علاقتها جيدة بالطرفين.. ما مصلحة تركيا من التوسط بين المغرب والجزائر؟

الرباط - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بفضل علاقاتها الجيدة مع البلدين، أكدت تركيا استعدادها لتنفيذ وساطة لحل الخلاف بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء الغربية.

وبدأ نزاع "الصحراء الغربية" منذ سنة 1975، عقب خروج المستعمر الإسباني من جنوب المغرب، وبعدها مباشرة طالبت "جبهة البوليساريو" بالاستقلال عن المملكة وبحق تقرير المصير، وهو طرح دعمته الجزائر.

وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلن السفير التركي لدى المغرب، عمر فاروق دوغان، أن أنقرة مستعدة لتقريب وجهات النظر بين البلدين.

وقال السفير التركي، في مقابلة مع موقع "ماروك إبدو الدولي" بالفرنسية، "نؤيد التنمية العادلة في المنطقة، ومستعدون للمساعدة في عملية التقارب بين المغرب والجزائر".

وتسبب النزاع حول الصحراء الغربية، الذي يعد الأطول في إفريقيا، في خسائر كبيرة للجارين المغرب والجزائر لم تتوقف منذ 47 سنة.

وأوضح دوغان، أن هناك "طرفا ثالثا" لم يسمه يستفيد من الصراع المغربي والجزائري، مضيفا "ما عليك سوى إلقاء نظرة على خريطة العالم بأسره ومشاكل الحدود بين البلدان كما هو الحال في إفريقيا، لمعرفة الكيانات التي تستفيد من هذا الوضع". 

وأفاد السفير التركي، "إننا نريد أن تتمكن الجزائر والمغرب من الجلوس والاتفاق والتوصل إلى حل وسط".

وأكد أنه "لهذا السبب فإنني أعلق أهمية كبيرة على سياسة اليد الممدودة التي كررها الملك محمد السادس في خطاباته الأخيرة من أجل إيجاد حل لنزاع الصحراء"، مضيفا "ننتظر أن تستجيب الجزائر لنداءات العاهل المغربي".

وتقف خلف هذا الصراع المستمر مصالح اقتصادية وسياسية معطلة بين المغرب والجزائر. وفي ظل هذه الوضعية الصعبة يأتي إعلان تركيا عن استعدادها لتنفيذ وساطة لتقريب وجهات النظر في الخلاف حول قضية الصحراء الغربية. 

فما خلفيات إعلان تركيا عن استعدادها لتنفيذ هذه الوساطة بين الجارين؟ وهل هناك أي مؤشرات لنجاح هذه الوساطة؟

تعزيز المكانة

الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية، أحمد نور الدين، يرى أن "تركيا تبحث عن تعزيز مكانتها كقوة دولية صاعدة" من خلال إعلان استعدادها للتوسط بين البلدين.

وأضاف نور الدين، أن "هذا ما يفسر جزئيا ديناميتها للوساطة في النزاعات الدولية سواء بين أوكرانيا وروسيا، أو أذربيجان وأرمينيا، أو بين قطر والسعودية في بداية النزاع، وفي الأزمتين الليبية والسورية، وفي الصومال وإثيوبيا، وغيرها من الأزمات".

وبالتالي، يقول نور الدين، في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "تركيا ترغب في إعادة تموقع إستراتيجي على الساحة الدولية، والمنطقة المغاربية جزء من هذا الطموح".

وإلى جانب هذا البعد الجيوسياسي، هناك بعد اقتصادي محض يكمن في رغبة أنقرة بتوسيع نفوذها التجاري وتعزيز وجود شركاتها في المنطقة العربية عموما، بحسب تقديره.

وأشار إلى أنه "بعد الربيع العربي تضررت علاقات تركيا مع جيرانها في سوريا والعراق ودول الخليج ومصر، وهذا ما يفسر تزايد تركيزها على الدول المغاربية".

وأفاد نور الدين، أنه "يمكن أن نضيف عنصرا ثالثا وهو صراعها الاقتصادي وحتى الإيديولوجي مع فرنسا، مما يجعل من مزاحمة باريس في أسواقها التقليدية هدفا بحد ذاته".

بدوره، رأى رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية نبيل الأندلوسي، أن تصريح السفير يدخل في إطار توجه السياسة الخارجية التركية لتعزيز تموقعها بالقارة الإفريقية، والمنطقة المغاربية بشكل أساسي.

وهي محاولة منها للتضييق على الأدوار التقليدية لبعض الدول، وعلى رأسها فرنسا، بهذه المنطقة ذات الحساسية الجيوإستراتيجية، بحسب ما قال الأندلوسي لـ "الاستقلال".

وأضاف أن الاهتمام التركي بالدول الإفريقية ليس وليد اليوم، إذ سبق للخارجية التركية أن بلورت إستراتيجية "سياسة الانفتاح على إفريقيا"، وأعلنتها سنة 1998.

ويعد عام 1998 بداية الانفتاح التركي نحو إفريقيا حيث تبنت أنقرة سياسة الانفتاح على القارة، والتي تعززت مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002.

ودشنت الحكومة التركية بعدها بثلاث سنوات فقط ما أطلق عليه "خطة إفريقيا"، ثم كانت الانطلاقة القوية عام 2008 مع تدشين القمة الأولى للتعاون الإفريقي-التركي بإسطنبول.

وعد الأندلوسي، أن هذه الإستراتيجية جاءت لتحقيق نقلة نوعية وتعزيز علاقات الشراكة والتعاون بين تركيا والدول الإفريقية على صعيد العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية.

ومن جانب آخر، يؤكد الأندلوسي، "تطمح تركيا لتحسين علاقاتها بمحيطها العربي والإسلامي، والتموقع كقوة إقليمية ذات تأثير".

وتراهن تركيا على علاقتها الجيدة مع الجارين المغرب والجزائر في طرحها لمبادرة الوساطة لحل الخلاف حول قضية الصحراء المغربية، لكن هناك صعوبات كبيرة تعترضها.

فرص ومحاولات

وفي 30 يوليو/تموز 2022، جدد ملك المغرب محمد السادس، في خطابه السنوي بمناسبة الذكرى الـ 23 لتوليه الحكم، الدعوة لعودة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع الجارة الجزائر، معربا عن تطلعه إلى العمل مع الرئاسة الجزائرية "لإقامة علاقات طبيعية"، ومؤكدا الرغبة "في الخروج من هذا الوضع".

الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، جدد التذكير بأن الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبون كان قد أعلن رسميا رفضه أي وساطة مع المغرب، في عدة مناسبات، ومنها تصريحه للتلفزيون الرسمي الجزائري في الأسبوع الأول من نوفمبر 2021.

وجاء هذا التصريح بعد حوالي أقل من شهرين على قطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية من طرف واحد مع جارتها المغرب.

وفي 24 أغسطس/آب 2021، أعلنت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع جارتها المغرب، جراء ما قالت إنها "سلسلة مواقف وتوجهات عدائية".

وطبع المغرب علاقاته مع إسرائيل، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، مما كان له الأثر البالغ في تدهور العلاقات، خاصة بعد امتداد تعاونه مع دولة الاحتلال إلى الجانب العسكري والأمني.

وأوضح نور الدين، أن إعلان الرئيس الجزائري رفضه أي وساطة مع المغرب أكده وزير خارجيته رمطان لعمامرة في عدة تصريحات. 

وأضاف أن "هذا موقف ثابت للنظام الجزائري، فقد سبق للرئيس التركي خلال زيارته للبلدين في يوليو/تموز 2013، وكان وقتها رئيسا للحكومة، أن اقترح وساطة بين البلدين الجارين فكان أيضا الرفض من قبل الجزائر".

وأردف أن نفس الأمر كان بالنسبة للرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي خلال جولته المغاربية سنة 2012، وصولا إلى العرض السعودي بالوساطة قبيل القمة العربية في الجزائر، مبينا أنها "في كل مرة كانت ترفض الوساطة". 

وشدد على أنه "لا يمكن تفسير إصرار الدولة الجزائرية رغم تغير الرؤساء على رفض الوساطة إلا لكونها لا ترغب في أن يكتشف الوسيط أيا كان تركيا أو عربيا وجهها الحقيقي العدواني تجاه المغرب"، وفق تعبيره.

ورأى نور الدين، أن الجزائر "لا تريد وساطة توقف دعمها العسكري والدبلوماسي والإعلامي لميلشيات البوليساريو الانفصالية"، بحسب وصفه. 

وكانت الجزائر قد دعت الملك محمد السادس لحضور القمة العربية التي عقدت فيها مطلع نوفمبر 2022، غير أنه لم يحضر، واكتفى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بتمثيل بلاده في القمة، مما يؤشر لاستمرار أزمة العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين.

وأشار إلى أن الجزائر تعلم أن "أي وساطة، ستقترح على الطرفين كخطوة أولى لبناء الثقة وإبداء حسن النوايا، يجب أن تدفع لوقف كل طرف عن الأعمال العدائية".

وتابع أنه "في هذه الحالة سيطلب من الجزائر وقف دعمها للمليشيات الانفصالية في تندوف، ومنع أي عمل مسلح ينطلق من أراضيها ضد المغرب، إضافة لوقف الإذاعة والتلفزيون الانفصاليين اللذين يبثان من الجزائر".

كما سيطلب منها، وفق نور الدين، "وقف الحملات الدبلوماسية للترويج للانفصال في الصحراء المغربية"، مؤكدا أنه "لذلك تستبق الجزائر الوقوع في موقف الإحراج برفضها الحديث عن أي وساطة"، بحسب قوله.

أما الأندلوسي، فيرى أنه رغم الصعوبات التي تحيط بمهمة تركيا، خاصة في الظروف الحالية التي بات فيها التصعيد الجزائري ضد المغرب عنوانا لهذه المرحلة من تطور العلاقات المغربية الجزائرية، فإن نجاحها في وساطتها لحل وتقريب وجهات النظر سيعزز تموقعها بالقارة الإفريقية، والمنطقة المغاربية بشكل أساسي.

وبين أن "تركيا تجمعها علاقات دبلوماسية متميزة مع المغرب والجزائر على حد سواء"، مستدركا "لكن نجاحها في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، ووفق المعطيات الحالية مسألة مستبعدة بسبب ثوابت كل بلد".