بصفتها ركيزة فلسطينية.. لماذا دعت صحيفة إسرائيلية لفتح قناة تواصل مع حماس؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أن فتح قناة تواصل مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) "مهم إلى حد بعيد"، بصفتها ركيزة من ركائز المجتمع الفلسطيني.

ونشرت الصحيفة مقالا للكاتب، غيرشون باسكين، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين، ذكر فيه أنه التقى بأستاذ للاقتصاد في الجامعة الإسلامية بغزة، عام 2005، في مؤتمر حول التنمية الاقتصادية في شرق البحر المتوسط برعاية البنك الدولي.

ووفق باسكين، فإن البروفيسور الفلسطيني – الذي أشار إليه بالحرف "م"- هو عضو في حركة حماس، ولم يسبق له أن قابل إسرائيليا أو يهوديا من قبل.

أهمية التحاور

وزعم الكاتب الإسرائيلي أنه أمضى هو والبروفيسور "م"حوالي ست ساعات معا على مدار اليومين التاليين في حوارات مكثفة، وكان هناك القليل جدا مما اتفقوا عليه، لكن النقطة الرئيسة التي اتفقا عليها كانت أهمية التحاور بينهما.

وتابع باسكين: "اقترحت أن نواصل نقاشاتنا وأن نستقطب آخرين لتشكيل مجموعة صغيرة من حماس وإسرائيل تتحاور فيما بينها".

واستطرد: "بعد توضيح مشروعية عقد مثل هذه الاجتماعات، استقدمت بسهولة مجموعة من الإسرائيليين (مع وجود قائمة انتظار كبيرة)، في المقابل، شكّل البروفيسور (م) مجموعة من زملائه بالطريقة ذاتها".

وأردف باسكين: "ولأنه من المستحيل عقد اجتماعاتنا في إسرائيل أو غزة، وجدت أربع دول محايدة لم تصنف حماس كمنظمة إرهابية، ووافقت على استضافة اجتماعاتنا، وهي سويسرا وتركيا والنرويج وروسيا".

واستدرك قائلا: "لكن في النهاية، لم تجر هذه اللقاءات، لأن قيادة حماس اعترضت على هذا الحوار، رغم حقيقة أن أحد المشاركين كان في طريقه لأن يصبح مستشارا لرئيس الوزراء آنذاك، إسماعيل هنية".

وروى الكاتب الإسرائيلي أنه "خلال فترة محاولته تشكيل فريق الحوار، زار غزة مرتين، وذهب للقاء المشاركين في الجامعة الإسلامية، وقضى ساعتين في اجتماع بمكتب هنية".

وكشف أنه "فتح قناة تواصل مباشرة وسرية، من خلال البروفيسور (م)،  بعد أسبوع واحد من اختطاف الجندي الإسرائيلي، جلعاد شاليط، في يونيو/ حزيران 2006".

وأفاد باسكين بأن "هذه القناة السرية أدت في نهاية المطاف إلى مفاوضات رسمية، قادت لإطلاق سراح شاليط، و1027 أسيرا فلسطينيا".

وألمح إلى أنه أجرى اتصالات خلال جولات التصعيد العسكري بين إسرائيل وحماس، بهدف الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار.

ركيزة مجتمعية

وقال باسكين: "سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن حماس وُجدت لتستمر، فحماس جزء من المجتمع الفلسطيني، وحتى إن خرجت من السلطة في نهاية المطاف، فإنها ستبقى جزءا من المشهد السياسي الفلسطيني".

وأشار إلى أن "حماس عام 2023 ليست هي نفسها حماس عام 1988، إذ أُجبرت على النظر في سياساتها وممارساتها خارج حدود أيديولوجيتها، مدفوعة بالضغوط الناتجة عن وجودها لسنوات في السلطة".

ويرى باسكين أن "الالتزام بوقف إطلاق النار في التصعيد الأخير في غزة بين إسرائيل والجهاد الإسلامي، في أغسطس/ آب 2022، هو مجرد دليل واحد وبسيط على مدى تأثير مسؤولية الحكم على عملية صنع القرار في حماس".

وأردف أن "حماس هي منظمة أصولية إسلامية، لكنها ليست توسعية ولا مجنونة مثل (تنظيم الدولة)، بل هي حركة وطنية إسلامية فلسطينية، ترى أن هدفها الأول هو تحرير فلسطين".

وادعى باسكين أن "حماس تكتسب القوة والدعم عندما تتعرض غزة للهجوم من قِبل إسرائيل، لكنها تخسر القوة والدعم في أوقات السلم".

وأشار إلى أن "نحو 17000 من سكان غزة يعملون حاليا في إسرائيل، ويجلبون حوالي 25 مليون دولار شهريا إلى اقتصاد غزة".

ويرى باسكين أن "هذا له تأثير كبير على حياة مئات الآلاف من الغزاويين، كما أنه يؤدي أيضا إلى الضغط على حماس، إذ يفرض عليها ألا تُقدم على خطوات من شأنها منع هؤلاء الناس من العمل في إسرائيل".

وتابع: "على المستوى الأيديولوجي، أظهرت حماس رفضا دائما للإذعان لشروط الرباعية الدولية، وهي نبذ العنف، والالتزام باتفاق أوسلو، والاعتراف بدولة إسرائيل".

تجدر الإشارة إلى أن المجموعة الرباعية، التي تتألف من الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة والولايات المتحدة، قد تأسست عام 2002، لتيسير مفاوضات عملية السلام في الشرق الأوسط.

وشدد باسكين على أن "حماس لن تراوح مكانها، إذ إنها لن تلتزم باتفاقات أوسلو، ولا بإسرائيل، ولا حتى بالسلطة الفلسطينية، فقضية الاعتراف بإسرائيل تعد بعيدة كل البعد عما عليه حماس في الوقت الحالي".

ورغم ذلك، أكد الكاتب أن "حماس قادرة على أن تكون أكثر ذكاء وواقعية في سياساتها وأفعالها، كما أنها قادرة على أن تصل إلى تفاهمات تُرسي هدنة طويلة الأجل مع إسرائيل".  

نهج واقعي

وقال باسكين إن "حماس لن تتخلى عن سلاحها، ولن تتوقف عن إنتاج وتحسين قدراتها الصاروخية، كما أنها لن تكف عن محاولة الوصول إلى السلطة في الضفة الغربية، إذ تصر أن تبقى قوية، لكنها قادرة أيضا على التوصل لتسوية مؤقتة مع إسرائيل".

واستدل الكاتب بمقطع الفيديو الأخير الذي نشرته "حماس" للأسير الإسرائيلي لديها، أبارا منغستو، في 16 يناير/ كانون الثاني 2023.

ويعتقد أن "الفيديو دليل على استعداد حماس لأن تكون أكثر واقعية، وأنها ستستمر في مطالبها بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، الذين ترفض إسرائيل إطلاق سراحهم".

وبعد أكثر من ثماني سنوات في الأسر، "يبدو أن حماس تستعد  أخيرا  لعقد صفقة تعيد فيها جثتي هدار غولدين وأرون شاؤول، والمدنيَّين الأحياء هشام السيد ومنغستو"، حسب الكاتب.

جدير بالذكر أن كتائب "عزالدين القسام" الجناح العسكري لـ"حماس" تحتفظ بالجنديين الإسرائيليين شاؤول وغولدين في غزة، بعد أن أسرتهما خلال حرب صيف 2014، فيما تقول تل أبيب إنهما قُتلا وإن الحركة تحتفظ برفاتهما.

كما تحتفظ حماس لديها أيضا بمنغستو والسيد، بعدما دخلا القطاع في ظروف غامضة خلال سبتمبر/ أيلول وديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.

وأشار باسكين إلى أن "سياسة إسرائيل المتمثلة في إبقاء حماس ضعيفة في السلطة، بجانب سلطة فلسطينية غير شرعية في رام الله، قد مكنت إسرائيل والعالم من الادعاء بأنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام".

وأضاف أن "تشجيع حماس على أن تصبح أكثر براغماتية يصب في مصلحة إسرائيل ومصلحة جيران إسرائيل وفلسطين أيضا".

وأردف أنه "من المهم جدا تمكين الناس في غزة من العيش ببعض الأمل والكرامة وحقوق الإنسان الأساسية"، مؤكدا أن هذه الخطة "تعتمد على إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية وحماس نفسها".

ويرى الكاتب أنه "في نهاية المطاف، ستكون هناك انتخابات رئاسية ونيابية جديدة في فلسطين، ومن الضروري أن تشارك حماس فيها، كي تكون هذه الاستحقاقات مجدية".

وتابع: "هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي بها نتيجة تلك الانتخابات إلى إعادة توحيد القيادة الفلسطينية".

وشدد باسكين في نهاية مقاله على أنه "قبل إجراء تلك الانتخابات، يجب أن تسعى إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية والمنطقة وبقية المجتمع الدولي إلى العمل بشكل مباشر مع حماس، وإتاحة الفرص للحركة الفلسطينية لإظهار نهجها الواقعي".