توقيت حساس.. ما رسائل المرشد الأعلى من استدعاء بشار الأسد إلى إيران؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد "زيارة عمل" مفاجئة، إلى العاصمة الإيرانية طهران، في 8 مايو/ أيار 2022، هي الثانية له منذ اندلاع الثورة ضده في مارس/ آذار 2011، التقى خلالها بالمرشد الأعلى آية الله خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي.

الزيارة جاءت في توقيت حساس، وسط انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، ومحاولات بعض الدول العربية ومن ورائها إسرائيل إلى تعويم الأسد إقليميا شريطة تخفيض علاقته مع إيران، ما اثار تساؤلات عن أسباب تعمد إيران استدعاء الأسد.

وجرت زيارة الأسد الأولى إلى طهران في 26 فبراير/شباط 2019، بعد ثماني سنوات من تدخل إيران عسكريا لمنع سقوط النظام السوري العلوي، حينما جلبت مليشياتها لقمع الثورة ومساندته في استعادة مناطق كثيرة من المعارضة.

والتقى حينها الأسد بخامنئي برفقة قائد "الحرس الثوري الإيراني" آنذاك قاسم سليماني، الذي قتل لاحقا بضربة أميركية قرب مطار العاصمة بغداد في يناير/ كانون الثاني 2020.

"كل الدعم"

وقال خامنئي خلال اللقاء الجديد بالأسد، الذي حضره وزير خارجية الأخير فيصل مقداد، إن "العلاقة بين إيران وسوريا مصيرية ولا يجب أن ندعها تضعف بل يجب تعزيزها قدر الإمكان".

وأضاف أن "إيران مستمرة في دعمها لسوريا لاستكمال انتصارها على الإرهاب وتحرير باقي الأراضي السورية"، حسب تعبيره.

بدوره، قال الأسد إن "مجريات الأحداث أثبتت مجددا صوابية الرؤى والنهج الذي سارت عليه سوريا وإيران منذ سنوات، وخصوصا في مواجهة الإرهاب، ما يؤكد أهمية الاستمرار في التعاون لعدم السماح لأميركا بإعادة بناء منظومة الإرهاب الدولية".

وكأن الوضع ببلاده بات مستقرا، أشار الأسد إلى أن "القضية الفلسطينية اليوم عادت لفرض حضورها وأهميتها أكثر فأكثر في وجدان العالم العربي والإسلامي بفضل تضحيات أبطال المقاومة".

من جانبه، أشار الرئيس الإيراني إلى أن "بلاده لديها الإرادة الجادة في توسيع العلاقات بين البلدين وخاصة الاقتصادية والتجارية بشقيها العام والخاص".

وشدد رئيسي على أن "إيران ستستمر في تقديم كل أشكال الدعم لسوريا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يشهدها العالم".

وعقب زيارة الأسد إلى طهران، علق وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في حوار مع "مركز نشر وحفظ مؤلفات الخامنئي"، بقوله: إن اللقاء حمل رسالة مفادها بأن العلاقات بين سوريا وإيران متميزة لا تنفصل ولدى قادة البلدين إرادة في توسيع وتعزيز الأواصر بينهما".

ولفت عبد اللهيان إلى أن العلاقات مع النظام السوري "أخذت منحى جديدا خلال الفترة الأخيرة وباتت تشمل إضافة إلى المسار العسكري والأمني مجالات التنمية الاقتصادية والتجارية والسياحية الشاملة"، مشيرا إلى "التوصل إلى توافقات في غاية الأهمية"، دون تفاصيل.

ويأتي استدعاء الأسد إلى طهران في توقيت حساس بالنسبة للنظام السوري، في ظل انشغال حليفته روسيا في غزوها لأوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022.

كما تزامنت مع حالة غليان شعبي في كافة أرجاء سوريا، عقب نشر صحيفة "الغارديان" البريطانية في 27 أبريل/ نيسان 2022، تسجيلا مصورا يظهر مجزرة إعدام جماعي لـ41 مدنيا رميا بالرصاص في أبريل 2013 بحي التضامن جنوب دمشق، من قبل ضابط برتبة صغيرة في قوات الأسد.

إذ شكل الكشف عن هذه "المجزرة الدموية"، حالة ارتباك كبيرة داخل أروقة النظام السوري، الذي يدفع بمساندة من بعض الدول العربية لإعادة تعويمه سياسيا وتوسيع رقعة إعادة التطبيع معه عربيا.

ولهذا لم يخرج كثير من المراقبين في الشأن السوري، ذهاب الأسد إلى طهران، من سياق التحولات المحلية السورية والدولية والإقليمية المرتبطة بالضغوط التي تتعرض لها روسيا والتي ستنعكس آثارها على الوجود الإيراني بسوريا.

تعليمات إيرانية

وفي هذا الإطار أكد القيادي في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، أن "استدعاء بشار الأسد لطهران من قبل مشغليه وسط غياب مراسم استقباله بروتوكوليا كرئيس دولة، تناول بالمقام الأول قضايا عسكرية وأمنية مرتبطة بتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا من جهة، وبتوتر الأوضاع في إسرائيل وعزم إيران في حال فشل الاتفاق النووي أن تحول جنوب سوريا إلى ما يشبه جنوب لبنان".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "التعليمات الإيرانية التي تلقاها الأسد كانت حازمة، فعليه أن يبتعد عن المبادرات الخليجية، وكذلك أن يقف في وجه التهديدات الإسرائيلية القاسية، لا سيما بعد توتر العلاقات بين روسيا وإسرائيل بسبب دعمها للمعسكر الغربي".

ولفت حسون إلى أن ما سبق لم يكن كل ما في جعبة الإيرانيين من تعليمات للأسد، "فكان هناك بعد دخول روسيا على الخط تجديد لطلب فتح قنوات تباحث مع منظمات فلسطينية منها منظمة حماس لإعادة العلاقات معها، أو تقديم تسهيلات لها على الأراضي السورية تحت غطاء حزب الله اللبناني".

وكان عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" موسى أبو مرزوق، أجاب عند سؤاله عن إمكانية "المصالحة" مع النظام السوري التي انقطعت العلاقات بينهما عقب الثورة بالقول: "نأمل ذلك، هذا الملف معقد".

واستدرك: "لكن نأمل أن تكون هناك الكثير من التغيرات التي تسمح فعلا باستئناف علاقاتنا مع دمشق ونأمل أن تكون هناك تغيرات إيجابية في المستقبل"، حسبما نقلت عنه وكالة "سبوتنيك" الروسية في 6 مايو 2022.

ولفت العميد حسون إلى أن "هامش بشار الأسد قد يتسع إن قررت روسيا تخفيض عدد قواتها بسوريا، وتقليص نفوذها هناك والالتفات لحرب أوكرانيا والاستعداد لمواجهة تداعياتها، لكن هذا الهامش يجب أن يكون ضمن حسابات وموافقة المحتل الإيراني، وهو ما استدعى الأسد للتباحث حوله أيضا".

ومضى يقول: "بالمحصلة فإن ورقة بشار الأسد بالنسبة للإيرانيين ما زالت ضمن لعبتها في المنطقة، وسيكون لأميركا في حال فشل الاتفاق النووي والضعف الروسي توجه مختلف عما كان، وهو المأمول من قبل قوى الثورة والمعارضة السورية، فالفرصة سانحة حاليا لمواجهة نظام الأسد وداعميه أكثر من أي وقت مضى".

رسالة للدول العربية

وتعد زيارة الأسد لطهران ثاني تحرك خارجي له منذ مطلع عام 2022، بعدما أجرى في 18 مارس/ آذار زيارة خاطفة إلى الإمارات بعد أحد عشر عاما لم يزر فيها بلدا عربيا واحدا، والتقى حينها بولي عهد أبو ظبي، الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد، وحاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم.

وحول هذه الجزئية، قال المحلل والباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم لـ "الاستقلال"، إن "بشار الأسد بزياته لطهران قطع أي إمكانية للتواصل مع الجامعة العربية على المدى المنظور".

وأضاف أن "الزيارة تشير إلى وجود حالة من الانفصال للنظام السوري عن الموقف العربي بعد تعليق عودته إلى الجامعة من قبل السعودية وقطر، لذا فالحديث عن عودة احتضان الأسد لحماس تدل على أن النظام السوري عاد إلى محور المواجهة مع إسرائيل، وبالتالي المواجهة مع المحور الإبراهيمي المطبع مع الاحتلال".

ولفت الكريم إلى أن "إيران أرادت أن ترسل رسالة إلى أن سوريا أصبحت منصة وأنها قادرة على التهديد من خلالها، وخامنئي أراد التأكيد على أنه لا اتفاق حول النووي الإيراني، وأن العداء والتصعيد سوف يعود لأعلى درجاته سواء بالهجوم على مناطق النفوذ الأميركي شمال شرقي سوريا، أو حتى إشعال المناطق الواقعة تحت النفوذ التركي في شمال غربي البلاد ولا عودة للاجئين التي يجري الحديث عنها من قبل أنقرة". 

وبحسب وكالة إعلام النظام السوري "سانا"، فإن زيارة الأسد لطهران حملت توقيع مرحلة جديدة من "الخط الائتماني الإيراني السوري" لتزويد النظام السوري بمواد الطاقة والمواد الأساسية الأخرى لسد النقص الحاصل في تلك المواد في مناطق نفوذ النظام.

 وعادت منذ شهر مارس/آذار 2022 مناطق الأسد تشهد أزمة في الوقود بعد توقف وصول النفط الإيراني وتراجع الدعم الروسي، نتيجة الحرب الأوكرانية، وعجز حكومة الأسد عن إيجاد بدائل لإمدادات النفط عبر القطاع الخاص من دول أخرى.

وضمن هذه الجزئية، أوضح الكريم، "أن الخط الائتماني الجديد يعكس حجم الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالنظام السوري، وتشير إلى عدم وجود مساعدات إماراتية له قريبة رغم التقارب الكبير الذي حصل أخيرا، وكذلك لا مساعدات عربية قريبة ولا من صندوق النقد الدولي، وفشل خطوط الغاز والطاقة المزمع تنفيذها".

وألمح الباحث الاقتصادي إلى أن "الخط الائتماني الجديد سينحصر كبقية الدفعات السابقة من خلال شراء السلع الإيرانية والقمح والنفط وهذا ما يجعل إيران تتحكم بالقرار السياسي للنظام السوري ويجعل منها لاعبا إقليميا".

وزاد أن فتح خطوط ائتمانية بين إيران والنظام السوري، أسهم في تقديم تسهيلات مالية مثل إعفاء بعض الصادرات السورية إلى إيران من الرسوم الجمركية، إضافة إلى دور تلك الخطوط في توفير العملة الصعبة لخزينة الأسد، وكذلك استخدام إيرادات الخطوط الائتمانية من قبل حكومة الأسد في تمويل واستيراد البضائع والسلع وتنفيذ المشاريع.

وخط الائتمان هو نوع من التسهيلات المالية والقروض الميسرة التي تمنحها المصارف والمؤسسات المالية لعملائها الموثوقين، مع الاتفاق على مبلغ محدد كحد أقصى لهذا الخط يمكن للعميل سحبه في أي وقت، طالما بقي ملتزما بوفاء الحد الأدنى المطلوب سداده في الوقت المحدد.

التحكم بالأسد

وفي يناير 2013، اتفق النظام السوري وإيران على فتح أول خط ائتماني بين المصرف التجاري السوري وبنك تنمية الصادرات الإيراني بقيمة مليار دولار بفوائد ميسرة، ثم تبعه في مايو من العام نفسه تقديم طهران خطا ائتمانيا آخر للنظام بقيمة 3 مليارات دولار لتمويل احتياجات البلاد من النفط ومشتقاته.

وفي مايو 2015، اتفق المصرف التجاري السوري مع بنك تنمية الصادرات الإيراني على فتح خط ائتماني ثالث بقيمة مليار دولار، ورابع بقيمة مليار دولار في يناير/ كانون الثاني 2017.

ومقابل ذلك عمل النظام السوري على تقديم تسهيلات كبيرة لإيران على شكل عقود واستثمارات مكنتها من التغلغل بمرافق الحياة السياسية والاقتصادية السورية.

وشملت تلك الاستثمارات، قطاعات سيادية في سوريا مثل النفط والغاز والفوسفات، وأخرى غير سيادية كالبناء والزراعة والمواد الغذائية، وحصلت عليها إيران بموجب عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع حكومة النظام السوري.

وما من شك أن طهران استغلت كل قدراتها المالية والعسكرية لحماية نظام بشار الأسد من السقوط، معوضة ذلك بعقد اتفاقيات معه، تضمن مصالحها لعقود قادمة، في سوريا، ذات الأهمية الإستراتيجية، كونها تشكل ممرا بريا يصل إيران بلبنان، وتطل من بيروت على مياه البحر المتوسط ثم إلى أوروبا.

وتسعى إيران لاستكمال ترسيخ وجودها العسكري على الأراضي السورية، لا سيما وهي تمتلك نحو مئة ألف عنصر مقاتل لها هناك جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا لوأد الثورة السورية عام 2012.

ولهذا رأى الباحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية نوار شعبان، أن "زيارة الأسد إلى طهران هي لتوجيه مهام له، عبر شحنه بطائرة تجارية وهذا أسلوب متعمد من إيران للتأكيد على أنها تسيطر على بشار الأسد بشكل علني".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "الزيارة جاءت لدراسة الوضع الأمني الحالي عقب الحرب الروسية على أوكرانيا ومدى تأثير الانسحاب الروسي من سوريا، ومدى قدرة النظام السوري على ضبط المناطق إلى جانب الفراغ الأمني والتجاري، وكيف ستستثمره إيران؟".

وختم الباحث بالقول: "إيران أرادت بعث رسالة للجميع بما فيهم الأسد نفسه عبر استدعائه في الوقت والزمان المناسبين لها، مفادها بأنه يخطئ من يظن أن بشار الأسد قادر على أن يتصرف دون الرجوع إلى طهران".