التحكم بمنصب الرئيس وتشريع السلاح.. أهداف حزب الله من التصعيد مع إسرائيل

إسماعيل يوسف | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بعد 17 عاما على آخر حرب بين حزب الله وإسرائيل عام 2006، تشهد المنطقة الحدودية في جنوب لبنان توترات حادة متتالية بين الطرفين تنذر بحدوث مواجهة جديدة.

أهمها تمثل في اتهام تل أبيب لحزب الله بنصب خيام لعناصره داخل منطقة "مزارع شبعا" المحتلة، التي تعدها إسرائيل جزءا لا يتجزأ من "أراضيها السيادية"، وفق زعمها.

كبار المسؤولين في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية عددوا، في التقدير السنوي الأخير، ثلاثة أسباب أساسية لتوقع زيادة احتمال اندلاع حرب في جنوب لبنان، كما أوضح المحلل "يوسي يهوشواع" في صحيفة "يديعوت أحرونوت" 10 يوليو/تموز 2023.

السبب الأول هو ما تعده إيران وحزب الله ضعفا أميركيا في المنطقة وتراجعا واضحا في تدخل الولايات المتحدة.

والثاني الأزمة بين واشنطن وحكومة تل أبيب، حيث تتهمها بأنها الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل وتنتقد سياساتها.

والثالث هو الانقسام الداخلي الخطير في المجتمع الإسرائيلي على خلفية الانقلاب القضائي الذي يستهدف تقليص صلاحيات المحاكم في مواجهة الحكومة، والذي أدخل جيش الاحتلال في دوامة.

ويحاول حزب الله استغلال الأزمات الداخلية في إسرائيل لتحقيق أهدافه. ويرى لبنانيون سببا رابعا أهم، هو زرع عناصر الحزب متفجرات وتارة أخرى خياما مموهة في منطقة الحدود يقيم بها جنوده.

مكاسب متعددة

يعتقد محللون لبنانيون أن لحزب الله أهدافا داخلية أخرى في الساحة اللبنانية وراء تصعيده مع إسرائيل، أو هو يحاول الاستفادة من التصعيد مع الاحتلال، بصفته مدافعا عن حدود لبنان، لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.

يرون أن استمرار شغور منصب رئيس الدولة، بسبب الصراعات بين الأطراف السياسية في البلاد، لا يقلق حزب الله مثل بقية القوى اللبنانية.

فهذا الوضع يجعل تحكم حزب الله في تعيين رئيس الدولة "المسيحي الماروني" وفق التقسيم الطائفي في الدستور، يستمر.

كما أن تقديم الحزب نفسه مدافعا عن أراضي لبنان يستغله مقاتلو حزب الله أيضا في تثبيت أمر واقع على الأرض، مثل "شرعية سلاح المقاومة"، واستمرار المظاهر المسلحة في لبنان وتحول الحزب لظهير للجيش اللبناني لا يمكنه العمل بدونه.

وقال الشيخ صادق النابلسي المحسوب على حزب الله، لقناة "الجديد" اللبنانية 6 يوليو 2023 إن حل أزمة رئاسة الجمهورية سيكون عبر افتعال حرب مع إسرائيل.

تابع: "إذا لم نستطع بالحوار التوصل إلى صيغة معينة لرئاسة الجمهورية قد تكون الحرب مع إسرائيل أفضل وسيلة". ويعني قوله ضمنا إن أزمة الرئاسة، وسيلة مفتعلة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية لحزب الله.

لذا يرى الكاتب "خير الله خير الله" أنه "لا فارق لدى حزب الله، الذي ليس سوى لواء في الحرس الثوري الإيراني، بين وجود لبنان وعدم وجوده، ولا فارق بين وجود رئيس للجمهورية أو عدم وجوده وأن الحزب يمارس لعبة الوقت إلى ما لا نهاية".

أوضح في مقال بموقع "أساس ميديا" اللبناني 22 يونيو/حزيران 2023 أن حزب الله يرى لبنان ورقة إيرانية ليس إلا.

وبين أن الحزب يصلح لإطلاق صواريخ في اتجاه إسرائيل أو توجيه رسائل ود إيرانية إلى واشنطن من نوع رسالة السماح بترسيم الحدود البحرية بين بيروت وتل أبيب.

وقد رأى المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية "رون بن يشاي" أن الخطوات التي ينفذها حزب الله على الحدود لها علاقة بأزمة لبنان الداخلية أيضا، بجانب فقدان الردع الإسرائيلي بسبب الأزمة السياسية والاجتماعية هناك.

قال في 13 يوليو 2023 إن "الاستفزازات التي بدأها حزب الله على طول الحدود اللبنانية لها أهداف عسكرية.

كما أن "نصر الله لديه مصلحة، استنادا إلى المأزق السياسي والأزمة الاقتصادية في لبنان في بضعة أيام من المعركة مع جيش إسرائيل من أجل تحسين مكانته في الساحة اللبنانية، وفقا للتقديرات الإسرائيلية".

أيضا أكد مسؤول أمنى إسرائيلي لموقع واللا الإخباري 10 يوليو 2023 أن "لبنان يواجه أزمة اقتصادية خطيرة تترافق مع فراغ في السلطة، وحزب الله (وإيران) يسعيان إلى توسيع سيطرتهما على البلد". 

وتقول مصادر دبلوماسية مصرية لـ "الاستقلال" إن أوساطا لبنانية وأميركية وفرنسية طالبت دولا عربية خصوصا مصر وقطر بالتدخل لوقف التصعيد بين حزب الله وإسرائيل وإقناع الأول بالتراجع وإبعاد خيامه من المنطقة الحدودية منعا لاندلاع حرب.

أوضحت أن رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل زار لبنان وتحدث مع مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا، لكن الحزب ربط انسحابه باستعادة أراضي لبنان التي تحتلها إسرائيل.

وأكد هذا الموقف الرسمي الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله، في 12 يوليو 2023، في كلمة تلفزيونية بمناسبة ذكرى اندلاع حرب 2006 مع إسرائيل.

وقال نصر الله: "لا بد من تكامل الجهود بين الدولة والمقاومة وبمساندة من الشعب اللبناني، لكي نستعيد أرضنا المحتلة في قرية الغجر (جنوب لبنان)".

ويقول الصحفي اللبناني إبراهيم ريحان إن الحل المطروح لقضية الخيمتين حالياً هو أن يفك الجيش الإسرائيلي السياج الذي بناه حول القسم الشمالي لبلدة الغجر مقابل أن يفك حزب الله الخيمتين.

وإذا قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بهذا الحل سيكون خرج بهزيمة سياسية أمام حلفائه باليمين (الغجر بالكامل ضمن الجولان) والمعارضة الإسرائيلية، أما إذا رفض فستستمر مناوشات حزب الله وقد تواجه تل أبيب حربا تستمر أياما طويلة.

قال إن ما يجري في جنوب لبنان يندرج في إطار محاولات حزب الله لربط مجموعة مسارات ببعضها، أبرزها حديث الحزب المستمر عن مسألة توحيد جبهات المقاومة بين لبنان وسوريا وغزة.

ويدور التفاوض بشأن الحل السلمي حول تقسيم مزارع شبعا إلى أربعة أقسام بالتساوي بين لبنان وسوريا والجانب الإسرائيلي، أما المساحة الباقية فتوضع تحت رعاية الأمم المتحدة وقوات طوارئ دولية. لكن هذا الحل قد يقابل برفض متطرفي حكومة نتنياهو وأيضا حزب الله.

وكانت القناة 12 العبرية قالت في 10 يوليو 2023 إن الولايات المتحدة قدمت لإسرائيل اقتراحاً لحل دبلوماسي لقضية الخيام التي أقامها حزب الله عند الحدود، بحيث يزيلها الحزب وتوقف إسرائيل بناء الجدار في قرية الغجر.

الحرب قادمة؟

"تحتل إسرائيل "الشطر الشمالي لقرية الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا نقطة الـ B1 ورأس الناقورة" منذ عدوان 1967، بحسب رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري.

وفي الأسبوع الأول من يونيو 2023، وضعت قوات الاحتلال سياجا حدوديا حول الجزء الذي تحتله في قرية كفرشوبا، واشتبك معها مزارعون لبنانيون وخربوا الجدار.

 وتحرك الجيش اللبناني واتخذ وضع الاستعداد، حين عاد الاحتلال بجرافات، وتوترت الحدود. والمحاولات الإسرائيلية قديمة وجيشها يحاول منذ فبراير/شباط 2018 إنشاء جدار على الحدود.

ومنذ ذلك الحين أصدر الجيش اللبناني أوامره بالتصدي لإنشاء إسرائيل الجدار وأعلن أنه سيمنعه، وكانت مفارقة رؤية جنود لبنان يوجهون "أر.بي.جي" تجاه قوات الاحتلال.

لكن منذ حدوث تسلسل مسلح من لبنان في مارس/آذار 2023 وزرع عبوة ناسفة في مفترق "مجيدو"، زادت قوات الاحتلال سد الثغرات على الحدود بما تسميه "نشاطا هندسيا" في صورة بناء حاجز إسمنتي طويل مع أنظمة مراقبة متطورة بدل السياج السلكي.

وقد صعد حزب الله مع الاحتلال بنصب خيمتين في المنطقة الحدودية، بعدما وضعت إسرائيل سياجا تضم بموجبه أيضا قرية الغجر رسميا، ما أثار توترات وأجواء حرب.

مسؤول أمني إسرائيلي كبير قال للقناة 12 العبرية 10 يوليو 2023: إن "التقديرات تشير إلى أن حزب الله مستعد للمخاطرة بخوض جولة من القتال ضد إسرائيل تستمر عدة أيام بل جاهز لتطور الأمر لحرب شاملة".

موقع "واللاه" الإسرائيلي أكد 12 يوليو 2023 أن "خطأ واحدا على الحدود يمكن أن يؤدي إلى حرب مع حزب الله".

أوضح أن حزب الله أطلق في الأشهر الأخيرة سلسلة من الاستفزازات بهدف تخريب السياج الحدودي، وجاءت الذروة مع نصب الخيام التي أصبحت ثكنة عسكرية على أراض ذات "سيطرة إسرائيلية" في منطقة مزارع شبعا، وفق زعمه.

اعترف أن الخيام لا تشكل تهديدا لإسرائيل، ولكنها أحرجت حكومة وجيش الاحتلال لعدم رده بإزالة الخيام بالقوة، ما زاد من تآكل قوة الردع الإسرائيلية.

 وزاد حزب الله من وتيرة بناء مواقعه العسكرية بالقرب من الحدود، ومعظمها تحت ستار المنظمات البيئية، كما حسّن من قدراته الصاروخية في المدى والنطاق والفتك والدقة، بما يسمح بإلحاق الضرر بالمنشآت الإستراتيجية والبنى التحتية الحساسة ورموز الحكم، وفق صحف عبرية.

وجاءت تحركات "حزب الله" بعدما قال في بيان إن إسرائيل أنشأت "سياجا شائكا وبنت جدارا إسمنتيا حول كامل القرية"، مما أدى إلى "فصلها عن محيطها الطبيعي التاريخي داخل الأراضي اللبنانية وفرضت عليها سلطتها".

ورأى الحزب اللبناني أن الإجراءات الإسرائيلية "احتلال كامل للقسم اللبناني من الغجر بقوة السلاح وفرض الأمر الواقع"، ودعا "الدولة بمؤسساتها كافة والشعب إلى التحرك لمنع تثبيت هذا الاحتلال".

بالمقابل، اتهمت صحف وجهات استخبارية صهيونية حكومة نتنياهو الحالية بالخوف من دخول مواجهة مع حزب الله يصعب التحكم في حجمها ومدى اتساعها.

ونقلت قناة "كان" الرسمية عن مصادر في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" انتقادها الشديد لسلوك حكومة نتنياهو، وتحذيرها من أنه سيغري حزب الله بالمزيد من الاستفزازات مما سيجعل قوة الردع الإسرائيلية في الحضيض.

قالوا إن حكومة نتنياهو رغم أنها يمنية متشددة جبُنت عن مواجهة جملة من مظاهر التحدي التي أبداها حزب الله أخيرا، مثل سماحه بإطلاق الصواريخ وقذائف المدفعية صوب المستوطنات الواقعة في شمال فلسطين.

بخلاف استفزازات أخرى، مثل بناء الخيام، وآخرها اقتحام عناصر الحزب وجنود الجيش اللبناني الحدود ومكوثهم لبعض الوقت داخلها لمنع الاحتلال من تثبيت السياج الحدودي.

أيضا قالت صحيفة "معاريف" 6 يوليو 2023 "إن إقامة حزب الله خيمة داخل أراضي دولة إسرائيل على بُعد عشرات الأمتار من خط الحدود مؤشر آخر على التراجع المستمر في قدرة الردع لدى الجيش الإسرائيلي".

وحذر معهد دراسات الأمن القومي في يوليو 2023 من أن إسرائيل لا يمكنها الاكتفاء باتصالات دبلوماسية لإخلاء المواقع التي أنشأها حزب الله وأنه يتعين عليها التحرك، حتى لو شكل هذا خطرا في اندلاع مواجهة.

وندد الخبراء، برئاسة رئيس جهاز الأمن القومي السابق اللواء المتقاعد تامر هيمان، بـ "تآكل الردع الإسرائيلي"، ونسبوه إلى "الانقسامات الداخلية التي تبعث برسالة ضعف".

وكان أبرز نقد إسرائيلي داخلي إزاء التردد عن رد تحركات حزب الله، هو ما قاله المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي العميد "رونين ميناليس": حيث قال إن "إسرائيل تحاول ردع جنين بينما هي في الحقيقة مردوعة من حزب الله".

لهذا يخشونها

لكن صحف وتحليلات عبرية تشير بالمقابل أن تفادي مواجهة مع حزب الله خطوة ترتبط بجملة حقائق عسكرية لا يمكن إغفالها.

فالترسانة الصاروخية لحزب الله، التي ترجح التقديرات العسكرية في تل أبيب أنها تتجاوز 100 ألف صاروخ، تمتاز بمداها الكبير وتغطي كل مساحة فلسطين التاريخية.

والكثير من هذه الصواريخ بها رؤوس تفجيرية كبيرة، يصل وزن بعضها إلى طن أو نصف طن، مما يعني أن سقوطها في العمق الإسرائيلي سيقترن بإحداث دمار كبير.

والأخطر أن قدرة ترسانة حزب الله الصاروخية على إصابة أهدافها إصابة دقيقة، تعني هذه المرة أن مرافق عسكرية وحيوية ستكون عرضة للخطر بما في ذلك القواعد العسكرية التي تنطلق منها الطائرات التي سترد على هجوم الحزب.

أيضا حسّن حزب الله نظام دفاعه الجوي بمساعدة إيران وسوريا ونطاق وأعداد الطائرات بدون طيار التي لا تعرف فقط جمع المعلومات الاستخبارية ولكن تعرف أيضا الهجوم، وفق موقع "واللاه".

وبحسب تقديرات إسرائيلية، فإن حزب الله مستعد في حالة الحرب لإطلاق نحو 4000 صاروخ في اليوم في المرحلة الأولى، وأنه "في عام 2023 أقوى وأكبر مما كان عليه عام 2006".

ولن يقتصر ذلك على أهداف عسكرية بل وبنى تحتية مدنية حساسة وحيوية، مثل المطارات الحربية والمدنية، ومحطات توليد الكهرباء ومنصات استخراج الغاز، ومرافق تحلية المياه، ومواقع سيادية ذات قيمة رمزية، مثل مبنى وزارة الجيش وغيرها.

ما يزيد من رعب حكومة نتنياهو التي انشغلت بتحصين نفسها ضد القضاء بتمرير تعديلات أثارت غضبا شعبيا، إعلان طياري الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي تأييدهم للتوقف عن الخدمة العسكرية ردا على مواصلة حكومته تنفيذ خطة "التعديلات القضائية".

إذ إن سلاح الجو هو القوة الضاربة لإسرائيل وعملياته تعتمد بشكل أساس على خدمة طياري الاحتياط وليس الطيارين في الخدمة النظامية، كما يقول المحلل الفلسطيني صالح النعامي عبر تويتر.

وتنفيذ طياري الاحتياط تهديدهم يعني شل جيش الاحتلال في وقت تتقاذف الكيان الصهيوني تحديات غير مسبوقة، لذا فهو يخشى تحميله المسؤولية عن خسارة إسرائيل أي مواجهة عسكرية مستقبلية.

ورغم أن إسرائيل حاولت الرد بعد هذه الاتهامات لحكومة نتنياهو، فإن جيش الاحتلال حرص على القول إنه استخدم "سلاحا غير قاتل" لإبعاد "عدد من المشتبه بهم" الذين يحاولون تدمير السياج الأمني ​​مع لبنان شمالا، وفق تعبيره.

لكن إصابة عدد من أعضاء حزب الله اللبنانية في 12 يوليو 2023 حين أطلقت إسرائيل قذيفة "غير مميتة" عبر الحدود الجنوبية أثار قلقا من اندلاع حرب بعدما كشف مصدران أمنيان لبنانيان ومصدر مطلع لوكالة "رويترز" البريطانية هذه الإصابات.

ووقع الحادث في الذكرى السابعة عشر لحرب يوليو 2006 بين حزب الله وإسرائيل والتي أسفرت عن مقتل 1200 شخص في لبنان، معظمهم من المدنيين، ونحو 160 عسكريا إسرائيليًا.