أحيا مجالس الأعمال مع دول عربية.. ماذا يعيق الأسد لإنعاش اقتصاده؟

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم غياب المناخ الاستثماري الإيجابي في سوريا منذ العقد الأخير، يسبح نظام بشار الأسد عكس التيار طمعا بتجاوز العقوبات الغربية ونفض الغبار عن اقتصاده المنهك بفعل حربه على الثورة.

ومن أجل ذلك اتجه النظام السوري، إلى توسيع شبكات علاقاته الاقتصادية عبر التشبيك مع رجال الأعمال في الدول العربية بعيدا عن الحكومات، بما يعطيه مساحة للتقارب السياسي مجددا.

وفي خطوة جديدة، أصدر وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة الأسد، محمد الخليل في 31 يوليو/تموز 2022 قرارا يقضي بتشكيل "مجلس الأعمال السوري – العُماني"، ويتضمن تسمية رجال الأعمال السوري البارز وسيم قطان رئيسا له.

ويهدف تشكيل المجلس إلى تعزيز دور القطاع الخاص، والاستفادة من إمكانياته في تطوير العلاقات الاقتصادية بين سوريا وسلطنة عمان في مختلف المجالات التجارية والاستثمارية والصناعية والزراعية والسياحية.

ووسيم القطان دمية صنعتها عائلة الأسد في السنوات الأخيرة، لتدير عبرها المشهد الاقتصادي بعد مرحلة رامي مخلوف ابن خال بشار ومدير منظومته المالية الذي أطاح به عام 2020.

وهذا هو المجلس الثاني، بعد تشكيل "مجلس الأعمال السوري الجزائري" برئاسة خالد زبيدي، وفق قرار وزارة الاقتصاد في 17 يوليو 2022.

كما أصدر رئيس حكومة النظام حسين عرنوس قرارا يقضي بتشكيل لجنة للإشراف ومتابعة أعمال ونشاطات مجالس الأعمال السورية المشتركة مع دول العالم.

ونص القرار الذي نشرته جريدة "الثورة" التابعة للنظام في الأول من أغسطس 2022، على تسمية وزير "الاقتصاد والتجارة الخارجية" رئيسا للجنة.

وتشكيل نظام الأسد مجالس أعمال جديدة مع دول عربية في هذه المرحلة، يتناغم مع سعيه الحثيث للعودة لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، التي حرم منها عام 2011 بعد قمعه للسوريين.

لكن إنشاء النظام السوري مجالس أعمال مع سلطنة عُمان والجزائر تحديدا، ليس عبثا، بل لأن هاتين الدولتين تتبنيان جهودا دبلوماسية لدفع مزيد من الدول العربية للتطبيع مع الأسد بعد الإمارات والبحرين والأردن.

وتبدي سلطنة عُمان حاليا اهتماما كبيرا بالاستثمار في قطاع الإسمنت والصناعات الغذائية السورية واستيرادها، وهي على تواصل دائم مع النظام السوري عبر وفود تجارية، وزيارات متبادلة بين وزراء البلدين.

كما أن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة زار في 24 يوليو 2022 العاصمة دمشق في زيارة عمل، والتقى خلالها رئيس النظام بشار الأسد.

تعويم الذات

وأمام ذلك، فإن فتح بعض الدول العربية ذراعيها لنظام الأسد، ومحاولة إنعاشه اقتصاديا يعد خطوة في الاتجاه الذي يسير فيه الأسد نحو إعادة تعويم ذاته بذاته، ولو عبر ما تسمى القوة الاقتصادية الناعمة الممثلة برجال الأعمال.

وتجربة مجالس رجال الأعمال لم تكن ناجحة في ذروة صعود النظام السوري سياسيا قبل الثورة السورية في مارس/آذار 2011.

ففي نهاية عام 2009، أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة السورية قرارا بتحديد أسماء رؤساء 68 مجلسا للأعمال السورية المشتركة مع دول عربية وأجنبية.

لكن عقب اندلاع الثورة السورية، أصبحت تلك المجالس بحكم المجمدة، ولم يحصل تفعيل التعاون الاقتصادي وزيادة حجم التبادل التجاري بين سوريا وتلك الدول كما كان مأمولا، بسبب العقوبات التي فرضت على النظام لقمعه الثورة.

ويؤكد اقتصاديون سوريون بأحاديث منفصلة لـ "الاستقلال"، أن هذه المجالس، لن تؤتي أكلها في المرحلة المقبلة، إلا في حال ارتبط النظام السوري باتفاقيات اقتصادية مشتركة بين دول المجالس تلك، وإلا بقيت بهدف الترويج الإعلامي.

وأوضح هؤلاء الاقتصاديون، أن بعض الدول العربية التي لها علاقات قوية مع النظام السوري مثل الإمارات والعراق والجزائر وسلطنة عمان والأردن، يمكن أن تسهم هذه المجالس في إيجاد أسواق لمنتجاتهم وصناعاتهم انطلاقا من موقع سوريا الإستراتيجي خاصة عبر "الترانزيت" (الانتظار).

تحريك اقتصادي

لكن رغم ذلك، يمكن النظر إلى أن دور مجالس الأعمال يبرز كمركز ثقل لما هو أبعد من الجانب الاقتصادي، عبر الدور الآخر وهو المساهمة بمشروعات النفط، والبيئة، والصناعة، والاتصالات، والمقاولات، وأيضا لتمويل العديد من المشروعات وتدريب الكوادر البشرية في مناطق نفوذ النظام.

وفي هذا السياق، فقد وقع "مجلس الأعمال السوري الإماراتي" و"غرفة تجارة وصناعة أم القيوين" الإماراتية اتفاقية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لتنشيط التعاون ودعم التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية بين مجتمعي الأعمال في البلدين.

وتنص الاتفاقية على تطوير التعاون التجاري والصناعي والزراعي والعمراني وريادة الأعمال في البلدين، مع التركيز على التنمية المستدامة والتطوير العقاري والطاقة المتجددة.

وتأسس "مجلس الأعمال السوري– الإماراتي"، في نوفمبر 2021، وسمي غزوان المصري رئيسا للمجلس عن الجانب السوري.

وحينها قالت وزارة الاقتصاد في حكومة الأسد، إن هدف المجلس تفعيل دور القطاع الخاص في تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين بمجالاته التجارية والصناعية والزراعية والسياحية كافة، وتطوير التعاون في المجال الاستثماري وإعادة إعمار سوريا.

وخلال الفترة الماضية مهد النظام السوري لخطوات اقتصادية لإثبات أن المناطق المدمرة أصبحت بيئة جاهزة للاستثمار.

وبهدف جذب رؤوس الأموال المحلية، أو الأجنبية الدائرة في فلك حلفائه الفعليين، عمد رئيس النظام بشار الأسد، في 19 مايو/أيار 2021 إلى إصدار قانون الاستثمار الجديد (رقم 18) للعام 2021.

وشملت نصوص القانون تقديم مزيد من التنازلات والتسهيلات أمام المستثمرين الأجانب.

كما نص على منح المستثمر إعفاءات جمركية وضريبية غير مسبوقة، لتلغى الرسوم الجمركية والمالية عن مستوردات الآلات والتجهيزات، وخطوط الإنتاج، ووسائط النقل الخدمية للمشاريع الحاصلة على ترخيص استثماري.

إضافة إلى أن القانون الجديد أعفى مشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني من الضريبة على الأرباح بشكل كلي، وكذلك أعفى المشاريع التنموية من ضريبة الأرباح بنسبة 75 بالمئة لمدة 10 سنوات.

كما منح القانون إعفاءات تتراوح نسبتها ما بين 50 إلى 75 بالمئة على ضريبة الأرباح في مشاريع صناعة التقنيات والصناعة الطبية والدوائية والطاقات المتجددة.

وهذه الخطوات لتدوير عجلة الاقتصاد تأتي نتيجة فراغ الساحة السورية من رجال الأعمال البارزين وخروجهم من البلد بسبب الحرب.

ولهذا فإن النظام يحاول فتح آفاق مع رجال أعمال من بلدان عربية بغض النظر عن الموقف السياسي والعلاقة المباشرة مع الأسد.

قوة ناعمة ضاغطة

وهذا ما يشير إليه الباحث ومدير موقع "اقتصادي" المعارض يونس الكريم، بقوله لـ "الاستقلال"، إن "الهدف من إنشاء مجلس أعمال سوري عُماني هو أن السلطنة لديها علاقات مهمة مع دول الخليج العربي وهو ما يتيح التوسط بينها وبين النظام".

ورأى الكريم، أن "هدف المجلس هو إعادة تشكيل وجذب الاستثمارات الخليجية السابقة التي توقفت في سوريا عقب عام 2011، ونسج العلاقات الاقتصادية مع رجال الأعمال ليشكل هؤلاء قوة ناعمة ضاغطة على حكومات دولهم وكمبادرة لفتح العلاقات مع نظام الأسد من جديد".

وبين الباحث الاقتصادي، أن "نظام الأسد يحاول عبر هذه الخطوة جذب الانتباه إلى أن دمشق أصبحت توفر ملاذا ضريبيا آمنا لرجال الأعمال وأنه هناك مسموح كل شيء لجذب المستثمرين".

وزاد بالقول: "كما يلعب النظام السوري على وتر أن رجال الأعمال معفيون من قانون قيصر لأن استثماراتهم شخصية ولا يوجد تعامل مع حكومة الأسد بل فقط مع نظرائهم في الدول الأخرى".

كما سيسهم رجال الأعمال هؤلاء "بدور كبير في مساندة النظام السوري كون الاستثمارات الفردية معفاة من قانون قيصر الأميركي"، وفق الكريم.

وأقرت واشنطن في 2020 قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، والذي يفرض عقوبات على نظام الأسد، وأي دول تتعاون معه في غالبية القطاعات.

ووصف الكريم هذه الخطوة بأنها "تطور خطير يؤكد أن النظام السوري يحاول إعادة تعويم نفسه على حساب المعارضة السورية التي بدأت تختفي من المشهد العام".

ولفت الباحث إلى أن "النظام وضع إستراتيجية تعويم ذاته من خلال البوابة الاقتصادية، وعبر اتباع الإستراتيجية السابقة على اعتبار أن مجالس الأعمال هي بوابات تواصل مع دول العالم وهي الطريقة الأسهل لتلافي العقوبات فضلا عن كونها عامل جذب دوليا للتعامل مع الأسد".

وألمح الكريم إلى أنه "سابقا كانت مجالس إدارة أعمال الموجودة في سوريا تشكل نواة جذب للتعامل مع النظام عبر التهرب الضريبي والممارسات السوداء وإعادة تحويل البضائع من دولة إلى أخرى حتى إيصالها إلى البلاد".

عقبات اقتصادية

وأمام هذه المعطيات تبدو آفاق الانتعاش الاقتصادي في سوريا ضعيفة في ضوء اشتداد العقوبات الأميركية والانهيار المالي لليرة السورية، إلا أن جل ما يسعى إليه النظام هو الالتفاف على تلك العقوبات.

ولا سيما أن الاقتصاد الموجود في سوريا حاليا هو "اقتصاد حرب"، كما أن البلد تعد طاردة للاستثمار الأجنبي، وبالتالي فإن الوصول إلى أرقام استثمارية وصناعية وتجارية مجدية كما يطمح لها نظام الأسد غير متوفرة.

لكن كخطوة أولى تسعى حكومة الأسد لتشبيك القطاع الخاص مع رجال الأعمال العرب، بهدف زيادة الصادرات السورية إلى أسواق البلدان النظيرة في المجالس.

ويؤكد اقتصاديون أن أكثر العقبات والصعوبات التي تواجه فكرة النظام في تفعيل التعاون الاقتصادي وزيادة حجم التبادل التجاري عبر هذا النوع من المجالس هو عدم وجود هذه الأخيرة في بعض البلدان الأخرى.

لذا فإنه لتجاوز هذه العقبة، عليه اللجوء لوكلاء شركات أجنبية وموردين في بعض الدول، وهذا ما يفعله النظام عبر رجال أعمال جدد دفعهم للواجهة خلال العقد الأخير وأصبحت الكلمة الاقتصادية في البلاد لهم.

ويعمل هؤلاء بتسهيلات من رأس النظام السوري مباشرة وبحماية تامة منه، لدرجة تحكمهم بالإيعاز بإصدار قوانين تخدم عملهم في إدارة إمبراطورية الأسد المالية الجديدة.

وقبل عام 2011، كان هناك مجلس الأعمال الروسي السوري تشكل بمبادرة من غرفة تجارة وصناعة روسيا الاتحادية بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2004.

وكذلك مجلس الأعمال "السوري الإيراني"، و"السوري البيلا روسي"، و"السوري الأرميني"، والسوري الصيني الذي تأسس في ديسمبر/كانون الأول 2009.