يصرون على إجراء استفتاء.. ما مستقبل التوتر بين سنة إيران ونظام الملالي؟

رمضان بورصة | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تعد محافظة سيستان وبلوشستان جنوبي إيران حيث يعيش معظم السكان السنة، من أفقر المناطق في إيران.

ويعتقد سكان سيستان وبلوشستان، الذين يعانون من مشاكل عسيرة الحل مثل البطالة والفقر ونقص المياه، أنهم مهمشون من قبل النظام في إيران.

وبينما يشتكي السنة من عدم تمكنهم من شغل مناصب كافية في الدولة، فإنهم يتعرضون من ناحية أخرى، خاصة في سيستان وبلوشستان، لهجمات متكررة من قبل القوميين الفارسيين.

ويعد رواد مسجد مكي في زاهدان عاصمة المحافظة وخطيب الجمعة به مولوي عبد الحميد إسماعيل زهي، وهو من أبرز زعماء أهل السنة في إيران، أول من وقعوا في قلب القمع والهجمات.

ويخرج المتظاهرون هناك منذ سبتمبر/ أيلول 2022، إلى الشوارع احتجاجا على النظام الإيراني، ورفضا للقمع، بعد مقتل الشابة مهسا أميني في مركز لشرطة الأخلاق.

وفي 30 سبتمبر 2022، وبعد خطبة ألقاها عبد الحميد، خرج المتظاهرون إلى الشوارع، وفتحت عليهم قوات الأمن النار، وأوقعت بينهم عشرات القتلى في ما عرف باسم "الجمعة الدامية"، ووقعت حوادث مشابهة بين قوات الأمن والمصلين في الشهور التالية.

ووصل الأمر في 17 فبراير/ شباط 2023، إلى تجديد مولوي عبد الحميد إسماعيل زاهي، دعوته إلى إجراء استفتاء عام، قائلا: "يجب الخضوع لرأي الشعب حتى إذا اختار نظاما علمانيا، فلا تكون فيه المؤسسات الدينية هي صاحبة القرار".

ورجع ليشدد في 23 يونيو/ حزيران 2023، على أن "الشعب الإيراني لن يتوقف عن المطالبة بالحرية والعدالة".

ويُقدر عدد السكان السنة في إيران بين 15 و20 ميلونا من أصل نحو 88 مليونا، وفق إحصاءات غير رسمية.

توتر كبير

بعد أسابيع قليلة من المظاهرات التي بدأت بعد مقتل مهسا إميني، لقي أكثر من 40 شخصا حتفهم في سيستان وبلوشستان، والتي كانت بالفعل قنبلة جاهزة للانفجار.

ونفذت قوات الأمن هناك هجوما مسلحا على المصلين السنة الذين خرجوا من المسجد بعد صلاة الجمعة في 30 سبتمبر 2022، وأصيب أكثر من 1000 شخص.

مع هذا الهجوم، قام أهالي زاهدان، الذين ظلوا تحت الضغط لسنوات عديدة وتعرضوا لهجوم من قبل القوميين الفرس خلال عام 2022، بالتمرد وتنظيم احتجاجات دامت أسابيع.

ومن 30 سبتمبر 2022 حتى يومنا، تنظم احتجاجات بين الفينة والأخرى في زاهدان ومدن أخرى في سيستان وبلوشستان، كما تُنظم احتجاجات ضد نظام الثورة الإسلامية في إيران.

وقد أدى هجوم قوات الأمن الإيرانية على المسلمين السنة بعد صلاة الجمعة إلى تعميق الخلاف بين السنة في سيستان وبلوشستان وبين الحكومة الإيرانية.

وبدلا من اتخاذ خطوات لإرضاء الشعب بعد تصاعد الأحداث، فضل النظام الإيراني الضغط على شخصيات بارزة في المنطقة، وخاصة مولوي عبد الحميد.

حيث أعلن حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني، أن الحرس الثوري سينتقم للقتلى من الجنود والمدنيين، لكنه لم يذكر عناصر الأمن الذين أطلقوا الرصاص على الأهالي، ما أدى إلى حدوث ردود فعل في المنطقة.

ومع تصاعد الأحداث، أرسل المرشد الإيراني آية الله خامنئي وفدا، برئاسة حجة الإسلام محمد جواد حاج علي أكبري، إلى المنطقة للقاء مولوي عبد الحميد ووجهاء آخرين.

وقال مولوي عبد الحميد، خلال لقائه مع محمد جواد أكبري وعلماء السنة في مدينة زاهدان، إن "شباب السنة لم يكن لديهم نية مداهمة المخفر، وإن العصابات والتنظيمات الإرهابية لم تشارك في التظاهرات"، كما أكد أن مزاعم مسؤولي الدولة في هذا الاتجاه لا تعكس الحقيقة.

وبدءا من بداية عام 2023، زاد النظام الإيراني من هجماته على أهل السنة في سيستان وبلوشستان. 

ففي يناير/ كانون الثاني 2023، اعتقل عبد المجيد مراد زهي، كبير المستشارين وقريب الإمام مولوي عبد الحميد.

واتُهم مراد زهي، الذي اعتقل بقرار من المحكمة، بالاتصال بالعديد من الأجانب ووسائل الإعلام وتضليل الجمهور.

ثم وُسع نطاق الاعتقالات وبدأت الحكومة اعتقال العلماء الذين يعيشون في إقليم كردستان الإيراني. 

حيث اعتقل ماموستا لقمان إميني، الإمام في مسجد شهريار النبي في مدينة سنندج، وماموستا إبراهيم كريمي.

وكان ماموستا لقمان إميني وماموستا إبراهيم كريمي من بين الأسماء التي أيدت المظاهرات التي بدأت بعد وفاة الطالبية مهسا أميني.

هجمات القوميين

مع صعود طالبان إلى الحكم في أفغانستان في أغسطس/ آب 2021، زادت الجماعات القومية الفارسية في إيران من ضغطها على جماعة مسجد مكي، وإمامه مولوي عبد الحميد.

أرادت الجماعات القومية الفارسية أن تمارس الدولة الإيرانية ضغوطا على مسجد "مكي"، من خلال ربط الأنشطة الدينية والعلمية للمسجد في سيستان وبلوشستان بصعود طالبان إلى السلطة في أفغانستان.

وعدت هذه الجماعات تصريحات شخصيات بارزة من رواد مسجد مكي، والتي تدعم وصول طالبان إلى السلطة، بمثابة تجربة لمدى الضغط الذي يمكن أن تمارسه على إيران.

وتدعي أن مطالبة مولوي عبد الحميد بتعيين المواطنين السنة في مناصب عليا، هي محاولة لخلق تمرد داخلي من خلالهم.

وتلقي الجماعات القومية باللوم على مسجد مكي ومولوي عبد الحميد في الاشتباكات التي وقعت قوات الأمن الإيرانية على الحدود بين إيران وباكستان.

وزادت الجماعات الفارسية من ضغوطها وهجماتها على المسجد، من خلال الاستشهاد بمنشورات بعض المجلات والمواقع الإلكترونية المقربة من طالبان في أفغانستان حول "مكي".

وطالبت الدولة بالتدخل ضد حركة "مكي" بذريعة انضمام بعض الأفغان إلى حركة طالبان بعد أن تلقوا تعليمهم في مدرسة دار العلوم التابعة لمسجد مكي في زاهدان.

سنيون مجهولو الهوية

واحدة من أهم القضايا الأساسية التي يتجنب النظام الإيراني الحديث عنها هي مشكلة المسلمين السنة مجهولي الهوية الذين يعيشون في سيستان وبلوشستان.

فلا تمنح الدولة الإيرانية بطاقات هوية لآلاف الأشخاص الذين ولدوا في محافظة سيستان وبلوشستان ويعيشون فيها.

وعلى الرغم من عدم وجود أعداد واضحة، يعيش حوالي 100 ألف شخص بدون بطاقة هوية في بلوشستان. 

وهناك الآلاف من المسلمين السنة البلوش الذين تتراوح أعمارهم بين 40-50 سنة وليس لديهم هوية، وبالتالي لا يستطيعون الاستفادة من حقوق المواطنة، مثل التعليم والتصويت.

ومن المعروف أن الأطفال حديثي الولادة يحصلون على بطاقات هوية (جزئيا). 

ولكن هؤلاء السنة مجهولو الهوية لا يتم حسابهم ضمن التعداد السكاني.

ومن وقت لآخر، ينظم هؤلاء احتجاجات مع لافتات مكتوب عليها "ليس لدي هوية" من أجل إيصال أصواتهم واحتجاجهم للحكومة الإيرانية، لكن المشكلة لم تُحل بعد.

وكل هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المستمرة منذ سنوات، وكذلك مشكلة الهوية أضعفت روابط سكان المنطقة مع إيران وغذت الطائفية والعرقية.

مطالبة باستفتاء

كل هذه الأمور دفعت مولوي عبد الحميد إلى الدعوة إلى إجراء استفتاء في خطبة الجمعة في 17 فبراير 2023.

حيث خاطب عبد الحميد، في خطبة الجمعة التي ألقاها أمام آلاف الأشخاص، الحكومة الإيرانية قائلا إن "المسلمين السنة لا يستطيعون الوصول إلى مناصب مهمة في البلاد".

وأضاف أن النظام منع السنة من الصعود في هيكل الدولة ومناصبها الإدارية والتنفيذية، وأنه يجب حل هذه المشكلة. 

وتابع: "هناك شكاوى كثيرة حول وزارة التربية والتعليم تتعلق بالمسلمين السنة. لقد كتبت رسالة إلى الرئيس حول هذا الموضوع، ولكن لا يوجد حتى الآن أي حل".

ومضى عبد الحميد يقول: "كنا نأمل أن تأخذ عناصر مختلفة الأعراق والمذاهب مكانا في إدارة الدولة، ولكن لم يحدث شيء مثل هذا حتى الآن. ولم يتم تعيين حتى مدير من البلوش في وزارة التربية والتعليم. هناك أشخاص مؤهلون في مجتمعنا وليس من العدل استبعادهم".

مولوي عبد الحميد، الذي قال إن هناك خلافات كبيرة بين الشعب والدولة، خلص إلى أن "العلاقة بينهما وصلت إلى طريق مسدود وأن الحل الوحيد هو الاستفتاء".

وفي 23 يونيو/ حزيران 2023، قال عبد الحميد، في خطبة الجمعة، مشيرًا إلى عدم تقبل النظام الإيراني للنقد إنه "حينما ينتقد شخص ما الحكومة، حتى لو كان عضوا في البرلمان الإيراني، فإن جماعات الضغط تتصل به".

كما شدد على أن الشعب الإيراني لن يتوقف عن المطالبة بالحرية والعدالة.

وكان لافتا انقطاع إنترنت زاهدان في 23 يونيو، بالتزامن مع خطبة عبد الحميد.