام السوري السيطرة عليها نهاية عام 2017 بعد معارك مع تنظيم الدولة.

وحقل العمر كان من أكثر الحقول النفطية السورية غزارة قبل عام 2011، قبل أن يتحول منذ عام 2018 لقاعدة عسكرية أميركية وفرض حوله منطقة حظر عسكري يمنع الاقتراب منها، وتوجد بداخله عناصر من قوات "قسد".

كما جرى استهداف قاعدة التنف التي توصف بأنها "حصن حاسم ضد إيران"، في أغسطس/آب 2022 من قبل طائرات مسيرة معادية مزودة بالمتفجرات، أصابت مجمعا تديره القوات الأميركية ومقاتلو المعارضة السورية المدعومون من واشنطن.

وسبق ذلك، هجوم بطائرات مسيرة مزودة بقنابل متفجرة في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021، على قاعدة التنف.

وحينها اتهم السيناتور الجمهوري نائب رئيس لجنة المخابرات الأميركية في الكونغرس ماركو روبيو، إيران بتنفيذ هجوم مباشر على قوات بلاده.

كما أكد مصدر أمني عراقي حينئذ مرتبط بالتحالف الدولي، أن 5 طائرات مسيرة مفخخة استهدفت قاعدة التنف، موضحا أن الهجوم نفذ من داخل الأراضي السورية.

وانتشرت القوات الأميركية للمرة الأولى في سوريا خلال حملة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ضد تنظيم الدولة، بالشراكة مع مجموعة يقودها الأكراد تسمى قوات سوريا الديمقراطية.

وحاليا ينتشر نحو 900 جندي أميركي في سوريا، أغلبهم في الشرق، وتقول واشنطن إن مهمتهم حماية آبار النفط هناك.

وهؤلاء هم من أصل 2000 عسكري أميركي، كانوا في سوريا قبل سحبهم إلى غرب العراق، بموجب قرار انسحاب أعلنه الرئيس السابق دونالد ترامب نهاية 2018.

وكثيرا ما أكدت القيادة المركزية للجيش الأميركي، أنها لا تسعى للصراع، لكنها ستستمر في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الشعب الأميركي والدفاع عنه.

وبينت أن القوات الأميركية لا تزال في سوريا لـ "ضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم الدولة"، وفق زعمها.

وأعلنت بغداد "انتصارها" على تنظيم الدولة نهاية عام 2017، لكن بعد خمس سنوات، تواصل القوات المسلحة مواجهة الخلايا المتطرفة بشكل متقطع، لا سيما في المناطق الريفية والجبلية النائية في وسط وشمال البلاد. كما توجد خلايا للتنظيم في سوريا حتى اليوم.

رغبة إيرانية

ويعد التشابك الأمني بين إيران والولايات المتحدة على الأراضي السورية قائما، ومرتبطا بالملفات الخارجية سواء بما يخص العراق، أو الضغط المتبادل حول الاتفاق النووي.

ولذلك حرصت الولايات المتحدة منذ سنوات على قطع يد إيران من التمدد نحو مناطق قوات "قسد"، وتراقب ذلك بشدة.

إلا أن منطقة شمال شرقي سوريا لم تغب عن الخطط الأمنية الإيرانية، على الرغم من أن حظوظ طهران بالوجود العسكري هناك قليلة مقارنة بروسيا.

وقد حاولت طهران في أكثر من موقف استمالة قوات "قسد"، لصالحها، لكنها لم تنجح لأسباب تتعلق بتمدد روسيا هناك وخشية التصادم معها، والابتعاد عن إزعاج واشنطن حليفة "قسد".

لكن رغم ذلك، تمكنت إيران عام 2021، من افتتاح مكاتب سرية لها شمال شرقي سوريا، أي المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، بهدف جمع معلومات أمنية هناك.

كما أن للحرس الثوري الإيراني مكتبا داخل مطار القامشلي بريف الحسكة والقريب من الحدود التركية، يضم عسكريين وأمنيين، لهم مهام مختصة فقط بإدارة شؤون المنطقة الشرقية وتنفيذ أجندة طهران هناك وتجنيد العناصر لصالحها واستقطاب شيوخ العشائر واللقاء معهم.

إيران الراغبة في تثبيت وجود طويل الأمد في سوريا منذ التدخل عام 2012 لمساندة نظام بشار الأسد في قمع الثورة الشعبية ضده التي تفجرت في مارس/آذار 2011، تريد امتلاك أوراق ضغط أقوى في هذا البلد عبر تأسيس "سرايا الخراساني" بالنسخة السورية.

إذ تشاطر طهران النظام السوري ذات الموقف، بأن الوجود الأميركي "غير شرعي وقائم على نهب النفط".

وفي 24 أغسطس 2022، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني إن "استمرار الوجود العسكري الأميركي في بعض المناطق بسوريا، يتعارض والقانون الدولي كما يشكل احتلالا ونقضا للسيادة الوطنية في هذا البلد".

ودعا كنعاني إلى ضرورة "انسحاب هذه القوات من الأراضي السورية فورا، والكف عن سرقة حبوبها وثرواتها النفطية".

بالمقابل تدعو الولايات المتحدة إيران للانسحاب من سوريا والكف عن دعم نظام الأسد في قمع المدنيين.

وتمتلك إيران حاليا نحو مئة ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا لوأد الثورة السورية عام 2012، ولتحقيق حلم طهران بالوصول للبحر المتوسط عبر ترسيخ وجودها العسكري.

تصفية الحسابات

ولهذا شكلت سوريا ساحة عريضة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران وممارسة لعبة عض الأصابع بينهما.

تجلى ذلك عبر "حروب خفية" وأخرى بالوكالة يمارسها الطرفان، إذ تتولى المليشيات الإيرانية استهداف المصالح الأميركية بسوريا، بينما تتولى إسرائيل الجزء الأكبر من المهمة عن واشنطن.

إذ تستخدم إسرائيل محيط قاعدة التنف، لشن غارات جوية على مليشيا الحرس الثوري الإيراني ومنع تثبيت وجودها في سوريا.

وهذه النقطة من أبرز نقاط "حروب الظل" التي تقودها قاعدة التنف على مدى سبع سنوات، عبر لعبها دورا حاسما في "قطع يد إيران لفتح طريق بديل لها عبر البادية السورية".  

ويسمح التحليق فوق منطقة قاعدة التنف للطائرات الإسرائيلية بالحد من تعرضها للدفاعات التابعة لنظام الأسد، حين شنها غارات جوية متكررة على مواقع المليشيات الإيرانية في الأراضي السورية.

وفي هذا الإطار، نقل موقع "المونيتور" الأميركي في يونيو/حزيران 2020، عن مسؤول دفاعي أميركي سابق (لم تسمه) قوله إن "الطائرات الإسرائيلية تحب استخدام ممراتنا الجوية، لأن الدفاعات الجوية السورية لا يمكنها معرفة الفرق إلا بعد فوات الأوان".

ومحاولات إيران لتقوية أذرع محلية سورية وأجنبية خاصة في قطاع الطيران المسير والصواريخ، بدأت تطفو على السطح بشكل أكبر من عام 2021.

ولا سيما أن مليشيات حزب الله اللبناني أرسلت أخيرا عددا من عناصر "سرايا الخراساني" للتدريب على استخدام الطائرات المسيرة في منطقة الديماس بريف دمشق.

وتؤكد شبكة "نداء الفرات" المعارضة، في تقرير نشرته بتاريخ 15 ديسمبر 2022، أن مليشيا "سرايا الخراساني" والمدعومة من قبل الحرس الثوري الإيراني، جهزت عددا من المقار العسكرية الجديدة لها في محافظة الحسكة.

بالإضافة إلى ذلك تنوي المليشيا المذكورة فتح باب التطويع وتسعى لجذب أكبر عدد من الشباب في المنطقة وضمهم لصفوفها، وفق الشبكة.

وهذه التحركات تأتي تزامنا مع اجتماعات مكثفة تجري في كل من دمشق والحسكة لتجهيز المقرات العسكرية الجديدة وتزويدها بالأسلحة والمعدات اللوجستية المطلوبة وذلك بنقلها عبر مطار القامشلي مستقبلا، بحسب "نداء الفرات".

مهمات فنية

ويرى مراقبون أن حشد الحرس الثوري الإيراني مليشيا جديدة تحت اسم "سرايا الخراساني" بنسخته السورية، حيث إن هناك فصيلا عراقيا يحمل الاسم ذاته منذ ثمانينيات القرن العشرين، يؤشر على مدى رغبة طهران في تغيير أدوات الصراع مع الولايات المتحدة داخل سوريا.

وفي هذا الإطار، يؤكد علاء الفايز المهتم بالشأن الإيراني، لـ "الاستقلال"، أن "مهمة مليشيا الخراساني الجديدة ليست قتالية بل فنية تتعلق بتأهيل عناصرها على استخدام إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة بصورة فعالة وميدانية".

وأضاف الفايز: "إيران تسعى لنشر مليشيا متخصصة قادرة على استهداف مصالح قوات التحالف الدولي في شمال شرقي سوريا بالتوقيت الذي تختاره طهران".

واستدرك: "وهذا ما يتطلب عمليات تجنيد جديدة وإخضاع هؤلاء لدورات تدريبية تتعلق بعمليات إطلاق الصواريخ، وبالاستخدام والبرمجيات الخاصة بالطائرات المسيرة والمحطات المتنقلة للقيادة والتحكم والاتصالات التابعة من قبل هؤلاء الفنيين المتخصصين".

ومضى يقول: "كون أن عملية نقل طهران للطائرات بدون طيار من إيران إلى سوريا وتكديسها في مواقع معينة هي مرحلة يتبعها حتما مرحلة تدريب المشغلين لتلك الطائرات غير المأهولة".

ولفت المهتم بالشأن الإيراني إلى أن "هؤلاء سيخضعون للتعرف على أنظمة التحكم والقدرات القتالية الخاصة بالطائرات المسيرة الإيرانية، وتدريب المجندين على اختبارات ومناورات لتصل إلى مرحلة تخريج هؤلاء ويصبحون قادرين على إدارة قواعد تلك المسيرات بسوريا".

يذكر أن "سرايا الخراساني" النسخة العراقية، تتبع ولاية الإمام الفقيه في إيران، لا النظام العراقي، حسبما أعلن قائدها علي الياسري، في مقابلة تلفزيونية في مارس 2017، والذي قال إنهم يدينون بالولاء إلى المرشد الإيراني، علي خامنئي، لأنه يقدم لهم كل ما يحتاجون إليه من دعم.

وتعد "سرايا الخراساني" من بين الفصائل الشيعية التي تظهر نفوذ إيران في العراق، وظهرت على الساحة عام 2013 استجابة لدعوة خامنئي" لمحاربة فصائل المعارضة السورية أولا، ثم التحول إلى مقاتلة تنظيم الدولة بعد اجتياحه للعراق عام 2014.

لكن حسبما يقول قائدها علي الياسري: "فإن (سرايا الخراساني) تشكيل عقائدي ولائي مقاوم، تشكل بداية عام 1986 على يد ياسين الموسوي ممثل المرجع الديني الشيعي محمد باقر الحكيم".

وكانت حينها مجموعة صغيرة تتخذ لنفسها اسم "سرية الكرار" وتتبع للمجلس الأعلى الإسلامي"، ثم بعد ذلك انفصلت عام 1995 متخذة اسم "سرايا الطليعة".

وعام 2004 قدمت المليشيا أوراق اعتماد حزبها السياسي (الطليعة الإسلامي) الذي يمتلك عددا من النواب في البرلمان العراقي.

وتختص "سرايا الخراساني" بالطائرات المسيرة واستخدمتها في العراق لاستهداف القواعد الأميركية المنتشرة هناك، وكذلك المنطقة الخضراء وسط بغداد.

وتتهم "سرايا الخراساني"، بقتل نحو 100 متظاهر بنيران قناصة اعتلوا أسطح البنايات المجاورة لساحة التحرير وسط بغداد في مطلع أكتوبر 2019، في محاولة لقمع الحراك الشعبي.