يضم قوات أميركية.. ماذا وراء هجمات إيران على "الحصن" جنوبي سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم عدم دخول المناوشات الإيرانية الأميركية في سوريا مرحلة الصدام المباشر، فإن حرب الظل بينهما لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، تؤججها أذرع طهران المتوزعة في أربع دول عربية.

وينطلق ذلك من أن مواصلة إسرائيل قصف مواقع المليشيات الإيرانية في سوريا، يضع مصالح واشنطن في ذلك البلد محل تهديد.   

إلا أن تطورا ميدانيا ألقى بثقله على المشهد السوري، بعدما تعرضت قاعدة التنف العسكرية التي تتمركز فيها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لهجوم بطائرات مسيرة مزودة بقنابل متفجرة في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وفي اليوم نفسه، أكد المتحدث باسم القيادة الأميركية الوسطى الكابتن بيل أوربن، أن منطقة قاعدة التنف تعرضت إلى هجوم متعمد ومنسق بطائرات مسيرة ونيران غير مباشرة.

ويعد هذا الهجوم على القاعدة هو الأول من نوعه منذ تأسيسها في 2016، إذ توصف بأنها "حصن حاسم ضد إيران" بسبب موقعها الإستراتيجي بالجنوب السوري وتحديدا بالقرب من المثلث الحدودي مع العراق والأردن.

ولم تعلن وزارة الدفاع الأميركية الجهة المسؤولة عن الهجوم، لكنها أكدت أنها تحتفظ "بحق الدفاع عن النفس وحق الرد في الزمان والمكان اللذين تختارهما".

واتهم السيناتور الجمهوري نائب رئيس لجنة المخابرات الأميركية في الكونغرس ماركو روبيو، إيران بتنفيذ هجوم مباشر على قوات بلاده في سوريا.

وقال السيناتور عبر حسابه في "تويتر": "هذا الهجوم على القوات الأميركية في سوريا قبل ساعات قليلة يحمل كل الدلائل على أنها ضربة إيرانية مباشرة".

وكان مصدر أمني عراقي مرتبط بالتحالف الدولي، صرح في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن 5 طائرات مسيرة مفخخة استهدفت قاعدة التنف في سوريا، موضحا أن الهجوم نفذ من داخل الأراضي السورية.

وأكدت مصادر محلية، أن الطائرات المسيرة الانتحارية استهدفت المعسكر القابع بجانب القاعدة، وجرى استهداف خزانات الوقود ومكان لتناول الطعام.

وأشارت إلى أنه جرى الاستنفار قبل الهجوم في القاعدة وتمت عملية الإخلاء وسحب المقاتلين وجنود التحالف، ولهذا لم تسجل أي خسائر بشرية.

قاعدة محصنة

وتعد قاعدة التنف حاليا إحدى القواعد العسكرية الأميركية المتكاملة في البلاد، التي يعد محيطها على مسافة 55 كيلو مترا "محرما" بشكل كامل على قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية المساندة له.

ويوجد داخلها مهبط طائرات يستخدم لنقل الجنود والإمدادات العسكرية، كما بلغت الميزانية المطلوبة لتدريب وتجهيز القوات المتمركزة فيها في عام 2020 وحده نحو 200 مليون دولار.

تشمل الميزانية تأمين قدرة القوات فيها على حماية نفسها بقوة رد فعل سريعة ودعم مدفعي وقدرة طبية وجهد استخباراتي قوي لاكتشاف التهديدات، وفق ما ذكر تقرير لمؤسسة "بروكينجز" الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وحينما تدخل الجيش الأميركي بسوريا في سبتمبر/أيلول 2014، لتنفيذ ضربات جوية ضد "تنظيم الدولة"، اعتمدت واشنطن وقتها على قوات سوريا الديمقراطية "قسد" لقتال التنظيم شرق نهر الفرات.

وقسد تأسست في أكتوبر/تشرين الأول 2015 كقوة برية ودعمتها بالأسلحة والغطاء الجوي.

 ولم يمض وقت حتى شكلت واشنطن غرب نهر الفرات، "جيش سوريا الجديد" في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وهو عبارة عن مقاتلين من الجيش السوري الحر المعارض للنظام، بينهم ضباط منشقون عن قوات رئيس النظام بشار الأسد.

لكنه تحول بعد ذلك إلى "جيش مغاوير الثورة" في يناير/كانون الثاني 2016 بقيادة الضابط المنشق عن قوات الأسد عام 2012 المقدم مهند طلاع.

ويوجد مغاوير الثورة حاليا في البادية السورية قرب قاعدة التنف مباشرة في منطقة دائرية نصف قطرها 55 كيلومترا، وتضم كذلك مخيم الركبان للنازحين السوريين.

وتعتبر المنطقة عسكرية بموجب اتفاق روسي - أميركي وتخضع كذلك لحماية جوية من التحالف الدولي نظرا لوجود قوات دولية داخل القاعدة.

وفصيل "مغاوير الثورة" منوط به حماية مخيم الركبان من تنظيم الدولة، الذي يقطنه نازحون سوريون يقدر عددهم بـ 13 ألف شخص حاليا، وله أيضا مهمة إستراتيجية رئيسة تتمثل بمواجهة التمدد الإيراني ومليشياتها في أنحاء سوريا.

إذ يتلقى مقاتلو "مغاوير الثورة" تدريبات خاصة من ضباط أميركيين وبريطانيين ونرويجيين، ويبلغ عددهم نحو 500 مقاتل إلى جانب أقل من 500 آخرين من تشكيلات عسكرية سورية أخرى معارضة للأسد، مدعومة أميركيا وتصل رواتبهم الشهرية لنحو 500 دولار أميركي مع تأمين سكن خاص لعائلاتهم.

بصمات إيرانية

الهجوم على قاعدة التنف الذي تشير المعطيات العسكرية إلى أنه يحمل بصمات إيرانية، له تأثير كبير على المشهد الأمني للوجود الأميركي في القاعدة التي تنظر إليها واشنطن على أنها "بيضة القبان" في تحقيق الحل بسوريا بعيدا عن التصور الروسي والإيراني.

إذ إن القاعدة لعبت دورا كبيرا على مدى نصف عقد في قطع يد إيران في خضم سعيها لفتح طريق بديل لها عبر البادية السورية، غير الطريق السريع بغداد – دمشق المرصود أميركيا والذي حرم طهران من تسيير قوافل الإمدادات بشكل مباشر من طهران إلى دمشق ثم بيروت.

كما شكل القصف الإسرائيلي على مواقع المليشيات الإيرانية في سوريا خلال السنوات الماضية اللاعب الأكبر في تعطيل هذا الطريق الملتوي إلى حلفائها في سوريا ولبنان.

وفي هذا السياق، ترى مؤسسة "بروكينجز" الأميركية في تقرير نشرته في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أن هناك ثلاثة مبررات على الأقل لاستمرار الوجود الأميركي في قاعدة التنف.

وهي اعتراض فلول تنظيم الدولة، وتعطيل الحركة الاقتصادية والنفوذ العسكري الإيراني إلى سوريا، واستخدام الثقل الأميركي في التنف في عملية التفاوض السياسي مع روسيا على نتيجة مقبولة في البلاد.

ويرى الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، العقيد فايز الأسمر، أن "القصف الذي حصل على قاعدة التنف هو تطور ميداني خطير ويحمل رسائل كثيرة كونها تمثل للمرة الأولى استهدافا للقواعد الأميركية في غرب نهر الفرات بسوريا".

وقال العقيد لـ "الاستقلال"، إن "قاعدة التنف تشكل مصدر قلق لإيران في البادية السورية وعلى الحدود السورية العراقية وتحد من أهداف طهران كونها تقع على طوق الإمداد للمليشيات الإيرانية التي تتوزع هناك بما يحد من تحركاتها".

واعتبر الخبير العسكري أن "هناك خمس جهات يمكنها أن تقف خلف الهجوم على القاعدة الأميركية في التنف.

أولا إيران وحرسها الثوري عبر طائراتها المسيرة -من نوع مهاجر أو غزة أو صاعقة- التي تستطيع قطع مسافة 4 آلاف كيلو متر لبلوغ الهدف.

ثانيا المليشيات الإيرانية داخل سوريا التي زودتها طهران بالطائرات المسيرة والتي تستخدم المطارات السورية منطلقا لها كمطار الضمير بريف دمشق والشعيرات بريف حمص.

وتابع: "والثالث هو الحشد الشعبي العراقي الموجود على الأراضي العراقية، والرابع هو النظام السوري وروسيا وهو احتمال أقل، والخامس وهو المستبعد يتمثل بتنظيم الدولة الذي لا يملك الإمكانيات في الوقت الحالي".

واعتبر المحلل العسكري أن "إيران أرادت من القصف على قاعدة التنف التأكيد لواشنطن بأن المواجهة معها مفتوحة وأنها قادرة عبر طائراتها المسيرة ضرب أي هدف بسوريا".

مناورة عسكرية

وكانت إيران كشفت نهاية مايو/أيار 2021 النقاب عن طائرة بدون طيار محلية الصنع أطلقت عليها اسم "غزة"، وذلك "تكريما لكفاح الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي"، وفق قولها.

وعقب ذلك أكد قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، أن "إيران أصبحت لديها طائرات مسيرة يبلغ مداها 7000 كيلو متر"، وفق ما نقلت عنه وكالة تسنيم الإيرانية في 27 يونيو/ حزيران 2021.

وأوضحت الوكالة أن الطائرة قادرة على "حمل 13 قنبلة والتحليق على ارتفاع يزيد عن 10 آلاف متر بسرعة 350 كلم/س طوال 20 ساعة".

ووقتها علقت صحيفة "جيروزليم بوست" الإسرائيلية في تقرير لها نشر باليوم التالي لحديث "سلامي"، أن كشف إيران عن الطائرة المسيرة الجديدة، "يمثل تحديا كبيرا بالنسبة للولايات المتحدة وتحذيرا جليا لإسرائيل".

وأضافت الصحيفة أنه "حتى لو لم تحقق الطائرة بدون طيار مثل هذا المدى الطويل في رحلة حقيقية، فإن إيران ترسل رسالة تحذير مفادها أنها تستطيع ضرب إسرائيل بهذا السلاح".

ولعل هذا ما تقاطع مع كلام المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف، الذي ربط الهجوم على قاعدة التنف بقصف إسرائيل مواقع المليشيات الإيرانية في ريف حمص السورية انطلاقا من أجواء قاعدة التنف في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

يقول الشريف لـ "الاستقلال": "إن الهجوم على قاعدة التنف مرتبط بالقصف الذي تعرضت له مواقع المليشيات الإيرانية في تدمر شرق حمص في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وجاء من منطقة التنف.

بمعنى أن زاوية القصف الإسرائيلي كانت من مجال جوي جديد من جنوب سوريا بينما كان يجري عادة من البحر أو من لبنان.

لذا فإن استهداف التنف هو رسالة إيرانية لقدرتها على التصعيد على القاعدة مما يشكل مساحة جديدة لطهران للمناورة عسكريا في الرد على مصادر النيران، وفق الشريف.

وأضاف "ما كان ملاحظا هو أن القصف استهدف نقطتين فقط في القاعدة وهما منازل عائلات جيش مغاوير الثورة الذي تشرف عليه أميركا، ومعسكر تدريب لهؤلاء، ما يعني أن رسالة القاصف كانت موجهة لذراع واشنطن العسكري المحلي ولا سيما أن هذا الفصيل هو من يأمن الحماية للقاعدة ويجري دوريات حولها".

وأشار إلى أنه "في المرات السابقة كان يجري إسقاط هذه الطائرات المسيرة قبل دخولها إلى منطقة التنف العسكرية، وبالتالي غالبا فإن مليشيا حزب الله العراقية هي التي يرجح أنها نفذت الهجوم لأنها أطلقت تهديدات سابقا واعتبرت القوات الأميركية قوة احتلال وتوعدت قبل أشهر  باستهداف مصالحها لا سيما أنهم منتشرون على الحدود السورية العراقية".

وكانت وكالة "يونيوز" الإيرانية، نقلت في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021 عن قيادة ما تسمى "غرفة عمليات حلفاء سوريا" أنها "اتخذت قرارا بالرد القاسي على العدوان على تدمر".

وتضم الغرفة الحرس الثوري الإيراني” إلى جانب حزب الله اللبناني وفصائل عراقية ممولة إيرانيا.

وألمح المحلل في الشأن الإيراني، إلى أن "النظام السوري وإيران يعتبران قاعدة التنف حجر عثرة أمام أنشطة طهران العسكرية في سوريا وخاصة من ناحية طرق الإمداد".

وزاد بالقول: "واشنطن تحدثت صراحة في يونيو/حزيران 2018 عن أن تفكيك القاعدة مرهون بابتعاد جميع المليشيات الإيرانية من الحدود الأردنية ونشر نقاط للشرطة الروسية وتشكيل آلية أميركية - روسية للرقابة على التنفيذ".

وهذا لم يتحقق وخاصة أن المسافة المطروحة لابتعاد مليشيات إيران عن الحدود الأردنية هي 25 كيلو متر، وفق قوله.

 وذهب المحلل للقول: "طهران ماضية بكل ما أوتيت من قوة لإعادة فتح الطريق استكمالا لمشروعها الإستراتيجي بالربط البري من إيران مرورا بالعراق ثم سوريا وصولا إلى حزب الله في لبنان".

وربما القصف على قاعدة التنف يأتي أيضا ضمن رغبة إيران بتنشيط حركة التجارة من وإلى سوريا من جديد وخاصة أن مشاريع إيران بالبلاد عجلتها مرتبطة بتأمين الطرق البرية وهذا ما تعرقله واشنطن إلى الآن، كما قال.