بعد فرض عقوبات عليها.. هل تتجه حكومة إسرائيل المتطرفة لحل سلطة عباس؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أثارت العقوبات الإسرائيلية الأخيرة بحق السلطة الفلسطينية تساؤلات عن مصير الأخيرة، وعما إذا كانت هذه الخطوات مقدمة لحلها بعد تشكيل أكثر الحكومات تطرفا في تل أبيب.

واتخذت الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يهيمن عليها تيار "الصهيونية الدينية" سلسلة من الإجراءات، في 8 يناير/كانون الثاني 2023، لعقاب السلطة الفلسطينية على لجوئها لمحكمة العدل الدولية لحسم مصير الاحتلال.

الإجراءات شملت تجميد مشاريع بناء فلسطينية في المناطق (ج)، واقتطاع أموال من الضرائب التي تجبيها السلطة وفرض عقوبات على كبار المسؤولين الفلسطينيين.

العقوبات أثارت تساؤلات عن الهدف من ورائها وهل هي مقدمة لإسقاط السلطة الفلسطينية وإلغاء "اتفاقيات أوسلو" (التي لا تلتزم بها تل أبيب بالفعل)، أم مجرد شد أذن كي تستمر في دورها بالعمل كشرطي للاحتلال وسحب طلبها لمحكمة العدل الدولية؟

وتتساوق العقوبات والخطط التي يجرى الحديث عنها لتفكيك السلطة الفلسطينية مع ما قاله وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" وزميله وزير المالية "بتسلئيل سموتريتش" قبل سنوات.

إذ تحدثا عن رؤيتهما لمستقبل وجود السلطة الفلسطينية وأنها مجرد جهة أمنية وعصا في يد إسرائيل.

وعدت الحكومة الإسرائيلية الخطوة الفلسطينية بإحالة ملف الاحتلال إلى "العدل الدولية" في 30 ديسمبر/كانون الأول 2022، بمثابة "حرب سياسية وقانونية على "دولة إسرائيل" وقررت 5 عقوبات ضد السلطة بسبب توجهها إلى محكمة العدل الدولية.

أولها، تحويل 39 مليون دولار من أموال السلطة الفلسطينية إلى الإسرائيليين الذين يقولون إنهم تضرروا من عمليات نفذها فلسطينيون.

ثانيها، حسم أموال من المستحقات المالية الفلسطينية بما يعادل ما تدفعه السلطة الفلسطينية كمخصصات اجتماعية لأهالي الأسرى والشهداء الفلسطينيين.

وبموجب اتفاقيات "أوسلو" الموقعة عام 1993، تجمع إسرائيل الضرائب على المنتجات المستوردة إلى الأراضي الفلسطينية نيابة عن السلطة الفلسطينية قبل أن تحولها لها.

ثالثا، تجميد مخططات البناء الفلسطينية في المنطقة (ج) بدعوى أنها "محاولات احتلال غير شرعية من قبل السلطة الفلسطينية خلافا للاتفاقيات الدولية".

وتعادل المنطقة "ج" نحو 60 بالمئة من أراضي الضفة الغربية، وتقع تحت المسؤولية الأمنية والمدنية الإسرائيلية الكاملة وتنتشر فيها المستوطنات.

رابعا، حرمان الشخصيات المهمة في السلطة من المزايا، في إشارة إلى تصاريح التنقل الممنوحة لكبار المسؤولين الفلسطينيين.

وأعلنت إسرائيل، سحب تصاريح دخول ثلاثة كوادر في حركة "فتح: مقربين من رئيس السلطة، محمود عباس، بعد أن زاروا أسيرا أفرجت عنه تل أبيب.

خامسا، اتخاذ إجراءات ضد المنظمات (الأهلية والمجتمعية) في الضفة الغربية التي تروج لنشاط عدائي، بما في ذلك العمل السياسي والقانوني ضد إسرائيل تحت ستار العمل الإنساني.

حافة الهاوية

رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد أشتية، قال إن "هدف العقوبات الإسرائيلية هو تقويض السلطة ودفعها نحو حافة الحافة ماليا ومؤسساتيا".

قال في تصريحات لصحيفة "هآرتس" العبرية في 9 يناير إن الحكومات الإسرائيلية السابقة عملت على إلغاء حل الدولتين، والحكومة الحالية تقاتل السلطة الفلسطينية نفسها.

أكد أن برنامج وخريطة الحكومة الإسرائيلية الواضح هو زيادة بناء المستوطنات مع فصل القدس عن الضفة الغربية، وضم المنطقة (ج) وسحق السلطة الفلسطينية الآن، وحذر من أن هذا قد يشعل الوضع المتوتر بالفعل.

خطة "تفكيك السلطة"، أكدها "حلفاء بارزون" للرئيس الفلسطيني محمود عباس أيضا، معربين عن مخاوفهم من أن التحالف اليميني المتطرف في الحكومة الإسرائيلية يسعى لذلك. 

وزير التنمية الاجتماعية الفلسطيني أحمد مجدلاني، ورئيس حزب النضال الوطني، أكد لصحيفة "الغارديان" البريطانية في 13 يناير أن "أعضاء حكومة الاحتلال يعتزمون تدمير السلطة"، التي يراها محمود عباس بمثابة حجر الأساس للدولة الفلسطينية المستقبلية.

وأشار إلى أن "دولة الاحتلال ستحاول تشكيل كيانات بلدية محلية لا تربطها أي علاقات أو سمات وطنية، وذلك حتى تحل محل السلطة الفلسطينية".

ثم أردف: "يريدون خلق واقع جديد في الضفة الغربية"، وهو ما يتوافق مع ما ذكرته صحيفة "زمن إسرائيل" عن هذه الخطة.

وفيما طالب "أشتية" بتدخل فوري من واشنطن والدول العربية، أعلنت الولايات المتحدة أن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، سيزور رام الله خلال يناير 2023، ربما لإقناع إسرائيل بتخفيف العقوبات.

وقد أكدت الصحفية الإسرائيلية "تال شنايدر" مراسلة الشؤون الفلسطينية في موقع "زمن إسرائيل"، في 10 يناير أن "مصادرة أموال السلطة الفلسطينية خطوة نحو تفكيكها" بالفعل.

ونقلت عن مسؤولين وخبراء إسرائيليين أن قرار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش (رئيس الحركة الصهيونية الدينية) بمصادرة 139 مليون شيكل من أموال السلطة، وتحويلها لعائلات القتلى الإسرائيليين من عمليات المقاومة "جزء من خطة طويلة المدى لإلغاء اتفاقيات أوسلو وضم مناطق الضفة الغربية".

أوضحت أن برنامج حزب "سموتريتش" يهدف لتطبيق السيادة على جميع أراضي الأراضي الفلسطينية، وتشجيع هجرة الفلسطينيين من الضفة الغربية، وتثبيت الحكم الذاتي في ست مدن فلسطينية، دون منحها حق التصويت بالكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، أو الحصول على الجنسية.

وفي 8 يناير 2023 حذر وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، السلطة الفلسطينية، من أن عليها "أن تقرر ما إذا كانت تريد الاستمرار في الوجود".

وأضاف: "طالما أن السلطة الفلسطينية تشجع على الإرهاب وهي عدو، فما الفائدة من مساعدتها على الاستمرار؟"، وفق وصفه.

ونشر سموتريتش عام 2017، خطة تدعو إلى تدمير السلطة الفلسطينية، وتأسيس كيانات محلية، ومنح الفلسطينيين الذين يرفضون حياة مواطني الدرجة الثانية دافعاً للهجرة، بحسب ما نشر موقع "زمن إسرائيل" في 10 يناير 2023.

وحين سئل في مؤتمر صحفي عن إمكانية تفكك السلطة وتقوية حركة المقاومة الإسلامية حماس نتيجة لتحركاته، أجاب بأنه "بقدر ما تشجع السلطة العمليات الفدائية، فهي عدو، فما مصلحتي بمساعدتها على الوجود؟".

مخاطر الانهيار

الصحفي الإسرائيلي تسفي برئيل أشار في مقال بصحيفة "هآرتس" 11 يناير 2023 إلى أن حكومة "بن غفير" و"سموتريتش" زعماء الصهيونية الدينية يريدون أكثر من مجرد تفكيك سلطة رام الله.

وأكد أنهم "يسعون للعودة إلى فترة الاحتلال الأولى قبل الاتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومحو بقايا اتفاقات أوسلو".

وبين أن لديهم خطة تستهدف إلغاء وجود السلطة الفلسطينية ذاتها وتقسيمات مناطق (أ) و(ب) و(ج)، وإدارة جهاز التعليم وشبكة المياه والكهرباء للفلسطينيين بواسطة بلديات تعينها إسرائيل، وضم الخليل إلى السيطرة الإسرائيلية المباشرة. 

"وبعد ذلك، ربما تعيين حكام عسكريين إسرائيليين يصدرون تصاريح للحركة والعمل والدراسة وترخيص السيارات" وفق قوله.

ويؤكد "برئيل" أن "سموتريتش وبن غفير، الحاصلان على امتياز إدارة الضفة الغربية بموجب تفويض من الكنيست وحكومة بنيامين نتنياهو، يأملان ألا يبقى للسلطة أي خيار عدا الاستقالة" أو الانهيار، وينفذان سيناريو لإعادة احتلال الضفة.

وأنه ضمن هذه الخطة أعلن تحالف نتنياهو عن خطط لتوسيع المستوطنات بدرجةٍ مهولة، ثم ضم الضفة الغربية المحتلة بنهاية المطاف.

لكنه حذر من أنهما "ليست لديهما حلول للانتفاضة الفلسطينية التي ستندلع عقب حركة الكماشة التي يستخدمانها على السلطة".

وقد أكد المحللان الإسرائيليان "مناحيم كلاين" و"زيفي باريل" لصحيفة "الغارديان" 13 يناير أنهما يعتقدان أيضا أن حكومة الاحتلال عازمة على تدمير السلطة الفلسطينية. 

وقال "كلاين"، وهو باحث في قسم دراسات الحرب بكلية كينغز لندن: "لا تريد الحكومة الجديدة الأفكار القديمة المتمثلة في تحجيم أو إدارة الصراع، بل يريدون حسمه في صالح المستوطنات، والضم، وتحجيم الفلسطينيين داخل كيانات محلية".

وتشير صحف عبرية إلى أن المؤسسة الأمنية تفضل عدم انهيار السلطة الفلسطينية، لأهمية التنسيق الأمني معها، وكونها تريح الاحتلال من أعباء حكم الشعب الفلسطيني بصورة مباشرة، وخشية من ملء حماس أي فراغ في الحكم.

الصحفي الإسرائيلي "ألون بينكاس" أوضح في تحليل بصحيفة "هآرتس" 9 يناير أن "تحطيم السلطة الفلسطينية سيكون خطوة أخرى في مسيرة الحماقة الإسرائيلية".

وأكد أنه "لطالما حذرت المؤسسة الأمنية من سيناريو يوم القيامة، إذ تحل السلطة الفلسطينية نفسها وتسعى إلى إقامة دولة ثنائية القومية، لكن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة قد تعجل هذه العملية".

ويؤكد الرئيس السابق للقسم السياسي والأمني بوزارة الجيش "زوهار فالتي" لموقع "زمن إسرائيل" أن "تحركات سموتريتش لعقاب وتقليص ميزانية السلطة، ستؤدي إلى انهيارها، ما سيسفر عن فوضى ستكلف تل أبيب أكثر بكثير من الأموال. 

وتشعر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالقلق إزاء خطط الحكومة الجديدة لتوسيع الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية من خلال بناء المزيد من المستوطنات، وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية الإسرائيلية غير القانونية، وخنق التوسع الفلسطيني في المنطقة (ج).

ويوم 8 يناير 2023 حذرت وزارة الخارجية الأميركية من أن الإجراءات العقابية التي اتخذتها إسرائيل ضد السلطة الفلسطينية "سيئة" ولكنها ساوتها بـ "الضغط الفلسطيني غير المجدي للحصول على رأي محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال".

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس إن العقوبات التي فرضتها إسرائيل "رد أحادي الجانب" من شأنه أن "يؤدي إلى تفاقم التوترات".

أوسلو ماتت

وبعد ما يقرب من 30 عامًا، مات كل ما يتعلق بأوسلو ما عدا التعاون الأمني، ولم تجلب للفلسطينيين شيئا سوى المزيد من الدمار والقتل ومصادرة الأراضي وتدنيس وتهويد الأماكن المقدسة والتوسع الاستيطاني بحسب ما نشر موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني في 16 سبتمبر/أيلول 2022.

لم تحترم إسرائيل التزاماتها بموجب اتفاقات أوسلو واحتفظت بالسيطرة الكاملة، ليس فقط على 60 في المئة من الضفة الغربية، ولكن على جميع الأراضي المحتلة.

وتدخل قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق الضفة الغربية المحتلة أ، ب، ج متى شاءت، وتعتقل وتقتل الفلسطينيين.

بل واستخدمت إسرائيل اتفاقيات أوسلو والصفقات اللاحقة، على مر السنين، لتبرير تحركها لزيادة تعزيز الاحتلال وتوسيع المستوطنات غير الشرعية في الأراضي المحتلة، بحسب "ميدل إيست مونيتور.

وعلى الرغم من تعهد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرارا وتكرارا بانسحاب حكومته من أوسلو وتعليق التنسيق الأمني ​​مع دولة الاحتلال، لم يستطع اتخاذ مثل هذا الإجراء حتى الآن. 

وحدث العكس، وزادت السلطة من تعاونها الأمني ​​حتى باتت تعمل جنبا إلى جنب مع الاحتلال الإسرائيلي ضد المقاومة والناشطين الفلسطينيين.

وقال رئيس تحرير موقع "رأي اليوم" عبد الباري عطوان في 13 يناير 2023 إن "دولة الاحتلال ستقدم أعظم هدية للشعب الفِلسطيني إذا أقدمت على تقويض سلطة رام الله وإنهاء عمرها الافتراضي؟".

وأكد أن أكثر الأخبار التي تهبط بردا وسلاما على قلوب غالبية الشعب الفلسطيني هي عمل دولة الاحتلال الإسرائيلي على تقويض السلطة الفلسطينية.

وشدد على أن "هذه السلطة قامت بقرار إسرائيلي يعكس أخطر اختراعات العقل واللؤم اليهودي ومن أجل خدمة الاحتلال، وإطالة عمره وتقليص كُلفته، وحماية مستوطنيه، وقمع أعمال المقاومة من الشعب الفلسطيني وفق اتفاقات أوسلو".

ووفق اتفاقية أوسلو الموقعة مع إسرائيل في 13 سبتمبر 1993، فإن الفترة الانتقالية لا تتجاوز 5 سنوات، ما يعني انتهاء فترة صلاحيتها.

ووفق الاتفاقية، تؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن رقم 242 (نص على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 67) ورقم 338 (وقف إطلاق النار بين مع العرب)، وهو ما لم يحدث.

وفي 28 سبتمبر 1995 جرى التوقيع على المرحلة الثانية لاتفاقية أوسلو-2، وتستعيد بموجبها السلطة الفلسطينية 30 بالمئة من مساحة‌ الضفة الغربية.

لكن أصبح أكثر من 60 بالمئة بيد الاحتلال، وهو المنطقة (ج) التي يسعى الصهيونية الدينية لضمها نهائيا لإسرائيل.

ويهدد تصاعد المقاومة المسلحة منذ مارس/آذار 2022، بإجهاز انتفاضة فلسطينية ثالثة على ما تبقى من اتفاقيات أوسلو، ودفن ما تبقى منها رسميا، وانهيار السلطة الفلسطينية.