سعي العراق لإعدام المطبعين مع إسرائيل.. لنصرة فلسطين أم تحقيق مآرب أخرى؟

عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة ستكون في انتظار أي عراقي يشجع التطبيع مع إسرائيل وفقا لمشروع قانون يناقشه البرلمان حاليا.
وهذا التطور يأتي بعدما وافق مجلس النواب العراقي في 11 مايو/أيار 2022 على أول قانون لحظر وتجريم التطبيع مع الاحتلال.
وحظي القانون بأول موافقة في القراءة الأولى، وينتظر موافقتين أخريين للبرلمان كي يجرى تفعيله، إذ تخضع مشاريع القوانين لـ 3 قراءات (مناقشات) قبل التصويت على بنودها لتصبح نافذة.
وجاء عقب موجة تطبيع عربية متتالية مع إسرائيل أواخر عام 2020 شملت أربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، ومحاولات أميركية لإقناع دول أخرى، بينها العراق بالالتحاق أيضا.
ولا يقيم العراق أي علاقات مع إسرائيل، وترفض غالبية القوى السياسية التطبيع معها، لذا يتوقع تمرير القرار نهائيا خاصة أنه تقف وراءه الكتلة الصدرية التي تستحوذ على أعلى مقاعد البرلمان.
خلفيات القرار
عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003 بدأت قوى موالية للولايات المتحدة بالتغاضي عن العداء لإسرائيل، وتصاعدت تدريجيا أصوات لا تمانع في إقامة علاقات معها.
وفي عام 2004، التقى زعيم إقليم كردستان العراق آنذاك، مسعود بارزاني، رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها أرييل شارون، وأعلنا التعاون في بعض الأمور.
وقال بارزاني بعد الاجتماع إنه إذا أقام العراق علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فسيعمل على إنشاء قنصلية إسرائيلية في أربيل.
وعام 2008 سُجّل حدث تاريخي في العلاقة بين إسرائيل والعراق عندما التقى الزعيم الكردي، جلال طالباني، بصفته رئيسا للعراق، وزير الجيش الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، خلال مؤتمر دولي باليونان.
ثم كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" في أغسطس/آب 2015 أن تل أبيب استوردت من الإقليم الكردي في شمال العراق 19 مليون برميل نفط خلال 3 شهور عام 2015، وتمثل هذه الكمية 75 بالمئة من إجمالي استهلاك النفط في إسرائيل.
ووصل النشاط التطبيعي إلى حد زعم صفحة الخارجية الإسرائيلية "إسرائيل بالعربي" على تويتر في 6 يناير/كانون ثان 2019، أن ثلاثة وفود عراقية زارت تل أبيب خلال 2018 ضمت شخصيات سنية وشيعية.
وذكرت أنهم زاروا متحف "ياد فاشيم" لتخليد ذكرى المحرقة، واجتمعوا بأكاديميين ومسؤولين إسرائيليين، وفق قولها.
زارت إسرائيل ٣ وفود من العراق خلال العام الأخير، حيث تم زيارة الوفد الثالث قبل عدة أسابيع. وضمت الوفود شخصيات سنية وشيعية لها تأثير بالعراق. زارت هذه الشخصيات متحف ياد فاشيم لتخليد ذكرى المحرقة، واجتمعت بأكاديميين ومسؤولين اسرائيليين. وزارة الخارجية الإسرائيلية تدعم هذه المبادرة. pic.twitter.com/DGy3gdSK3G
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) January 6, 2019
ودعا رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي حينئذ إلى تشكيل لجنة للتحقيق في مزاعم الزيارة، رغم أن النواب المعنيين نفوا الأمر في ذلك الوقت.
وكانت دعوات التطبيع أقوى في إقليم كردستان بحكم العلاقات الإسرائيلية مع زعمائه منذ سنوات ضمن إستراتيجية تل أبيب لتطبيق نظرية "شد الأطراف"، أي دعم أقليات البلدان العربية والتحالف معها بغية التفتيت أو خلق مشكلات داخلية.
وخلال العقود الأخيرة، زار العديد من قادة كردستان العراق، إسرائيل ودعا السياسيون الأكراد علانية إلى التطبيع معها.
وفي عام 2017، عندما نظم أكراد العراق استفتاء الانفصال المثير للجدل، كانت إسرائيل من بين الداعمين القلائل لهم.
تهديد واحتفاء
واستغلت تل أبيب وجودها الاستخباري في كردستان لقتل علماء العراق عقب الغزو الأميركي، ثم بدأت تتحول ضد إيران، التي اشتكت من التواجد الإسرائيلي المعادي على حدودها.
وفي 12 مارس/آذار 2022 أعلن الحرس الثوري الإيراني، مسؤوليته عن هجمات صاروخية في مدينة أربيل في العراق، ضد مقر للمخابرات الإسرائيلية في فيلا رجل أعمال كردي.
الحافز الأكبر الذي دفع هذا التحالف البرلماني العراق للسعي لاستصدار القانون كان المؤتمر الذي عقدته شخصيات كردية وعراقية في إقليم أربيل بكردستان 25 سبتمبر/ أيلول 2021 للمطالبة بالتطبيع مع إسرائيل.
فهذا المؤتمر، الذي سُمي "السلام والاسترداد"، وعقد برعاية منظمة أميركية في الإقليم حضره أكثر من 300 مندوب من الأكراد والسنة والشيعة، دعوا بلادهم للانضمام إلى اتفاقات أبراهام التطبيعية.
وقد أعربت الحكومة العراقية في حينه عن رفضها "القاطع" للاجتماع ووصفته بأنه "غير قانوني". وأكد مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن "طرح مفهوم التطبيع مرفوض دستوريا وقانونيا وسياسيا في الدولة العراقية".
لكن إسرائيل رحبت به، واعتبره وزير الخارجية يائير لابيد "حدثا يبعث بالأمل في التطبيع مع أماكن لم نفكر فيها من قبل".
عقب وزير الخارجية يائير لبيد على دعوات القادة العراقيين للسلام "منذ تولي هذه الحكومة مقاليد الأمور، كان هدفنا توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، مشيرا إلى أن "الحدث في العراق يبعث بالأمل في أماكن لم نفكر فيها من قبل"."نحن والعراق لدينا تاريخ وجذور مشتركة في المجتمع اليهودي. يتبع pic.twitter.com/n11qYbvaIJ
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) September 25, 2021
وزعم رئيس الوزراء نفتالي بينيت أن "هذه دعوة تأتي من أسفل لا من أعلى، من الشعب لا الحكومة".
ومع أن السلطات في كردستان أصدرت بيانا حينئذ قالت فيه إن الاجتماع "عُقد من دون علم وموافقة ومشاركة حكومة الإقليم، وأنه لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن موقفنا"، استمر التطبيع سرا.
لذا جاء مشروع قانون حظر التطبيع رسميا ردا على محاولات فرضه بطرق ملتوية، وردا على الضغط الأميركي المتزايد على العراق لإنهاء مقاطعة إسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها بموجب "اتفاقيات أبراهام".
من يقف خلفه؟
أعد قانون حظر التطبيع بناء على اقتراح من الكتلة الصدرية التي فازت بغالبية مقاعد البرلمان في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 (73 مقعدا من أصل 329)، وقوى سُنية وكردية.
في 23 أبريل/نيسان 2022 غرد رئيس التيار الصدري رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر أن كتلته السياسية ستقدم مشروع قانون يجرم التطبيع والتعامل مع الكيان الصهيوني على الإطلاق.
وقال الصدر إن منع العلاقات الثنائية الإسرائيلية العراقية كان أحد الأسباب الجوهرية التي دفعت تياره إلى المشاركة في العملية الانتخابية مرة أخرى.
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) April 23, 2022
وفي اليوم التالي، أعلن تحالف "إنقاذ وطن"، الذي يتشكل من كتلة الصدر، والحزب الديمقراطي الكردستاني، و"تحالف السيادة" السني، مشروع قانون تجريم التطبيع أو التعامل مع إسرائيل بهدف تشريعه.
وقال رئيس الكتلة الصدرية النيابية حسن العذارى في مؤتمر صحفي مشترك مع نواب من تحالف "إنقاذ وطن" إن هدف المقترح "الحفاظ على المبادئ الإسلامية والوطنية في العراق".
أضاف أنه: "نظرا لخطورة الموقف الكبير الذي يترتب على التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل ولقطع الطريق على كل من يريد إقامة أي نوع من أنواع العلاقات معه، أخذت الكتلة الصدرية مع حلفائها قرار مقترح قانون إلى البرلمان".
وجرى النص في القانون على أن "كل من يُخالف ذلك يُعرض نفسه للمساءلة القانونية بتهمة الخيانة العظمى وللإعدام أو السجن المؤبد"، كرادع قوي.
وتعد الكتلة الصدرية الكتلة الأكبر التي فازت بـ 73 مقعدا في البرلمان العراقي خلال انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021.
والكتلة لم تنجح حتى الآن في تشكيل الحكومة مع حلفائها في تحالف إنقاذ وطن، لكنها تتمتع بقدرة كبيرة على تمرير القوانين.
وفي العام التالي لغزو العراق، أصدرت المديرية العامة للسفر والجنسية في بغداد قرارا بإلغاء منع سفر العراقيين إلى إسرائيل.
وجرى إلغاء العبارة الشهيرة "يسمح بالسفر الى جميع دول العالم عدا إسرائيل".
لذا يتوقع عقب الإقرار النهائي للقانون أن يعاد إضافة هذه العبارة على جواز السفر العراقي، التي سبق إلغاؤها بعد الاحتلال الأميركي.
نص القانون
يتضمن نص مقترح قانون "حظر التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني" 10 مواد، كل مادة بها مجموعة نقاط.
وأكدت ديباجة القانون أنه يأتي "للحفاظ على المبادئ الوطنية والإسلامية والإنسانية في العراق ونظرا للخطورة الكبيرة التي تترتب على التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل أو الترويج له أو التخابر".
وأشارت إلى أنه استباق وقطع للطريق "تجاه إقامة أي علاقة مع الكيان الصهيوني المحتل ووضع عقاب رادع بحقه والحفاظ على وحدة الصف بين أبناء الشعب وهويته الوطنية والإسلامية".
ويتضمن نص القانون بنودا رادعة، منها تجريم التطبيع الإلكتروني وهي غير مفصلة لكنها تشير إلى جرائم تتعلق بالإشادة بالتقرب من الاحتلال أو التواصل مع إسرائيليين عبر مواقع التواصل.
كما يدين النص الترويج للتطبيع أو "لأي أفكار أو مبادئ أو أيديولوجيات أو سلوكيات صهيونية أو إسرائيلية بأي وسيلة كانت علنية أو سرية بما في ذلك المؤتمرات والتجمعات والمؤلفات والبضائع ووسائل التواصل الاجتماعي".
ويجرم النص كذلك "الانتساب إلى أي مؤسسة من مؤسسات الكيان الصهيوني المحتل أو مساعدتها ماديا أو معنويا، وتقديم أي نوع من أنواع المساعدات او التبرعات لها".
وينص في المادة 6 على "حل الشركات الخاصة والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني العاملة بالعراق "في حال ثبوت ارتكابها أحد الأفعال المنصوص عليها في المادة (4) من هذا القانون" المتعلق بالتطبيع.
وأن "تُطرد الشركات الأجنبية والمستثمرين الأجانب العاملين بالعراق في حال ثبوت ارتكابها أحد الأفعال المنصوص عليها في المادة (4) من القانون".
ويوضح المحلل السياسي العراقي "إحسان الدوسكي" لـ "الاستقلال" أن القانون يمر بأربع مراحل قبل أن يُنشر في مجلة الوقائع العراقية.
المرحلة الأولى وهي قراءته في القاعة أي موافقة البرلمان من حيث المبدأ على القانون المقترح، ثم القراءة الثانية، وهي مناقشة مشروع القانون المقترح لإضافة أو حذف بنود أو مواد.
ثم مرحلة التصويت النهائي على القانون، وهي القراءة الثالثة، والمرحلة قبل الأخيرة، ليبقي توقيع رئيس الجمهورية عليه ونشره في مجلة الوقائع العراقية.
هل تلتزم كردستان؟
ولكن ماذا لو أقر البرلمان العراقي القانون بشكل نهائي في القراءتين الثانية والثالثة هل سيلتزم به من يروجون للتطبيع خاصة في كردستان؟
وبرغم إعلان حكومة كردستان المستقلة ذاتيا، في أوقات سابقة أنها لا تدعم إقامة علاقات مع إسرائيل، يُنتظر أن يتسبب القرار بإشكالية هناك.
ويقول الدوسكي: "الدستور العراقي لا يسمح للأقاليم انتهاج المخالفة، ورغبة الإقليم في التقرب من إسرائيل علنا صعبة للغاية ولو حدثت ستكون سرية".
"الدوسكي" أكد لـ "الاستقلال" أن "الموقف سيعتمد على ضعف أو قوة بغداد في حينه، لأن المواقف السياسية تغيرها الساعات ومزاج دول الجوار".
أوضح أن الأكراد تياران: أحدهما مشارك في الحكم والآخر معارض.. المشاركون يتمثلون بالحزب الديمقراطي الكردستاني ويتزعمه البارزاني وهم يمثلون الأغلبية في البرلمان العراقي، والاتحاد الوطني يتزعمه ابن جلال الطالباني".
والتيار المعارض هم مجموعة من الأحزاب الصغيرة من ضمنهم التيار الإسلامي الوسطي.
نوه إلى أن "مرور القانون في القراءة الأولى من حيث المبدأ معناه موافقة الأكراد عليه، ولكن القراءة الثانية للقانون ستبين الوجه الحقيقي للقانون بما يلائم الاتجاهات الحاكمة".
لكن الكاتب العراقي بلال الخليفة يوضح في دراسة حول قانون التطبيع نشرتها "وكالة نون الخبرية" في 13 مايو/أيار 2022 أن الإقليم (كردستان) الآن بحكم المستقل ولا يلتزم لا بدستور ولا بقرارات المحكمة الاتحادية.
بين أنه على سبيل المثال لم يلتزم الإقليم بقرار المحكمة الاتحادية في الدعوى (59/ اتحادية /2022) بتاريخ 15 فبراير/شباط 2022 والذي يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة كردستان رقم (22) لسنة 2007.
أيضا لم يلتزم الإقليم بالقوانين الاتحادية، وخير مثال على ذلك، المادة في قانون الموازنة العامة الاتحادية التي تلزم كردستان بتسليم وارداتها النفطية إلى الحكومة الاتحادية.
لذا يتساءل: "هل يلتزم الإقليم بهذا القانون علما أن العلاقات الإسرائيلية الكردية معروفة منذ عقود؟ وهل يلتزم بوقف تصدير النفط لإسرائيل؟، وهل سيجرى معاقبة السلطة في كردستان حيال رفضها؟"
ويقول المحلل السياسي العراقي "الدوسكي" إن "قانون (حظر) التطبيع مع إسرائيل، ظاهره الرحمة وباطنه من قبله العذاب".
يوضح: "مثلما قانون الإرهاب العراقي مطاطي يستخدمه المتنفذون حسب ما يحلو لهم، فإن قانون التطبيع مع إسرائيل أيضا مطاطي واستعماله قد يكون حسب رغبة المتنفذ".
فعلى سبيل المثال: "إذا أرادت جهة ما تصفية حسابات مع شخص، فبكل سهولة تتهمه بالتطبيع مع إسرائيل والعقوبة الإعدام شنقا حتى الموت".
وينوه "الدوسكي" إلى أن "خطورة بنود هذا القانون كبيرة إذا استخدم لأغراض كيدية"، فلو حدث "تواصل أو جرت كتابة موضوع عبر فيسبوك أو مكالمة تلفونية تشير للتطبيع، بالإمكان أن تكون هذه تهمة تودي بصاحبها إلى المشنقة".
المصادر
- نص قانون "حظر التطبيع واقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني"
- Radical Iraqi cleric proposes bill to criminalize relations with Israel
- Israel's surprising ally in the Middle East
- جدل في العراق بعد دعوات لإقامة علاقات مع إسرائيل أثناء مؤتمر في إقليم كردستان
- الجائزة الكبرى.. لماذا تسعى إسرائيل لجذب العراق إلى التطبيع؟
- دراسة في قانون حظر التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني