"شيعي مدعوم من إيران".. ما مدى صحة الاتهامات الموجهة إلى قيس سعيد؟

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

عام 2019، اكتسح قيس سعيد الانتخابات الرئاسية في دورها الثاني بشعبية جارفة تجاوزت 72 بالمائة من أصوات الناخبين في مواجهة مرشح حزب "قلب تونس" نبيل القروي.

في ذلك الوقت، كان الفيلسوف والمفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي يحذر التونسيين من انتخاب سعيد، الذي اتهمه حينها بأنه "دمية إيرانية"، وأنه سيخذل كُل من انتخبه، وكُل من ظن أنه طاهر ونظيف.

هذه الاتهامات، انتقلت تدريجيا إلى أطراف أخرى منها أحزاب تعارض قيس سعيد ومشروعه السياسي خاصّة بعد الانقلاب الرئاسي في 25 يوليو/ تموز 2021.

ومنها شخصيات ساندت خياراته على غرار العميد السابق لكلية الحقوق، المنسق العام للجنة صياغة الدستور الصادق بلعيد وقيادات حراك 25 يوليو التي اتهمت السلطة الجديدة برعاية "المد الشيعي" في تونس.

شقيق الرئيس

في آخر ندوة صحفية لحراك 25 يوليو المعروف بتأييده رئيس الجمهورية، طالب رئيس مكتبه السياسي، عبد الرزاق الخلولي، يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، سعيد، بإبعاد شقيقه نوفل سعيد من قصر قرطاج، لأنه يضر بمسار 25 يوليو.

وأكد الخلولي على أن لديهم أدلة تفيد بأن نوفل يقيم في قصر قرطاج ويتبنى الفكر الشيعي، بينما قصر قرطاج ملك للشعب التونسي كما عبر عن تخوفه من أن يعترف القصر بصفة رسمية بالمد الشيعي في تونس.

وبدأت أصابع الاتهام توجّه إلى نوفل سعيد منذ تقديمه لمحاضرة بعنوان " العرب وسؤال إيران" ألقيت في ندوة لجمعية رابطة تونس للثقافة والتعدد، وهو ما اعتمد لاحقا سببا للتدقيق في محيط قيس سعيد من العائلة والمستشارين ومناصريه.

ونوفل هو الشقيق الأصغر لقيس سعيد، ولم يظهر في أي لقاءات لشقيقه منذ العام 2011، ولكن خلال فترة الحملة الانتخابية في العام 2019 ، تحوّل إلى المستشار الخاص لشقيقه، وضابط مواعيد الحوارات.

وكان حضوره لافتا خاصة في لقاء عقد مع إعلاميين في مقر حملة سعيد وسط العاصمة بعد الإعلان عن نتائج الدور الأول من الانتخابات، وظهر نوفل حينها كصاحب القول والفصل في حملة الرئيس سعيد.

وبعد وصول سعيد لقصر قرطاج، تدريجيا تحول نوفل سعيد من ناشط في المجتمع المدني وأستاذ في القانون الدستوري إلى "شقيق الرئيس" والمفسّر الأول لمواقفه وخطاباته.

وقد تكون الأزمة السياسية في البلاد قد سلطت عليه الأضواء ولا سيما مع نشاطه المكثف عبر تدوينات بفيسبوك تجاوزت تقديم قراءات دستورية ومواقف وردود وتوضيحات إلى التهديد والوعيد لمعارضي الرئيس.

حتى تحوّل نوفل سعيد إلى لاعب في الساحة السياسية ومحل تدقيق وتفتيش لا من قبل معارضي شقيقه فقط بل حتى من مؤيديه، من الباحثين عن موقع متقدّم في النظام.

ولا تتوفر أرقام رسمية حول عدد الشيعة في تونس، غير أن دوائر بحثية تقدر عددهم بـ"الآلاف"، ويمارسون شعائرهم وطقوسهم بحرية ودون أن يتعرضوا إلى أي نوع من المضايقات.

علما أن المسلمين يمثلون حوالي 98 بالمئة من العدد الإجمالي لسكان تونس البالغ نحو 11 مليونا.

المحور الإيراني

من جانبه، أكد المتحدث باسم حراك 25 يوليو حاتم اليحياوي لـ"الاستقلال"، أن "نوفل سعيد أصبح يتدخل بشكل واضح في الشأن السياسي، ويبدو أن هناك مؤامرة تحاك ضد تونس للزج بها في متاهات إقليمية من خلال ترك المد الشيعي في البلد".

وأضاف اليحياوي: يجرى الزج بتونس في متاهات التحالفات الإقليمية، ونوفل سعيد أصبح يتدخل في الساحة السياسية بصفته شقيق الرئيس والذي يرى أن التحالف مع إيران إيجابي ويخدم التونسيين في حين أننا نرى أن الأولى بنا العمل على بناء شراكة مع دول المغرب العربي".

وكشف أن البرلمان القادم سيكون طريقا لسن القوانين في علاقة بالنظام الشيعي وأن الحراك لن يسمح بأن تكون تونس أرضا للمذهب الشيعي، زاعما أنه "أخطر ألف مرة من الإسلام السياسي"، على حد تعبيره.

ومضى اليحياوي يقول: "من حق شقيق الرئيس أن يعتقد كما يشتهي ولكن عليه أن يبتعد عن قصر قرطاج".

فيما رأى الباحث والناشط التونسي محمد علي الحراث أن ما يحصل في تونس ليس تحالفا بين النظام الجديد والنظام الإيراني إنما هو علاقة هيمنة وولاء.

وأضاف الحراث لـ"الاستقلال"، أنه " لا يوجد تحالف بين النظامين، لأن التحالف يعني وجود طرفين متساويين نسبيا وكيانين مستقلين عن بعضهما".

وتابع: "حتى نفهم ذلك علينا أن نفهم البعد العقائدي والتركيبة الفكرية لمبدأ ولاية الفقيه التي يقوم عليها النظام الإيراني، لأن الشيعة يؤمنون بالإمامة أي أن ولاية الأمة تأتي بتكليف رباني، وعليه فإنك تجد داخل تركيبة النظام السياسي الإيراني منصبي الإمام المرشد الولي الفقيه ورئيس الجمهورية".

وأوضح الحراث أن "المرشد ويسمى كذلك ولي أمر المسلمين هو الحاكم المطلق أما رئيس الجمهورية فهو محدود بجغرافيا الدولة الإيرانية".

ومضى يقول: "القائد الأعلى والمرشد هو علي خامنئي وله ولاة بأسماء مختلفة في العالم الإسلامي، بشار الأسد في سوريا، الحوثي في اليمن، علي السيستاني في العراق لأنه الحاكم الحقيقي".

إضافة إلى حسن نصر الله في لبنان، وإبراهيم رئيسي في إيران وقيس سعيد في تونس، هذه هي الدول التي تمكنت منها إيران والهدف السيطرة على كل العالم الاسلامي، يؤكد الحراث.

هواجس دستورية

وفي معرض انتقاده لدستور قيس سعيد الجديد الذي مرره عبر استفتاء قاطعه التونسيون يوم 25 يوليو/ تموز 2022، كان قد أكد أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد أن هذا الدستور يؤسس لنظام دكتاتوري فرعوني.

وأضاف في ندوة بالعاصمة تونس في 23 يوليو، أنه وفق دستور سعيد سيكون هو الراعي الوحيد للمشاعر الدينية ولمقاصد الإسلام ومبادئ الدين الحنيف، مضيفا: "وهو ما يعني أن فرعون أصبح اليوم بابا".

كما أشار بلعيد الى خطورة إلغاء تعيين مفتي الديار التونسية، معتبرا أنّه عندما تهدأ الأمور سوف يتولى رئيس الجمهورية القيام بتكوين مجلس أعلى للشؤون الدينية .

في المقابل ألمح العميد الصادق بلعيد إلى إمكانية تكوين أرضية سياسية لولوج المدّ الشيعي الإيراني إلى تونس، معربا عن خشيته أن نجد أنفسنا اليوم تحت قبضة الحكم الشيعي بعد مرور ألف سنة عليه في تونس، في إشارة إلى عهد الدولة الفاطمية الشيعية.

وفي ختام كلمته توجّه العميد الصادق بلعيد برسالة تحذير الى جميع التونسيين مفادها: "يجب أن تستفيقوا وإن عدلتم عن ذلك فإن الخطأ كبير والخطر قادم وداهم".

وقبل ذلك، استنكر الحزب الدستوري الحر ما سماه في بيان نهاية فبراير/ شباط 2022، "استناد سعيد إلى فكر فيلسوف إيراني شيعي مرتبط بدولة البويهيين، وجعله مرجعا في مجال إرساء العدالة وإصلاح منظومة القضاء".

وجاء هذا البيان ردا على استشهاد سعيد، بالعالم الراحل "ابن مسكويه" (932-1030)، مدعيا أنه عالم عربي، عند حله المجلس الأعلى للقضاء، زاعما أن وظيفته خاضعة للسلطة التنفيذية، وليس سلطة مستقلة.

وأعرب الحزب عن رفضه توجيه تونس نحو منهج الحكم الإيراني، والزج بها في متاهات القضايا الدولية الشائكة، وتطويعها لخدمة محاور إقليمية، مهما كان نوعها، ومهما كان المقابل من وراء ذلك.

من جهته، قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، معلقا على ميول شيعية لدى قيس سعيد: "تظهر لنا وجوه لا نعرفها في الحياة السياسية من باب البحث عن الرأي الآخر.. تذكرنا بالتشيع.. وبالدعاة الذين يكمنون، ويربونهم في السر ثم ينطلقون في الآفاق بلغة واحدة". 

الحشد الشعبي

وبعد انقلاب 25 يوليو 2021، برزت على السطح شخصيات ومجموعات سياسية ضاعفت من الريبة والشك حول انتمائها الإيديولوجي وولائها لجهات خارجية، ولعلّ أبرزها وأكثرها إثارة للجدل تنظيم الحشد الشعبي.

تحصل حزب "الحشد الشعبي" بتونس على التأشيرة القانونية وفق ما صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 17 مايو/ أيار 2022.

ويشير تعريف الحزب إلى أنه "سياسي وسطي، يهدف إلى الرقي بتونس نحو التطور والتقدم، ويدافع عن مدنية الدولة ومبادئ الديمقراطية، وعلوية القانون وإعلاء قيم العدل والاعتدال والتسامح بين الجميع".

إلا أن التسمية تحيل إلى المليشيا العراقية المسلّحة التي تشكّلت إثر فتوى صادرة عن المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني في عام 2014، وتلقت دعما من الحرس الثوري الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني الذي قتل في قصف أميركي رفقة قائد الحشد الشعبي مهدي المهندس عام 2020.

ولا يخفى على المتابعين للشأن السياسي التونسي أن كلّ الأحزاب السياسية القومية في تونس، تقف ضد الموقف الإيراني، في ملفات حرب اليمن والثورة السورية ونفوذ جماعة حزب الله الشيعي في لبنان.

وبحسب متابعين فإن أنشطة المجموعات الشيعية المقربة من إيران أخذت تأخذ شكلا علنيا بعد انقلاب 25 يوليو 2021، حيث يرون أن حجمها وتكررها ومساهمة السلطة القائمة فيها ترفع عنها احتمالية أن تكون مجرد صدفة.

حيث شهدت العاصمة تونس، بين 26 و29 مايو 2022 في مدينة الثقافة –الشاذلي القليبي بتونس فعاليات الدورة الثالثة من أيام فنون المقاومة والتحرير بتعاون بين جمعيتي وفاء للثقافة والفنون التونسية، والجمعية اللبنانية للفنون رسالات والتي تعد الجناح الثقافي لجماعة حزب الله.

وكان حفل الافتتاح بحضور السفير الإيراني بتونس، ووالي مدينة تونس (المحافظ) كمال الفقي، والقيادية في حزب التيار الشعبي مباركة البراهمي.

وأحيا العشرات من معتنقي المذهب الشيعي نهاية سبتمبر/ أيلول 2022 الذكرى الثالثة لوفاة الداعية الشيعي التونسي محمد صالح الهنشير الذي توفي بحسب مواقع شيعية في ظروف غامضة.

وشارك عدد من الشخصيات التونسية المحسوبة على المذهب وعدد من الشخصيات الدينية القادمة من لبنان والعراق.

كما أصبح لافتا حضور المعمم الشيعي أحمد سلمان على شاشات التلفاز التونسية مدافعا عن مذهبه، وهو الأستاذ في الحوزة العلمية بمملكة البحرين ويدير مركز أهل البيت في تونس.

ونظمت إدارة بيت الحكمة بتونس يوم 21 مايو 2022 محاضرة فكرية أسسها المعمم الإيراني محمد علي ميرزائي تحت عنوان “العرفان الشيعي نحو مرجعية الروح والوحدة الإنسانية”.

فضلا عن محاضرة ثانية بنفس العنوان أسسها ميرزائي يوم  31 مايو 2022 بقصر “المجمع” بشارع الجمهورية بالعاصمة من تنظيم بيت الحكمة أيضا.