بعد إغلاق 18 عاما.. لماذا أعاد المغرب فتح سفارته في العراق؟

مسار جديد في العلاقات بين العراق والمغرب، رسمته خطوة إعادة الرباط فتح سفارتها في بغداد بعد 18 عاما من إغلاقها، ما أثار جملة من التساؤلات بخصوص أسباب توقيت التحرك المغربي، ومدى انعكاس ذلك على العلاقة بين البلدين.
وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2023، افتتح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة سفارة بلاده في بغداد، خلال زيارة وصفت بأنها "تاريخية"، كونها "الأولى لوزير خارجية مغربي منذ ربع قرن، وأول زيارة لمسؤول حكومي منذ عقدين على الأقل".
"إشارة قوية"
وخلال الافتتاح قال بوريطة: سفارة المغرب في بغداد التي حزمت حقائبها عام 2005 وانتقلت إلى العاصمة الأردنية عمان على أثر "تدهور الأوضاع الأمنية"، بعد اختطاف تنظيم "القاعدة" لاثنين من موظفيها، عادت من جديد لتفتح أبوابها بعد 18 عاما من الإغلاق.
وأكد بوريطة أن إعادة افتتاح السفارة بعد 18 عاما "إشارة قوية توضح ثقة المغرب في العراق الجديد واستقراره والمسار الإيجابي الذي سلكه"، على حد قوله.
ووصف بوريطة، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي فؤاد حسين ببغداد في 28 يناير، زيارته إلى العراق بأنها "تاريخية لكونها أول زيارة لوزير خارجية مغربي ومسؤول حكومي منذ مدة طويلة".
وأضاف أن "هذه الزيارة تعكس رؤية المملكة في تعزيز العلاقات بين البلدين في جميع المجالات التجارية والاقتصادية، وتبادل الزيارات والخبرات بين الطرفين، ومحاربة التطرف، وتعزيز التعاون الأمني".
من جهته، دعا وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال المؤتمر الصحفي إلى إطلاق شراكة اقتصادية، ودعا إلى "تسهيل" إجراءات دخول العراقيين إلى المغرب، خاصة رجال الأعمال في البداية.
وقال حسين إن إعادة افتتاح السفارة المغربية في بغداد "خطوة مهمة.. لبناء وتطوير العلاقات والصداقة" بين البلدين، و"مرحلة جديدة من العلاقات بين بغداد والرباط".
وأعرب عن أسفه إزاء العلاقات الاقتصادية "شبه المنعدمة"، وقال إنه يريد تشجيع "التعاون التجاري والاقتصادي في مختلف المجالات".
وقال في هذا الصدد: "تحدثنا عن خلق آلية لجمع رجال الأعمال والمستثمرين من الجانبين وتأسيس منتدى لرجال الأعمال من البلدين".
وعبر وزير الخارجية العراقي عن دعم بلاده لوحدة أراضي المملكة المغربية، ولجهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل نهائي لمسألة إقليم الصحراء.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجارة الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
وحسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية، جرت مباحثات معمقة بين بوريطة وحسين، واتفقا على انعقاد اللجنة العراقية المغربية المشتركة وتعميق التشاور السياسي وإيجاد آليات منفتحة لتأكيد حركية دبلوماسية البلدين وعبر آلية التشاور.
كما تم الاتفاق على عقد ملتقيات لرجال الأعمال والمستثمرين بين بغداد والرباط، وبحث إمكانية تفعيل الخط الجوي المباشر بين البلدين، إذ أعلن في هذا الصدد عن موافقة المغرب على رفع حجز عن أموال عراقية تابعة لمصرفي الرشيد والرافدين العراقيين الرسميين.
وينتظر أن يسهم قرار إعادة افتتاح السفارة في تسهيل العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياحية بين البلدين، خاصة أن العديد من المستثمرين العراقيين "يرغبون في إنجاز مشروعات في المغرب".
سر التوقيت
وعن الأسباب وراء اتخاذ المغرب هذه الخطوة في الوقت الحالي، قال البرلماني العراقي السابق حامد المطلك إن "الخطوة المغربية ممتازة ونتمنى أن تتحسن العلاقة بين العراق وجميع الدول العربية".
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "هناك مشروعا واضحا جدا لإجهاض نمو العراق وقوته وانتمائه لمحيطه العربي، وأن هذه الحروب التي نشبت في البلد كان من أهم أهدافها إضعاف انتماء العراق للعالم العربي والإسلامي ومحيطه الإقليمي".
وتابع: "لذلك عندما حصلت بطولة خليجي 25 عبر الشعب العراقي عن شعوره المكبوت بقوة ووضوح تجاه إخوانه العرب بعدما رحب بهم بحب وفرح، وأعطى صورة للعرب بأن العراق لن يتخلى عن انتمائه العربي مهما كانت الظروف والصعوبات".
وأردف: "كذلك أعطى الشعب العراقي صورة أنه تواق لإخوانه العرب من خلال إعادة العلاقات وإعادة المرتكز الوطني الحقيقي في انتمائنا مع محيطنا العربي والإسلامي والدولي، بالتالي هذه ستكون عاملا دافعا لمثل هذه العلاقات في المستقبل".
وتوقع المطلك "انفتاح دول عربية أخرى على العراق، خصوصا بعد بطولة خليجي 25، وتأكيدات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن العراق لا يمكن أن يتخلى عن محيطه العربي، وأن هذا الانتماء لا يمكن أن ينكره، لذلك هذه صورة مشرقة وواقعية وحقيقية ستفتح المجال أمام لقاءات أخرى".
وفي يناير 2023، نجح العراق في إقامة بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم بنسختها الـ25 في مدينة البصرة، بعد غياب دام 43 عاما، والتي انتهت بتتوّيج أسود الرافدين باللقب للمرة الرابعة، وسط ترحيب عربي واسع بالاستضافة وحسن التنظيم.
وأشار السياسي العراقي إلى أن "العراقيين يرحبون بخطوة المغرب، فنحن لنا انتماء عربي وإسلامي ونحترم المثل والشعائر الإسلامية والقيم العربية، لذلك لا بد للعراق أن ينفتح على محيطه العربي والإسلامي ويبني علاقات حسن جوار لصالح شعبه والشعوب الأخرى".
وأكد المطلك أنه "لا يوجد هناك مبرر ونحن أعضاء في جامعة الدول العربية أن تقطع العلاقة بين العراق والمغرب، والتي ربما تكون نتيجة لظروف في البلدين، لذلك كل عمل من شأنه أن يعيد العلاقة بين بلدين انتماؤهما واحد، بالتأكيد سينعكس إيجابا لصالح الشعوب اقتصاديا وسياسيا وفي مختلف المجالات الأخرى".
ومنذ أن أغلقت السفارة المغربية أبوابها في بلاد الرافدين عام 2005، تلقت الرباط 6 دعوات عراقية موجهة لوزير الخارجية المغربي للقيام بزيارة رسمية.
"مرحلة جديدة"
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي المغربي، عبد العالي بنلياس، إن "فتح السفارة المغربية من جديد بالعاصمة بغداد هو عنوان بارز على بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين التي تربطهما علاقات تاريخية".
وأضاف لموقع "هسبريس" المغربي في 30 يناير 2023، أن "العراق كان أول بلد اعترف باستقلال المغرب، الذي يعده من الدول المحورية في العالم العربي لما يشكله من ثقل على المستويين الإقليمي والدولي".
ومضى بنلياس يقول إن "وضوح الموقف العراقي إزاء قضية الوحدة الترابية ومغربية الصحراء كان عنصرا محفزا على تطوير هذه العلاقات على المستويات المختلفة".
وأردف: "خاصة الاقتصادية والتجارية والسياحية والثقافية والطاقية؛ بالنظر إلى ما تتوفر في البلدين من مؤهلات قد ترفع من مستوى التعاون، ولا سيما في هذه الظروف التي يمر منها الاقتصاد العالمي بسبب تداعيات كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية".
وفي 21 أغسطس/ آب 2022، دعا ملك المغرب محمد السادس شركاء بلاده الذين لا يؤيدون بوضوح موقف الرباط بشأن النزاع في الصحراء إلى "توضيح مواقفهم".
وأكد العاهل المغربي أن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات".
وسجل الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط أنه "على الرغم من إغلاق السفارة قبل 18 عاما بسبب دخول الدولة الشقيقة مرحلة عدم الاستقرار السياسي والمؤسساتي والاضطراب الأمني نتيجة ظهور التنظيمات الإرهابية والتفجيرات المتتالية، فإن العلاقات المغربية العراقية ظلت على مدار العقود السالفة دائمة ومتواصلة سواء".
وفي هذا السياق، أشار بنلياس إلى "استمرار العلاقات الدبلوماسية التقليدية التي تربط الدولتين واللقاءات التي تربط مسؤولي البلدين في مناسبات مختلفة ووجودهما في عدد من المنظمات الدولية والإقليمية".
كمنظمة الأمم المتحدة، ومنظمة الجامعة العربية، واتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وغيرها، ثم من خلال الاجتماعات الوزارية كاجتماع وزراء دول التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، يضيف المحلل المغربي.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح العراق يحظى باحترام متزايد من مختلف الدول، بدليل الزيارات رفيعة المستوى التي يقوم بها رؤساء الدول ووزراء الخارجية، لتعزيز التعاون مع هذا البلد الغني بالموارد النفطية والظفر بصفقات إعادة الإعمار.
وتسعى دول الجوار، خاصة من السعودية والأردن ومصر، إلى دعم بغداد حتى لا تبقى تدور في فلك النظام الإيراني، علما بأن العراق يحاول خلال العقد الأخير إعادة تطبيع علاقاته مع باقي الدول العربية في محيطه المباشر من خلال زيارات رسمية رفيعة بينه وبين تلك البلدان.
المصادر
- "بعد 18 عاما".. المغرب يعيد افتتاح سفارته لدى العراق في زيارة "تاريخية"
- آفاق جديدة تسم العلاقات المغربية العراقية .. الاستقرار والصحراء والاستثمار
- المغرب يساند العراق الجديد.. محاصرة أعداء الوحدة الترابية والنظام الإيراني
- بعد 18 عاما على إغلاقها.. المغرب يعيد فتح سفارته في بغداد
- البلدان يريدان بدء مرحلة تعاون جديدة... المغرب يعيد فتح سفارته بالعراق بعد 18 عاما من إغلاقها