احتلال الحاضر وغزو المستقبل.. لهذا توسعت إيران في تجنيد الأطفال شرقي سوريا

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لا تزال إيران ماضية في عملية تجنيد الأطفال في سوريا، وكسب هذه الفئة العمرية لصالح مشروعها طويل الأمد في هذا البلد الذي تدخلت فيه عسكريا منذ عقد تقريبا.

وتكاد تكون مناطق شرق سوريا، هي البؤرة الأكثر تنظيما في عملية تجنيد الأطفال، وخلق بيئة حاضنة عبر اللعب على عاملي الفقر والهيمنة العسكرية المطلقة هناك.

تجنيد ممنهج

إذ تؤكد مصادر محلية لـ"الاستقلال"، أنه منذ مطلع شهر يناير/كانون الثاني 2022، افتتحت طهران في دير الزور مراكز جديدة تتبع جمعية "كشافة المهدي" التي تقدم نشاطات خاصة بالأطفال بأساليب ناعمة ومحترفة وتستمد ذلك من عمق تجربتها في لبنان والعراق.

وأوضحت المصادر أن المركز الثقافي الإيراني من جهته، افتتح دورات لتقوية طلاب الشهادتين الأساسية والثانوية في مدن دير الزور والميادين والبوكمال.

كما أجرى مسؤولون في منظمات إيرانية كجهاد البناء والمراكز الثقافية الإيرانية زيارات إلى المدارس أثناء الدوام الرسمي ودخول الصفوف المدرسية لإلقاء كلمات تمجد إيران ودورها تجاه "الأمة".

وتعمل مراكز "كشافة المهدي" على استقطاب الطلاب من المرحلة الابتدائية وتخضعهم لتدريبات على السلاح وتنسبهم للمليشيات براتب شهري، وفق المصدر ذاته.

كما تسير المراكز "الثقافية" الإيرانية، رحلات للطلاب في المرحلة الابتدائية إلى الحدائق ونهر الفرات في دير الزور يتخللها إعطاء دروس في المذهب الشيعي وطرح أفكار تحض على دعم المليشيات الإيرانية.

وكذلك استعراض تاريخ قادتها وعلى رأسهم قائد مليشيا فيلق القدس قاسم سليماني، الذي قتل بضربة جوية ببغداد في 3 يناير/كانون الثاني 2020.

وما كان لافتا هو توزيع القائمين على هذه الرحلات إلى جانب الحلويات والأطعمة والهدايا للأطفال، كتيبات أو منشورات تحمل شرحا موجزا عن التشيع.

ووفقا لموقع "الحل نت" السوري المعارض فإن مليشيا "لواء الباقر"، بدأت تدريب قرابة 50 طفلا لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشر، على حمل السلاح وكيفية استخدامه، في معسكر سري بداخل بلدة حطلة بريف دير الزور، وذلك بإشراف سيد مهدي، وهو قيادي في حزب الله اللبناني، ومنتصر الحسين القيادي في لواء الباقر من أبناء البلدة.

وبحسب تقرير الموقع المنشور في 16 يناير 2022، فإن المعسكر يشمل تدريبات بدنية شاقة للأطفال، وتدريبهم أيضا على استخدام جميع أنواع الأسلحة وخوض حرب الشوارع، وتنفيذ عمليات الاغتيال والتفجيرات، إضافة إلى دروس دينية.

وأشارت إلى أن المعسكر مغلق، لا يسمح فيه بالزيارات أو خروج الأطفال منه ومدته 25 يوما.

ويقود مليشيا "لواء الباقر"، الحاج باقر وأخوه "عمر الحسن" الذي كان عضوا في برلمان النظام سابقا.

واللواء مشكل من أبناء قبيلة البكارة الموالين للنظام السوري، وهو من أكثر المليشيات المحلية قربا من إيران، إذ حصل الكثير من أبناء قادتها على منح دراسية في جامعات إيران.

جذب الأطفال

ويؤكد الصحفي السوري فواز المرسومي، لـ "الاستقلال"، أن "طهران تسير ضمن إستراتيجية ممنهجة نحو جذب الأطفال والشباب كونهم يشكلون أساس أي مجتمع وحاضره ومستقبله".

واستدرك قائلا: "لذلك هم لا يهتمون بكبار السن في سوريا عموما بقدر ما يركزون على فئتي الشباب والأطفال؛ من أجل ضرب هويتهم الثقافية أولا وصولا إلى مسخها تماما بحيث تصبح في النهاية عملية مزاوجة بين سلخ هويتهم وكسبهم إلى صفها في عملية التوظيف ضمن بنية المجتمع السوري ككل".

وأضاف المرسومي أنه "مما رصد تركيز إيران على تعليم اللغة الفارسية بوصفها الحامل لثقافتها والجسر الأبرز لتمرير مشروعها الأيديولوجي في سوريا، ومما يسرع ذلك توطئة طهران لما يمكن تسميته بمراكز التعليم البدائية والمتمثلة بالحسينيات التي يشرف عليها مبتعثون من حوزات قم".

ومضى الصحفي بالقول: "إذ يجرى فرز هؤلاء المعممين من قبل السفارة الإيرانية في دمشق إلى المركز الثقافي الإيراني ثم إلى جمعيات كشافة المهدي في دير الزور والرقة وريف حلب الشرقي وتحديدا في مدينة سفيرة".

ونوه المرسومي إلى أن "مراكز إيران لنشر التشيع تعتمد على تأثر الطفل بشكل سريع في تقبل هذه الأفكار والولاء لإيران لاحقا".

وزاد بالقول: "في قرى دير الزور تحديدا يجرى بين الفينة والأخرى إقامة معسكرات مغلقة للأطفال ولا سيما عقب إرسال المركز الثقافي الإيراني نحو 60 طفلا من أبناء دير الزور وما حولها من المناطق إلى مدينة النجف العراقية للدراسة في الحوزات العلمية، بوصفها المركز الرئيس للدراسات الشيعية".

وتابع قائلا: "بحيث يخرج الطالب ملما بالفقه الشيعي وقادرا على الترويج له كونه يدرس كتب محدد تعود لأئمة الشيعة والمؤلفين حول المذهب".

وتجري مأسسة التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا بموافقة من النظام السوري، بداية من السماح بتقوية مراكز تعلم اللغة الفارسية، وصولا إلى توقيع وزارة التربية الإيرانية مع مثيلتها في سوريا اتفاقية في 24 يناير 2020، بهدف تطوير قدرات المدرسين والمدرسات وتأهيل المدارس.

وتنشط جمعية "جهاد البناء" الإيرانية، في ترميم المدارس وروضات الأطفال والمشافي في دير الزور وحلب وحماة، بما يشجع الأهالي على إرسال أطفالهم للتعليم، ولا سيما مع تقديم ميزات للطلاب ومساعدات تغري الأهالي لإرسال أبنائهم، وخاصة مع حضور إيران العسكري في تلك المناطق على حساب النظام.

تجارب جاهزة

ويجرى تقسيم الأطفال بحسب رغبة أهاليهم إذ يميل من ينخرط في المليشيات الإيرانية أن يجري أقرباؤه من الطلاب، دورات للتدرب على السلاح، فيما يتجه آخرون لتعليم هؤلاء في الحسينيات بعيدا عن القتال.

وتركز إيران حاليا على السيطرة على الأطفال عبر ثلاث أدوات، هي التحكم بالمدارس وتغيير المناهج وعبر معسكرات التدريب.

وما يجرى في سوريا لتجنيد الأطفال ثقافيا وعسكريا، هو استنساخ للتجربة اللبنانية لـ"حزب الله"، والذي أطلقته ما تسمى جمعية "كشافة الإمام المهدي" هناك عام 2011.

ومنذ عام 2015 يتعرض الأطفال في مناطق شرق سوريا لتهديد في بنية تفكيرهم وحصرها ضمن مشاريع دخيلة.

وبدأ الأمر بما يسمى "أشبال الخلافة" التابعين لتنظيم الدولة، وانتهى عام 2017 بطرد التنظيم من الضفة اليمنى من نهر الفرات (ديرالزور- الميادين- البوكمال)، لتدشن حقبة جديدة لـ "كشافة المهدي" على يد إيران.

ونجحت طهران بتأسيس مركز كشافة المهدي في دير الزور عام 2019 من خلال المستشارية الثقافية الإيرانية التي تدس مراكز ثقافية لها في غالبية المحافظات السورية.

ويختص مركز كشافة المهدي بتقديم أنشطة اجتماعية ثقافية دينية من أساتذة إيرانيين ويستهدف الأطفال من سن الثامنة وحتى الثانية عشرة ويخدعهم بالأنشطة المحببة لهذه الفئة العمرية لتمرير الفكر الشيعي بشكل تدريجي.

وتؤكد شبكة "الشرقية 24" المحلية المعارضة لـ "الاستقلال"، أن مركز كشافة الأطفال يهدف إلى "تمرير إستراتيجية طهران الأولى في سوريا وهي بناء نفوذ مدني وسياسي يتحول مستقبلا لقوة عسكرية تساهم في بناء نظام مؤسساتي شيعي يتبع الولي الفقيه مباشرة على غرار أنصار حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن".

وأضافت الشبكة أن مليشيات زينبيون وفاطميون فتحت باب الانتساب لها من الأطفال تحت سن الثامنة عشرة حصرا في مكاتب وزعتها في دير الزور والميادين والبوكمال، وأطلقت على ذلك اسم حملة أشبال يافعة بدعم مباشر من مليشيا الحرس الثوري الإيراني.

مفاهيم القتل

ولفتت الشبكة التي تغطي أخبار ثلاث محافظات (دير الزور - الحسكة - الرقة)، إلى أن "ممارسات إيران مع الأهالي هناك ليست بريئة بل تسير ضمن الدعاية الشيعية وخطط معدة مسبقا وبحسابات دقيقة تستغل فيها طهران الخداع لسلخ فئات مغلوبة على أمرها عن جلدها السني".

واتهمت الشبكة النظام السوري بالتواطؤ بشكل مباشر مع تشييع المنطقة، والذي لا يلعب دور المتفرج فقط على جريمة نشر الأيديولوجيا الشيعية الفارسية في مناطق سُنية بل يسخر كل موارد الدولة في سعي إيران لتحقيق انتصار في معركتها الدينية التي تتزايد زخما وتوسعا.

إذ لا يخجل ملالي المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي من قولهم للشعب السوري بلغة فارسية "نحن هنا لنبقى"، تقول الشبكة.

كما أن إيران "تركز على تعزيز مفاهيم الانتقام لمقتل الحسين بن علي (ثالث أئمة أهل البيت) لدى الأطفال، وتزويدهم بملابس عسكرية وتحفيظهم شعارات تحض على الثأر والقتل خاصة من خلال القصص المؤثرة التي يجرى الترويج لها في مناسبات شيعية تشرف على إقامتها المليشيات"، وفق الشبكة.

وفي هذا الإطار، يؤكد الخبير العسكري السوري العقيد حاتم الراوي، بقوله: "لا أشك مطلقا بأن من حاكوا القصص والصور المأساوية حول مظلومية سيدنا الحسين هم عباقرة".

وأردف لـ "الاستقلال": "أذكر أننا عندما كنا أطفالا ونسمع من بعض زوار أهلي من الشيعة مثل هذه الحكايا كم كنا نتأثّر بها ونحقد على يزيد ومعاوية والأمويين، لولا أن أهلنا كانوا ينتبهون إلى هذه الناحية ويصححون لنا المعلومة".

ولفت قائلا: "الآن الأطفال وخاصة في المنطقة الشرقية من سوريا يعيشون حالة فراغٍ كامل ولا من يصحح لهم هذا التدليس من قبل المعممين الشيعة الذين جلبتهم طهران بغرض نشر التشيع".

واستدرك: "من هنا يأتي تركيز إيران على هذه الناحية الخطيرة وسنحتاج إلى سنين طويلة لإزالة هذه الفتنة من عقول هؤلاء الأطفال الذين تجندهم طهران مستغلة عوامل كثيرة عسكرية واقتصادية".

وتسعى إيران لاستكمال ترسيخ وجودها العسكري على الأراضي السورية، لاسيما وهي تمتلك نحو مئة ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا لوأد الثورة السورية عام 2012.