"يراوغ ويخادع".. ماذا وراء طلب نتنياهو تمديدا جديدا لمهلة تشكيل الحكومة؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور نحو شهر ونصف على إعلان فوز معسكر بنيامين نتنياهو بالانتخابات البرلمانية (الكنيست)، مازالت هناك عثرات تعترض طريق رئيس الوزراء العائد إلى منصبه بشأن تشكيله للحكومة.

وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلنت لجنة الانتخابات الإسرائيلية، فوز معسكر نتنياهو بالانتخابات، بحصول كتلته على 64 مقعدا، مقابل 50 مقعدا لمعسكر رئيس الوزراء المنتهية ولايته، يائير لابيد.

عثرات وعراقيل

وتناول تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية بعض العثرات التي تواجه نتنياهو مع تحالفه المكون من تحالف الصهيونية الدينية، وحزب شاس، وحزب يهودوت هتوراة.

وذكر أن نتنياهو، المعروف بالميل إلى البطء وتأجيل اتخاذ القرارات السياسية، حاول التغلب على هذا الطبع المتجذر، وحدد هدفا طموحا، يتمثل في تشكيل حكومته السادسة في غضون أسبوعين.

غير أن العادات القديمة لا تموت بسهولة، فقد انقضى الأسبوعان منذ فترة طويلة، وتحولت مفاوضات نتنياهو مع حلفائه إلى متاهة من المطالب والشروط التي لا نهاية لها.

ليعود نتنياهو مرة أخرى إلى عادته في التسويف، ويطلب من الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2022، تمديد التفويض لتشكيل الحكومة لمدة أسبوعين.

وكانت إستراتيجية نتنياهو في الأصل تقوم على توقيع حلفائه صفقة ائتلافية هزيلة توزع بموجبها الحقائب الوزارية على وجه السرعة، بينما تؤجَّل الخطط والإصلاحات والميزانيات إلى ما بعد أداء الحكومة اليمين الدستورية.

وهكذا، فإن محاولة نتنياهو للتخلي عن طبيعته المماطِلَة جاءت بنتائج عكسية في الواقع، ذلك أنها أثارت شكوك حلفائه ودفعتهم للمطالبة بالتفاوض على التفاصيل وعدم تجاهلها.

ويورد التقرير أن أحزاب الكتلة اليمينية المتطرفة، بقدر ما هي منسجمة من الناحية الإيديولوجية، إلا أن بينها خلافات وصراعات، تذكيها المصالح الذاتية والتنافس على الحقائب الوزارية.

ولهذا السبب، تباطأ تشكيل الحكومة، ومع الوقت ازدادت شهية حلفاء نتنياهو وقدموا له المزيد والمزيد من المطالب. 

ولم تعد تلك المطالب خاصة بالحقائب الوزارية فقط، بل تجاوزت ذلك لتشمل الإصلاحات طويلة الأجل، والميزانيات، والقرارات المصيرية للحكومة.

على سبيل المثال، طالب وزير المالية المعين، الداعم للتوسع الاستيطاني، بتسلئيل سموتريتش، بمنحه سلطة على الإدارة المدنية في الضفة الغربية، وحصل عليها.

كما أن المتطرف، إيتمار بن غفير، حصل على منصب وزير الأمن القومي (وزارة مستحدثة من الأمن الداخلي)، علاوة على صلاحيات واسعة على الشرطة وقوات حرس الحدود المنتشرة بالضفة الغربية.

وكذلك، حصل اليهودي المناهض للشذوذ، آفي ماعوز، على رئاسة هيئة "الهوية اليهودية"، كما نقل وحدة وزارة التربية والتعليم المسؤولة عن المناهج الخارجية والشراكات إلى سيطرته، وفق الصحيفة.

الأمر الذي سيمنحه سلطة على الهيئات غير الرسمية التي يجري تجنيدها للتدريس أو إلقاء المحاضرات في المدارس، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

بدورها، أضافت "جيروزاليم بوست" أن تلك الأحزاب "الأرثوذكسية اليهودية المتشددة" طالبت برواتب ومخصصات غير مسبوقة للمدارس الدينية، وغير ذلك الكثير.

ومع عدم وجود بديل سياسي عملي، منفتح على التفاوض مع نتنياهو، لم يستطع الأخير أن يتفوه بكلمة "لا" لحلفائه المتعطشين للسلطة.

ويشير التقرير إلى أن التحالف الفائز بالانتخابات استطاع بالفعل توزيع بعض الوزارات حتى الآن، غير أن الخطط والالتزامات الأيديولوجية لا تزال محل جدال.

خدعة التمديد

وفي المقابل، يرى المعسكر المناوئ لنتنياهو أن طلبه لتمديد فترة تشكيل الحكومة ما هو إلا خدعة، ذلك أن نتنياهو شكل بالفعل حكومته بحكم الأمر الواقع.

إذ صرح كل من وزير القضاء المنتهية ولايته، جدعون ساعر، وزعيم حزب العمل اليساري، ميراف ميخائيلي، بأن نتنياهو يراوغ ويخادع، ويستخدم التمديد لتمرير مشاريع قوانين إشكالية، له فيها مصلحة شخصية.

فالحكومة القادمة لديها مخزون من التشريعات ترغب في تمريره قبل أداء اليمين الدستورية، من ذلك قوانين اشترطها حلفاء نتنياهو عليه للتحالف معه.

أبرز تلك القوانين، هو ما احتاجه رئيس حزب "شاس"، أرييه درعي - الذي من المقرر أن يرأس كل من وزارتي الداخلية والصحة- من إصدار قانون خاص لتجاوز إدانته في الجرائم الضريبية، وإنفاذ قرار تعيينه.

ففي 13 ديسمبر 2022، صدق الكنيست على قانون يسمح لـ" درعي" بأن يصبح وزيرا على الرغم من الحكم عليه في يناير/كانون الثاني 2022، بالسجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ لارتكابه مخالفات ضريبية.

ورغم ذلك، ترجح "جيروزاليم بوست" أن تسويف نتنياهو ليس احتيالا إستراتيجيا أو خداعا منه، ولكنه نتيجة طبيعية لمفاوضات جرى التعامل معها بشكل سيئ، من موقف تفاوضي حرج.

فقد كرس نتنياهو نفسه بشكل كامل لكتلته من اليمين المتطرف، التي منحته حصانة من قضاياه الجنائية، ووعدت بتقديم الدعم له لإلغاء أو وقف محاكمته بتهم الفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشوة.

ويؤكد التقرير أن نتنياهو لم يحاول مجرد محاولة أن يتظاهر بأن لديه أوراق ضغط أخرى، أو بدائل متاحة، حين فرض عليه كل من سموتريتش أو بن غفير تلك المطالب. 

فقد كان بإمكان نتنياهو أن يرفع سماعة الهاتف للحديث إلى لابيد، أو بيني غانتس (وزير الجيش المنتهية ولايته)، حتى ولو كانت خطوة مكشوفة؛ فقط ليبلغ شركاءه أنه يمكن استبدالهم والاستغناء عنهم، بحسب الصحيفة.

لكن بدلا من ذلك، اختار نتنياهو التعامل معهم، والاستسلام لجميع مطالبهم تقريبا، وهم الآن يرفعون من سقفها يوما بعد يوم.

وتنقل الصحيفة أن أحد المقربين من نتنياهو، قال له حيال تلك المفاوضات: "هذا ما يحدث عندما يكون هناك طرف واحد فقط هو الذي يُعطي، والآخر يأخذ ما يريد". 

وترصد "جيروزاليم بوست" أنه كلما طال أمد المفاوضات، ازدادت الانتقادات والاحتجاجات العامة على شخصيات الوزراء الجدد ورؤاهم المتطرفة.

فالجهاز القضائي يحذر من تغييرات واسعة النطاق في المنظومة القانونية، وكبار ضباط الأمن يدقون ناقوس الخطر بشأن تولي "بن غفير" للإدارة المدنية، ورؤساء البلديات يهددون بعدم التجاوب مع قرارات "ماعوز" التعليمية.

كما يعارض المعلمون ومديرو المدارس تقسيم وزارة التربية والتعليم، بينما يحتشد مسؤولون سابقون في الشرطة لمعارضة الصلاحيات الواسعة المعطاة لـ"بن غفير".

وبالنظر إلى الأغلبية البرلمانية الواسعة لنتنياهو، تجد المعارضة صعوبة في إيقاف أي تحركات في الكنيست، لذلك فهي تحول تركيزها إلى الشارع.

في هذا الإطار، خرجت، في 9 ديسمبر 2022، احتجاجات، نظمها لابيد، للاعتراض على سياسات الحكومة القادمة، التي وصفها بأنها "الأكثر تطرفا وجنونا في تاريخ إسرائيل".

وترى الصحيفة أن الاحتجاجات التي تنظمها القوى الليبرالية ربما هي الطريقة الوحيدة لكبح جماح حلفاء نتنياهو وتهدئتهم، خصوصا أن الأخير ليس لديه حليف وسطي، يحقق التوازن مع شركائه الراديكاليين المتشددين.

ويشير التقرير إلى أن المخاض العسير الذي تمر به عملية تشكيل الحكومة، يمكن أن يكون أيضا علامة على المستقبل.

فقد خضع نتنياهو لرغبات حلفائه في تشكيل الحكومة، ولكن ما إن تتشكل بالفعل، فلن ينفذ بالضرورة كل ما وعد به، وهذه عادة سيئة أخرى معروفة عنه.

ومن وجهة نظر نتنياهو، للائتلاف هدف واحد مُلح، وهو تمرير التشريعات التي من شأنها إنهاء مشكلاته القانونية.

وبعد ذلك، قد يقرر التخلي عن كتلته، والعودة إلى أساليبه القديمة، ومحاولة استبدال أحد شركائه الراديكاليين بلاعب أكثر اعتدالا إلى جانبه، مثل غانتس، حسب وصف الصحيفة.

ومع انتظار هذا، فإنه في حال نفذ نتنياهو وحلفاؤه حتى نصف ما يعدون به الآن، فسيكون الأوان قد فات لتدارك كوارثهم، وفق تقدير الصحيفة.