مباحثات النظام السوري والجزائر بشأن الغاز.. فرصة للاستثمار أم الإنقاذ؟
.jpg)
يواصل النظام السوري جهوده لتأمين حاجة السوق المحلي من مواد الطاقة، وهذه المرة اتجه إلى حليفته الجزائر التي فشلت حتى الآن في إعادته للحضن العربي.
فمنذ مطلع عام 2022، بدأت الجزائر في محاولات إنعاش نظام بشار الأسد اقتصاديا، عبر عدد من الخطوات التي تسمح بها مواردها الطبيعية والتجارية.
فبعد تشكيل "مجلس الأعمال السوري الجزائري"، في 17 يوليو/ تموز 2022، أعلنت وزارة النفط والثروة المعدنية التابعة للنظام السوري إجراء مفاوضات مع الجزائر في موسكو حول استيراد الغاز المنزلي منها.
وجاءت هذه المباحثات في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 على هامش "أسبوع الطاقة الروسي"، وجرى الاتفاق على تسريع إجراءات إبرام عقد الغاز خلال لقاء وزير نفط النظام بسام طعمة، مع نظيره الجزائري محمد عرقاب.
اللافت أن الجانبين ناقشا كذلك طرق التعاون في الاستكشاف وخامات الثروات المعدنية في سوريا، وفي مقدمتها الفوسفات.
نقص الغاز
وتعاني مناطق نظام الأسد، من أزمات كبيرة في الطاقة عموما، إذ يعد الغاز المنزلي من أولى المواد التي أصبحت نادرة في مناطقه ومقننة منذ عام 2012 عقب خروج آبار النفط والغاز عن سيطرته.
وأسطوانة الغاز المنزلي في مناطق النظام غير متوفرة بشكل سهل، إذ تصل مدة تسلم الواحدة منها لأكثر من 3 أشهر للعائلة، والتي لا تكفي لأقل من شهر.
وتوزع الأسطوانة بسعر مدعوم حكوميا يبلغ نحو 6 دولارات عبر آلية توزيع من خلال "بطاقة ذكية" طبقت منذ عام 2020.
بينما تبقى السوق السوداء، بابا لتأمين أسطوانة الغاز المنزلي بسعر يبلغ نحو 30 دولارا، في وقت لا يتجاوز فيه راتب الموظف الحكومي حاليا هذا الرقم، على خلفية انهيار الليرة التي وصلت لنحو 5 آلاف أمام الدولار الواحد.
ويرمي النظام السوري أزمة الغاز المنزلي في مناطقه على العقوبات الدولية المفروضة عليه ردا على قمعه للثورة الشعبية التي تفجرت في مارس/ آذار 2011.
وكذلك لقلة توفر الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي للاستيراد في ظل ارتفاع التكلفة، فضلا عن خروج معظم مصادر الطاقة عن سيطرة النظام.
إذ تركز 90 بالمئة من ثروتي النفط والغاز بيد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تسيطر على مناطق شمال شرقي البلاد الإستراتيجية.
وبلغ إنتاج سوريا من الغاز قبل عام 2011 نحو 30 مليون متر مكعب يوميا، وهي كمية تكفي حاجة البلد وتفيض، وكان يستخرج معظم الغاز من حقول الحسكة التي تسيطر عليها حاليا "قسد"، وكذلك حقول ريف حمص التي تستولي عليها روسيا.
وفي عام 2008 كان ترتيب سوريا في احتياطي الغاز في المرتبة 43 عالميا، بواقع 240.7 مليار متر مكعب.
ورغم أن أزمة الغاز في سوريا مرتبطة بالحل السياسي في البلاد، كما يؤكد خبراء اقتصاديون، إلا أن نظام الأسد يسعى إلى طرق أبواب بديلة.
وعد جزائري
ولهذا جاء الوعد من الجزائر بتزويد النظام السوري بالغاز ولو من خلال استثمار الأخير ذلك "إعلاميا وسياسيا"، في الوقت الذي تحمل فيه الجزائر لواء إعادة تعويم بشار الأسد عربيا.
وإلى جانب قطر، والسعودية، والإمارات، تحتل الجزائر مراتب متقدمة بين البلدان المنتجة للغاز في المنطقة العربية.
وتنتج الجزائر العضو في منظمة "أوبك" مليون برميل يوميا من النفط الخام، كما تصدر أكثر من 42 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي والغاز المسال سنويا.
وتحتل الجزائر المركز الـ11 عالميا من حيث احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة، فضلا عن أنها تأتي في المرتبة الثالثة باحتياطي الغاز الصخري بعد كل من الصين والأرجنتين.
وزادت الجزائر من إنتاجها من النفط والغاز عام 2021 بنسبة 5 بالمئة إلى 185.2 مليون طن من المكافئ النفطي بينما قفز إنتاج الغاز الطبيعي المسال بنسبة 14 بالمئة.
وفي الوقت الحاضر تحتل الجزائر المرتبة الثالثة بين كبار موردي الغاز للاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج.
ولدى الجزائر عشرات المشروعات التي تتوقع الحكومة أن تدر إنتاجا جديدا، إلا أنها في طريق الإنجاز وليست متاحة حاليا.
وتعد الجزائر شريكا أساسيا للاتحاد الأوروبي في توريد الغاز، وتطور هذا التعاون بصورة ملحوظة عقب الحرب الأوكرانية، وقطع روسيا غازها عن أوروبا والتي تعد أكبر مورد للطاقة لها.
ولذلك فإن امتلاك الجزائر لكميات كبيرة من الغاز المنزلي، لا يعني أنها قادرة بسهولة لمد النظام السوري باحتياجه من الغاز.
فضلا عن افتقار مناطق النظام لمنشآت تسييل الغاز، وعدم وجود خط نقل الغاز من الجزائر إلى سوريا.
كما أن ذهاب الجزائر أبعد من الواقع السوري السياسي والاقتصادي المعقد، وفتح الحديث عن استثمارات وشراكات مع نظام الأسد، تصطدم بكثير من المعوقات.
معوقات كثيرة
وفي هذا السياق، أكد الباحث الاقتصادي" يونس الكريم، لـ "الاستقلال"، أن "الإعلان الجديد بين نظام الأسد والجزائر يأتي في سياق البروبوغندا الإعلامية للنظام".
وأوضح الكريم أن النظام يريد أن يروج رسائل أن الجزائر لا تزال داعمة له رغم فشلها الكبير في إقناع الدول العربية بحضور النظام السوري القمة العربية المزمعة بالجزائر.
وأضاف: "كما أن النظام السوري يحاول أن يشير إلى وجود مؤيدين له في الجامعة العربية مثل الجزائر، التي تحاول أن تمد الأميركيين والأوروبيين بالنفط والغاز مقابل تعويم نظام الأسد".
وعلى مدى أشهر خلت، لم تدخر الجزائر التي تربطها علاقة وثيقة مع روسيا والنظام السوري، جهدا في إجراء زيارات إلى عدد من الدول العربية لإقناعها بالتصويت لصالح عودة الأسد إلى الجامعة، إلا أنها فشلت.
وفي حسم للمسألة، أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، في 4 سبتمبر/ أيلول 2022، عدم مشاركة النظام السوري في أعمال القمة العربية القادمة المقرر عقدها في نوفمبر/ تشرين الأول من نفس العام.
ويؤكد مدير موقع "اقتصادي"، وجود "خروقات كبيرة للجزائر خلال السنوات الأخيرة لصالح النظام السوري على المستوى العسكري والمالي ومنها طباعة العملة السورية التي تجرى في الجزائر".
وزاد الكريم بالقول إن "قانون قيصر ما يزال يقف بالمرصاد لمن يدعم نظام الأسد اقتصاديا بالمحرمات الأربع (التعامل ماليا مع البنك المركزي- قطاع الطاقة- القطاع العسكري- قطاع الطيران)".
وأقرت واشنطن في 2020 قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، والذي يفرض عقوبات على نظام الأسد، وأي دول تتعاون معه في غالبية القطاعات.
ولفت الكريم، إلى أن "النظام السوري لا يملك إمكانية استجرار الغاز من الجزائر كونه لا يملك ثمن دفع الغاز، ولا البنى التحتية، كما أن الجزائر لا يمكنها توريد الغاز على مراحل كونه سيعرضها للعقوبات".
واستدرك: "لكن هناك إمكانية لتجاوز قانون قيصر وذلك عبر استجرار الغاز عن طريق الأمم المتحدة وخاصة أن المانحين الدوليين لسوريا رصدوا 6.6 مليارات دولار، وبالتالي فإن الغاز هو سلعة أساسية للمواطنين الذين يشملهم هذه المساعدات الإنسانية".
وزاد بالقول: "كما يمكن تجاوز قانون قيصر من خلال توريد الغاز عبر تجار بشكل فردي وبيعه بالتالي للمواطنين في مناطق نظام الأسد وإدخاله إلى السوق السوداء".
وأردف الكريم: "إضافة إلى أن هناك نقطة مهمة يمكن للجزائر أن تتلافى قانون قيصر عبر استجرار الغاز إلى لبنان ومن ثم إلى سوريا".
لكن مع ذلك أشار الكريم إلى "وجود تحديات في مسألة توريد الغاز إلى نظام الأسد من الجزائر، وتتمثل بأن الغاز سيكون مسال وبالتالي أين سيجرى تحويله إلى غاز عادي للاستهلاك المحلي؟"
هيمنة روسية
وحول الفوسفات استبعد الكريم، أن "تلجأ الجزائر إلى الاستثمار في الفوسفات السوري كون الأمر محسوما، إذ يقع بيد روسيا التي تستلم تكلفة وقوفها إلى جانب الأسد من استخراج الفوسفات".
وأبدت موسكو رسميا اهتمامها بحقول الفوسفات في سوريا بعد عامين من تدخلها عسكريا عام 2015 لمنع سقوط الأسد، ومنذ ذلك الوقت استولت عبر اتفاقيات مع النظام تستمر لعقود على استخراج الفوسفات.
وجاءت سوريا في المرتبة الخامسة على قائمة الدول المصدرة للفوسفات في عالم عام 2011، خاصة أن الفوسفات السوري يعد من أجود الأنواع بالعالم.
كما أن إيران حليفة الأسد الأولى، تحصل على حصة من الفوسفات، وتتكفل مليشيا الحرس الثوري بنقل كميات منه برا عبر العراق، وكذلك بحرا عبر ميناء اللاذقية.
ولذلك، فإن حديث الجزائر مع نظام الأسد عن الاستكشاف حول خامات الثروات المعدنية كالفوسفات، ربما لسعي النظام للتنقيب خارج قوس الحقول الرئيسة التي تستولي عليها روسيا شرقي سوريا.
وكان وزير الطاقة والمناجم الجزائري، محمد عرقاب، بحث مع سفير النظام السوري لدى الجزائر نمير الغانم، إمكانيات الشراكة والاستثمار في مجال الطاقة مطلع سبتمبر/ أيلول 2022.
وتركزت المحادثات على بحث إمكانيات الشراكة والاستثمار في مجال الطاقة، ولا سيما في مجال المحروقات وتسويق الغاز المسال.
وكذلك في مجال إنتاج الكهرباء والنقل والتحويل الكهربائي والصيانة والتكوين وتصنيع المعدات والطاقات المتجددة.
كما سبق أن صرح وزير التجارة الجزائري كمال رزيق بالقول في فبراير/ شباط 2021 إن "الجزائر تطمح أن تكون سوريا البوابة الآسيوية للمستثمرين الجزائريين".