حكومة الجزائر تفرض حصارا قانونيا على "العمل النقابي".. هل يرضى الشعب؟

مرحلة جديدة دخلها العمل النقابي في الجزائر، بعد إقرار البرلمان على مسودة قانون تضمنت بنودا وُصفت بأنها "نكوص وتراجع وتضييق على ممارسة الحق النقابي".
وترى هيئات نقابية أن هذا القانون هو مصادرة حقوق دستورية، ومخالفة للاتفاقيات الدولية، خاصة ما يتعلق بحقوق المعارضة.
فيما يرى سياسيون أن تمرير القانون هو تقييد للحريات وتكبيل دور النواب في التشريع والرقابة، بعد رفض جُل التعديلات والمقترحات التي تقدم بها برلمانيون.
جدل لافت
وفي 7 مارس/ آذار 2023، أقر "المجلس الشعبي الوطني" في الجزائر قانونا ينص على منع تولّي الناشطين النقابيين، لأي مناصب قيادية في الأحزاب السياسية.
كما يستوجب القانون بلوغ نسبة معيّنة من التمثيل كحدّ أدنى لإنشاء تنظيم نقابي، فضلا عن منحه صلاحيات واسعة للسلطات الحكومية في مراقبة الشأن المالي لأي نقابة معترف بها وتنشط في الساحة العمالية.
وأثار القانون جدلا واسعا في البلاد بسبب تضمنه هذه القيود المتشددة إزاء الأنشطة النقابية، حيث رفضت الحكومة مطالب النقابات بسحب مشروع القانون.
ولم ينجح نواب المعارضة وجناح من الموالاة في سحب مادة مثيرة للجدل حول "الفصل بين العمل السياسي والنقابي" في قانون العمل النقابي، الذي تمت المصادقة عليه.
وحاول نواب حركتي "مجتمع السلم" (حمس) و"البناء" الإسلاميتين إلى آخر لحظة إلغاء المادة 13 من مشروع قانون ممارسة الحق النقابي، التي توجب على مؤسسي وقيادات النقابات، الامتناع عن الممارسة السياسة.
لكن الأغلبية المريحة التي تمتلكها الحكومة داخل البرلمان حالت دون ذلك، إذ تحظى بأكثر من 280 نائبا من أصل 407.
وعرفت جلسة التصويت احتجاج نواب "حمس" على عدم طرح المادة 13 على التصويت، مما أدى إلى توقف الجلسة للحظات ثم استئنافها بإعادة طرح المادة للتصويت وعد الأصوات التي أظهرت فرقا شاسعا في تأييد نص المادة.
وتنص هذه المادة المثيرة للجدل على وجوب أن يلتزم الأعضاء المؤسسون أو القياديون في المنظمات النقابية "بالحياد والامتناع عن التصريح بمساندتهم لأحزاب سياسية أو لأي شخصية سياسية ".
وكانت "حمس" قد ذكرت في بيان لها في 7 مارس 2023، أن رفضها فيما يخص مشروع القانون الناظم للعلاقة بين البرلمان والحكومة، ومشروع قانون ممارسة الحق النقابي، يعود لمصادرة حقوق أقرها الدستور، ومخالفة الاتفاقيات الدولية التي أمضتها الجزائر، خاصة ما تعلق بحقوق المعارضة.
تراجع كبير
وبعد المصادقة، رأى الأمين العام للنقابة الوطنية للأطباء الممارسين، لياس مرابط، أن "ممارسة العمل النقابي في الجزائر سيعرف تراجعا كبيرا على ضوء المعطيات المذكورة".
وأضاف لموقع "أصوات مغاربية" (مقره واشنطن) في 8 مارس، أن "الجزائر ضربت في الثلاثين سنة الأخيرة أروع الأمثلة في الحريات النقابية من خلال القانون الذي سنته عام 1990، والذي سمح بتطوير الممارسة النقابية إلى أبعد حدودها".
واستدرك: "فجأة تغير الوضع ووجدنا أنفسنا أمام قانون يهدف أساسا إلى التضييق على التنظيمات النقابية وتهميشها من الحق في تمثيل العمال".
وكشف مرابط عن وجود خيارات عديدة أمام النقابات الرافضة للقانون الجديد، من بينها الإصرار في مراسلة "القاضي الأول" في البلاد حتى يقوم بإلغاء العديد من النصوص الجديدة.
ولم يتردد المتحدث في اللجوء مرة ثانية إلى لغة الاحتجاجات العمالية في حال لم يتم الاستجابة لطلبنا، مؤكدا "وجود اتصالات حثيثة في هذا الجانب حماية لحقوق العمال وحق ممارسة النشاط النقابي في البلاد".
من جانبه، رئيس المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، إبراهيم بوغالي, في تصريحات صحفية رأى أن "تحديث الترسانة القانونية الوطنية فرضته التحولات التي تعرفها البلاد بهدف تكريس دولة القانون".
وعقب مصادقة على القانون، زعم بوغالي، أن "القانون يدخل في إطار تكريس الحماية القانونية لحقوق الإنسان والتكفل بالحقوق والحريات الجماعية والحق في العمل النقابي الذي يهدف أساسا إلى تعميق الفعل الديمقراطي وفق الاتفاقيات المعمول بها في العالم".
وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد صرح، في فبراير 2023، بأن "العمل النقابي حق دستوري، ونحن في مرحلة إعادة ترتيب البيت، لذلك قررنا قانونا جديدا ينظم العمل النقابي للحد من فوضى النقابات، وحق الإضراب مضمون أيضا لكن يجب تنظيم ذلك".
لكن يرى مراقبون أن الخطوة الأخيرة، تأتي ضمن سلسلة إجراءات شرع فيها النظام منذ شهور لوأد أي تداعيات للحراك الشعبي في 2019، وذلك عبر التضييق على حرية الصحافة والزج بالناشطين والمعارضين في السجون.
إرهاصات الرفض
وبينما كانت تستعد الحكومة لتمرير القانون الجديد الذي "يضيق الخناق" على الحريات النقابية ويحظر الإضراب، أعلن "الاتحاد العام للعمال الجزائريين"، أكبر تنظيم نقابي بالبلاد، في 5 مارس 2023، استقالة أمينه العام، سليم لباطشة.
وذكر الاتحاد، في بيان، أن مكتبه التنفيذي اجتمع للبت في حالة شغور منصب الأمين العام للاتحاد، موضحا أن الشغور جاء بعد "انسحاب لباطشة من منصبه لأسباب شخصية لم تمكنه من التفرغ كليا لأداء مهام الأمين العام على أحسن وجه مستقبلا"، دون تفاصيل أكثر حول طبيعة هذه الأسباب.
لكن مراقبين رأوا أن هذه الاستقالة مرتبطة بموقف لباطشتة الرافض لمضامين مشروعي قانونين منظمين لممارسة الحق في الإضراب والعمل النقابي.
وللمرة الأولى في تاريخه، أعلن الاتحاد العام للعمال الجزائريين، عن موقف معارض لمشروع تطرحه الحكومة، خاصة أن الاتحاد يعد أكبر فصيل نقابي موالي للسلطة في الجزائر.
وأعلنت الفروع النقابية للاتحاد عن سلسلة بيانات ترفض مسودة قانون ممارسة الحق النقابي.
وتترقب أوساط عديدة أن تشهد العلاقة بين الجهاز التنفيذي في الجزائر والنقابات المستقلة توترا حادا خلال الأيام المقبلة بالنظر إلى إصرار هذه النقابات على الذهاب بعيدا في رفض القانون الجديد.
وكانت قد طالبت 31 نقابة مستقلة في قطاع الوظيفة العمومية تبون، بصفته القاضي الأول في البلاد، بـ"التدخل من أجل سحب المشروعين استجابة لتعهداته بحماية الحريات وترقية العمل النقابي".
وأعلنت خلال اجتماع عقدته في 30 يناير/ كانون الثاني 2023، لاتخاذ موقف موحد، "رفضها المشروعين لمساسهما الخطير وغير المسبوق بالحقوق والحريات النقابية ومخالفتهما الدستور والاتفاقيات الدولية".
وحمّلت النقابات "نواب البرلمان كامل المسؤولية في حال تمريرهم المشروعين بهذا الشكل الذي يقضي على الحريات النقابية والعمل النقابي".
وأشارت إلى أن إعداد هذين القانونين تم من دون منح النقابات العمالية "حق المشاركة في مناقشتهما علما أنها المعنية الأولى بتطبيقهما على أرض الواقع".
ودعت القواعد النقابية والعمالية كافة للاستعداد لتصعيد الموقف، و"تحمّل كامل مسؤولياتها حيال تحديات المرحلة الراهنة التي تواجه مستقبل حرية العمل النقابي وحق الإضراب.
وفي السياق، وصفت النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية القانون بـ"الخطير".
وأفاد بيان للنقابة في 30 فبراير، بأنه "إلى جانب التضييق المباشر على حرية الممارسة النقابية من خلال مشروع قانون جديد يحدد شروط العمل النقابي، فهناك مشروع قانون آخر لا يقل خطورة كونه يعد تقييدا لحق أساسي من حقوق المواطن الدستورية، وهو حق الإضراب".
شروط تعجيزية
ورأى النائب عن "حركة مجتمع السلم"، محمد الأمين مبروكي، أن هذا القانون "انتهاك للدستور ولقواعد منظمة العمل الدولية، ويتنافى مع القوانين الدولية".
وأضاف في كلمته أمام البرلمان في 4 مارس 2023، أن "هناك مبدأ عالميا ينص على أن القوانين يجب أن تعزز ما تم تحقيقه بالفعل، ومع ذلك، فإن هذا القانون هو خطوة إلى الوراء عما كان موجودا من قبل".
وتابع مبروكي: "نسجل تراجعا في الحريات بسبب التهديد بحل وتعليق النقابات لأسباب غير موضوعية".
وعن حركة "البناء الديمقراطي، قال النائب البراء بن قرينة: "لم يخل القانون من السلبيات نذكر منها على سبيل المثال، غياب الشركاء الاجتماعيين من النقابات في صياغة هذا المشروع، وهم المعنيون مباشرة به، وهذا الأمر الذي الذي كان قادرا أن يجنبنا الكثير من الجدل الحاصل حاليا"
وأضاف ابن قرينة في كلمته أمام البرلمان في 7 مارس، أن "دستور 2020 من الأمور الإيجابية التي جاء بها هو أنه كرس الحرية لا سيما الحق النقابي والحرية، لكن الملاحظ في هذا المشروع أنه كبّل وضيق بعض هذه الحريات".
وأوضح أنه "لما نقرأ في مقدمة هذا المشروع، الفصل بين العمل النقابي والعمل السياسي لحظر أي علاقه مباشرة أو غير مباشرة بين التنظيم النقابي والحزب السياسي، أرى أن هذا ضرب كبير في الحقوق والحريات، كيف يعقل، هناك علاقة تكامل بين النقابات والأحزاب السياسية".
وتابع: "غياب سياسي يدافع عن النقابي سيجد الأخير نفسه وحيدا وهذا الأمر غير سوي".
وشدد ابن قرينة على أن "الماده 13 و14 تتحدث عن عدم ممارسة النقابي للسياسة، وفي الحقيقة النقابة هي مدرسة لتخريج القيادة السياسية وكوادر الدولة المستقبليه، لان هذا هو المجال الطبيعي والحيوي للتكوين والاحتكاك بالمجتمع".
ولفت إلى أن "هناك بعض الشروط التعجيزية، مثل شرط نسبة 30 بالمئة من العمال بالنسبة للنقابات ليحق لها رفع الانشغالات (مطالب) الطبقة العمالية، هل هذا يمكن في ظل التصحر والعزوف عن العمل النقابي، من سيذهب الآن من العمال للمشاركة في النقابات".
وختم ابن قرينة حديثه بالقول: "هذا التصحر النقابي ليس في صالح أي جهة من الجهات، لأنه في النهاية لما الدولة أو السلطة ترغب في التحاور لن يجدا أحدا، لذلك يجب أن نشجع العمل النقابي".