رغم ولائها الكامل.. لماذا قررت إيران تفكيك "سرايا الخراساني" بالعراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تفاجأت الأوساط السياسية والشعبية في العراق، باعتقال قادة ميليشيا "سرايا الخراساني" المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، والتي تواجه اتهامات بارتكاب جرائم عديدة منذ تأسيسها عام 2013، وآخرها قنص متظاهري الحراك الشعبي في أكتوبر/تشرين الأول 2019.  

واعتقلت مديرية الأمن في الحشد الشعبي، أمين عام "سرايا الخراساني"، علي الياسري، مع 30 من عناصره بعدما حاول الفرار إلى الأراضي السورية، في 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، وذلك بعد مرور 24 ساعة فقط من القبض على معاونه السابق "حامد الجزائري".

"أمر بالتفكيك"

عمليات الاعتقال المفاجئة أثارت الكثير من التكهنات عن أسبابها، فقد قال المحلل السياسي العراقي أستاذ العلاقات الدولية "رائد العزاوي"، عن خلافات كبيرة طفت خلال الأيام الماضية، بين قيادات في الميليشيات العراقية، الموالية لإيران، وأن توجيهات صدرت من طهران بتفكيك "سرايا الخراساني".

"العزاوي" أكد خلال تصريحات صحفية في 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن نائب قائد الحشد الشعبي عبد العزيز المحمداوي المعروف بـ"أبو فدك" هو من أشرف على اعتقال نائب الأمين العام السابق لـ"الخراساني" حامد الجزائري.

وأوضح أن قرارا صدر من قيادة فيلق القدس الإيراني، بإلقاء القبض على الجزائري، بعد توفر معلومات عن امتلاكهم ثروات طائلة، نتيجة أعمال غير شرعية، بحسب معلومات من أمن الحشد الشعبي، التي تحقق الآن مع الجزائري وعدد من أفراد "سرايا الخراساني".

من جهته، قال المحلل السياسي، "فلاح المشعل": إن "ما يشاع حاليا في الوسط الإعلامي والسياسي، هو أن الذين جرى اعتقالهم مطلوبون للقضاء العراقي للتحقيق معهم"، مشيرا إلى أن "الأيام الماضية حصلت فيها الكثير من الجرائم، ومنها اغتيال الكاتب هشام الهاشمي، إضافة إلى ما تعرض له المتظاهرون في ساحات الاحتجاج".

وأضاف "المشعل" خلال تصريحات صحفية في 16 ديسمبر/كانون الأول 2020: أن "القضاء لم يصدر بيانا واضحا حتى الآن بخصوص الاتهامات المنسوبة للمعتقلين، لكن الأمور تجري بهذا الاتجاه، وسبق لرئيس الوزراء وبعض مستشاريه التلميح لاتهام بعض الجهات المحسوبة على الحشد الشعبي".

ونوه المحلل السياسي إلى أن "هناك مئات الجرائم قيدت ضد طرف ثالث، لكن الأيام ستفصح ما كان خافيا، واليوم أصبحت تتكشف الكثير من الحقائق فيما يخص بعض تفاصيل الجرائم التي حصلت في الفترات السابقة".

وربط "المشعل" القبض على حامد الجزائري بأمر إبعاده قبل نحو شهرين عن قيادة الحشد الشعبي، بالقول: إن "الإبعاد لا يبتعد عن هذا الأمر (الاعتقال)، لأن ممارسات عديدة حصلت بدوافع شخصية أو انتقامية، لكنها كانت تجري تحت لافتة الحشد الشعبي، والأخير غير مسؤول عنها".

لكن إعلام الحشد الشعبي، أصدر بيانا في 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، نفى جميع هذه الروايات، وعزا عمليات اعتقال قادة وعناصر سرايا الخراساني- دون ذكر أسمائهم- إلى ارتكابهم مخالفات بافتتاح مقرات لهم من غير الحصول على موافقات رسمية.

قتل المتظاهرين

"سرايا الخراساني" مع ميليشيات عراقية أخرى، متهمة بقتل نحو 100 متظاهر بنيران قناصة اعتلوا أسطح البنايات المجاورة لساحة التحرير وسط بغداد في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019، في محاولة لقمع الحراك الشعبي.

ووثقت مقاطع الفيديو شهادات المتظاهرين، بأن القناصين الذي يعتلون أسطح المباني العالية قرب المنطقة الخضراء شديدة التحصين، ويستهدفون تحركات المحتجين، هم مقاتلون في "سرايا الخرساني".

ونقلت تقارير صحفية في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2019، عن شهود عيان قولهم: إن "معلومات موثقة من أعضاء في البرلمان العراقي، تؤكد نزول ميليشيا سرايا الخرساني إلى الشوارع في بغداد، ولديها الضوء الأخضر من إيران، وتحديدا من قائد فليق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني في إطلاق الرصاص وقتل المتظاهرين الذين يريدون إسقاط دولة الحسين".

وذكرت أن "مليشيا بدر" و"عصائب أهل الحق" اشتركتا أيضا بقتل المتظاهرين، لكن "سرايا الخرساني" كان لها الدور الأكبر في ذلك، وقد شكلت ما تسمى بـ"القوة الضاربة" لقمع الاحتجاجات، ومنع اقتراب الحشود من المنطقة الخضراء.

إذ ارتدى مقاتلو "سرايا الخرساني" زي قوات مكافحة الشغب وقوات جهاز مكافحة الإرهاب لبسط نفوذها على الشارع.

أما حامد الجزائري، الذي كان يشغل منصب نائب قائد "سرايا الخرساني"، وآمر اللواء 18 في الحشد الشعبي، فهو متهم أيضا بقيادة فريق القناصين ضمن غرفة العمليات التي شكلها زعيم "سرايا الخرساني" علي الياسري وبإشراف مباشر من قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني.

وتتهم جماعات حقوقية "الفصائل الشيعية" بتشريد وقتل السنة في المناطق التي حرروها، وهي تهمة ينفيها قادة الفصائل شبه العسكرية تماما. وتلقي الفصائل باللوم في أي تجاوزات على السكان وتتهم سياسيين سنة بنشر شائعات لتلطيخ اسم الحشد الشعبي.

ونقلت وكالة "رويترز" في 26 فبراير/شباط 2015، عن مسؤول شيعي كبير في الحكومة العراقية (لم تذكر اسمه) انتقد "سرايا الخراساني"، قوله: "إن الفصائل المسلحة التي تتمتع بحرية العمل دون التشاور بشكل مباشر مع الجيش أو رئيس الوزراء قد تضعف استقرار العراق".

مرحلة التأسيس

تعد "سرايا الخراساني" من بين الفصائل الشيعية التي تظهر نفوذ إيران في العراق، حيث ظهرت على الساحة عام 2013 استجابة لدعوة المرشد الإيراني "علي خامنئي" لمحاربة فصائل المعارضة السورية أولا، ثم التحول إلى مقاتلة تنظيم الدولة بعد اجتياحه للعراق عام 2014.

لكن حسبما يقول قائدها علي الياسري: "فإن (سرايا الخراساني) هي تشكيل عقائدي ولائي مقاوم، تشكل بداية عام 1986 على يد ياسين الموسوي ممثل المرجع الديني الشيعي محمد باقر الحكيم، وكانت حينها مجموعة صغيرة تتخذ لنفسها اسم "سرية الكرار" وتتبع للمجلس الأعلى الإسلامي".

ثم بعد ذلك انفصلت عام 1995 متخذة اسم "سرايا الطليعة"، معلنة عن نشاطاتها المسلحة في أهوار جنوب العراق، وخاصة هور الجبايش وهور الناصرية جنوب العراق، وفق الياسري.

عام 2004 قدمت الميليشيا أوراق اعتماد حزبها السياسي "حزب الطليعة الإسلامي" وشارك في انتخابات الدورة الأولى مع الإبقاء على النشاطات المسلحة، إذ كانت الميليشيا تنفذ هجماتها المسلحة خلال الحرب الطائفية عام 2006 تحت مسمى "أحباب نصر الله".

التطور العسكري الأهم لـ"سرايا الخراساني" حدث عام 2013 على يد الجنرال في الحرس الثوري الإيراني، "حميد تقوي" المعروف بأبي مريم، والذي أشرف على إعادة هيكلة الميليشيا وتأسيسها من جديد، حيث كان بمثابة فاتحة خير عليها.

فقد تضاعف عدد الأعضاء من 1500 إلى 3 آلاف وهي الآن مسلحة بمدفعية ومدافع رشاشة ثقيلة و23 مركبة همفي كثير منها جرى الاستيلاء عليها من الدولة.

قاد حميد تقوي "سرايا الخراساني" في معارك داخل العراق، منها معارك جرف الصخر شمال بابل، ومناطق حزام بغداد ومحافظة ديالى، ومدينة تكريت، وكذلك في مدينة سامراء التي قُتل فيها تقوي في ديسمبر/كانون الأول 2015، وأعلن حينها تنظيم الدولة مسؤوليته عن مقتله.

انتشرت صور "حميد تقوي" في شوارع بغداد حينها، باعتباره "أحد شهداء المقاومة الإسلامية"، ومؤسس "سرايا الخراساني"، وأقيمت له مجالس العزاء، كما نُصب له تمثال في مدينة بلد، التابعة لمحافظة صلاح الدين، وقال عنه زعيمها علي الياسري: "إن تقوي كان خبيرا في حرب العصابات، الناس كانوا ينظرون له باعتباره شخصية ساحرة".

وفي تسجيل فيديو بثته "سرايا الخراساني" على الإنترنت بعد وقت قصير من مقتل تقوي، كان يجلس الجنرال الإيراني القرفصاء في أرض المعركة، وهو يصدر الأوامر، والأعيرة النارية تتطاير فوق الرؤوس. وحوله يرقد مقاتلون عراقيون مسلحون ببنادق "كلاشنيكوف" على الأرض.

وخلال مقابلة تلفزيونية في مارس/آذار 2017، أعلن علي الياسري، أن "سرايا الخراساني" تتبع ولاية الإمام الفقيه في إيران، لا النظام العراقي، مضيفا أنهم يدينون بالولاء إلى المرشد الإيراني، علي خامنئي، لأنه يقدم لهم كل ما يحتاجون إليه من دعم.