لعبة مصالح في إفريقيا.. هكذا أشعلت أرض الصومال تنافسا بين واشنطن وبكين
.jpg)
سلطت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية الضوء على اهتمام مجلس النواب "الكونغرس" بتحركات إقليم "أرض الصومال" ذاتي الحكم، من أجل عقد صفقة مع واشنطن لوضع حد للنفوذ الصيني بالقرن الإفريقي، مقابل إقامة علاقات دبلوماسية بين واشنطن وهرجيسا.
وقالت الصحيفة إن هذه الصفقة قد تعارض تقدم الصين بالمنطقة في وقت تُغرق الأخيرة فيه إفريقيا بمليارات الدولارات من المساعدات التنموية والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية وحتى القواعد العسكرية كالموجودة منذ 2017 في جارة الإقليم، جيبوتي.
ومنذ عام 1991، يتمتع إقليم "أرض الصومال" بحكم ذاتي، ويطالب باعتراف دولي بانفصاله الكامل عن الصومال، لكنه غير معترف به رسميا كدولة.
فيما تخشى الولايات المتحدة أن يشعل هذا الاعتراف التوترات في مناطق مضطربة تطالب بالاستقلال بمختلف أنحاء القارة الإفريقية.
عرض واضح
وقالت الصحيفة إن وفدا دبلوماسيا من أرض الصومال ضم وزير الخارجية عيسى كايد محمود، عقد اجتماعات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 مع مسؤولين أميركيين، وعرض نفسه للوكالات الحكومية والمشرعين في واشنطن كحليف إفريقي، وقدم أوراق اعتماد قوية مناهضة للصين.
وأضافت أن الإقليم أغلق الباب أمام التعاون مع بكين في يوليو/ تموز 2020 عندما وقع اتفاقية تأسيس علاقات دبلوماسية مع تايوان، في خطوة أثارت غضب الحكومة الصينية.
وأوضحت أن أرض الصومال تتمتع أيضا بإمكانيات جيوستراتيجية، خاصة موقعها على خليج عدن وميناء بربرة، حيث ضخت شركة موانئ دبي العالمية 442 مليون دولار لبناء مرفق جديد لشحن الحاويات هنام.
ونقلت الصحيفة عن "بشير غوث"، رئيس وفد أرض الصومال في مكتب غير رسمي بولاية فرجينيا الأميركية قوله: "نحن نواجه الصين ونفوذها في القرن الإفريقي ونستحق مساعدة ودعم الولايات المتحدة".
ومنتصف ديسمبر/ كانون الأول 2021، أجرى وفد من الكونغرس زيارة إلى الإقليم، وصفته صحيفة "صومالي لاند كورنيكل" المحلية بأنه "أعلى وفد أميركي يزور المنطقة منذ أكثر من عقد". وضم مجموعة بارزة من المشرعين بينهم السيناتور ليندسي غراهام.
ونقلت بوليتيكو عن بييرو توزي، كبير مستشاري السياسة الخارجية بمجلس النواب الأميركي إن "أعضاء الوفد عادوا إلى واشنطن مقتنعين بقيمة أرض الصومال للولايات المتحدة في مواجهة النفوذ الإقليمي للصين".
وأضاف: "آمل أن تبدأ الحكومة الأميركية في التعامل مباشرة مع حكومة أرض الصومال بدلا من المرور عبر مقديشو، والانضمام إلى دول مثل المملكة المتحدة وإثيوبيا والإمارات في فتح مكتب تمثيلي لها هناك".
وفي نفس الاتجاه، قال السيناتور "كريس فان هولين" عضو اللجنة الفرعية لإفريقيا بمجلس الشيوخ الأميركي: "من وجهة نظري على الولايات المتحدة أن تكون أكثر انخراطا مع أرض الصومال. ما أتطلع إليه هو افتتاح مكتب هناك يشمل بعض التمثيل الدبلوماسي وربما جهة اتصال عسكرية".
وأضاف أن "نهج الصين التجاري في القارة، وحقيقة أنها تستخدم روافعها الاقتصادية المركزية للحصول على تنازلات من هذه البلدان تجعل هذه فرصة لتوسيع الوجود الدبلوماسي للولايات المتحدة في المنطقة".
تحفظ حكومي
وأشارت الصحيفة إلى أن وزير خارجية الإقليم عيسى كايد التقى أيضا ممثلين عن وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
ونقلت عن كايد أنه توصل إلى اتفاق مع المسؤولين الأميركيين لوضع إطار للتعاون بين الجانبين يشمل السماح للوكالة الأميركية للتنمية الدولية بتشغيل عمليات المساعدات الخارجية الإقليمية من أرض الصومال، إضافة إلى "وجود" غير محدد حاليا للحكومة الأميركية في الإقليم.
ولم تكشف الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بعد عن أي خطط محتملة لاستخدام أرض الصومال كقناة لفعالياتها، فيما قالت وزارة الخارجية الأميركية إنها "أعربت في هذا الاجتماع عن استعدادها لاستكشاف فرص للتعاون مع أرض الصومال بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك"، وهو ما كرره المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية لبوليتيكو.
ووفق الصحيفة فالجهات الأميركية الثلاث أشارت إلى علاقة أرض الصومال المتوترة مع الصومال، التي لا تزال تدعي السيادة على الإقليم بعد 30 عاما من انفصاله من جانب واحد.
وأعربت الجهات الثلاث عن دعمها لـ"وحدة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية، التي تشمل أرض الصومال"، وحثت على "حل مقبول للطرفين بشأن مسألة وضع أرض الصومال".
ويعكس هذا الغموض الحساسيات الأميركية تجاه المخاوف من أن زيادة المشاركة الدولية مع أرض الصومال قد تلهم المناطق المضطربة في جميع أنحاء القارة، بما في ذلك الكاميرون وغانا وتنزانيا، لمضاعفة الجهود للسعي إلى الاستقلال، وفق تيبور ناجي، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشؤون الإفريقية.
نموذج تايوان
ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أنه بعد إبرام أرض الصومال اتفاقية علاقات ثنائية مع تايوان في يوليو 2020، فتح الباب أمام الاستثمارات والمساعدات التايوانية في الإقليم رغم تقديم بكين إغراءات لحكومة أرض الصومال، بالاستثمار في مشاريع المطارات والطرق.
لكن أرض الصومال وقفت بحزم مع تايوان وقبلت عرضها الاستثمار بأقل كثافة في "مصايد الأسماك والزراعة والطاقة والتعدين والصحة العامة والتعليم".
وعن ذلك قال وزير خارجية الإقليم كايد: "لدينا قيم وديمقراطية واحترام لحقوق الإنسان، ونريد أن ندير حكومتنا بالطريقة التي نريدها لذلك نفضل أن تكون لدينا علاقات جيدة مع تايوان بدلا من الصين وهي بلد ديكتاتوري".
ويعتبر تحالف أرض الصومال مع تايوان إستراتيجيا، فهو، وفق بوليتيكو، يسعى إلى الاستفادة من خبرة الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي منذ أكثر من خمسين عاما في إدارة العلاقات الدولية دون الحصول على مقعد بالأمم المتحدة.
وأضاف كايد أن "فلسفة العلاقة بين تايوان وأرض الصومال هي أننا في نفس القارب، كلانا نبحر معا نحو هذا الهدف المتمثل في أن نكون دولا خالية من نفوذ الصين".
وتشهد العلاقات بين الصين وتايوان توترا منذ عام 1949، عندما سيطرت قوات يقودها "الحزب القومي" على تايوان بالقوة، عقب هزيمتها في الحرب الأهلية، ودشنت الجمهورية الصينية في الجزيرة.
ولا تعترف الصين باستقلال تايوان، وتعتبرها جزءا من الأراضي الصينية، وترفض أية محاولات لسلخها عن البلاد، وبالمقابل لا تعترف تايوان بحكومة الصين المركزية.
واعتبرت بوليتيكو أنه من غير المرجح أن تحتضن الولايات المتحدة أرض الصومال باعتراف دبلوماسي كامل، لكن بالنظر إلى المنافسة الجيوستراتيجية المكثفة مع الصين في إفريقيا، فإن الوقت في صالح أرض الصومال.