جنود الرب.. جماعة يمينية مسيحية تناطح حزب الله وتجر لبنان نحو حرب أهلية
.png)
وسط اتهامات بتلقي دعم من جهات كنسية وساسة ورجال أعمال، تتصاعد الأحاديث في لبنان عن جماعة مسيحية يمينية، تحمل اسم "جنود الرب"، تسعى لتطبيق تعاليم الكتاب المقدس عنوة، وتقف ضد جماعة حزب الله الشيعية التي تسيطر على هذا البلد سياسيا وعسكريا.
وفي ظل غياب الدولة اللبنانية وتراجعها على كافة الأصعدة، بدأت تنظم هذه الجماعة أخيرا، مسيرات استعراضية في شوارع منطقة الأشرفية ببيروت ذات الأغلبية المسيحية المارونية، بدعوى حماية المسيحيين.
ويثير وجود هذه الجماعة قلقا كبيرا في لبنان المنقسم على نفسه سياسيا وطائفيا، وسط أسئلة مفتوحة حول أهدافها وخطواتها القادمة، ومخاوف من أن تمهد لحرب أهلية طائفية في ظل اشتباكات تقع مع مسلحي حزب الله.
وحي "الأشرفية" من أكثر المناطق حساسية في لبنان، حيث لا تزال ذكريات الحرب الأهلية (1975- 1990) حية بين السكان، كما أنه مقر قوات الكتائب المسيحية المارونية المسلحة.
لذا يربط البعض بين "جنود الرب" وحزب القوات اللبنانية الماروني بقيادة سمير جعجع؛ لكون العديد من الوجوه البارزة ضمن الجماعة يدورون في فلك الحزب، ويجاهرون بذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كما يبدو واضحا تأثر أفراد الجماعة بالتجربة العسكرية للقوات اللبنانية إبان الحرب الأهلية، من خلال المقاطع التي يبثونها عبر منصاتهم، ومعظمها تتضمن صورا من أرشيف الحرب الأهلية.
نشأة الجماعة
وتفاعلا مع كثرة الأحاديث عنها، ذكر موقع "لبنان 24" المحلي في 24 ديسمبر/ كانون أول 2022، أن هناك تضاربا حول تاريخ ظهور هذه الجماعة بين عامي 2019 أم 2020، وهناك روايتان عن نشأتها.
وأوضح أن الرواية الأولى تربطها برجل الأعمال، رئيس مجلس إدارة مجموعة بنك "سوسيته جنرال" في لبنان "أنطوان نبيل الصحناوي".
والثانية تربطها برجل يدعى "جوزيف منصور" الملقب باسم "جوجو"، وهو الزعيم الروحي الحالي للجماعة حسبما تشير فيديوهات وتقارير صحفية محلية.
وتقول الرواية الأولى: إن الصحناوي، وقف إلى جانب هذه الفئة من الشباب لأنهم من الفقراء والعاطلين والمدمنين، وبعضهم تم حبسه سابقا، وعمل على إخراجهم من دوامة الفقر التي تهيمن على حياتهم.
وجمع الصحناوي هؤلاء الشباب وأهلهم صحيا ونفسيا، وتابع بعض الأمور القضائية التي كان يعاني بعضهم منها عن طريق مجموعة من المحامين المختصين.
وفي مرحلة ثانية، قام "الصحناوي" من خلال انتمائه الديني والتزامه الكنسي، بتأهيل هؤلاء الشباب روحيا عبر مجموعة من الجلسات التثقيفية الدينية في الكنيسة.
وتحاول هذه الرواية أن تبين "جنود الرب" بلا علاقة مع أي شكل من الأشكال العنيفة أو حمل السلاح، وأنهم مجرد "حراس عقيدة"، رغم خلفياتهم العنيفة.
لكن مصادر أمنية أكدت لموقع "لبنان 24" أن "الصحناوي بدأ يسحب تأييده الظاهر للجماعة، بعد اتهام أحد قضاة التحقيق أفراد منها بـ"تشكيل عصابة مسلّحة تُعرف باسم جنود الرب" إثر حادثة إطلاق نار عابرة.
ونفى مكتب الصحناوي بشدة أن تكون هذه الجماعة مُمَولة منه، بحسب بيان نشره في 23 ديسمبر 2022. كما لم تعلن أي جهة سياسية أو اقتصادية دعمها لهذه الجماعة المسيحية.
أما الرواية الثانية فتقول إن هذه الجماعة تحمل فكراً يمينياً دينيا متطرفا، وتأسست في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 في منطقة كرم الزيتون على يد رجل يدعى جوزيف منصور.
ثم ما لبثت أن انتشرت في الأشرفية وامتدت إلى جل الديب وزحلة، بحسب موقع "اللبنانية" في 3 ديسمبر 2022.
وهذه الرواية تؤكد أن جنود الرب تهدف إلى تشكيل مجموعات قادرة على "حماية المناطق المسيحية والدفاع عنها"، وجرى توظيف معظمهم كعناصر أمن في فروع مصرف "سوسيتيه جنرال" ويتقاضون رواتب شهرية.
طبيعة الجماعة
وتتفق عدة مواقع إخبارية لبنانية على أن الجماعة تتكون من شباب حي الأشرفية، وأعمارهم غالبا ما تتراوح بين 20 سنة و45 سنة، ويبلغ عدد أعضاء نواة الجماعة 300 شاب، أغلبهم مساجين سابقون.
ومنذ ظهور الجماعة يقول أفرادها على حساباتهم بمنصات التواصل الاجتماعي إنهم "يتكلمون باسم المسيح"، ويدافعون عن الكتاب المقدس والمسيحية والمسيحيين.
وتعرف الجماعة نفسها على فيسبوك بأنها "منظمة دينية"، وتتخذ شعارا يشبه درع الحروب الصليبية، عليه صليب ويحيط به من الجانبين جناحا طائر عليهما صليب أيضا.
ويرفقون منشوراتهم باقتباسات من الإنجيل عن علاقة الناس بالرب، وكيف يجب أن يكونوا جنوداً له على الأرض للدفاع عن مقدساتهم.
ومن مواقفهم التي أثارت جدلا، تأكيدهم أن فيروس كورونا والأزمة السياسية وإفلاس لبنان وانقطاع التيار الكهربائي ونقص الخبز "عقاب إلهي".
ومن أبرز منشوراتهم أيضا التي تكشف عن طبيعة فكرهم، اقتباس للكاردينال مار نصرالله بطرس صفير: "نحن مَن أنشأنا لبنان ولن نكون غرباء فيه".
كما أن لهم حسابا على موقع يوتيوب يعرضون فيه مقاطع من أنشطتهم، وهم يركبون دراجات نارية أو يتحركون في مجموعة كبيرة من الرجال الذين يرتدون قمصانا سوداء تحمل شعار الجماعة.
ويستعرض أحد فيديوهاتهم حديثا للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وهو يدعو للتركيز على التعاليم المسيحية، ما يثير تساؤلات حول اقتدائهم بترامب وأنصاره اليمينيين المتطرفين.
ومن منشوراتهم أيضا، يظهر أن "جنود الرب" يعادون كل ما هو غير ديني، إلى جانب اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، وتيار الرئيس السابق ميشال عون رغم أنه مسيحي ماروني، لكنه حليف لحزب الله.
كما يرفضون الزواج المدني والشذوذ الجنسي والإجهاض، ويعتمدون في التعبئة على تمجيد الحروب الصليبية، بحسب موقع "اللبنانية" في 3 ديسمبر 2022.
وتشير تقارير الأجهزة الأمنية إلى أن الجماعة تتلقى دعماً دينياً من الأب نقولا شلهوب كاهن رعية الشيخ طابا للروم الأرثوذكس والأب طوني رزق من زحلة.
مليشيا مسيحية
رغم أن "جنود الرب" لم يظهروا في أي من تحركاتهم العلنية وهم يحملون سلاحا، إلا أن صحيفة "النهار" اللبنانية هاجمتهم في 14 ديسمبر 2022، تحت عنوان "منظمة غامضة.. هل تتحول إلى مليشيا مسلحة مسيحية؟".
وردت الجماعة على الصحيفة بعنف، مؤكدة أنها جماعة دينية مسيحية تخدم الإنجيل، لا مليشيا مسلحة، فاضطرت الصحيفة لتغيير العنوان إلى "التطرّف مرفوض مسيحيا... لا بيئة حاضنة لـ"جنود الرب".
لكن الجماعة المسيحية اشتبكت مع مسلمين شيعة مرتين، الأولى كانت في منطقة الطيونة في أكتوبر 2021 حين تصدى أفرادها لمتظاهري حزب الله الذين عرجوا على حي عين الرمانة المسيحي في طريق عودتهم من تظاهرة بشأن تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، ما تسبب في سقوط قتلى وجرحى.
كما دخل "جنود الرب" في عراك مع شبان اقتحموا بدراجات نارية ساحة "ساسين" التي كانت تعج بأجواء الميلاد، يوم 10 ديسمبر 2022، ظنا أنهم أعضاء في حزب الله، لكن تبين أنهم كانوا يحتفلوت بفوز المغرب في كأس العالم.
وانتقدت صحيفة "النهار" قيام جنود الرب بدور "الأمن الذاتي"، وخصوصاً في المناطق المسيحية، واتهمتهم بالعنف.
قالت: إنهم يستعرضون نشاطاتهم وعضلاتهم عبر قناتهم على يوتيوب لاعتمادهم على ضخامة الجسد واللحية الطويلة والصلبان المتدلية من الرقبة، ومرافقة الترانيم الدينية لجميع نشاطاتهم.
مع هذا، حصل "جنود الرب" على تأييد أطراف مسيحية، دعمت أنشطتهم في حماية المسيحيين.
حيث أصدرت "الجبهة المسيحية" (تشكلت من أحزاب مسيحية في نوفمبر 2022 ومقرها بالأشرفية) بيانا في 5 ديسمبر 2022، أكدت فيه أحقية المسيحيين في حماية أمن مناطقهم وأهلهم بالتعاون مع الأمن.
وتضمن بيان "الجبهة" خطاباً طائفياً موجهاً لحزب الله، يحمله مسؤولية الحملة ضد "جنود الرب".
إذ قالت إن "الحملة تُثبت انزعاج حزب الله وشل قدراته في انتهاك أمن المجتمع المسيحي وكرامته، متناسيا أنه مليشيا احتلال تسيطر على لبنان بقوة سلاحها الإيراني".
وتقول وكالة الأنباء الفرنسية عن هذه الجماعة في أحدى تقاريرها، إنها "تتمتع بالإفلات من العقاب وبحماية القانون"، وقد أدى تغاضي الشرطة اللبنانية عما تفعل إلى قلق المنظمات غير الحكومية في لبنان.
لكن مع ذلك، رأت صحيفة "النهار" في 14 ديسمبر، أنه "لا تخوف من امتداد الظاهرة، أو تحولها إلى مليشيا مسلحة، فالبيئة المسيحية أو المناطق التي بأغلبها يقطنها سكان مسيحيون لن تقبل بشرطة آداب مسيحية في مناطقها".