قبل يوم واحد من مفاوضات إسطنبول.. لماذا هاجمت أوكرانيا عمق روسيا بشراسة؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة يني شفق التركية، الضوء على الهجوم الأوكراني الكبير على العمق الروسي، وذلك قبيل محادثات إسطنبول للسلام.

وفي الأول من يونيو/حزيران 2025، شنّت أوكرانيا هجوما جريئا بطائرات بدون طيار على القواعد الجوية الروسية، لتلحق أضرارا وتدمر طائرات عسكرية.

وأعلنت الاستخبارات الأوكرانية إصابة 41 طائرة روسية، بما في ذلك قاذفات إستراتيجية وطائرات استطلاع، على الرغم من أنه من غير الواضح عدد الطائرات التي أُخرجت تمامًا من الخدمة.

وقال الكاتب التركي “إبراهيم كاراجول”: في تطور خطير وغير مسبوق، تعرّضت روسيا خلال الأيام الماضية لهجمات واسعة بطائرات مسيّرة، استهدفت مواقع تمتد من حدودها مع منغوليا شرقا إلى بحر الشمال غربا، ومن محيط موسكو حتى مناطق قريبة من المحيط الهادئ. 

ولم تكن هذه مجرد ضربة عسكرية تقليدية، بل هزّة أمنية وإستراتيجية أصابت قلب روسيا، وأسفرت عن خسائر بمليارات الدولارات، ودمّرت قواعد ومعدات عسكرية تُعدّ من أكثرها سرية وتكلفة.

لكنّ السؤال الأبرز بالنسبة للكاتب: هل نفّذت أوكرانيا هذا الهجوم الضخم بمفردها؟ موضحا أنه "من الصعب تصديق ذلك؛ لأنّ حجم الهجوم ودقته وانتشاره الجغرافي يوحي باستخدام تقنيات متقدمة ودعم استخباراتي لا يمكن لدولة بمفردها توفيره في هذه الظروف". 

كما أن المؤشرات تدل على احتمال استخدام صواريخ بعيدة المدى إلى جانب الطائرات المسيّرة، مما يزيد من تعقيد المشهد ويضع علامات استفهام حول الأطراف الخفية التي قد تكون شاركت أو دعمت هذه العملية.

الحرب الحديثة

وأشار الكاتب إلى أن أكثر ما يكشفه هذا الهجوم هو أن ساحة الحرب خرجت من نطاقها الجغرافي التقليدي. فلم تعد المعارك تُخاض فقط في أراضي أوكرانيا، بل وصلت إلى العمق الروسي، إلى منشآت إستراتيجية تمثل رمزا لهيبة الدولة. 

وهذا التطور يعكس تحولا خطيرا في شكل الحرب؛ إذ باتت العواصم الكبرى مهددة، ولم يعد أحد بمنأى عن التصعيد. وواصل القول: "لم تعد الحرب اليوم كما كانت في السابق، وتغيرت خريطتها ومفاهيمها بالكامل".

ففي الماضي، كان بالإمكان خوض الحرب على حدود الدولة مع محاولة الحفاظ على أمن الداخل، أما اليوم، فلم تعد هناك خطوط خلفية.

فالعدو قادر على الوصول إلى قلب العواصم، وربما إلى أكثر المواقع حراسة عبر أدوات بسيطة وخفيفة، لا تكلف كثيرا، ولكنها تترك أثرا مدمرا.

وبين أن أدوات تبلغ قيمتها عشرات الدولارات تُدمّر معدات حربية تساوي ملايين، وطائرات صغيرة تُنتَج في الورش تفتك بسفن ضخمة، وغواصات ومقرات قيادة متطورة.

ولفت إلى أنّ هذه التحولات لا تعيد فقط تشكيل ساحات المعارك، بل أيضا صياغة مفاهيم الأمن القومي، والدفاع، والسيادة. 

ولفت إلى أنه إذا استمر هذا النمط من التصعيد، فقد نشهد قريبا توسعا في رقعة الحرب ليشمل مناطق أخرى من أوروبا، بل وربما يتجاوزها نحو صدام أميركي-صيني محتمل في المحيط الهادئ. 

وتابع: "أصبح من المقبول وإن لم يُعترف به علنا أننا أقرب ما نكون من اندلاع حرب عالمية جديدة، وقد لا تكون خالية من البعد النووي".

بل إن ما يزيد من خطورة الموقف هو أن العالم يبدو كأنه يرفض رؤية ما يحدث. فهناك حالة من التراخي السياسي والإعلامي، وكأن البشرية لا تريد أن تصدق أنها تقترب من حافة الهاوية، وهذا الإنكار هو في حد ذاته عامل مفاقم للخطر، وفق تعبيره.

وأردف الكاتب: استهدفت أوكرانيا أربع قواعد جوية وقاعدة بحرية روسية، وأسفرت عن تدمير نحو خمسين طائرة حربية، بالإضافة إلى توجيه ضربة قاسية إلى منشآت نووية إستراتيجية في عمق الأراضي الروسية. 

لذلك فإنّ هذا الهجوم شكّل نقطة تحوّل خطيرة في طبيعة الحرب وحدودها الجغرافية، وفق تقديره.

السلام على المحك

وما يزيد من حدة هذا المشهد، هو التوقيت فالهجوم جاء قبل يوم واحد من اجتماع إسطنبول للسلام. 

ففي وقت بدأت فيه الآمال الدولية تتجدّد لإحياء المفاوضات، وفي ظل تصريحات مشجعة من الطرفين، جاء هذا الهجوم ليُربك المشهد. 

فهل كان الهدف الضغط على روسيا لإجبارها على تقديم تنازلات وفرض وقائع على طاولة المفاوضات؟ أم أنه تمهيد لمرحلة تصعيد لا عودة منها؟

ويجيب الكاتب أن للأمر حسابات أعمق، وربما رسائل مرسلة إلى أطراف دولية أكثر من كونها موجهة فقط إلى موسكو، يقول الكاتب.

فالهجمات الأخيرة أظهرت أن أوكرانيا، وربما بدعم خارجي، قادرة على تنفيذ عمليات في عمق 3500 كيلومتر داخل روسيا؛ إذ جرى قصف مقر أسطول الشمال في "سيفيرومورسك"، في رسالة إستراتيجية بالغة الخطورة، خاصة إذا ما ترافقت مع الجمود في مسار المفاوضات.

وهنا تبرز معضلة حقيقية: إذا لم تسفر محادثات إسطنبول عن تقدم ملموس، فإن هذه الهجمات قد تكون شرارة لرسم خريطة حرب أوروبية شاملة، لا تقتصر على أوكرانيا وروسيا فحسب، بل تمتد إلى عواصم أوروبا الغربية نفسها، وفق تقديره.

وفي الثاني من يونيو، استضافت إسطنبول جولة مفاوضات ثانية روسية أوكرانية لإنهاء الحرب المستمرة منذ 2022، واتفق الطرفان على المضي قدما في تبادل الأسرى، وقدم الجانب الروسي مذكرة تتضمن رؤيته لوقف إطلاق النار.

وفي اليوم التالي، توقع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، انعقاد جولة جديدة من المفاوضات الرامية إلى تحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا.

في هذا السياق، تُسَلَّط الأضواء على الدور الألماني المتزايد. فقد وقّعت ألمانيا وأوكرانيا اتفاقية عسكرية بقيمة 5 مليارات يورو، تضمنت تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى. 

وقد رأت موسكو أن هذه الخطوة بمثابة "دخول مباشر" لبرلين في الحرب. وبذلك يبرز احتمال مقلق: ماذا لو استُخدمت بعض هذه الصواريخ في الهجمات الأخيرة على الأراضي الروسية؟ 

وهل يمكن أن ترد روسيا باستهداف ألمانيا أو بريطانيا؟ هل تفكر أوروبا أصلاً بإمكانية أن تتعرض عواصمها لصواريخ شبيهة بتلك التي تتساقط على كييف؟

هذه الأسئلة لم تعد مجرد خيال، بل جزءاً من سيناريوهات واقعية في حال انزلاق الوضع نحو مواجهة أوسع، وفق الكاتب.

حرب بالوكالة

ووراء هذا المشهد المعقد يلوح تحليل أعمق، وهو أن الحرب من الأساس لم تكن فقط بين روسيا وأوكرانيا، بل كانت صراعا جيوسياسيا أوسع بين روسيا وبريطانيا.

وقال الكاتب: إن أوكرانيا اختيرت لتكون ساحة لهذا الصراع، وربما "ضحية ضرورية". ولو لم تكفِ أوكرانيا، لربما تم الدفع بدول أخرى من شرق أوروبا إلى الواجهة.

واستدرك: بينما تحاول تركيا مجددا إعادة الأطراف إلى طاولة السلام في إسطنبول، تتكشّف خفايا معقدة تُشير إلى أن الصراع تجاوز الحدود الأوكرانية الروسية، ليُصبح ساحة صراع إستراتيجي بين الغرب وروسيا، بل وربما نواة لحرب عالمية ثالثة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تُبادر فيها تركيا لجمع روسيا وأوكرانيا على طاولة مفاوضات. فقد سبق أن توصل الطرفان إلى اتفاق في قصر "دولمة بهتشة" برعاية تركية.

 إلا أن دوائر نافذة في بريطانيا والإدارة الأميركية آنذاك أفشلت الاتفاق، وضغطت على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإلغائه. 

واليوم، ومع عودة المحاولة مجدداً في إسطنبول، تلوح نفس المؤشرات: أوروبا لا تريد السلام، وفق الكاتب.

وتابع: زيلينسكي، الذي يدير حرباً بالوكالة لصالح الغرب، يجد نفسه غير قادر على مواجهة الضغوط الغربية رغم الخسائر الكارثية التي تكبدتها بلاده. ولفت إلى أنه “لا أحد يريد السلام ما دامت هناك مكاسب جيوستراتيجية في الأفق”.

وذكر أن التحركات الأوروبية، تشير إلى أن هدف الحرب لم يعد مجرد دعم أوكرانيا، بل التغلغل في العمق الروسي للوصول إلى موارده الهائلة. 

فمن منظورها، تجد أوروبا أن مستقبلها يعتمد على هذه الموارد؛ فالطاقة والمعادن والغذاء، كلها عناصر حيوية لبقاء النموذج الأوروبي.

ومن هذا المنطلق لم يعد السلام خيارا، بل يُنظر إلى استمرار الحرب كأداة استثمار إستراتيجي يضمن الهيمنة والطاقة، بينما تلوح روسيا من جهتها بأن أي هجوم على أراضيها سيقابل برد نووي. 

ومع تكثيف الغرب لتزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية متقدمة، فإن الهدف غير المعلن هو دفع موسكو إلى ارتكاب "الخطأ النووي" الذي يُبرر تصعيدا عالميا أوسع.

وقال الكاتب: “أصبحنا نعيش في عالم جديد. وكل جهود السلام التي ننفذها اليوم، ليست إلا محاولات لتأجيل الكارثة، لا لمنعها، ولعلنا نأمل بشيء واحد فقط: أن نكون قد أخطأنا في تقدير كل هذا”.