ماذا وراء اختيار روسيا سلطنة عمان لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية؟

مصعب المجبل | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تزال روسيا تكثف تواصلها مع الدول العربية التي لها علاقات وثيقة مع النظام السوري، لدفعها أكثر لتحريك ملف عودة الأخير للجامعة العربية، التي حرم من مقعدها عام 2011.

وبعد فشل الأردن والجزائر في تحقيق تقدم في هذا الملف الذي يتجاوز حسابات الروس الضيقة، اتجهت موسكو إلى سلطنة عمان لتسلمها الراية عوضا عن تلك الدول، نظرا لامتلاكها خيوطا دبلوماسية متشابكة عربيا ودوليا.

دور عماني

ومن مسقط، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، سلطنة عمان إلى الإسهام بشكل فاعل لعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، نظرا لما تتمتع به من موقف متزن وموضوعي إزاء سوريا، حسب تعبيره.

وقال لافروف في مؤتمر صحفي بتاريخ 11 مايو/ أيار 2022 مع نظيره العماني بدر بن حمد البوسعيدي: "إنني متأكد من أن سلطنة عمان يمكنها أن تلعب دورا إيجابيا في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية".

ويتماهى النداء الروسي مع تعالي صوت عدد من الدول العربية المنادية بعودة النظام لشغل مقعده بالجامعة، بعد قرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، بتعليق عضوية سوريا، وسحب أغلب الدول السفراء من دمشق.

وجاء ذلك، ردا على قمع أجهزة مخابرات الأسد لثورة الشعب السوري التي تفجرت في مارس/ آذار 2011، مطالبة برحيل رئيس النظام العلوي.

وتتمتع سلطنة عمان بعلاقة وثيقة مع النظام السوري منذ اندلاع الثورة عام 2011 تتمايز عن بقية دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى مدى العقد الأخير سارت العلاقة بينهما في وتيرة واحدة.

إذ إن مسقط تعاملت مع العزلة العربية تجاه الأسد بطريقتها الخاصة عبر الحفاظ على علاقاتها معه وعدم إغلاق سفارتها أبدا بل تركها دون سفير والاكتفاء بقائم بالأعمال وهو خالد بن سالم السعدي.

وشكل إعلان سلطنة عمان إعادة تعيين تركي بن محمود البوسعيدي سفيرا جديدا لها لدى النظام السوري في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أولى علامات المرحلة الجديدة التي يمكن أن تلعبها مسقط نحو التمهيد لعودته إلى الحضن العربي.

وفي 2 إبريل/ نيسان 2022 أجرى بشار الأسد اتصالا هاتفيا مع سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد.

وأوضحت وكالة إعلام النظام "سانا"، أنه جرى بحث "مسار التعاون الثنائي بين البلدين والذي يحقق تقدما ملحوظا في العديد من المجالات".

وفي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 عقد اجتماع لم يفصح عنه في مبنى وزارة الخارجية بالعاصمة السورية دمشق، ضم وفودا وزارية من سلطنة عمان وإيران مع أخرى من النظام.

وضم الاجتماع كلا من وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد ونائبه أيمن سوسان، والسفير العماني في دمشق تركي بن محمود البوسعيدي، والسفير الإيراني مهدي سبحاني.

محاولات فاشلة

وتشتهر سلطنة عمان بأنها قادرة على فتح قناة تفاوض تلعب فيها دور الوسيط بين أضداد السياسة، حتى باتت تعرف بـ"جنيف الشرق الأوسط".

وتصطف كل من الإمارات، وسلطنة عمان، ولبنان، والأردن، والعراق، والجزائر، ومصر، في موقف موحد كأكبر الدول الداعمة لعودة النظام إلى الجامعة، والعمل على دفع مزيد من الدول للتطبيع معه وفتح علاقات معه وتجاوز "دماء السوريين".

وعلى مدى أشهر لم تدخر الجزائر التي تربطها علاقة وثيقة مع روسيا والنظام السوري، جهدا في القيام بزيارات إلى عدد من الدول العربية من أجل إقناعها بالتصويت لصالح عودة الأسد إلى الجامعة.

لكن رغم ذلك، بات واضحا فشل عدد من الدول العربية في إقناع بعضها في مسألة عودة رئيس النظام بشار الأسد، لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، وذلك في قمة الجزائر أواخر عام 2022.

ومن خلف الستار تقف الإمارات التي طبعت علاقاتها مع النظام السوري بشكل كامل، في دفع دول عربية لمساندتها في إرجاع الأسد للحضن العربي، كما يؤكد دبلوماسيون سوريون.

ولهذا استقبلت الإمارات بشار الأسد في 18 مارس/آذار 2022، كأول دولة عربية يزورها منذ أكثر من عقد وبشكل مفاجئ، والتقى معه حينها ولي عهد أبو ظبي آنذاك، الحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، وحاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم، في محاولة لكسر عزلته.

ومن شأن تعويم الأسد عربيا أن يمنحه فرصة لالتقاط أنفاسه الاقتصادية كما تريد روسيا الطامحة لتثبيت مكاسبها العسكرية بسوريا عند ساحل البحر المتوسط.

مخطط روسي

ويذهب جمهور من المراقبين في الشأن السوري للقول، إن موسكو لديها مخطط جاهز لإعادة تأهيل النظام السوري.

لكن ذاك المخطط يصطدم بعوائق تخص النظام السوري ذاته، وعلى رأسها تقديمه ما يثبت تغيير سلوكه كأوراق بناء ثقة مع محيطه العربي.

ويرى مراقبون أن روسيا بعد تلقيها إشارات بأن النظام السوري لم يقدم على أي خطوة تؤكد على تغيير سلوكه، لجأت إلى دفعه إلى اتخاذ خطوات داخلية.

وكل ذلك بحسب هؤلاء في محاولة طمأنة للدول العربية المترددة في الموافقة على عودة النظام إلى الحضن العربي.

ولهذا تحرك نطام الأسد في الآونة الأخيرة في اتخاذ بعض الإجراءات المحلية بما يثبت ذلك.

وعلى رأسها إصدار بشار الأسد "مرسوم العفو" رقم "7"، في 30 أبريل/ نيسان 2022، أفرج بموجبه عن عشرات المعتقلين في سجونه من المتهمين بالمشاركة في الثورة.

فيما لا تزال مسالخ الأسد ومعتقلاته تحتجز 132 ألف مواطن سوري، من بينهم 87 ألف مختف قسرا، أو ممن قتلوا داخل تلك السجون تعذيبا حتى الموت.

كما أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد تغييرات مفاجئة داخل مؤسسته العسكرية نهاية أبريل 2022، كان لافتا فيها تعيين وزير دفاع جديد من الطائفة السنية، هو اللواء "علي محمود عباس" الذي رقاه لاحقا لرتبة عماد.

إلا أن كل مبادرات الأسد تلك، وفق سياسيين لم تكن مقنعة، بل نفذها النظام في أسوأ صورة؛ كونه لم يعد يملك عامل القبول الشعبي الذي تقيس من خلاله بعض الدول العربية أي محاولة روسية لدفعه لتقديم تنازلات أمام إعادة التطبيع معه عربيا.

وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قال مطلع فبراير/ شباط 2022، إن عودة النظام السوري للجامعة وحضور القمة المقبلة بالجزائر مرهون بتوافق عربي، و"استجابة دمشق مع المواقف العربية المطروحة".

خيوط متشابكة

وفي هذا الإطار، يؤكد الأكاديمي والسياسي السوري يحيى العريضي لـ"الاستقلال"، أن "روسيا أحد أقطاب إعادة النظام السوري للجامعة العربية مع انتكاسة الأردن ومصر في المحاولة بهذا الخصوص".

ويضيف: "لا سيما عقب التقارب التركي العربي وخاصة مع السعودية والإمارات والذي قد يكون مشروطا بابتعاد الأسد عن إيران لكن النظام السوري لن يفعل ذلك وخير دليل على ذلك زيارته طهران".

وأجرى الأسد "زيارة عمل" مفاجئة، إلى طهران، في 8 مايو 2022، هي الثانية له منذ اندلاع الثورة، التقى خلالها بالمرشد الأعلى آية الله خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي.

ويرى العريضي أن "سلطنة عمان لديها ما يجعلها تلعب دورا في الأشياء السياسية اللامتوقعة، وخاصة في بعض الملفات التي يمكن أن تمر من الثقوب الضيقة، بمعنى أن لمسقط علاقة قوية مع إيران وكذلك علاقاتها الطيبة مع إسرائيل".

ومضى يقول: "وبالتالي هذا التضاد الذي تجمعه مسقط تجد فيه روسيا ممرا في مسألة إعادة الأسد للجامعة العربية، فهي تجربه وتسلكه ولن تكل ولن تمل رغم أنه نسبة نجاحه غير مضمونة نظرا لحسابات دولية وعربية في هذه المسألة".

ويرى العريضي أن "روسيا أقدمت على الفعل العسكري في سوريا لكن بلا أي جنى سياسي، ولذا فهي لديها مخطط لتأهيل النظام السوري وماضية فيه ولا يتوقف".

لذا دفعت روسيا النظام السوري إلى تغيير بعض سلوكه ومحاولة تقديمه إجراءات بناء الثقة عبر استصدار بعض القوانين مثل مرسوم العفو المزعوم والذي نفذه الأسد بأسوأ ما يكون وأطلق معتقلين وكأنهم خارجون من القبور، يضيف الأكاديمي السوري.

والثابت الوحيد في قضية عودة النظام السوري للجامعة العربية، هو لهث الأسد وسعيه للجلوس مرة ثانية على المقعد بعد عقد من الزمن.

لكن رغم ذلك، فحينما يتلقى النظام السوري إشارات بفشل الدول العربية المكلفة بهذه المهمة لتليين موقف بقية الأعضاء من عودته للجامعة، يرفع النظام سقف الاتهامات ويهاجم الجامعة العربية.

ومنها انتقاص وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، في 17 يناير/ كانون الثاني 2022، من الجامعة العربية، بقوله إنها "مؤسسة يجتمع فيها العرب، ولم تحقق أيا من الأهداف".

خيط إيران

وفي 18 مايو 2022 عاد المقداد للتأكيد على وجود تواصل مع معظم الدول العربية باستثناء قطر، مضيفا أن "الولايات المتحدة تحاول عرقلة ذلك بالضغط على الدول التي تتواصل مع دمشق".

ورأى المقداد في تصريحاته الصحفية، "أنه لا يوجد تناقض بين علاقة دمشق مع الدول العربية وعلاقتها مع إيران".

وحول هذه الجزئية أشار الأكاديمي والمحلل السياسي السوري زكريا ملاحفجي إلى أ، "كل من يعتقد من العرب وغيرهم بأن عودة النظم السوري إلى الجامعة العربية ستبعده عن المحور الإيراني فهو واهم، وبالتالي فإن الطريق إلى الجامعة العربية غير سالك".

وأضاف لـ "الاستقلال" أن "استمرار الروس بالدفع نحو عودة النظام السوري للجامعة العربية والذي هو ليس بجديد نابع من محاولاتهم الفاشلة في هذا السياق".

ورأى ملاحفجي أن "تنسيق روسيا مع سلطنة عمان في هذا الشأن ليس بجديد لكن تفعيله يأتي مع وجود مواقف عربية رافضة لعودة النظام السوري للجامعة العربية وأبرزها السعودية وقطر".

ولفت إلى أن "اختيار روسيا لسلطنة عمان بالذات تعود للعلاقة المفتوحة بين بشار الأسد وسلطنة عمان لدرجة وجود مبادرات بين الطرفين وهذا ما يجعل موسكو تدخل من هذه البوابة".

وفي أكثر من موقف اتهم النظام السوري الدوحة بعرقلة مشاركته في اجتماعات الجامعة العربية، حسبما قال نائب وزير خارجية النظام السوري، بشار الجعفري، في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2021.

وكان وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عاد وأكد موقف بلاده من الأسد، بعدما قال في تصريحات بتاريخ 6 ديسمبر 2021، إن موقف الدوحة من مشاركة النظام السوري بالدورة المقبلة لجامعة الدول العربية في الجزائر، لم يتغير.

وشدد آل ثاني على أن الأسباب التي عُلقت عضوية سوريا بسببها لا تزال قائمة، معتبرا أنه "لا منطق للتطبيع مع النظام دون اتخاذ خطوات جدية بهدف إيجاد حل سياسي لإنقاذ ومساعدة الشعب السوري وإعادة اللاجئين إلى بلادهم".

من جانبه، أكد المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله المعلمي، في 17 ديسمبر 2021، أن طريق سوريا نحو العودة إلى الجامعة العربية مفتوح إذا تمكنت من التخلص من سيطرة الجهات الأجنبية ومقررات الأمور فيها.

وقال في كلمة بالجلسة العامة الـ53 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إن "السعودية لا ترحب بعودة سوريا للجامعة العربية التي تشترط العودة إليها بالإجماع الكامل، إلا عند تحقيق الانفتاح على حاضنتها العربية، وإخراج المقاتلين الأجانب سواء إيرانيين أو غيرهم وعودة سوريا كبلد عربي".